Aug 07, 2019 1:54 PM
اقتصاد

تقرير بنك عـودة عن الفصل الثاني مــن العام 2019:
تقشّف مالي وجهود إصلاحية لمواجهة المخاوف السياديّة
مكانة جيّدة للمصـارف تسمح لها بالتحرّك في مناخ صعب

المركزية- أظهر تقرير بنك عودة عن الفصل الثاني من العام 2019 أن "الاقتصاد اللبناني الحقيقي شهد مزيداً من الوهن في الأشهر القليلة الأولى من العام 2019"، وكشف أن "وتيرة التحويلات تباطأت عقب تطورات محلية هامة وإيجابية، أي تشكيل حكومة جديدة وإقرار موازنة تقشّفية طال انتظارها". وأشار إلى مكانة مالية جيّدة للقطاع المصرفي اللبناني تسمح للمصارف بالتحرّك في مناخ صعب"، مذكّراً بأن "الإحصاءات تُظهر أن العجز العام انخفض بنسبة 18,3%، متراجعاً من 2,9 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2018 الى 2,4 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019". وخَلُص إلى أن "احتمالات الشروع في إطلاق عجلة الإصلاحات باتت الآن أكثر جدّية رغم التحديات المرهونة بالتجاذبات السياسية المستمرة، مرتبط بتوفّر بُنى الحوكمة في الآونة الأخيرة".

نَصّ التقرير: وجاء في التقرير: "الاقتصاد اللبناني الحقيقي شهد مزيداً من الوهن في الأشهر القليلة الأولى من العام 2019، كما يتضح ذلك من خلال المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان، فالأخير الذي يعكس أداء نشاط القطاع الحقيقي، قد سجل متوسطاً قدره 303.4 في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019، أي بتراجع نسبته 3.5٪ بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي، وذلك في مقابل نمو إيجابي وإن واهناً خلال السنوات القليلة الماضية، مما يشير إلى أن اقتصاد القطاع الحقيقي يرزح تحت ضغوط متزايدة".

هذا الانكماش في المؤشر الاقتصادي العام لا يعني بالضرورة أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سلبي. فقد توقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 1.3% في العام 2019. رغم أن هذا الأخير يعدّ واهناً بالمقارنة مع حاجات العمالة المحلية، فهو يشير إلى أن الاقتصاد الوطني لا يزال يتجنب الوقوع في فخ الركود الذي يمكن أن يشهده في حال سُجل انكماش صافٍ أو نمو سلبي في اقتصاد القطاع الحقيقي.

وما يدعم النمو الاقتصادي هذا العام هو الاستهلاك الخاص وتحسن حركة التصدير إلى حد ما. إذ يستفيد الاستهلاك الخاص من تحسن الأداء السياحي، لاسيما في ظل رفع الحظر السعودي بحيث ارتفع عدد السياح الخليجيين بنسبة 70٪ خلال النصف الأول من العام 2019، مما أدّى إلى نمو في قيمة المشتريات المعفاة من الضريبة بنسبة 12٪ خلال هذه الفترة. كما شهدت الصادرات ارتفاعاً نسبياً هذا العام، مدفوعًا بإعادة فتح الطرق البرية عبر سوريا وسط شبه استقرار للوضع الأمني فيها.

في المقابل، إن أكثر ما يثقل النمو الاقتصادي في لبنان هو وهن الاستثمار الخاص، لاسيما في ظل تأجيلٍ للقرارات الاستثمارية الخاصة، بحيث أن المستثمرين يتردّدون في الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة في ظل الأوضاع العامة الشائكة محلياً وإقليمياً. في الواقع، إن للاستثمار الخاص تأثير مضاعف على النمو الاقتصادي، بحيث أن تباطؤ الاستثمار يؤثر بشكل ملحوظ على نشاط القطاع الحقيقي بشكل عام.

هذا وإن أداء مؤشرات القطاع الحقيقي يعكس التباطؤ في القطاع الحقيقي. فمن أصل 11 مؤشر للقطاع الحقيقي، ارتفعت أربعة مؤشرات بينما تراجعت سبعة مؤشرات خلال النصف الأول من العام 2019 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2018. ومن بين المؤشّرات التي سجّلت نمواً إيجابياً نذكر الواردات التي سجلت نمواً بنسبة 10.0%، والصادرات (+9.2%)، وعدد السياح (+8.3%) وعدد المسافرين عبر مطار بيروت (+3.5%). ومن بين المؤشرات التي سجلت نسب نمو سلبية نذكر تسليمات الإسمنت (-33.4%)، ومساحة رخص البناء الممنوحة (-30.8%)، وقيمة المبيعات العقارية (-29.6%)، وعدد مبيعات السيارات الجديدة  (-23.4%)، وقيمة الشيكات المتقاصة (-16.3%)، وحجم البضائع في المرفأ (-10.4%) وإنتاج الكهرباء (-1.4%).

على الصعيد المصرفي، أدّى تباطؤ الأداء الاقتصادي المحلي الحقيقي هذا العام، مدفوعًا بوهن الاستثمار الخاص، إلى انكماش صافٍ في محافظ التسليف المصرفي. في الواقع، تقلصت التسليفات المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص بقيمة 3.4 مليار دولار خلال النصف الأول من هذا العام في ظل ندرة فرص التسليف بشكل عام. ويأتي هذا الانكماش في حركة التسليف بالتزامن مع انخفاض في التدفقات المالية الوافدة إلى لبنان، مما أبقى الودائع المصرفية في نهاية حزيران 2019 على نفس مستواها تقريباً قبل عام (أي عند 172 مليار دولار).

أما على صعيد أسواق الرساميل، فقد شهدت أسواق الأسهم وسندات الدين مزيداً من الضغوط في النصف الأول من العام 2019. إذ ارتفع متوسط المردود المثقل على سندات اليوروبوندز بمقدار 23 نقطة أساس في النصف الأول من العام ليصل إلى 10.18%. أما هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية من فئة خمس سنوات فقد أقفلت في نهاية حزيران على 883 نقطة أساس، وذلك من 770 نقطة أساس في نهاية العام 2018. وعلى صعيد سوق الأسهم، انخفضت أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت بنسبة 9.5% في النصف الأول من العام، في حين انخفضت القيمة الإجمالية لعمليات التداول بنسبة 39% على أساس سنوي.

في ما يلي تحليل مفصل لتطورات القطاع الحقيقي والقطاع الخارجي والقطاعين العام خلال النصف الأول من العام، في حين تتطرّق الملاحظات الختامية إلى تقييم مجهري للموازنة العامة التي تمّ إقرارها مؤخرًا.

