May 06, 2020 3:27 PM
اقتصاد

التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عودة:
لتوزيع مُنصِف للخسائر الوطنية على العُملاء الاقتصاديين

 

المركزية- أظهر التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عودة حول التطورات الاقتصادية والمالية في لبنان، أن "تداعيات أزمة وباء كورونا المستجدّ وتعثّر الدولة اللبنانية في سداد مستحقاتها بالعملات الأجنبية قد أرخت بثقلها بشكل ملحوظ على الاقتصاد اللبناني بشكل عام وعلى القطاع المالي بشكل خاص. فقد توقع صندوق النقد الدولي بأن يسجل الناتج المحلي الحقيقي انكماشاً ملحوظاً هذا العام نتيجة تردّي عامل الثقة في المناخ المالي اللبناني، بالإضافة إلى تأثير وباء كورونا المستجدّ على عدد كبير من القطاعات الاقتصادية المحلية. عليه، من المرجح أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 12٪ في العام 2020، بالترافق مع نسبة تضخم في الأسعار تفوق العشرة في المئة نتيجة التفاوت بين أسعار الصرف الرسمية وتلك السائدة في السوق الموازية، ما من شأن ذلك أن يؤدي إلى ركود تضخّمي في الاقتصاد اللبناني بشكل عام".

وجاء في نَصّ التقرير: "في الواقع، لقد دخل الاقتصاد والأسواق اللبنانية مرحلة محفوفة بالمخاطر في أعقاب التطورات السياسية التي استجدّت في الفصل الأخير من العام 2019 وتفشي وباء كورونا في الفصل الأول من العام 2020. إذ شهد الاقتصاد الحقيقي انكماشات صافية في عدد من قطاعات النشاط الاقتصادي، بحيث أن القطاعات الدفاعية في الاقتصاد اللبناني قد بدأت تفقد زخمها، بينما دخلت القطاعات الواهنة خانة الركود. هذا وفي حين أن الاستهلاك الخاص لا يزال يشهد منحىً مقبولاً إلى حدّ ما، غير أن أداءه جاء أضعف من ذلك المحقق في السنوات السابقة. إلا أن أكثر ما يثقل النمو الاقتصادي هو وهن الاستثمار الخاص، لاسيما في ظل تأجيلٍ أو إلغاءٍ للقرارات الاستثمارية الخاصة. في المقابل، سجلت نسب البطالة مستويات غير مسبوقة بالتوازي مع ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع والخدمات.

في موازاة ذلك، تتزايد المخاطر على صعيد القطاعين المالي والعام. إذ سُجل ارتفاع ملحوظ في نسب المديونية والعجز المالي العام في ظل تراجع في حجم الإيرادات العامة وإفراط في الإنفاق العام وتقلّص في الناتج المحلي الإجمالي. عليه، من المرجح أن تناهز نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي عتبة الـ170%. أما فيما يتعلق بالعجز المالي العام، فقد ابتعد عن الهدف المحدّد في موازنة العام 2019 (مسجلاً نسبة 11% من الناتج في مقابل نسبة مستهدفة بحدود 7.6% من الناتج في الموازنة العامة)، في حين أن أداء المالية العامة خلال العام 2020 قد يكون أسوأ بكثير وسط تراجع ملحوظ في عملية تحصيل الإيرادات العامة. أما على صعيد القطاع المصرفي، فقد تقلّصت الودائع المصرفية بوتيرة ملحوظة، لتتراجع بقيمة 15 مليار دولار في العام 2019، مع تراجع إضافي بقيمة 9.3 مليار دولار في الفصل الأول من هذا العام، لاسيما في ظل القيود المفروضة على عمليات السحب وعلى حركة الرساميل من قبل المصارف، بالإضافة إلى احتياجات إعادة الرسملة التي تواجه المصارف اللبنانية وسط خسائر في حجم الموجودات المرتبطة بالتوظيفات السيادية، بالتوازي مع ارتفاع ملحوظ في نسبة التسليفات المشكوك بتحصيلها إلى إجمالي التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص.

على الصعيد النقدي، ارتفع سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل الدولار الأميركي بشكل ملحوظ في السوق الموازية ليقارب 4,000 ليرة لبنانية، في مقابل سعر رسمي يبلغ 1,507.5 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي. في موازاة ذلك، تراجعت الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان بمقدار ملياري دولار في الفصل الأول من العام 2020 في ظل تحويلات صافية للوفورات من الليرة إلى العملات الأجنبية وتسديد دفوعات بالعملات الأجنبية لصالح الدولة اللبنانية. وبنهاية الفصل الأول من العام الحالي، بلغت الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان 35.2 مليار دولار، بما فيها سندات يوروبوند لبنانية بقيمة 5.3 مليار دولار وديون محلية للمصارف اللبنانية بقيمة 8 مليار دولار، لتبلغ قيمة الاحتياطيات الأجنبية السائلة حوالي 22 مليار دولار.

في ما يتعلق بأداء الأسواق الرساميل اللبنانية، فقد تلقت الأخيرة ضربة مرتبطة بالتخلّف عن سداد الديون السيادية بالعملات الأجنبية. إذ ارتفع متوسط المردود على جميع سندات اليوروبوند المستحقة من 30% في نهاية العام 2019 إلى 326% في نهاية آذار 2020. واتسعت هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية من فئة خمس سنوات، وهي مقياس لنظرة السوق إلى المخاطر الائتمانية، بمقدار 2,418 نقطة أساس وذلك إلى 14,717 نقطة أساس خلال تلك الفترة. في موازاة ذلك، انخفضت أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت بنسبة 17٪ خلال الفصل الأول من العام الحالي، لكن بعض المستثمرين فضلوا الانتقال من عمليات الإيداع المصرفية إلى الأسهم العقارية مما أدى إلى ارتفاع في أسعار أسهم شركة سوليدير بنسبة 30% منذ بداية العام.

في ما يلي تحليل مفصّل لتطورات القطاع الحقيقي والقطاع الخارجي والقطاعين العام والمالي خلال الفصل الأول من العام 2020، في حين تتطرّق الملاحظات الختامية إلى تقييم أولي للخطة الاقتصادية الحكومية.

