Feb 11, 2021 2:43 PM
اقتصاد

تقرير بنك عودة عن الفصل الرابع من العام 2020
الاقتصاد اللبناني في فخ الركود التضخمي وفي مواجهة تحديات نقدية ومالية جذرية

المركزية – أصدر بنك عودة تقريره عن الفصل الرابع من العام 2020 أوضح فيه أن "الأزمة الاقتصادية الحادة التي اندلعت منذ الفصل الأخير من العام 2019، إضافةً إلى إعلان الدولة اللبنانية عن تعثّرها عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية في الفصل الأول من العام 2020، ناهيك عن تفشي وباء كورونا والذي نجم عنه إغلاق للبلد لعدد من الأسابيع بدءاً من الفصل الثاني من العام، مروراً بانفجار مرفأ بيروت في الفصل الثالث، كلها عوامل أرخت بثقلها على النشاط الاقتصادي بشكل عام، وأدّت إلى ركود حادّ في أداء القطاع الحقيقي وتردٍّ في الأوضاع المالية والنقدية وضغوط اقتصادية واجتماعية على الأسر بشكل عام.

في الواقع، دخل الاقتصاد اللبناني في وضعية الركود التضخمي مع انكماشات صافية في معظم قطاعات النشاط الاقتصادي بالتوازي مع ارتفاع ملحوظ في معدلات تضخم الأسعار بنسب تفوق 100%. إذ أن القطاعات الدفاعية في الاقتصاد اللبناني قد بدأت تفقد زخمها، بينما دخلت القطاعات الواهنة خانة الركود. عليه، فإن هذا الوهن في الاقتصاد الحقيقي عكسه المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان، وهو متوسط مثقل لعدد من مؤشرات القطاع الحقيقي. وقد بلغ الأخير متوسطاً قدره 184 خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020، أي بتقلص سنوي نسبته 38.3% بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2019. مع الإشارة إلى أن المؤشر الاقتصادي العام كان قد سجّل متوسط نمو بنسبة 1.4% خلال الفترات المماثلة من السنوات الثلاث السابقة ومتوسط نمو نسبته 2.0% خلال الفترات المماثلة من السنوات الخمس السابقة.

إن تطور معظم مؤشرات القطاع الحقيقي قد عكس أداء المؤشر الاقتصادي العام. فمن أصل 11 مؤشر للقطاع الحقيقي، تراجعت عشرة مؤشرات بينما ارتفع مؤشر واحد خلال العام 2020 بالمقارنة مع العام 2019. من بين المؤشرات التي سجلت نسب نمو سلبية نذكر عدد السياح (-78.4%)، عدد مبيعات السيارات الجديدة (-72.0%)، عدد المسافرين عبر مطار بيروت (-71.7%)، الواردات (-48.5%)، تسليمات الإسمنت (-48.3%)، حجم البضائع في المرفأ (-30.1%)، مساحة رخص البناء الممنوحة (-20.4%)، إنتاج الكهرباء (-14.7%)، الصادرات (-6.3%) وقيمة الشيكات المتقاصة (-5.5%). أما المؤشر الوحيد الذي سجّل نمواً إيجابياً فهو قيمة المبيعات العقارية (+110.4%) في العام 2020 بالمقارنة مع العام السابق في ظل بحث المستثمرين عن ملاذ آمن.

على صعيد القطاع الخارجي، سجلت الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2020 عجزاً ملحوظاً في ميزان المدفوعات بقيمة 10.2 مليار دولار، أي ضعف العجز المسجل في الميزان خلال الفترة المماثلة من العام 2019، وفق آخر الإحصاءات النقدية والمصرفية الصادرة عن مصرف لبنان. ويأتي هذا الاتساع في عجز ميزان المدفوعات رغم تقلص العجز التجاري بنسبة 58% خلال العام الماضي، ما يدل على أن التراجع في تدفقات الأموال الوافدة إلى لبنان قد فاق ذاك المسجل على صعيد العجز التجاري.