السِّمات الظرفيّة

1-1-    القطاع الاقتصادي الحقيقي

1-1-1- الزراعة والصناعة: نمو طفيف للقطاعين الأولي والثانوي

أظهر القطاعان الزراعي والصناعي في النصف الأول من العام 2019 إشارات نهوض. فقد زادت الصادرات الزراعية والصناعية خصوصاً عقب إعادة فتح معبر نصيب بين سورية والأردن، كما زادت الواردات أيضاً.

فقد زادت الصادرات الزراعية في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019 فيما تراجعت الواردات الزراعية بشكل طفيف. وبالأرقام، ارتفعت الصادرات الزراعية بنسبة 11,5% مقابل نموها بنسبة 18,5% في الفترة ذاتها من العام 2018. في حين انخفضت الواردات الزراعية بنسبة 0,4% مقابل نموها بنسبة 7,4% في الفترة ذاتها من العام 2018.

أما في ما يخصّ القطاع الصناعي، فيلاحَظ أن الواردات الصناعية زادت بنسبة 11,4% على أساس سنوي   (-4,2% في الأشهر الخمسة الأولى من 2018) وأن الصادرات الصناعية زادت بنسبة 8,8% (+9,3% في الفترة ذاتها من 2018).

وتُظهر الأرقام المنشورة من قبل شركة "كفالات" أن القروض الممنوحة للمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة بضمانة شركة "كفالات" بلغت 4,3 مليون دولار في النصف الأول من العام 2019، أي بتراجع نسبتُه 85,1% على أساس سنوي. في الوقت ذاته، بلغ عدد قروض " كفالات" 36 قرضاً مقابل 223 في الفترة ذاتها من العام 2018.

ونال القطاع الصناعي حصة الأسد من مجموع قروض "كفالات" الممنوحة في النصف الأول من السنة، أي 13 قرضاً من أصل 36 (36,1% من المجموع)، تلاه القطاعان السياحي والزراعي اللذان بلغت حصة كلّ منهما 10 قروض (27,8%)، ثم قطاع التكنولوجيا المتخصّصة الذي نال قرضَيْن اثنين (5,6%)، فالصناعة الحرفية التي لم تنل سوى قرض واحد (2,8%) في النصف الأول من العام الحالي.

ويُظهر التوزّع الجغرافي لقروض "كفالات" أن محافظة جبل لبنان نالت الحصة الأكبر من القروض (18 قرضاً أو 50,0% من المجموع)، تلتها محافظة البقاع (9 قروض أو 25,0%)، ثم محافظة بيروت (4 لكل منهما أو 11,1%)، فيما نال كل من لبنان الشمالي قرضين اثنين (5,6%) والنبطية قرضاً واحداً (2,8%).

يبقى أن القطاعين الزراعي والصناعي يمكن أن يستفيدا من إصلاحات ماكرو اقتصادية منتظرة منذ زمن طويل وأن يستقطبا، مع الوقت، مزيداً من الإستثمارات الآتية من الخارج. في موازاة ذلك، سوف يستمرّ هذان القطاعان في الإستفادة أيضاً من إعادة فتح بعض الطرق التجارية ومن جهود إعادة الإعمار المرتقبة في سورية.

1-1-2- البناء: استمرار ركود قطاع البناء في النصف الأول من العام

تواصل الأداء السلبي للقطاع العقاري طوال النصف الأول من العام 2019 مكمّلاً المنحى الذي سلكه خلال العام الماضي. ويستمرّ بطء الطلب والعرض في ظلّ استمرار تلبّد المناخ الإستثماري في البلاد.

فمن ناحية الطلب، تُظهر الإحصاءات الرسميّة أن السوق العقاري قد شهد امتداد أداء السنة الماضية، وهو لا يزال يسجّل انخفاضاً في عدد الصفقات والمبيعات العقارية. فقد انخفض عدد المبيعات العقارية بنسبة 20,1% على أساس سنوي متراجعاً من 27,472 عملية في النصف الأول من العام 2018 الى 21,957 عملية في النصف الأول من العام 2019. أما عدد الصفقات العقارية فتراجع بنسبة 15,2% ليبلغ 67,728 صفقة. يُضاف الى ذلك أن عدد المبيعات العقارية للأجانب انخفض بنسبة 17,0% ليبلغ 464 عملية في النصف الأول من العام 2019. ويعكس تراجعُ الطلب هذا الوضعَ المتردّي الذي يعانيه القطاع بسبب الضعف النسبي للقدرة الشرائية والتأخّر على مستوى القروض العقارية.

كذلك، انخفضت قيمة المبيعات العقارية بنسبة 29,6% على أساس سنوي لتبلغ 2,726.2 مليون دولار في النصف الأول من العام 2019. وقد شمل انخفاض قيمة المبيعات العقارية معظم المناطق، وبخاصة كسروان (-44,8%)، والبقاع (-38,6%)، وبعبدا (-38,4,%). على النحو ذاته، انخفض متوسط قيمة الصفقة العقارية الواحدة من 140,971 دولاراً في النصف الأول من العام 2018 الى 124,163 دولاراً في النصف الأول من العام 2019.

أما من ناحية العرض، فقد بيّنت إحصاءات نقابتيْ المهندسين في بيروت وطرابلس أن المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة، والتي تشكّل مؤشراً على حركة البناء المستقبلية، انخفضت بنسبة 30,8% على أساس سنوي في النصف الأول من العام 2019 في ظلّ التباطؤ المتواصل لحركة القطاع وفي الوقت الذي يؤخّر بعض المطوّرين العقاريّين أو يوقفوا أحياناً أعمال البناء في مشاريعهم.

في الواقع، بلغت المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة 3,477,762 متراً مربّعاً في النصف الأول من العام 2019 مقابل 5,024,281 متراً مربّعاً في النصف الأول من العام 2018. ويبيّن التوزّع الجغرافي لهذه الرخص أن الإنخفاض أصاب معظم المناطق، إلاّ أن النبطية وجبل لبنان سجّلا أعلى نسب من التراجع في هذه الفترة (-39,8% و –39,3%على التوالي).

ولا يزال جبل لبنان يستأثر بحصة الأسد من مجموع مساحات الرخص الجديدة (36,2%)، يليه لبنان الشمالي (22,0%)، ثم لبنان الجنوبي (18,4%)، فالبقاع (9,3%)، فالنبطيّة (7,9%) وبيروت (6,2%).