 

1- السِّمات الظرفيـّة

1-1- القطاع الاقتصادي الحقيقي

 

1-1-1- الزراعة والصناعة: استهلّ القطاعان الأولي والثانوي العام الحالي بأداء متفاوت

استهلّ القطاعان الزراعي والصناعي العام 2020 بإشارات يغلب عليها التفاوت في الأداء. فالصادرات الزراعية والصناعية قد حققت نمواً خصوصاً جرّاء الوهن النسبي للعملة الوطنية، والذي جعل السلع اللبنانية أكثر تنافسيّةً. يضاف الى ذلك أن إعادة فتح معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسورية والذي كان له تأثيراً إيجابياً على الصادرات اللبنانية، فيما سجّلت الواردات تراجعاً في ظلّ وهن الطلب المحلّي.

 

في ما يخصّ القطاع الزراعي، زادت الصادرات وانخفضت الواردات في الشهر الأول من العام 2020. فقد زادت الصادرات الزراعية بنسبة 15,0% على أساس سنوي في كانون الثاني 2020، مقابل ارتفاع بنسبة 17,6% على أساس سنوي في كانون الثاني من العام 2019. أما الواردات الزراعية فانخفضت بنسبة 7,3% في كانون الثاني المنصرم، مقابل تراجع بنسبة 16,3% في كانون الثاني 2019.

 

أما القطاع الصناعي، فقد كان التباين السمة الغالبة على أدائه، إذ انخفضت وارداته وارتفعت صادراته. ذاك أن الواردات الصناعية تراجعت بنسبة 19,3% على أساس سنوي في كانون الثاني 2020، بعد انخفاضها بنسبة 17,7% في كانون الثاني 2019. في المقابل، ارتفعت الصادرات الصناعية بنسبة 42,9% على أساس سنوي في كانون الثاني 2020 مقابل تراجعها بنسبة 18,1% في الشهر نفسه من العام 2019.

 

بالتوازي، تُظهر الأرقام المنشورة من قبل شركة "كفالات" أن القروض الممنوحة للمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة بضمانة شركة "كفالات" بلغت 5,7 مليون دولار في العام 2019، أي بتراجع نسبتُه 85,9% على أساس سنوي. في الوقت ذاته، بلغ عدد قروض " كفالات" 51 قرضاً مقابل 313 في العام 2018.

 

يبقى أن أداء القطاعين الزراعي والصناعي في لبنان يتوقف على السياسات الإقتصادية للسلطات التي يتعيّن عليها تأمين المزيد من الدعم والحوافز للإنتاج المحلّي على حساب الواردات.

 

1-1-2- البناء: تحسّن الطلب العقاري وتراجع مطّرد للعرض القطاعي  

على الرغم من الضبابيّة السياسية والإجتماعية السائدة وظهور وباء كورونا في لبنان مع نهاية شهر شباط الفائت، فقد سجّل الطلب العقاري أداءً إيجابياً في الشهرين الأولين من السنة، بعد تراجعه طيلة السنوات القليلة الماضية. وتُظهر الإحصاءات الرسميّة المتوافرة والتي تغطّي الشهرين الأولين من العام 2020 أن الأسواق العقارية شهدت ازدياداً في عدد الصفقات والمبيعات العقارية، بما يشكّل امتداداً للتحسّن المسجّل في الفصل الأخير من العام 2019.

 

فعدد المبيعات العقارية ازداد بنسبة 37,9% على أساس سنوي مرتفعاً من 7,859 عملية في الشهرين الأولين من العام 2019 الى 10,834 عملية في الشهرين الأولين من العام 2020. أما عدد المبيعات العقارية للأجانب فازداد بنسبة 11,4% على أساس سنوي ليبلغ 166 عملية في هاتين الفترتين على التوالي.

 

كذلك، ارتفعت قيمة المبيعات العقارية بنسبة 67,9% على أساس سنوي لتبلغ 1,772.8 مليون دولار في الشهرين الأولين من العام 2020، بحيث ارتفع متوسط قيمة المبيعات العقارية من 134,375 دولاراً الى 163,629 دولاراً. وقد شمل ارتفاع قيمة المبيعات العقارية كلّ المناطق، وعلى الأخصّ كسروان (+88,4%)، والمتن (+82,7%) ولبنان الجنوبي (+75,3%).

 

أما من ناحية العرض، فقد بدأ القطاع سنته الجديدة بإشارات سلبيّة، إذ بيّنت إحصاءات نقابتي المهندسين في بيروت وطرابلس أن المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة، والتي تشكّل مؤشراً على حركة البناء المستقبلية، انخفضت بنسبة 64,6% على أساس سنوي في كانون الثاني، بسبب إقدام بعض المطوّرين العقاريّين على إبطاء أو حتى إيقاف أعمال البناء في مشاريعهم.

 

ففي الواقع، بلغت المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة 178,775 متراً مربّعاً في كانون الثاني 2020، مقابل 504,819 متراً مربّعاً في كانون الثاني 2019، بعد تراجعٍ بنسبة 38,5% على أساس سنوي في كانون الثاني 2019. ويبيّن التوزّع الجغرافي لهذه الرخص أن الإنخفاض أصاب معظم المناطق، إلاّ أن بيروت والبقاع سجّلتا أعلى نسب من التراجع (-82,4% و–71,6% على التوالي) في كانون الثاني 2020. ولا يزال جبل لبنان يستأثر بحصة الأسد من مجموع مساحات الرخص الجديدة الممنوحة في كانون الثاني 2020 (35,3%)، يليه لبنان الشمالي (22,0%)، ثم لبنان الجنوبي (21,7%)، فالنبطيّة (11,7%)، فالبقاع (5,2%) وبيروت (4,2%).

 

يُضاف الى ذلك أن إحصاءات مصرف لبنان تُظهر أن كمّيات الإسمنت المسلّمة، والتي تشكّل مؤشراً ثانوياً على حركة البناء، انخفضت بنسبة 60,8% في كانون الثاني 2020 لتبلغ 85,193 طنّاً مقابل 217,379 طنّاً في الشهر ذاته من العام 2019، عاكسةً التباطؤ المتواصل لحركة البناء في لبنان.

 

من الواضح أن أزمة السيولة مهّدت الطريق أمام تحسّن الطلب العقاري، مع أن التباطؤ لا يزال قائماً على مستوى العرض في ظلّ المناخ السياسي والإجتماعي المتردّي والضبابيّة الإقتصادية السائدة في البلاد.