أما على صعيد القطاع المصرفي، فإن النشاط المصرفي المقاس على أساس إجمالي الموجودات المجمّعة للمصارف العاملة في لبنان، قد تراجع بقيمة 26.5 مليار دولار، أو ما نسبته 12.2% خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2020، في حين كان قد نما بنسبة 4.1% خلال الفترة المماثلة من العام 2019 وبمتوسط نمو قدره 6.9% خلال الفترة المماثلة من السنوات الخمس السابقة. في المقابل، إن الودائع المصرفية، والتي تستحوذ على حصة الأسد من إجمالي الموجودات المصرفية في لبنان، قد شهدت تراجعاً بقيمة 19.0 مليار دولار خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2020. ومنذ بداية العام 2019، تراجعت الودائع المصرفية بمجموع تراكمي ناهز 34.4 مليار دولار، أو ما نسبته 19.7%. في موازاة ذلك، فإن التسليفات المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص والتي استحوذ تراجعها على ثلثي تقلص الودائع، قد سجلت تراجعاً بقيمة 12.7 مليار دولار في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2020. ومنذ بداية العام 2019، تقلّصت محفظة التسليفات المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص بمجموع تراكمي قيمته 22.3 مليار دولار، أو ما نسبته 37.5%.

فيما يتعلّق بأداء أسواق الرساميل اللبنانية، تعرّضت الأخيرة لضغوط جمّة في العام 2020. إذ شهدت سوق الأسهم انكماشاً في أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت بنسبة 8.9% على الرغم من التحسّن في أسعار أسهم "سوليدير"، وذلك في سياق نمو سنوي في حجم التداول بنسبة 18.6% ليبلغ 233 مليون دولار في العام 2020. في موازاة ذلك، شهدت سوق الدين ضغوطاً ملحوظة مع بلوغ أسعار سندات اليوروبوند مستويات هي الأدنى على الإطلاق في أعقاب تخلّف الدولة عن سداد الديون السيادية".

وخلص التقرير إلى الآتي: إن التحدّي الأول الذي يواجهه لبنان في العام 2021 يكمن في ضرورة وضع الشأن النقدي على المسار السليم مع تراجع احتياطيات مصرف لبنان الأجنبية السائلة إلى ما دون 18 مليار دولار وفي ظل الحاجات التمويلية الملحوظة بالعملات الأجنبية والمقدرة بحوالي 7 مليارات دولار سنوياً.

في الواقع، تواجه الدولة اللبنانية مفارقة صعبة بسيف ذو حدّين:

- إما أن تقرّر رفع الدعم، مما يعني تضخماً مفرطاً في الأسعار وضغوطاً اجتماعية واقتصادية إضافية على الأسر، حيث ستتضخّم أسعار القمح والبنزين والأدوية بنسبة 400% إذا ما احتُسبت على أساس سعر الصرف في السوق السوداء، وهذا يعني ارتفاعاً إضافياً بنسبة 100% في مؤشر أسعار المستهلكين الذي بلغ 111% على أساس سنوي في شهر كانون الأول.

- أو أن تقرّر مواصلة الدعم، ما يعني وضع احتياطيات العملات الأجنبية المطلوبة على المحك (أي أنها ستغرف من مخزون الاحتياطي الإلزامي للمصارف اللبنانية بالعملات الأجنبية والمقدّر بحوالي 17 مليار دولار) وبالتالي وضع ودائع الزبائن بالعملات الأجنبية على المحك في نهاية المطاف.

من هنا فإن السبيل الوحيد لكسر هذه الحلقة المفرغة يكمن في تأمين المساعدات الخارجية مع إرساء برنامج كامل مع صندوق النقد الدولي من قبل الحكومة العتيدة يضمن مصداقية الدولة في تنفيذ الإصلاحات الموعودة ويكون له أثر الرافعة على الدول المانحة بشكل عام.

إن بصيص الأمل الذي يبرز على هذا الصعيد يكمن في بذل الجهود لتشكيل الحكومة العتيدة، على أمل إزالة العقبات الحالية التي تواجه التشكيل، وتشكيل حكومة ذات مصداقية بشكل وشيك، وإطلاق الإصلاحات الهيكلية وبالتالي تعبيد الطريق أمام عقد مؤتمر دولي داعم للبنان.

على صعيد القطاع المصرفي، إن تحدّي العام 2021 يكمن في إصلاح القطاع المصرفي بجهود إعادة الهيكلة لتعزيز وضعيته المالية وحوكمته وقدرته على مواجهة الضغوط. المطلوب أولاً وقبل كل شيء توحيد إجراءات ضبط حركة الأموال بموجب مشروع قانون Capital Control تعدّه الحكومة العتيدة ويعتمده مجلس النواب، من أجل ضمان معاملة عادلة ومنصفة لجميع الزبائن وخفض الاستنسابية بين المصارف والحدّ من المخاطر القانونية إزاء القطاع المصرفي. ولكن إعادة الهيكلة مطلوبة أيضاً. ففي ظلّ وجود قطاع مصرفي يتجاوز 3 مرات الناتج المحلي الإجمالي، من الطبيعي القول بأن بُعد القطاع المصرفي اللبناني ضخم مقارنةً ببُعد الاقتصاد الوطني. عليه، فإن الإجراءات الاحترازية التي يفرضها المصرف المركزي فيما يتعلق بمتطلبات السيولة والرسملة من شأنها أن تقلّص عدد المصارف العاملة من خلال تصفية أو عمليات دمج، تصفية معظم المؤسسات التابعة للمصارف اللبنانية في الخارج، وتقليص حجم القطاع بالنسبة لحجم الاقتصاد تماشياً مع البلاد ذات البنى الاقتصادية المشابهة للبنان.