على النحو ذاته، تُظهر إحصاءات مصرف لبنان أن كمّيات الإسمنت المسلّمة، والتي تشكّل مؤشراً ثانوياً على حركة البناء، انخفضت بنسبة 33,4% على أساس سنوي في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019 لتبلغ 1,280,167 طنّاً مقابل 1,922,652 طنّاً في الفترة ذاتها من العام 2018، عاكسةً التباطؤ المتواصل لحركة البناء في لبنان.

من جهة أخرى، يُظهر مؤشّر أسعار السوق السكنية في بيروت، والذي تنشره شركة أرامكو، تراجعاً بنسبة 3,5% في العام 2018. كما ترسم الدراسة تطور الأسعار المعلَنة من قبل المطوّرين العقاريّين والمتعلّقة بشقق الطابق الأول خلال العام 2018. وترى أرامكو أن الأزمة الحالية للسوق العقارية جدّية، كما يثبت ذلك مؤشّر الأسعار المنشور. ذاك أن سنة 2018 هي السنة الخامسة على التوالي التي يسجَّل فيها انخفاض في الأسعار، علماً أن هذه الأخيرة عرفت في السنة الماضية تراجعاً أكبر منه في السنوات السابقة.

ونشير الى أن أرامكو نشرت دراسة أخرى تظهر أن متوسط مساحة الشقة قيد البناء في بيروت بلغ 173 متراً مربّعاً في العام 2018، أي أقلّ بنسبة 5% منه في العام 2017. وبحسب المصدر ذاته، فإن المطوّرين العقاريّين كانوا في السنوات القليلة الماضية يقلّصون باستمرار مساحة الشقق الجديدة المعروضة. ذاك أن متوسط مساحة الشقة انخفض بمقدار 79 متراً مربّعاً بين 2013 و2018، أي بما يساوي 250,000 دولار. واليوم، يبلغ متوسط مساحة شقّة مؤلّفة من ثلاث غرف نوم، بينها واحدة رئيسية، 173 متراً مربّعاً.

وعليه، تبيّن مؤشّرات القطاع تراجعات واضحة. فالصفقات العقارية تسجّل هذه السنة هبوطاً بنسبة تزيد عن عشرة في المئة، وانحسار العرض يأتي عقب انحسار مماثل على مستوى الطلب، ما يدفع الى تأجيل مشاريع البناء في مناخ استثماري راكد.

1-1-3- التجارة والخدمات: القطاع الثالث يسجّل تحسّناً في النصف الأول من العام 2019

شهد أداء القطاع الثالث تحسّناً في النصف الأول من السنة، مسجّلاً نتائج إيجابية على مستوى النشاط السياحي والفندقي والتجارة البحرية.

فأرقام وزارة السياحة تُظهر أن عدد السيّاح زاد بنسبة 8,3% في النصف الأول من العام، مقابل زيادة بنسبة 3,3% في النصف الأول من العام 2018. وبلغ عدد السيّاح 923,820 سائحاً في النصف الأول من العام 2019 مقابل 853,087 سائحاً في الفترة ذاتها من العام 2018. وقد شكّل السيّاح القادمون من البلدان العربية والأوروبية القسم الأكبر من المجموع، أي ما يعادل 35,8% (330,928 سائحاً) و32,2% (297,112 سائحاً) على التوالي.

بالتوازي، نشرت شركة غلوبال بلو ليبانون التي تسدّد قيمة الإعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة للسيّاح على النقاط الحدودية، تقريرها الأخير الذي يغطّي النصف الأول من العام الحالي. وبحسب هذا التقرير، فإن قيمة المشتريات المعفاة من الضريبة على القيمة المضافة، والتي تعطي صورة إجمالية صحيحة عن النفقات السياحية، ارتفعت بنسبة 11,5% على أساس سنوي. ويُظهر التوزّع حسب البلدان أن الحصة الأكبر كانت من نصيب رعايا المملكة العربية السعودية (15%)، تلاهم رعايا الإمارات العربية المتحدة (10%)، ثم الكويت (8%) وقطر (8%).

من جرّاء ذلك، وبحسب دراسة أجرتها مؤسّسة "إرنست إند يونغ"، تحسّن أداء القطاع الفندقي من ناحية نسب الإشغال ومتوسط سعر الغرفة الواحدة ومتوسط مردود الغرفة المتوافرة. ففي الواقع، بلغ معدل نسبة إشغال فنادق العاصمة اللبنانية من فئتَيْ 4 و5 نجوم 67,8 % في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019 مقابل 58,6% في الفترة ذاتها من العام 2018. وكان معدل نسبة الإشغال في فنادق بيروت سابع أعلى معدل بين 14 مدينة مشمولة بالدراسة. وسجّل متوسط سعر الغرفة الواحدة ارتفاعاً جيداً من 174 دولاراً الى 192 دولاراً على أساس سنوي. أما متوسط مردود الغرفة الواحدة المتوافرة، فارتفع بنسبة 27,5% على أساس سنوي ليبلغ 130 دولاراً مقابل 102 دولار.

وقد انعكس تحسّن الحركة السياحية بعض الشيء على حركة المطار بحيث أظهرت إحصاءات مديرية الطيران المدني أن العدد الإجمالي للمسافرين زاد بنسبة 3,5% في النصف الأول من العام 2019. أما عدد الرحلات عبر المطار فازداد بنسبة 0,7%، فيما تراجع حجم البضائع المشحونة جواً بنسبة 8,6% على أساس سنوي.

وتبيّن المعاينة التفصيلية لحركة المطار أن عدد المسافرين القادمين ارتفع بنسبة 2,3% ليبلغ 2,011,858 مسافراً وأن عدد المسافرين المغادرين ارتفع بنسبة 4,6% ليبلغ 1,937,997 مسافراً في النصف الأول من العام 2019، بينما ارتفع عدد المسافرين العابرين من 2,085 الى 25,675 مسافراً في الفترة ذاتها. وإذا أضفنا هؤلاء، يكون مجموع المسافرين عبر مطار بيروت قد بلغ 3,975,530 مسافراً، أي بزيادة سنوية نسبتُها 4,1%.

على صعيد النقل البحري، تدلّ آخر الإحصاءات الصادرة عن إدارة مرفأ بيروت على انخفاض ايرادات المرفأ بنسبة 14,0% في النصف الأول من العام 2019، حيث بلغت 102,1 مليون دولار. بالتوازي، انخفض عدد الحاويات بنسبة 10,5% ليبلغ 386,413 حاوية، فيما انخفض عدد البواخر الراسية في المرفأ بنسبة 6,4% ليبلغ 861 باخرة، كما انخفض حجم البضائع في المرفأ بنسبة 10,4% ليبلغ 3,511 ألف طن، بعد انخفاضه بنسبة 7,9% في النصف الأول من العام 2018.