 

1-1-3- التجارة والخدمات: : القطاع الثالث استهلّ السنة بأداء سلبي

 

شهد قطاع التجارة والخدمات ضغوطاً كبيرة في الفصل الأول من العام 2020، مسجّلاً أداء واهناً على مستوى الحركة السياحية والفندقية. كما أنه فقد زخمه على مستوى التجارة البحرية والنقل الجوي.

 

إن تقلّص النشاط السياحي جاء انعكاساً لحركة المطار، بحسب الأرقام الرسمية التي أظهرت أن إجمالي عدد المسافرين عبر المطار انخفض بنسبة 33,6% على أساس سنوي في الفصل الأول من السنة، بسبب إغلاق البلاد إثر ظهور وباء كورونا، بحيث بلغ 1,152,104 مسافرين. وتبيّن معاينة حركة المطار أن عدد المسافرين القادمين انخفض بنسبة 36,1% وعدد المسافرين المغادرين انخفض بنسبة 31,2% ليبلغا على التوالي 535,609 مسافرين و616,495 مسافراً في الفصل الأول من السنة. أما المسافرون العابرون فانخفض عددهم من 13,636 الى 12,990 راكباً في الفترة ذاتها. ولدى احتساب هؤلاء، يكون مجموع المسافرين الذين استخدموا مطار بيروت قد بلغ 1,165,094 مسافراً، أي بتراجع نسبتُه 33,4% على اساس سنوي.

 

 كذلك انخفض عدد كلّ من الرحلات الجوية القادمة والمغادرة بنسبة 29,9% بحيث بلغ عدد الأولى 5,404 رحلات والثانية 5,401 رحلة في الفترة المعنيّة بهذا التقرير. أما حجم البضائع المشحونة جواً فقد توزّع بين 7,651 ألف طن مستورد (-42,3%) و6,514 ألف طن مصدّر (-6,3%) في الفصل الأول من العام 2020.

 

من جرّاء ذلك، وبحسب آخر تقرير لمؤسّسة إرنست إند يونغ، فإن أداء القطاع الفندقي اللبناني شهد تراجعاً في نسبة الإشغال، ومتوسط سعر الغرفة الواحدة ومتوسط مردود الغرفة المتوافرة. ففي الواقع، بلغ معدل إشغال فنادق العاصمة اللبنانية من فئتَيْ 4 و5 نجوم 28% في الشهرين الأولين من العام 2020 مقابل 65% في الفترة ذاتها من العام 2019. وسجّل متوسط سعر الغرفة الواحدة في فنادق بيروت انخفاضاً كبيراً من 192 دولاراً الى 130 دولاراً على أساس سنوي. أما متوسط مردود الغرفة الواحدة المتوافرة، فانخفض بنسبة 71,2% على أساس سنوي ليبلغ 36 دولاراً مقابل 125 دولاراً في الفترة ذاتها من العام الماضي.

على صعيد النقل البحري، شهد أداء مرفأ بيروت في الشهرين الأولين من العام 2020 هبوط معظم مؤشراته على أساس سنوي. وتبيّن آخر الإحصاءات المتوافرة أن عدد الحاويات في المرفأ انخفض بنسبة 45,4% على أساس سنوي ليبلغ 66,600 حاوية مقابل 122,073 حاوية في الفترة ذاتها من العام 2019، وأن عدد البواخر الراسية في المرفأ انخفض بنسبة 1,5% ليبلغ 260 باخرة. أما حجم البضائع في المرفأ، فانخفض بنسبة 35,9% ليبلغ 728 ألف طن في الشهرين الأولين من السنة الحالية بعد تراجعه بنسبة 16,5% في الفترة ذاتها من العام 2019.

 

أخيراً، ارتفعت القيمة الإجمالية للشيكات المتقاصة، والتي تشكّل أحد مؤشّرات الإنفاق الإستهلاكي والإستثماري في الإقتصاد اللبناني، بنسبة 28,4% على أساس سنوي في الشهرين من العام 2020. وقد بلغت هذه القيمة 12,522 مليون دولار مقابل 9,755 مليون دولار في الشهرين الأولين من العام العام 2019. أما توزّعها حسب نوع العملة، فيُظهر أن الشيكات المحرَّرة بالليرة بلغت 6,786 مليار ليرة لبنانية (+23,7%) فيما بلغت قيمة الشيكات المحرّرة بالعملة الأجنبية 8,021 مليون دولار (+31,1%). وبلغ عدد الشيكات المتقاصة 1,466,336 شيكاً مقابل 1,711,520 شيكاً في الشهرين الأولين من العام 2019، أي بتراجع نسبتُه 14,3% على أساس سنوي.

 

 1-2-  القطاع الخارجي: انخفاض عجز الميزان التجاري بنسبة 30% في كانون الثاني نتيجة تراجع الواردات بنسبة 18%    

 

تًبيّن آخر الإحصاءات الرسمية حول الفصل الأول من العام 2020 تراجعاً واضحاً للواردات بنسبة 17,8% على أساس سنوي ونمو الصادرات بنسبة 41,1%، ما أدّى الى انخفاض عجز الميزان التجاري بنسبة 29,7% في كانون الثاني 2020، وهو منحىً مستمر منذ نهاية تشرين الثاني الماضي. ولا بدّ من أن تتركّز جهود الدولة على تشجيع الإنتاج المحلّي على حساب الإستيراد، عبر تقديم حوافز للقطاعات التي تنتج سلعاً استهلاكية بديلة من الواردات وسلعاً موجّهة نحو التصدير. وعليه، انخفضت القيمة الإجمالية للصادرات والواردات بنسبة 9,3% على أساس سنوي لتبلغ 1,5 مليار دولار في كانون الثاني، بينما بلغت نسبة تغطية الواردات بالصادرات رقماً قياسياً هو 28,9%.