أما على صعيد القطاع الخارجي، فإن التحدي الأبرز في العام 2021 يكمن في تحقيق توازن في ميزان المدفوعات وذلك من خلال تخفيض حجم الواردات بشكل إضافي وزيادة الصادرات وتحفيز حركة الأموال الوافدة. من هنا أهمية إعادة إحياء قدرة لبنان على اجتذاب الرساميل عير تعزيز عامل الثقة وتحفيز الإنتاج المحلي والتصدير عن طريق دعم القطاعات ذات القيمة المضافة العالية في لبنان، ووضع القيود والرسوم على الاستيراد الذي يستنزف الموجودات الخارجية للقطاع المالي اللبناني.

على صعيد المالية العامة، ينبغي تصحيح الاختلالات القائمة على صعيد المالية العامة، علماً أن النموذج القائم حول تمويل العجز المالي العام عن طريق الودائع المصرفية غير قابل للاستدامة، إذ أن قاعدة الودائع انخفضت بمقدار 15 مليار دولار في العام 2019 وبمقدار 19 مليار دولار إضافية في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2020 ومن المرجح أن تستمر في التراجع خلال السنوات القادمة. في المقابل، إن التحويلات المباشرة من قبل مصرف لبنان لتمويل العجز المالي من شأنها أن تعزز نسب التضخم المفرط مع تجاوزها عتبة الـ100%. من هنا أهمية خفض الدولة لحاجاتها التمويلية عن طريق تعزيز الإيرادات وتحسين الجباية ومكافحة التهرّب الضريبي وخفض الإنفاق وخدمة الدين وإصلاح قطاع الكهرباء وخصخصة بعض المؤسسات العامة من أجل خفض نسب العجز والاستدانة.

وعلى صعيد القطاع الحقيقي، إن تحدّي العام 2021 يكمن في إعادة النمو الاقتصادي الإيجابي. في هذا السياق، قدّر صندوق النقد الدولي أن يكون الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في لبنان قد سجّل انكماشاً بنسبة 25% في العام 2020 وفق تقريره النصف سنوي عن آفاق الاقتصاد العالمي، أي ثالث أسوأ أداء حول العالم بعد ليبيا وفنزويلا. في الواقع، إن الناتج المحلي الإجمالي الإسمي في لبنان انكمش من 52 مليار دولار في العام 2019 إلى 19 مليار دولار في العام 2020، ما يعني تراجعاً بنسبة 64% بالقيم الإسمية، منها تقلص بنسبة 25% بالقيم الحقيقية وتراجع بنسبة 39% في أسعار السلع والخدمات بالدولار الأميركي. هذا وفي حين أن الناتج المحلي الإجمالي بالليرة قد ارتفع بنسبة 18% في العام 2020، إلا أن هذا التراجع الملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي الإسمي بالدولار يعود إلى أن الصندوق قد اعتمد متوسط سعر صرف بحدود 5,000 ليرة للدولار في عملية تحويل الناتج المحلي الإجمالي الإسمي من الليرة إلى الدولار للعام 2020 بالمقارنة مع سعر الصرف الرسمي الذي كان معتمداً خلال العام 2019 وهو السعر الرسمي أي 1,507.5. عليه، فقد تراجع الناتج المحلي الفردي في لبنان من 7,660 دولار في العام 2019 (في المرتبة 85 من بين 192 بلد حول العالم) إلى 2,745 دولار في العام 2020 (في المرتبة 135 عالمياً). إلا أنه لا يزال بالإمكان، انطلاقاً من القاعدة المتدنية للناتج المحلي الإجمالي في العام 2020، تسجيل نمو اقتصادي إيجابي في العام 2021، غير أن ذلك مشروط بتحسّن عامل الثقة بعيد تشكيل حكومة جديدة من شأنها أن تحفز الاستهلاك الخاص والاستثمار الخاص في ظل استحالة تعزيز الإنفاق العام نظراً لضرورة الإجراءات التقشفية للدولة اللبنانية بشكل عام.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o