أخيراً، انخفضت القيمة الإجمالية للشيكات المتقاصة، والتي تشكّل أحد مؤشّرات الإنفاق الإستهلاكي والإستثماري في الإقتصاد اللبناني، بنسبة 16,3% على أساس سنوي في النصف الأول من العام 2019، معبّرةً عن تراجع نسبي للإنفاق الإجمالي في الفترة المعنيّة. وقد تراجعت القيمة الإجمالية لهذه الشيكات المتقاصة من 32,844 مليون دولار في النصف الأول من العام 2018 الى 27,491 مليون دولار في النصف الأول من العام 2019.

1-2-القطاع الخارجي: نمو في حركة التجارة الخارجية نتيجة الارتفاع النسبي للصادرات والواردات 

شهدت الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019 ازدياد عجز الميزان التجاري بنسبة 10,2% نتيجة نمو كل من الواردات والصادرات. فقد زادت الوادرات بنسبة 10,0% مرتفعةً من 8,0 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2018 الى 8,8 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019. وزادت الصادرات بنسبة 9,2%، مرتفعةً من 1,3 مليار دولار الى 1,4 مليار دولار في الفترة ذاتها. في هذا السياق، ارتفعت القيمة الإجمالية للصادرات والواردات بنسبة 9,9% لتصل الى 10,2 مليار دولار في الفترة المعنيّة.

ويبيّن توزّع الصادرات حسب أنواع السلع والمنتجات أن النمو الأكبر بين الأنواع الرئيسية، على أساس سنوي، سجّلته المجوهرات (+26,2%)، تلتها الصادرات من المعدّات والمنتجات الكهربائية (+23,4%)، ثم المنتجات البلاستيكية (+2,9%)، فالمنتجات الكيميائية (+2,6%) في الأشهر الخمسة الأولى من السنة.

أما توزّع الصادرات حسب بلدان المقصد، فيُظهر أن سويسرا سجّلت النمو الأبرز بازدياد الصادرات اللبنانية اليها بنسبة 114,1% على أساس سنوي (بلغت حصتها من هذه الصادرات 14,7% من المجموع)، تلتها اليونان التي زادت صادرات لبنان إليها بنسبة 105,0%، ثم سورية (+49,3%) والإمارات العربية المتحدة (+21,7%). أما الصادرات الى تركيا فقد انخفضت بنسبة 64,2%، تلتها تلك المرسلة الى جنوب أفريقيا (-48,9%)، فإلى الكويت (-25,0%) وكوريا الجنوبية (-21,4%). تجدر الإشارة الى أن الصادرات البريّة عبر سورية شهدت نمواً كبيراً، بارتفاع قيمتها من 68 مليون دولار الى 142 مليون دولار، نتيجة إعادة فتح المعابر الحدودية البرية تدريجياً. في موازاة ذلك، ارتفعت الصادرات عبر المطار بنسبة 23,6% في الفترة ذاتها، بينما انخفضت الصادرات عبر المرفأ بنسبة 8,3%.

ويبيّن توزّع الواردات حسب أنواع السلع والمنتجات أن النمو الأبرز سجّلته المنتجات المنجميّة (+124,6% على أساس سنوي)، تلتها الواردات من الخضار (+6,7%). أما أهم الأنواع التي انخفضت وارداتها فهي المجوهرات (-32,6% على أساس سنوي)، تلتها المعادن والمنتجات المعدنية (-25,5%)، ثم السيارات والمركبات (-19,7%)، فالمعدّات والمنتجات الكهربائية (-17,3%)، فالمنتجات الكيميائية (-9,3%) فالسلع الغذائية (-3,6%) في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2018.

أما توزّع الواردات حسب بلدان المنشأ، فيُظهر أن تلك الآتية من الكويت هي التي سجّلت على أساس سنوي النمو الأبرز، بارتفاع قيمتها من 39 مليون دولار الى 373 مليون دولار، تلتها الواردات الآتية من روسيا (+181,4%)، ثم من بلجيكا (82,6%)، فمن الولايات المتحدة الأميركية (74,6%)، ومن فرنسا (31,7%) وإسبانيا (-31,3%). أما الواردات الآتية من مصر، فقد سجّلت على أساس سنوي الإنخفاض الأبرز بين السلع المستوردة من أهم شركائنا التجاريّين (-27,1%)، تلتها الواردات من إيطاليا (-21,7%)، فمن المملكة العربية السعودية (-16,1%)، ثم من الصين (-14,7%) وألمانيا (-14,1%) في الفترة المعنيّة.

أخيراً، وفي ظلّ انحسار التدفقات المالية الوافدة وازدياد عجز الميزان التجاري، سجّل ميزان المدفوعات عجزاً بقيمة 5,4 مليار دولار في النصف الأول من العام 2019 مقابل عجز طفيف بقيمة 190 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2018. ويُعزى هذا العجز الى تراجع الموجودات الخارجية الصافية لمصرف لبنان بقيمة 3,3 مليار دولار والموجودات الخارجية الصافية للمصارف بقيمة 2,1 مليار دولار في الفترة المعنيّة.

 1-3-القطاع العام: تقلّص العجز المالي العام بنسبة 18% في الأشهر الخمسة الأولى من 2019

يبدو أن سنة 2019 قد بدأت بتحسّن ملحوظ للمالية العامة اللبنانية حسب آخر الأرقام المنشورة من قبل وزارة المالية، والتي تغطّي الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019. ويأتي تقلّص العجز في ظلّ وعي متزايد من قبل أصحاب القرار السياسي للحاجة الملحّة الى تعزيز الوضع المالي واستعادة الهبوط الآمن للمالية العامة الذي طال انتظاره، في سياق تفاقم العجز العام والإستدانة العامة.

وتُظهر الإحصاءات أن العجز العام انخفض بنسبة 18,3%، متراجعاً من 2,9 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2018 الى 2,4 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2019، بسبب التراجع الملحوظ للنفقات الإجمالية بنسبة 11,2% وتراجع الإيرادات العامة بنسبة أقلّ قدرها 6,9%. أما تقلّص النفقات الإجمالية فعائد الى الإجراءات التقشّفية الصارمة التي اتّخذها أصحاب القرار السياسي قبل إقرار الموازنة. وتقلّص الإيرادات العامة عائد الى تباطؤ الإقتصاد المحلي في سياق نمو اقتصادي أضعف. ومن جرّاء ذلك، تراجع الرصيد الأولي من عجز بقيمة 354 مليون دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2018 الى عجز أقلّ قدره 38 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2019، فيما انخفضت خدمة الدين العام من 2,6 مليار دولار الى 2,3 مليار دولار في الفترة المعنيّة.