 

ولمزيد من التفاصيل، بلغت قيمة الصادرات 333 مليون دولار في كانون الثاني 2020 مقابل 236 مليون دولار في كانون الثاني 2019، لتسجّل أكبر نمو سنوي لها في حوالي عقد من الزمن. ويبيّن توزّع الصادرات حسب أنواع السلع والمنتجات أن أبرز الصادرات الرئيسية كانت من المجوهرات (47,7% من المجموع، بزيادة نسبتُها 101% على أساس سنوي)، تلتها الصادرات من المنتجات الغذائية والمعادن والمنتجات المعدنية (9% من المجموع لكل منهما)، ثم المنتجات الكيميائية (7,2%)، فالمعدّات الكهربائية (6,6%) والخضار (5,4%) في كانون الثاني 2020.

 

أما توزّع الصادرات حسب بلدان المقصد، فيُظهر أن سويسرا استأثرت بالحصة الكبرى من مجموع الصادرات (39,0%)، تلتها الإمارات العربية المتحدة (11,7%)، ثم المملكة العربية السعودية (6,6%)، فالعراق (3,9%) وسورية (3,6%). ونشير الى أن الصادرات البريّة عبر سورية تراجعت بنسبة 9,3% فيما ارتفعت الصادرات المرسلة عبر المطار بنسبة 78,4% وتلك المرسلة عبر مرفأ بيروت بنسبة 11,0% في الفترة ذاتها.

 

في موازاة ذلك، بلغت قيمة الواردات 1,2 مليار دولار في كانون الثاني 2020 مقابل 1,4 مليار دولار في كانون الثاني 2019. ويبيّن توزّع الواردات حسب أنواع السلع والمنتجات أن أبرز السلع المستوردة في كانون الثاني الماضي كانت المنتجات المنجميّة التي شكّلت حصتها 39,7% من المجموع (بزيادة نسبتها 74% على أساس سنوي)، تلتها المنتجات الكيميائية (10,9%)، فالمجوهرات (7,9%)، فالخضار (6,6%) والسلع الغذائية (6,2%). أما توزّع الواردات حسب بلدان المنشأ، فيُظهر أن تلك الآتية من اليونان شكّلت 9,7% من المجموع، تلتها الواردات من إيطاليا (9,1%)، ثم من تركيا (8,9%)، فمن الولايات المتحدة الإميركية (6,3%)، فالصين (5,7%) وروسيا (5,6%) والإمارات العربية المتحدة مع نسبة 5,4% من إجمالي الواردات في كانون الثاني من العام 2020.

 

1-3- القطاع العام: تهدف الخطة الإقتصادية للحكومة الى إطلاق مسار تنازلي للمديونية العامة على الأمد المتوسط

 

شهدت المالية العامة للدولة اللبنانية نمواً ملحوظاً للعجز العام بلغت نسبته 29% في الفصل الرابع من العام 2019 نتيجة التطورات السياسية والإجتماعية الأخيرة، بحيث وصلت قيمة هذا العجز الى 5,8 مليارات دولار في العام 2019، أي ما يعادل 11,3% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يفوق النسبة المستهدفة في موازنة العام 2019، والبالغة 7,6%. في موازاة ذلك، بلغ الدين العام 92,2 مليار دولار في نهاية شباط، أي بنمو نسبتُه 8,2% مقارنةً مع شباط 2019. وقد ازداد الدين العام بالليرة بنسبة 13,0% مقارنةً مع شباط 2019 ليصل الى ما يعادل 58,2 مليار دولار في شباط 2020. أما الدين العام بالعملات الأجنبية، فقد سجّل زيادة طفيفة لا تتعدّى نسبتها 0,9% مقارنةً مع شباط 2019 لتصل قيمته الى 34,1 مليار دولار في شباط 2020. في هذا السياق، وبعد تنزيل ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان والمصارف التجارية من الدين العام الإجمالي، يكون الدين العام الصافي قد ازداد بنسبة 7,8% مقارنةً مع شباط 2019 لتصل قيمته الى 82,6 مليار دولار في شباط 2020. 

 

 وبما أن وضع المالية العامة هو أبرز نقاط الضعف في بنية الإقتصاد اللبناني، فقد أضحى التصحيح المالي ضرورة ملحّة لحماية الإستقرار الإقتصادي العام. ولم يعد باستطاعة لبنان أن يحافظ على الإستقرار النقدي والمالي فيما تبلغ نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلّي 176% ونسبة العجز العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي 11%، خصوصاً وأن نموذج تمويل العجز العام القائم على نمو الودائع بات مهدّداً. والخيار الوحيد أمام الحكومة هو خفض حاجاتها التمويلية في المستقبل. بناءً عليه، يحتاج لبنان قبل كل شيء الى خطة شاملة لإدارة مديونيّة الدولة وتأمين الهبوط الآمن مع تخفيضات تدريجية للعجز العام والمديونية العامة.

 

في هذا السياق، يبدو أن خطّة الإصلاحات الإقتصادية المعدّة من قبل الحكومة تهدف الى تحقيق الهبوط الآمن في المالية العامة، من خلال تقشّف كبير في الموازنة، وتعزيز تعبئة الموارد وتحسين جباية الضرائب والرسوم وتقليص خدمة الدين وإصلاح قطاع الكهرباء من أجل تخفيض نسبة العجز العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي الى ما دون 1% وانعكاس واضح لمنحى الدين العام على المديَين القصير والمتوسط. وعليه، فإن الإستراتيجية المالية المتوسطة الأجل للخطة الإقتصادية تشتمل على إجراءات عدة لزيادة الإيرادات العامة (حتى 3.7% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2024) وعلى إجراءات لخفض النفقات الإجمالية (تمثّل 4,5% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2024).

 

من ناحية الإيرادات العامة، تهدف الخطة المعلنة الى توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين الإمتثال وجباية الضرائب والرسوم، وإلغاء الإعفاءات الضريبية على أرباح ومكاسب الرساميل في الشركات القابضة وشركات الأوفشور، وإلغاء بعض الإعفاءات على الضريبة على القيمة المضافة وتعزيز الإدارة المالية. الى ذلك، تنوي الحكومة زيادة التدقيق المالي وتعزيز جباية الدين العائد للضرائب، وملاحقة المخالفين. في مرحلة ثانية، سوف تعمل الحكومة على تحديث النظام الضريبي بمجمله لجعله أكثر عدالةً وفعاليةً. وسيتضمّن هذا التحديث إجراءات عدّة ترمي الى زيادة معدلات التكليف الضريبي للمؤسّسات تدريجياً من 17% الى 20%، والضرائب على فوائد الودائع المصرفية التي تفوق المليون دولار من 10% الى 20%، والضريبة على الأجور المرتفعة من 25% الى 30%، وعلى أرباح ومكاسب رؤوس الأموال من 10% الى 15%، والضريبة على القيمة المضافة على الكماليّات من 11% الى 15% مع تحديد سقف لسعر صفيحة البنزين قدره 25,000 ليرة لبنانية وإقرار ضريبة على صفيحة المازوت قدرها 1,000 ليرة.

