Apr 27, 2021 12:42 PM
مقالات

حلم الانتظار في دولة فاشلة

كتب أديب أبي عقل في "المركزية":

لم يعد يختلف إثنان في الرأي حيال الخطوات السريعة نحو انهيار البلاد بمؤسساتها وقطاعاتها، وكيانها كدولة لها موقعها واحترامها لدى شعبها في الدرجة الأولى، ولدى محيطها القريب في الدرجة الثانية، وبين أمم الأرض والهيئات والمنظمات الدولية من جهة ثالثة.

والانهيار أو السقوط الكامل هو تماما كالمرض، له عوارضه التي تنبئ بحصوله القريب، والتي تستدعي اللجوء إلى الطبيب لوصف الأدوية اللازمة قبل استفحاله وفتكه بالجسم حيث لا يعود العلاج ينفع ويقف الطبيب عاجزا عن المعالجة والانقاذ.

ومن مظاهر الانهيار، تفكك المؤسسات تباعا، ولا سيما منها تلك الضامنة لسلامة الوطن وأمن شعبه واستقراره في شتى المجالات، وهي السلطات صاحبة القرار في إدارة الأمور والمؤسسات المتفرعة عنها، سواء في الاجراء أو التشريع أو القضاء أو القطاعات ذات الصلة بتأمين مقومات العيش الحر والكريم، وتسيير شؤون المواطنين في ظل الحرية والعدالة وتحت سقف الدستور ووفق القوانين الناظمة والمرعية.

ويترافق ذلك كله مع لغة تخاطب سياسي تلامس الاسفاف والشتم والخروج على اللياقة والمنطق والأصول، والتهرّب من مسؤولية الوصول إلى الوضع المزري وتحميلها إلى الآخرين، مصحوبة بإطلاق شعارات برّاقة تدغدغ العواطف، بما يزيد في حدة انقسام المواقف وارتداداتها السلبية على كل ما هو قائم. والمطلوب وقفة تأمّل ومراجعة الضمير والتبصّر بحكمة وروية وصفاء ذهن، والابتعاد عن الانفعال والعناد والمكابرة وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح والطموحات والمطامع الشخصية.

ومن مظاهر الانهيار أن يكون تعاطي الخارج معنا على قاعدة النصح الذي تحوّل لدى بعض أصدقاء لبنان "الحنونين" والغيورين على مصلحته إلى تأنيب وتوبيخ جراء تصرفات المكابرة والتملص من وعود قُطِعت، والتذاكي بالرهان على عامل الوقت وانتظار نتائج ما يدور حولنا من لقاءات ومفاوضات ومحاولات تفاهم دولي واقليمي على سلسلة ملفات شائكة ومواضيع صعبة، قد تشكّل بخواتيمها ونتائجها "فرصة" جديدة للمسؤولين في الداخل للبناء عليها، واستغلالها وتوظيفها في خدمة طموحاتهم وما يخططون له للمرحلة المقبلة.

ومن علامات الانهيار بعد سقوط السلطة الاجرائية في مستنقع تأليف حكومة جديدة تنهي فترة تصريف الأعمال، وتشبث المعنيين بمواقفهم، وتحوّل السلطة التشريعية إلى العمل "على القطعة" من خلال تشريع جلسات الضرورة، واسقاط السلطة القضائية وهيبتها، استفحال استباحة القوانين واستقواء القائمين بهذه الاستباحة بالحمايات العلنية للقيادات والمرجعيات التي تتقاذف الاتهامات وتنكأ الجراح في كل الاتجاهات.

ما هكذا تورد الابل، وما هكذا تنفذ الوعود التي أطلقت وتطلق عند اقتراب كل استحقاق، باستغلال صبر الناس وحصر همومهم بتأمين لقمة العيش قبل التفكير في أي شيء آخر.

فالدولة الفاشلة هي تلك التي لا تؤمن أبسط مقومات الحياة الحرة والكريمة لأبنائها.

الدولة الساقطة هي التي هرّب مسؤولون فيها أموالهم إلى الخارج، وهي أموال محجوبة عن اللبنانيين ومن ودائعهم، وليست منهوبة فحسب، من دون حسيب أو رقيب.

الدولة المفلسة هي التي لا تفي بالتزاماتها وتعهداتها لأبنائها أولا وللدول والمنظمات والهيئات الدولية، ولا سيما منها المانحة والمساعِدة ثانيا.

الدولة المارقة هي تلك التي تتنازل عن حقوقها ومواردها ولا تحضّر أساسا ملفات متكاملة تبيّن هذه الحقوق بالكامل، بما يؤكد سيادتها على أرضها ومواردها الطبيعية برا وبحرا.

الدولة العاجزة هي تلك التي لا تستطيع وقف التهريب عبر حدودها تحت نظر الداخل والخارج. حتى أن التهريب لم يعد يقتصر على آفة المخدرات، والمحروقات والمواد الغذائية، بل وصل إلى الأبقار والأغنام، مع ما يعني ذلك من انعكاس على الثروة الحيوانية والقطاع الزراعي والنقص الغذائي الأساسي.

الدولة المهترئة هي تلك التي تحللت مؤسساتها وأصبح كل مواطن فيها مرجعية نفسه، فيما مرجعية الدولة أصبحت أضغاث أحلام.

إلى أين يتجه الوضع؟ 

إلى الهاوية، وقد تخطى واقع جمهوريات الموز. وإذا لم يتدارك المسؤولون المخاطر المحدقة ويعملوا على استنقاذ ما تبقّى، مع العلم أن الأوان لم يفت بعد، على رغم صعوبة الوضع وقساوته، فبئس المصير... ولكن لا يزال هناك أمل في صحوة ضمير، قبل أن تتفاقم النقمة وينتفض مَن يحلمون بقيام دولة الحرية والعدالة والحق مجددا، ويكونوا هم فعلا خشبة الخلاص والأمل من طغمة البعض وصلفهم.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o