إن التراجع الواضح للنفقات الإجمالية من 7,7 مليارات دولار الى 6,9 مليارات دولار جاء في سياق تراجع نفقات الموازنة بنسبة 8,6% وتراجع نفقات الخزينة بنسبة 34,6%. ويعزى انخفاض نفقات الموازنة الى انخفاض نفقات الموازنة العامة بنسبة 8,7% في ظلّ تراجع التحويلات الى مؤسّسة كهرباء لبنان بنسبة 3,6%. أما انخفاض نفقات الخزينة، فيعود الى تراجع نفقات البلديات بنسبة 41,8%، من 379 مليون دولار الى 221 مليون دولار في الفترة المعنيّة.

في موازاة ذلك، يندرج انخفاض الإيرادات العامة من 4,8 مليار دولار الى 4,5 مليار دولار في إطار التراجع الطفيف في إيرادات الموازنة بنسبة 1,2% بالتوازي مع تراجع في إيرادات الخزينة بنسبة 58,2%. أما تراجع إيرادات الموازنة، فيعود الى انخفاض الإيرادات غير الضريبية بنسبة 9,2%، وذلك بخاصة نتيجة هبوط إيرادات قطاع الإتصالات بينما زادت الإيرادات الضريبية بنسبة 0,6% نتيجة نمو الإيرادات الضريبية المختلفة بنسبة 7,0%، في حين أن إيرادات الضريبة على القيمة المضافة والإيرادات الجمركية انخفضت بنسبة 8,5% و3,5% على التوالي.

في المقابل، بلغ الدين العام الإجمالي بلغ 85,4 مليار دولار في أيار 2019، أي بزيادة نسبتُها 3,5% مقارنةً مع أيار 2018 ومن دون أي تغيّر تقريباً منذ كانون الأول 2018. وقد ازداد الدين العام بالليرة اللبنانية بنسبة 13,7% مقارنة مع أيار 2018 لتوازي قيمته 53,2 مليار دولار في أيار 2019. أما الدين العام بالعملات الأجنبية، فقد انخفض بنسبة 9,9% مقارنةً مع أيار 2018 ليناهز 32,1 مليار دولار في أيار 2019. في هذا السياق، وبعد تنزيل ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان والمصارف التجارية من مجموع الدين العام، يكون الدين العام الصافي قد ازداد بنسبة 6,2% مقارنةً مع أيار 2018 لتصل قيمته الى 76,7 مليار دولار في أيار 2019. بناءً عليه، تقدَّر نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بـحوالى 150% في أيار 2019، وهي لا تزال أدنى من السقف التاريخي الذي بلغته عام 2006، والذي قارب 183%.

1-4-  القطاع المالي

1-4-1-   الوضع النقدي: تقلّص الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان في النصف الأول من العام قبل استعادة نموها في تموز، مع أن النشاط ظلّ لصالح العملات الأجنبية في النصف الأول من السنة، فإن وتيرة التحويلات تباطأت عقب تطورات محلية هامة وإيجابية، أي تشكيل حكومة جديدة وإقرار موازنة تقشّفية طال انتظارها. وقد تقلّصت موجودات مصرف لبنان الخارجية في النصف الأول من السنة، نتيجة سداد سندات يوروبوند وتحويلات صافية لصالح العملات الأجنبية، قبل أن تشهد هذه الموجودات قفزة في تموز، في حين واصل المصرف المركزي تأدية دور الوساطة بين المصارف وسوق السندات السيادية.

في التفاصيل، إن تشكيل حكومة جديدة في نهاية كانون الثاني 2019 وموافقة الحكومة على موازنة تقشّفية في نهاية أيار وإقرار هذه الموازنة من قبل البرلمان في شهر تموز كلّها عوامل أثارت ارتياحاً في سوق القطع ووجّهت رسالة الى المجتمع الدولي بشأن عزم لبنان على مواصلة إصلاحات اقتصادية ومالية أساسيّة. في هذا السياق، خفّت الضغوط تدريجياً على سوق القطع في النصف الأول من السنة وانحسرت موجة التحويلات القوية الى العملات الأجنبية. من جهة أخرى، سعى بعض المتعاملين في السوق الى تحويل موجوداتهم بالليرة بغية الاستفادة من معدلات الفائدة المغرية التي عرضتها المصارف التجارية على المنتجات الإدخارية بالليرة. وفي انعكاس لتراجع الضغوط على سوق القطع، انخفض معدل الفائدة من يوم ليوم (الإنتربنك) الى 6% في حزيران و5% في تموز 2019 في ظلّ انحسار أجواء عدم اليقين المحلّية.

وفي النصف الأول من العام 2019، تراجعت الموجودات الخارجية لمصرف لبنان بقيمة 3,3 مليار دولار، ذهب 2,1 مليار منها لسداد سندات يوروبوند مستحقّة، بحيث بلغت 36,4 مليار دولار في حزيران قبل أن تعود وتشهد قفزة في شهر تموز رفعتها الى 37,1 مليار دولار، بفضل عمليات جديدة قام بها مصرف لبنان وتدفقات مالية وافدة من الخارج. وعليه، انخفضت نسبة تغطية الكتلة النقدية بالليرة بالموجودات الخارجية لمصرف لبنان من 77,8% في كانون الأول 2018 الى 74,1% في حزيران 2019 قبل أن تعود وترتفع الى 75,5% في تموز الفائت.

بالتوازي، بلغت الإكتتابات الإجمالية للجهاز المالي (المصارف ومصرف لبنان) بسندات الخزينة بالليرة 8,334 مليار ليرة لبنانية في النصف الأول من العام 2019 مقابل 15,640 مليار ليرة في الفترة ذاتها من العام 2018، أي بتراجع نسبتُه 47% على أساس سنوي، ذاك أن المصارف التجارية واصلت توظيف ودائع طويلة الأجل بالليرة لدى المصرف المركزي للإستفادة من تسهيلات بالليرة بفائدة 2%. في الوقت ذاته، واصل مصرف لبنان التدخّل في السوق الأولية خلال النصف الأول من السنة بغية سدّ الفجوة بين الاكتتابات والإستحقاقات، ما أدّى الى نمو محفظة سندات الخزينة بالليرة المملوكة من مصرف لبنان بقيمة 3,565 مليار ليرة.