 

من ناحية النفقات، تلحظ الخطة الحكومية إجراءات عدّة، لاسيّما إصلاح قطاع الكهرباء من خلال تدابير رامية الى تحسين الفعالية وزيادة الطاقة الإنتاجية والحدّ من الخسائر والتعدّيات، وزيادة التعرفات تدريجياً مع تزايد الإنتاج. الى ذلك، ترمي التدابير المرتبطة بالنفقات الى تخفيض الرواتب في القطاع العام عبر ترشيد الوظيفة العامة بهدف تحسين الأداء وخفض التكاليف، من خلال تجميد استخدام العسكريّين الموضوعين في الإحتياط ووضع شروط لترقية العسكريين الى المراكز الشاغرة، وخفض أعداد المتعاقدين بنسبة 5% سنوياً على مدى خمس سنوات، مع تجميد الرواتب الإسمية لمدة خمس سنوات. كما تلحظ الخطة خفضاً تدريجياً للنفقات المتعلّقة بمعاشات التقاعد بحيث تمثّل 2,2% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2024 بدلاً من 4,7% في العام 2019، إضافةً الى إجراءات أخرى لعصر النفقات، وعلى الأخصّ تخفيض المنح المدرسيّة، وتوحيد قيمة المنح لجميع موظفي القطاع العام وترشيد نفقات أخرى جارية للحدّ من الهدر.

 

1-4-  القطاع المالي

 

1-4-1- الوضع النقدي: الشحّ في النقد الأجنبي يؤدّي الى انهيار الليرة اللبنانية

شهد الفصل الأول من العام 2020 انخفاضاً في الاحتياطيّات الأجنبية لدى مصرف لبنان، وهبوطاً غير مسبق لسعر صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي في السوق الموازية، وأول تراجعات لمعدلات الفوائد على سندات الخزينة بالليرة في عشر سنوات.

 

فقد انخفضت الموجودات الخارجية لمصرف لبنان بقيمة 2,1 مليار دولار في الفصل الأول من العام 2020 لتبلغ 35,2 مليار دولار في آذار الماضي حسب إحصاءات مصرف لبنان. ولكن، إذا استثنينا سندات اليوروبوند السيادية الموجودة في حيازة المصرف المركزي، والمقدّرة بقيمة 5,03 مليار دولار في آذار والتسهيلات المعطاة من مصرف لبنان للمصارف التجارية، والمقدّرة بقيمة 8 مليارات دولار في الفصل الأول من السنة، تصبح الموجودات الخارجية لمصرف لبنان بقيمة 22 مليار دولار في آذار 2020، علماً أنها شهدت المزيد من التراجع في نيسان المنصرم.

 

إن الشحّ الكبير للنقد الأجنبي في النظام المالي اللبناني سبّب ضغوطاً متزايدة على سعر الصرف في السوق الموازية علماً أن تعميم مصرف لبنان الصادر بتاريخ 6 آذار 2020، والذي حدّد فارق سعر الصرف لدى الصرّافين بنسبة 30% عن السعر الرسمي، قد حاول التخفيف من هذه الضغوط. لكنّ الليرة اللبنانية سجّلت هبوطاً سريعاً تجاه الدولار الأميركي في الفصل الأول من العام 2020، فتجاوز سعر مبيع الورقة الخضراء لدى الصرّافين حاجز الــ 2,800 ليرة للدولار الواحد، للمرّة الأولى منذ آب 1992 ليصل الى 2,825 ليرة للدولار الواحد في آذار 2020. وجاء توقف لبنان عن سداد سنداته بالنقد الأجنبي للمرّة الأولى في تاريخه، يوم 9 آذار 2020، واستمرار الغموض حيال خطة إنقاذ البلاد، واشتداد التجاذبات السياسية الداخلية، وأزمة وباء الكورونا لتنضاف كلّها الى الشحّ الذي أصاب الدولار الأميركي وتولّد تدهوراً في سعر الليرة اللبنانية إزاء الدولار في نيسان 2020 بحيث بلغ سعر صرف الدولار مستوىً قياسياً جديداً هو 4000 ليرة لبنانية عند إعداد هذا التقرير. 

 

كذلك، ظلّت سوق القطع تشهد تحويلات صافية لصالح العملات الأجنبية في الفصل الأول من العام 2020، ما أبقى فائدة من يوم ليوم أعلى من 10% في معظم الأحيان، فيما تجاوزت عرضياً سقف الـ 100% قبل أن تهبط الى 3% في آذار 2020 بسبب عمليات حسم الودائع الطويلة الأجل بالليرة لدى مصرف لبنان.

 

توازياً، شهد الفصل الأول من العام 2020 أول تراجعات في سعر الفائدة على سندات الخزينة بالليرة لعشر سنوات. فقد خفّضت وزارة المالية في أواخر آذار 2020 معدلات الفائدة على سندات الخزينة من فئة 6 أشهر من 5,85% الى 4,00%، ومن فئة 3 أشهر من 7,50% الى 5,50% ومن فئة 7 سنوات من 9,00% الى 6,50%. وتبع ذلك تخفيضات متتالية في معدلات الفوائد على السندات من فئة ثلاثة أشهر وسنة واحدة وسنتين وخمس سنوات وعشر سنوات تصل الى 3% في نيسان 2020، بحيث بلغت هذه المعدلات 3,50% و4,50% و5,00% و6,00% و7,00% على التوالي.

 

بلغت الإكتتابات الإجمالية للجهاز المالي (المصارف ومصرف لبنان) بسندات الخزينة بالليرة 3,394 مليار ليرة في الفصل الأول من العام 2020 مقابل 4,515 مليار ليرة لبنانية في الفترة ذاتها من العام 2019، أي بتراجع يقارب 25,0% على أساس سنوي. وبالتوازي، واصل مصرف لبنان في الفصل الأول من السنة تأدية دور الوساطة بين الدولة والمصارف، كما يتّضح من نمو محفظته من سندات الخزينة بالليرة بقيمة 547 مليار ليرة. في الوقت ذاته، تقلّصت المحفظة الإجمالية لشهادات الإيداع بالليرة من 48,043 مليار ليرة في كانون الأول 2019 الى 46,099 مليار ليرة في آذار 2020، أي بانخفاض قدره 1,944 مليار ليرة هو الأول من نوعه منذ العام 2016.

 

في المرحلة المقبلة، تقضي الخطة الإقتصادية للحكومة بالتخلّي عن ثبات سعر صرف الليرة الذي تمّت المحافظة عليه طوال عقود (1,507 ليرات لبنانية مقابل الدولار الأميركي الواحد)، كونه أدّى الى الإفراط في تقدير القيمة الحقيقية للعملة الوطنية. وأوضحت الخطة أن توحيد سعر الصرف من شأنه أن يقدّم دعماً لإعادة تكوين احتياطيّات القطع الأجنبي ورفعه الى مستويات ملائمة، وأن يعزّز الشفافية ويحسّن السيولة في سوق القطع

 

1-4-2- النشاط المصرفي: انحسار متواصل للمخاطر في ظروف تشغيلية صعبة

ما زالت المصارف اللبنانية تعمل في ظروف تشغيلية صعبة في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعانيها البلاد، والتوتّرات السياسية والإجتماعية المتزايدة والحجر الصحي القسري الذي فرضه وباء كورونا الذي زاد تسيير الأعمال صعوبةً.

 

وقد تواصلت السحوبات النقدية من المصارف، بأحجام محدودة بالدولار، وضمن سقوف شهرية بالليرة اللبنانية أو حتى من خلال السحب من الحسابات الدائنة لتسديد الديون. وعليه، تراجعت ودائع الزبائن بنسبة 5.8% في الفصل الأول من السنة، أي بقيمة 9,3 مليار دولار وبقيمة 20,7 مليار دولار منذ أيلول 2019. ويُعزى ذلك بوجه خاص الى الودائع بالليرة اللبنانية التي استأثرت بنسبة 55% من إجمالي التراجع في الفصل الأول من السنة الجارية، تاركةً النسبة الباقية (45%) للودائع بالعملات الأجنبية. ومن جرّاء ذلك، بلغت نسبة دولرة الودائع رقماً قياسياً غير مسجّل منذ 15 سنة، قدره 77,9% في آذار 2020 مقابل 76,0% في كانون الأول 2019 وأقلّ من 70% في السنوات السابقة.

 

تجدر الإشارة إلى أن مصرف لبنان أصدر مؤخّراً بعض التعاميم الرامية الى تخفيف العبء عن المودعين في الظروف الصعبة الراهنة. أولاً، أصدر تعميماً يتيح للزبائن الذين لديهم حسابات مصرفية بقيمة تقلّ عن 5 ملايين ليرة لبنانية أو 3,000 دولار أميركي إمكانية الإستفادة لمرّة واحدة من قبض كامل رصيد الحساب نقداً وبالليرة اللبنانية حسب سعر السوق. ثانياً، أصدر تعميماً يطلب فيه من المصارف تمكين زبائنهم من أن يسحبوا شهرياً من حساباتهم الدائنة بالدولار الأميركي مبلغاً يصل الى 5,000 دولار نقداً وبالليرة اللبنانية حسب سعر السوق.

 

إن حوالي 51% من تراجع الودائع في الفصل الأول من السنة عائد الى زبائن مدينين آثروا السحب من حساباتهم الدائنة لتسديد ديونهم. وقد واصلت المصارف سياسة الحدّ من المخاطر، عبر خفض محفظتها الإجمالية من التسليفات للقطاع الخاص بسبب الأوضاع السائدة في البلاد، بما قيمته 4,8 مليار دولار في الفصل الأول من العام 2020 وبقيمة 9,5 مليار دولار منذ أيلول الماضي، أي قبل اندلاع الأزمة. وقد شكّل تراجع التسليفات بالنقد الأجنبي القسم الأكبر من إجمالي تراجع التسليفات (92%)، بحيث انخفضت نسبة دولرة التسليفات الى مستوى متدنٍّ هو 66,3% في آذار 2020.

 

في موازاة ذلك، واصلت معدلات الفائدة تراجعها للشهر الرابع على التوالي. فالواقع أن معدل الفائدة الوسطي على الودائع بالليرة، والذي كان قد سجّل مؤخّراً رقماً قياسياً هو 9,40% في تشرين الثاني 2019، انخفض الى 5,13% في آذار 2020 . كذلك، انخفض معدل الفائدة الوسطي على الودائع بالدولار من 6,31% الى 2,53% في الفترة ذاتها. توازياً، واصلت معدلات الفائدة المدينة الوسطية انخفاضها لتبلغ 9,41% على الليرة اللبنانية و9,55% على الدولار الأميركي.

 

على صعيد آخر، واصلت المصارف العاملة في لبنان عمليات البيع من محافظ سندات اليوروبوند السيادية لديها قبل أن تعلن الحكومة توقفها عن السداد في آذار الماضي. وهكذا، انخفضت محفظة سندات اليوروبوند المملوكة من المصارف بقيمة 3,0 مليار دولار في الفصل الأول من العام 2020 لتبلغ 10,8 مليار دولار في آذار الفائت. وعليه، خفّضت المصارف محافظها من سندات اليوروبوند السيادية بأكثر من 5 مليارات دولار في السنة المنصرمة. وقد شكّلت محفظة سندات اليوروبوند السيادية المملوكة من المصارف 9,2% من الودائع بالعملات الأجنبية في آذار الماضي، وهو أدنى مستوى لها منذ 22 سنة. كما شكّلت هذه المحفظة 0,52 مرّة الأموال الخاصة للمصارف في شهر آذار 2020، وهو المستوى الأدنى لها منذ العام 1998.

 

باختصار، ما زالت المصارف تعمل في ظروف تشغيلية صعبة جداً، وكل الأنظار شاخصة صوب خطة الإنقاذ الإقتصادية الحكومية التي تلحظ إعادة هيكلة القطاع المصرفي. في غضون ذلك، تواصل المصارف إجراءات الحدّ من المخاطر بهدف التخفيف من أثر الأزمة على ميزانياتها وحماية مصالح المودعين من انعكاسات تعثّر الدولة.