أخيراً، على مستوى تقلَص هامش الوساطة المصرفية، يتَضح أن نسبة اكتتابات الجمهور المباشرة بسندات الخزينة بالليرة إلى الكتلة النقدية بالليرة  M2)) ظلّت مستقرّة على 14,9% في حزيران 2019. أما على صعيد المفاعيل الإستبعادية، فقد زادت حصة الدولة من الديون المصرفية من 36,3% في كانون الأول 2018 الى 36,8% في حزيران 2019، عاكسةً بوجه خاص انحسار ميل المصارف الى إقراض القطاع الخاص المقيم.

من هنا، من الممكن أن يستفيد القطاع النقدي من تحسّن الإنطباع العام في البلاد بعد تنفيذ جملة إصلاحات اقتصادية ومالية. ومن شأن ذلك أن يؤدّي الى مزيد من انحسار الضغوط على سوق القطع وأن يتيح لمصرف لبنان تعويم احتياطيّاته بالعملات الأجنبية.

1-4-2- النشاط المصرفي: مكانة مالية جيّدة تسمح للمصارف بالتحرّك في مناخ صعب:

صحيح أن المصارف اللبنانية تواجه ظروفاً تشغيلية بالغة الصعوبة تتّسم بتجاذبات سياسية محلية وبتوتّرات جيوسياسية إقليمية ضاغطة على الحركة الإقتصادية الداخلية وعلى القدرة على توليد مداخيل مصرفية، إضافةً الى الضرائب الجديدة المؤثّرة على الربحية، إلاّ أنها لا تزال في وضعية مريحة تسمح لها بالتحرّك وسط المصاعب بدون عوائق جمّة. ويعود ذلك بخاصة الى قاعدة ودائعها الواسعة والمستقرّة، والى مكانتها المالية المريحة، والى ممارساتها المحافظة وامتثالها للمعايير الدولية، كما هو معترف لها به عالمياً.

إن المصارف العاملة في لبنان تموّل نشاطها، بوجه خاص، من خلال قاعدة ودائع عريضة ومنيعة مكوّنة من 172 مليار دولار في حزيران 2019، أي ما يوازي 67% من إجمالي موجوداتها وحوالي 300% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان. وعلى سبيل المقارنة، تبلغ نسبة الودائع إلى الناتج المحلي الإجمالي 82% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و40% في الأسواق الناشئة و52% في العالم.

إن القاعدة المصرفية الواسعة قياساً على حجم الإقتصاد المحلّي تتمخّض عن نسبة ملحوظة للذمم المصرفية إلى لناتج المحلي الإجمالي، ولو أقلّ بروزاً إثر استراتيجيّات التجميع المتّبعة حديثاً من قبل المصارف اللبنانية. فنسبة الذمم المصرفية إلى الناتج المحلي الإجمالي تقارب اليوم الـ 100% في لبنان، مقابل 58% في المنطقة و31% في الأسواق الناشئة و44% في العالم. ولمّا كانت المصارف اللبنانية تعتمد استراتيجيّات الحدّ من المخاطر في بيئة الأعمال الراهنة، فإن محفظة ديون القطاع المصرفي آخذة بالتقلّص بحيث بلغت 56 مليار دولار في حزيران 2019.

في الوقت ذاته، فإن الممارسات المحافظة للمصارف اللبنانية، ولاسيّما الإدارة الشاملة للمخاطر والتحليل الدقيق للتسليف، هي من العوامل التي ساعدتها على المحافظة على نوعيّة موجوداتٍ جيّدة (نسبة الديون المشكوك بتحصيلها إلى إجمالي الديون لا تزال دون العشرة في المئة رغم التباطؤ الإقتصادي المتمادي) وعلى مرونة مالية كبيرة وسيولة ملائمة. وتبلغ نسبة الديون المصرفية إلى الودائع 33% مقابل متوسط إقليمي قدره 71% ومتوسطات دولية بحدود 80%.

هذا يعني أن بإمكان المصارف أن تعزّز دور الوساطة المالية الذي تلعبه فور تحسّن الأوضاع، وأن تدعم القطاع الخاص بدون ضغط على ميزانيّتها. ويترافق ذلك مع نسبة سيولة أولية عالية، تغطّي أكثر من نصف قاعدة ودائعها وتحميها من أيّ تقلّص محتمل لحجم الودائع، علماً أن عمليات خروج الأموال في فترات تأزّم سابقة، لم تتجاوز 5% من قاعدة الودائع. يُضاف الى ذلك أن المصارف اللبنانية تحافظ على مستويات رسملة قوية في حال التعرّض لضغوط، وعلى نسبة ملاءة قدرها 16,6% حسب بال 3، وفق آخر الأرقام المنشورة من قبل مصرف لبنان، ومعظمها أموال خاصة من الفئة الأولى.

بالتوازي، تلتزم المصارف اللبنانية بجميع قواعد الامتثال الدولية وتنشط بقوة على صعيد مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. فالمصارف اللبنانية تعتمد سياسات وإجراءات ملائمة وضوابط بشأن الزبائن كفيلة باحترام معايير الإحترافيّة وأخلاقيّات المهنة المصرفية، وبمنع أيّ مصرف من التورّط في أنشطة غير مشروعة. كما تحافظ المصارف على علاقات متينة مع هيئات التنظيم المصرفي العالمية، وتعقد اجتماعات دورية مع هذه الأخيرة لإطلاعها على آخر التدابير المتّخذة في هذا الصدد.

باختصار، يبقى القطاع المصرفي اللبناني ركيزة أساسيّة من ركائز الإقتصاد اللبناني، وهو يثبت مناعته الدائمة في الأيام العصيبة محافظاً على مكانة مالية بارزة وعلى قدرته على تمويل الإقتصاد الحقيقي بقطاعيْه العام والخاص.

 1-4-3- البورصة وسوق السندات: انخفاض الأسعار في أسواق الرساميل اللبنانية في النصف الأول من العام

إن تباطؤ الإقتصاد الحقيقي اللبناني، والمناقشات الطويلة حول موازنة العام 2019 التقشّفية قبل إقرارها من قبل المجلس النيابي في 19 تموز الماضي، وازدياد التجاذبات الجيوسياسية الإقليمية، كلّها ألقت بثقلها على أسواق الرساميل اللبنانية في النصف الأول من السنة الجارية، في ظلّ دعوات دولية الى تنفيذ إصلاحات بنيوية مدروسة وهادفة الى استعادة الثقة، وإعادة تنشيط الاقتصاد وتشجيع الجهات المانحة والمقرضة على صرف الأموال للبنان.