 

 1-4-3- البورصة وسوق السندات: تخلّف الدولة عن سداد دينها بالعملات الأجنبية أدّى الى انهيار أسعار اليوروبوند   

إن تخلّف الدولة اللبنانية عن سداد دينها بالعملة الأجنبية للمرّة الأولى في تاريخها أدّى الى هبوط حادّ في أسعار سندات اليوروبوند اللبنانية خلال الفصل الأول من العام 2020، بحيث بلغ متوسط مردود هذه السندات ذروته وسجّلت هوامش مقايضة المخاطر الإئتمانية اتّساعاً كبيراً الى حدّ بلوغها مستويات قياسية، قبل أن تجري عملية بيع بالمزاد على هذه المقايضة في نيسان 2020. كذلك، سجّلت أسعار الأسهم اللبنانية في الفصل الأول من السنة تراجعاً بمعدل يفوق العشرة في المئة لتسجّل أدنى مستوياتها في ظلّ الأزمة الإقتصادية والمالية والصحية الحادّة، فيما الأنظار كلّها شاخصة صوب الخطة الإقتصادية للحكومة.

 

كان الفصل الأول حاسماً بالنسبة الى لبنان، ذاك أن البلاد عرفت فيه أول تخلّف عن الدفع في تاريخها. فقد قرّرت الحكومة اللبنانية في 7 آذار 2020 التوقّف عن سداد سند يوروبوند بقيمة 1,2 مليار دولار أميركي يستحق في 9 آذار 2020 من أجل الحفاظ على احتياطي القطع الأجنبي المتراجع لديها. كما أعلنت السلطات أيضاً التوقّف عن دفع مجمل سندات اليوروبوند المحرّرة بالنقد الأجنبي الى أن يتمّ الاتفاق مع الدائنين على إعادة هيكلة شاملة للدين العام.

 

لقد رافق تخلّف الدولة عن الوفاء بالتزاماتها بالنقد الأجنبي تخفيضان لتصنيف لبنان السيادي من قبل وكالات التصنيف الدولية. فوكالة " ستاندارد إند بورز" خفّضت تصنيف لبنان السيادي من "CC/C" الى “SD/SD” في آذار 2020. وفي 18 آذار 2020، خفّضت وكالة "فيتش" تصنيف لبنان السيادي من "C" الى “RD”.

 

عليه، تدنّى منحنى الأسعار الى ما دون الــ20 في شهر آذار 2020، بحيث راوحت أسعار سندات اليوروبوند السيادية التي تستحقّ بين 2020 و2037 ما بين 16,0 سنتاً للدولار الواحد و19,5 سنتاً للدولار. كما أن هوامش مقايضة المخاطر الإئتمانية من فئة خمس سنوات، والتي تقيس نظرة الأسواق الى مخاطر البلد السيادية، اتّسعت كثيراً بحيث ارتفعت من 2,418 نقطة أساس في كانون الأول 2019 الى 14,717 نقطة أساس في 20 آذار 2020، قبل أن تٌجرى عملية بيع بالمزاد على هذه الأوراق. في هذا السياق، تمّ سداد مقايضة المخاطر الإئتمانية في 23 نيسان 2020، وهو التاريخ الذي بلغت فيه القيمة النهائية للسندات اللبنانية 14,125%. وهذا يعني أن المستثمرين الذين بحوزتهم حماية الدين اللبناني سوف يتلقّون 86% من القيمة التي تغطّيها هذه الأدوات، أي 215 مليون دولار أميركي. وقد ارتفع متوسط المردود المثقّل على سندات اليوروبوند اللبنانية من 30% في كانون الأول 2019 الى 326% في آذار 2020.

 

بالتوازي، غرقت بورصة بيروت تحت الخط الأحمر في الفصل الأول من العام 2020، كما يبيّنه تراجع مؤشّر أسعار الأسهم المدرجة في البورصة بنسبة 17,2% في ظلّ الأزمة الإقتصادية والمالية الحادّة، والمخاوف المتزايدة من الأثر الإقتصادي لوباء الكورونا، والمجادلات المتواصلة داخل الحكومة حول خطة إنقاذ لبنان. وقد سجّلت الأسهم المصرفية أكبر تراجع لها في الفصل الأول من السنة بحيث انخفضت أسعارها بنسبة وصلت الى 58% فيما سلكت أسهم سوليدير منحىً معاكساً لمنحى السوق. ذاك أن سعري سهميْ سوليدير من الفئتين "أ" و"ب" ارتفعا بنسبة 28,8% و29,9% على التوالي في الفصل الأول من السنة ليصلا الى 9,40 دولاراً و9,47 دولاراً على التوالي في آذار الفائت، كون بعض المستثمرين فضّلوا بيع أسهمهم المصرفية والإستثمار في أسهم عقارية.

 

وترافق تراجع الأسعار مع ازدياد تقلبيّتها، التي بلغت نسبتها 5,9% في الفصل الأول من العام 2020. وكانت هذه النسبة التي تُـقاس بنسبة الفارق المعياري للأسعار قياساً على متوسطها، قد بلغت 1,4% في الفصل الأول من العام 2019.

 

ونظراً لهبوط الأسعار ولشطب عدد من الأسهم أو عدم إدراج أسهم جديدة، فقد تراجع حجم الرسملة البورصية بنسبة 17,2% في الفصل الأول من العام 2020 بانخفاضه من 7,540 مليون دولار في كانون الأول 2019 الى ٦,٢٤٢ مليون دولار في آذار 2020. وبلغت القيمة الإجمالية لعمليات التداول في بورصة بيروت 43,2 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2020 مقابل 78,8 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2019، أي بانخفاض نسبتُه 45%، علماً أن أسهم سوليدير استأثرت بنسبة 85,6% من نشاط البورصة. ومن جرّاء ذلك، بلغت نسبة حجم التداول السنوي إلى الرسملة البورصية 2,8% مقابل 3,5% في الفصل الأول من العام 2019.

في المرحلة المقبلة، وبقدر ما تبدي الحكومة التزاماً جدّياً بمباحثات حسنة النيّة مع حاملي سندات اليوروبوند، نرى أن من شأن برنامج معدّ مع صندوق النقد الدولي أن يسهّل هذه المباحثات، إذ ستتوافر لهذا الأخير نقطة انطلاق أو ركيزة مرجعية للمفاوضات، ذات أهداف ثابتة وواضحة وإطار منهجي تستند اليه.

 

2- الخلاصة: : قراءة في خطة الإصلاح الاقتصادية للحكومة

لا شك أن خطة الإصلاح الحكومية تضمّنت بعض العناوين الإيجابية وإجراءات إصلاحية جريئة، إنما في الوقت نفسه يشوبها بعض الثغرات التي تثير التحفظات كعملية توزيع الخسائر على العملاء الاقتصاديين في المجتمع.

 

على الصعيد الإيجابي، تضمّنت الخطة إصلاحات ملموسة على صعيد المالية العامة واكبتها إجراءات موازية لتعزيز النمو وتحفيز إنتاجية الاقتصاد وتنافسيته، إضافةً إلى الشق الاجتماعي عبر تطوير شبكات الحماية الاجتماعية لحماية الطبقات الأكثر فقراً. كما أرست الخطة سيناريو هبوط آمن على صعيد المالية العامة بحيث أنها تلحظ انخفاضاً بنسبة العجز العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 11% اليوم إلى  ٠,٧% في العام 2024، عن طريق إجراءات عديدة على صعيد تعزيز الإيرادات، مكافحة التهرّب الضريبي، تخفيض الإنفاق العام، خفض خدمة الدين العام، وإصلاح النظام التقاعدي وقطاع الكهرباء والتي من شأنها أن تخفّض نسبة الدين من الناتج من 176% في نهاية العام 2019 إلى 99% في العام 2024 بحسب توقعات الخطة.

 

في المقابل، إن الخطة تعتمد على مساعدات خارجية بقيمة 10 مليار دولار إلا أن هناك بعض الشكوك حول إمكانية لبنان في استقطاب مثل هذه المساعدات. في هذا السياق، إن التعاون مع صندوق النقد الدولي يجب أن يتجاوز المشورة إلى برنامج إنقاذ شامل ينخرط فيه الصندوق من شأنه إعطاء مصداقية للمساعي الإصلاحية المطروحة وتعزيز القدرة على استقطاب المساعدات المرجوّة من الخارج. عند النظر إلى التغيير المذهل في مصر على مدى ثلاث سنوات، أي ما قبل الانخراط في برنامج صندوق النقد وما بعده، فإننا نستدرك أهمية الالتزام بالبرنامج الكامل مع صندوق النقد الدولي. نسبة النمو الاقتصادي في مصر اليوم هي الأعلى في العالم العربي (6%)، الاحتياطيات الأجنبية تضاعفت من 15 مليار دولار منذ ثلاث سنوات لتصل إلى 45 مليار دولار اليوم، نسبة التضخم انخفضت من 33% إلى ما دون العشرة في المئة. في هذا السياق، لا يمكن أن يتحقق الهبوط الاقتصادي الآمن في لبنان من دون المساعدات الخارجية وصندوق النقد بشكل خاص نظراً إلى الثغرات التمويلية الكبيرة التي أصبح لبنان يعاني منها اليوم.

 

هذا وتحمّل الخطة خسائر وطنية كبيرة إلى المصارف والمودعين بشكل أساسي. إلا أننا نعتقد أنه قبل اللجوء إلى أي إجراءات Haircut أو Bail in تطال الودائع المصرفية، ينبغي العودة إلى أساس المشكلة ألا وهي القطاع العام المُستدان بما يقارب 90 مليار دولار وانكشاف المصارف على هذا الدين العام. وبالتالي قبل التطرّق إلى إجراءات اقتطاع تطال المودعين والدائنين، فإن القطاع العام لا يزال لديه موجودات قابلة للتصفية وحجم وافر من الأملاك والعقارات والمؤسسات القابلة للخصخصة. علماً أن هذه الموجودات تغطي قسم كبير من المطلوبات عند تقييم صافي الموجودات (Net Asset Value (NAV ، فالمطلوب هنا محاكاة هذه الموجودات وإيفاء الذمم المترتّبة على الدولة اللبنانية قبل الكلام عن أي إجراءات تطال المودعين والمصارف. كما المطلوب الحفاظ على مستوى مقبول من الأموال الخاصة للمصارف الضرورية لإطلاق دورة إقتصادية جديدة.

 

من هنا، بالإمكان إنشاء صندوق سيادي يضمّ موجودات الدولة اللبنانية كضمان لعشرات المليارات من الدولارات والتي تشمل الأصول العقارية والمؤسسات القابلة للخصخصة، كمساهمة من قبل الدولة في التضحيات الوطنية الشاملة. ما من شأن ذلك أن يؤدي إلى تخفيض الدين العام، وتسديد ديون المصرف المركزي على الحكومة، ويخفّض بالتوازي ديون المصارف على مصرف لبنان وإيداعات الزبائن بأحجام مماثلة. عليه، سيكون من مقدور المودعين الإستفادة من عملية ضخٍ للسيولة من شأنها أن تحرّر بعض الودائع المجمّدة.

 

إن الهدف من أي مقترح بديل أن يتمحور حول ضمان إعادة هيكلة مستدامة للديون السيادية مع توزيع واقعي، عادل ومنصف للخسائر بين جميع العملاء الاقتصاديين في المجتمع مع الحفاظ على مقتضيات الإقتصاد الحر. بشكل أدقّ، فإن من شأن ذلك أن يساهم في (1) تخفيض الدين العام إلى مستويات مستدامة مع الحفاظ على الاقتصاد الحرّ وعلى نظام مصرفي "معاد هيكلته" بشكل سليم، (2) تحرير جزء من أموال المودعين دون التطرّق إلى إجراءات haircut أو  Bail in، (3) توزيع الخسائر الحالية بطريقة عادلة ومنصفة تظهر الجدّية وحسن النية والالتزام من قبل العملاء الاقتصاديين الأساسيين، (4) المساهمة في إعادة الثقة بالإجراءات الحكومية وبسلامة القطاع المصرفي لتعزيز القدرة على إعادة جذب الأموال إلى الاقتصاد المحلي بشكل عام".

* * *

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o