ففي الواقع، شهدت سوق السندات اللبنانية مساراً تراجعياً في النصف الأول من السنة، كما يبيّن ارتفاع متوسط المردود المثقّل على سندات اليوروبوند اللبنانية بمقدار 23 نقطة أساس، من 9,95% في كانون الأول 2018 الى 10,18% في حزيران 2019. ويُعزى ذلك بخاصة الى انعكاسات التطورات على انطباع المستثمرين في سياق المناقشات الطويلة حول الموازنة، والتي ترافقت مع مظاهرات واسعة النطاق ضد السياسة الحكوميّة التقشّفية، كما يُعزى الى التجاذبات الجيوسياسية المتزايدة في المنطقة والى المخاوف المتعاظمة حيال النمو الإقتصادي العالمي جرّاء المراوحة المتمادية في ما يتعلّق بالحرب التجارية الدائرة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.

وعليه، أقفلت سندات اليوروبوند اللبنانية النصف الأول من العام بإشارة سلبية، رغم تحسّن الإنطباع العام في أواخر حزيران الماضي، بعدما أعلنت قطر عن نيّتها شراء بعض سندات يوروبوند لبنانية ضمن استثمار مقرّر بقيمة 500 مليون دولار في سندات الدين السيادي، وكرّرت وعدها الإستثماري هذا. وقد ارتفع متوسط المردود المثقّل رغم تعليقات بنك الإحتياطي الفدرالي في حزيران 2019، وبعدما كان هذا الأخير قد محا من تقريره الصادر في حزيران كلمة "صبور" وأصرّ على كونه يتصرّف كما يراه مناسباً لدعم التوسّع.

في هذا السياق، سجّلت سندات اليوروبوند السيادية التي تستحقّ بين 2021 و2025 تقلّص أسعارها بما بين 0,13 نقطة و1,50 نقطة أساس في النصف الأول من السنة، بينما ارتفعت أسعار السندات الأطول أجلاً (استحقاق ما بين 2027 و2037) بما يقارب 2,25 نقطة أساس. وترافق ذلك مع انخفاض تقلبيّة الأسعار في السوق. فاستناداً الى المردود، بلغت تقلّبية سندات اليوروبوند اللبنانية 8,1% في النصف الأول من العام 2019 مقابل 17,8% في العام 2018.

أما هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية من فئة خمس سنوات، فقد أقفلت النصف الأول من العام 2019 على 883 نقطة أساس بعدما كانت قد بلغت 921 نقطة أساس في 18 حزيران 2019، أي بزيادة قدرها 113 نقطة أساس مقارنةً مع كانون الأول 2018، تدليلاً على تردّي نظرة الأسواق الى مخاطر البلد السيادية وسط استمرار التوتّرات المحليّة.

بالتوازي، سجّلت أسعار الأسهم اللبنانية تراجعاً خلال النصف الأول من السنة، وذلك خصوصاً بسبب تباطؤ النشاط الإقتصادي، واستمرار التجاذبات السياسية المحلية وضعف الميل الى الإستثمار في البورصة بوجود فوائد مصرفية دائنة مُغرية. فمؤشّر أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت تراجع بنسبة 9,5% في النصف الأول من السنة رغم نسب التقييم المغرية، وبلغت نسبة السعر/الأرباح في بورصة الأسهم اللبنانية 6,2 مرات في حزيران 2019 مقابل متوسط إقليمي أعلى بكثير (15,1 مرة). وقد سجّلت أسعار 14 من أصل 27 سهماً مدرجاً في بورصة بيروت تراجعاً بنسب راوحت بين 0,1% و18,4% بينما ارتفعت أسعار سهمَيْن اثنين ولم تتغيّر أسعار 11 سهماً في النصف الأول من السنة. وترافق تراجع الأسعار في الفترة التي يغطّيها هذا التقرير مع انخفاض في تقلبيّة الأسعار. فهذه التقلّبية، التي تُقاس بنسبة الإنحراف المعياري للأسعار عن متوسطها، بلغت 4,2% مقابل 7,0% في العام 2018.

كذلك، اتّسم أداء بورصة بيروت بحركة أضعف في النصف الأول من العام 2019 حيث بلغت القيمة الإجمالية لعمليات التداول 103 مليون دولار مقابل 169 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2018، أي بتراجع نسبتُه 38,9%. وفي غياب أيّ عمليات إدراج أو شطب خلال النصف الأول من السنة، تراجع أيضاً حجم الرسملة البورصية بنسبة 9,5% على أساس سنوي ليبلغ 8,248 مليون دولار في حزيران 2019 مقابل 9,117 مليون دولار في كانون الأول 2018. ومن جرّاء ذلك، بلغت نسبة حجم التداول السنوي إلى الرسملة البورصية 2,5% في النصف الأول من العام 2019، وهذا أدنى مستوى لها في غضون عقد من الزمن، ما يعكس قلّة الميل الى الأسهم اللبنانية.

في الختام، إن الصرف المحتمل لأموال مؤتمر "سيدر" عقب إقرار موازنة العام 2019 التقشفيّة من قبل مجلس النواب اللبناني، من شأنه إحياء ثقة المستثمرين وإحداث أثر إيجابي على أسواق الرساميل اللبنانية.

الخلاصة: الموازنة العامة تحت المجهر:

أقرّ مجلس النواب اللبناني أخيرًا موازنة تقشفية. فقد عقد مجلس الوزراء ما يقارب من 20 جلسة تلاها 35 جلسة نيابية، خُصصت لمناقشة موازنة العام 2019، والتي تم خلالها اتخاذ تدابير صارمة. وقد أدّت من خلال تخفيض الإنفاق وزيادة الإيرادات، إلى خفض في نسبة العجز المالي العام إلى 7.5% من الناتج المحلي الإجمال كما هو مستهدف في موازنة 2019، وذلك بانخفاض عن نسبة الـ11% التي سُجلت فعلياً في العام 2018. هذا وقد خُفضت نسبة العجز المالي العام إلى الناتج بنسبة 1% عن مشروع قانون موازنة العام 2018. وبالتالي، تكون الحكومة اللبنانية قد وفت بأولى التزاماتها لمؤتمر "سيدر" الذي أوصى بخفض نسبة العجز المالي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بما يوازي 5% في غضون خمس سنوات.

هذا وتتمحور الوفورات بين الأرقام الفعلية للعام 2018 والأرقام المُدرجة في موازنة 2019 حول وفر قدره 1.7 مليار دولار، بحيث ينتقل العجز المالي العام من 6.2 مليار دولار إلى 4.5 مليار دولار. من أصل هذا الوفر، يتأتّى حوالي 600 مليون دولار عن خفض في الإنفاق و1.1 مليار دولار عن زيادة في الإيرادات، مدفوعة بضرائب جديدة بالترافق مع تحسن نسبي في عملية التحصيل.

في المقابل، كانت ردود فعل المجتمع الدولي في الإجمال مرحّبة بموازنة 2019. ففي حين لا تزال وكالات التصنيف مشكّكة إلى حد ما، إلأ أن المؤسسات المرجعية الدولية والمصارف العالمية قد رحّبت بالإصلاحات التقشفية التي تضمنتها الموازنة وبخطة إصلاح قطاع الكهرباء.

فيما يتعلق بالمؤسسات المرجعية الدولية، أشار البنك الدولي إلى إن الإصلاحات التي قامت بها الحكومة اللبنانية تسير على الطريق الصحيح، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالموازنة العامة أو بخطة إصلاح قطاع الكهرباء، على أمل أن تستمر بنفس الوتيرة في المستقبل المنظور. كما رحّب صندوق النقد الدولي بهذه الخطوات الإصلاحية الأولى نحو نمو اقتصادي أكثر استدامة والتي يجب أن تنطوي على مزيد من الإصلاحات المالية والهيكلية لتعزيز بيئة الأعمال وأسس الحوكمة في لبنان. من جهته أصدر معهد التمويل الدولي تقريراً يشير فيه إلى أنه في ظل جهود التصحيح المالي الحالي، فإن نسبة العجز المالي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ستتبع مساراً تنازلياً من 11٪ في العام الماضي إلى 1.2٪ في العام 2023، مع انخفاض في نسبة الدين العام إلى الناتج من 150٪ إلى 130٪ خلال نفس الفترة.

وفيما يتعلق بالمصارف العالمية، أصدر مصرف "مورجان ستانلي" تقريراً يشير فيه إلى أنه من المرجح أن تتم معالجة المخاوف المرتبطة بالمالية العامة بشكل جزئي، والأهم من ذلك أنه في حال مهدت اقتراحات الموازنة الجديدة الطريق أمام صرف بعض التزامات مؤتمر "سيدر" البالغة 11 مليار دولار، فإن الأسواق المالية من شأنها أن تتلقف الأمر بشكل إيجابي. بناءً على ذلك، فإن "مورجان ستانلي" لم يعد يتأبّى التوظيف في سندات اليوروبوندز اللبنانية خاصةً بالأسعار الحالية، مما أدّى إلى تغيير توصياتهم من سلبي إلى محايد. كما أصدر مصرف "ميريل لينش" تقريراً أشار فيه إلى أن موازنة 2019 تبشّر ببدايةٍ لعملية التصحيح المالي لسنوات قادمة في ظل الجدّية في التعاطي مع هذا الملف الملحّ، ناهيك عن أن هذه الموازنة قادرة على تحقيق خفض في نسبة العجز المالي العام بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الثاني من العام الحالي، بما يتماشى مع الالتزامات المطلوبة من قبل الحكومة اللبنانية تجاه الجهات المانحة، في حين أن المزيد من الإصلاحات المالية متوقعاً في العام 2020 بالتوازي مع إصلاح قطاع الكهرباء. من جهته، أشار مصرف "جيه بي مورغان" إلى أن موازنة 2019 تعزّز الآمال في معالجة الاختلالات القائمة، دون وجود صعوبات في تمويل عجز الموازنة، لكن المصرف توقع أن تبقى الاحتياطيات الأجنبية ترزح تحت الضغوط مع توقعات بالحفاظ على استقرار سعر صرف العملة الوطنية بالمدى المنظور.

وفيما يتعلق بوكالات التصنيف الدولية، فقد ذكرت وكالة "ستاندرد أند بورز" أن موازنة 2019 ليست كافية لاستعادة الثقة، إذ أن الإنحراف عن الهدف الجديد يمكن أن يحدث خاصةً وأن أي تدابير لخفض الإنفاق لن تنفّذ إلا في النصف الثاني من العام. كما ذكرت وكالة "موديز" أن مشروع الموازنة يستعيد الفائض الأولي في المالية العامة لكن مسار نسب المديونية لا يزال يشوبه تحديات. وفي الإطار ذاته، صدر عن وكالة "فيتش" تقريراً أشارت فيه إلى إنه قد يكون هناك بعض التأثير الإيجابي على المناخ العام ولكن الوكالة ترغب في رؤية بعض النتائج الملموسة بغية أن يكون للموازنة تأثير مستدام على عامل الثقة. كما أشارت الوكالة إلى أنه يتطلب المزيد من الإصلاحات المالية والهيكلية لكبح نمو نسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.

في هذا السياق، فإن تقييمنا الختامي يشير إلى أنه وعلى الرغم من الاختلالات القائمة في لبنان، لاسيما على مستوى القطاعين الخارجي والمالي العام، فإننا نعتقد أن المخارج لا تزال متوفرة وأن سيناريو الهبوط الآمن في المالية العامة لا يزال ممكناً إذا ما تم اتخاذ تدابير وخيارات اقتصادية صارمة، وأولى الإشارات قد بدأت بالظهور مع موازنة 2019 وخطة إصلاح قطاع الكهرباء. وبالتالي، مع تطبيق الإصلاحات الملحّة بشكل ملائم، يستطيع لبنان أن ينتقل إلى حقبة الاحتواء التدريجي للمخاطر والتهديدات الكامنة كشرط أساسي لتحقيق النهوض الاقتصادي المنشود في المدى المتوسط والطويل.

في الختام، ما يجعلنا نعتقد بأن احتمالات الشروع في إطلاق عجلة الإصلاحات باتت الآن أكثر جدّية رغم التحديات المرهونة بالتجاذبات السياسية المستمرة، مرتبط بتوفّر بُنى الحوكمة في الآونة الأخيرة لاسيما أنه لم يعد يوجد شغور وخروق شرعية في بنى الحوكمة العامة. في الواقع، لم يعد هناك شغور في موقع رئاسة الجمهورية، كما بات هناك حكومة وحدة وطنية ومجلس نيابي منتخب حديثًا يقوم بمهامه التشريعية بكل فعالية، ناهيك عن إقرار قانون موازنة يشرف على تنظيم حسابات الدولة بعد 12 عامًا من غيابٍ للموازنات العامة، إضافةً إلى تجديد ولاية حاكم مصرف لبنان. عليه، فإن أطر الحوكمة تلك تعزّز القدرة على الشروع في تطبيق الإصلاحات التي طال انتظارها، خاصةً أنه بات هناك إدراك متزايد من قبل جميع الأطراف السياسية للحاجة الملحّة إلى المضي قُدماً في هذا الاتجاه الإصلاحي من أجل تجنيب لبنان تجرّع الكأس المريرة في الأفق بشكل عام".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o