Apr 24, 2019 2:41 PM
اقتصاد

السنيورة ممثلاً الحريري في مؤتمر توفير فرص عمل للشباب:
الاصـلاح لا يكون بإطلاق التهم الفضائحية وادعاء الطهرانية
ويجـب ان تتوافر لنجاحــه الإرادة الحازمــة والملتـزمة

المركزية- اعتبر الرئيس فؤاد السنيورة "ان الإصلاح ليس إلقاء لقصيدة حماسية تُلقى من على المنابر لاستثارة اهتمام وتأييد الجماهير، ولا يكون بإطلاق التهم الفضائحية وادعاء الطهرانية. بل هو فعلُ إيمان والتزامٍ ورؤية واضحة وعمل مثابر. وهو رحلة مستمرة لا يجوز لها ان تنقطع او تتوقف. وهو ايضاً إثبات للذات وللمعنى والجدوى والفعالية. وهو طريق موحشة لقلة روّادها وسالكيها. وهو عملية متكاملة لأنه لا يتعلق بجانب دون آخر من اعمال الدولة. وبالتالي لا يكفي الحديث عن الإصلاح لكي يتحقق او لتتمَّ محاربة الفساد. بل ينبغي ان تتوافر لنجاحه الإرادة الحازمة والملتزمة والصبر على المعاناة والشدائد وان يتوفر مع ذلك القرار السياسي الجامع".

كلام السنيورة جاء خلال تمثيله رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري  في مؤتمر توفير فرص العمل للشباب اللبناني في سوق العمل المحلي والدولي والخليجي: التحديات والحلول المستدامة" الذي عقد في السراي الكبير. وقال "انه لأمر بالغ الدلالة ان يستضيف السراي الكبير هذا المؤتمر المهم الذي يعقد برعاية رئيس الحكومة سعد الحريري رغم ما يتعرض له لبنان من صعوبات سياسية واقتصادية، وما يعانيه من التجاذب والضغوط الإقليمية والدولية التي تمتد آثارها السلبية إلى عمق البنية اللبنانية.

نحن اليوم امام عصر جديد يشهده العالم وتشهده منطقتنا العربية، وهو عصر الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي الآخذ بالتطور بوتيرة متسارعة وغير مسبوقة في تاريخ البشرية. انه عصر التطور التكنولوجي الذي يسابق ويسبق قدرة مجتمعاتنا العربية بل والمجتمعات الأخرى على مواكبته والتكيف مع ادواته وآليات عمله بطريقة متكافئة ومتناغمة. وذلك لأن اللحاق بذلك الركب المتسارع يشترط إيجاد الهيكلية والبنية الاقتصادية التحتية والفوقية الضرورية التي تسمح لمخرجات التعليم الأكاديمي والتقني، كذلك لعمليات التمكين وإعداد الشابات والشبان اللبنانيين على مواجهة تحديات هذه المرحلة والتلاؤم مع حركتها السريعة ومع نتائجها".

اضاف "تتبنى الدول برامج الإصلاح، التي هي بحاجة ماسة إليها، وتبادر إلى تنفيذها عندما تكونُ قادرةً عليها، وليس عندما تصبح مجبرة على تنفيذها. عندها تكون العملية الإصلاحية اصبحت اكثر تعقيداً واكثر إلحاحاً، لكن عندها ايضاً يكون تنفيذُها اصبح اكبر كلفة واكثر وجعاً وإيلاماً، كذلك ايضاً ربما تصبح العملية الإصلاحية اكثر عرضةً للأخطاء، وربما قد لا تعود عندها كافيةً لتأدية الغرض الذي تتوخاه الدولة لتحقيق النهوض والاستقرار والازدهار، وهو الحال الذي اصبحنا عليه اليوم وياللأسف في لبنان".

واشار الى "ان لبنان اهدر موارد ووقتاً وفرصاً ثمينة، وفقد شهداء اعزاء، وتصدعت دولته. ويعود قسم كبير من ذلك لسبب ارتهان كثير من القوى السياسية لنزاعات طائفية ومذهبية وارتباطات خارجية فأصبح القانون ذا طبيعة استنسابية. اما الدستور فقد ادخل مرّات كثيرة إلى غيبوبة قسرية طويلة بحيث صارت استحقاقاته مرهونة بالنتائج المسبقة وبفرضها على اكثرية اللبنانيين الذين يضطرون للرضوخ بسبب الاختلال الفادح في ميزان القوى حيث للسلاح الكلمة العليا، كذلك للهيمنة التي ادت بلبنان إلى هذه الفوضى وهذا التسيب".

واعتبر الرئيس السنيورة "ان هذا الوضع الذي آلت إليه البلاد وما اصبح عليه اللبنانيون من تراجع وانقسام وخلاف وممارسات وتصرفات شعبوية ادى إلى زيادة حدّة تراجع دور الدولة وانحسار سلطتها وتراجع هيبتها، وتدني مستويات ثقة اللبنانيين فيها وبالأحزاب السياسية والطائفية. من جانب آخر، تتصاعد الشكوى من تراجع الأحوال الاقتصادية منذ اكثر من ثماني سنوات، ومنذ العام 2011. إذ انخفضت خلالها معدلات النمو الاقتصادي إلى واحد بالمائة سنوياً بعد ان كانت قد حققت قفزة كبيرة خلال السنوات 2007- 2008- 2009- 2010، إلى نحو ثمانية بالمائة سنوياً، ويستمر ذلك الركود الاقتصادي في خضم تفاقم العجوزات في الموازنة والخزينة والميزان الأولي من جهة، والعجز في ميزان المدفوعات من جهة اخرى مما اسهم في وصول الأحوال العامة إلى وضع لم تعد تنفع معها عمليات المداواة بالمراهم لتلك الاختلالات الكبرى، ولا تجدي معها اساليب التصاريح الفضائحية التي لا تسهم في استعادة الدولة من براثن الذين مازالوا مستمرين في اختطافها والتحكم بها، بل تسهم في زيادة حدّة التعقيد لتلك المشكلات".

واكد "ان الفرصة مازالت مُتاحةً امام لبنان واللبنانيين للخروج من هذه المآزق المتّسعة والمتوسعة، وذلك بالعودة إلى القيام بتصويب البوصلة الوطنية الداخلية وبوصلة السياسة الخارجية وايضاً المسارعة إلى اعتماد السياسات والإجراءات الصحيحة لمعالجة الأمور المتعلقة بإدارة الشأن العام في البلاد، ومنها ما يتعلق بالأمور الاقتصادية والمالية والإدارية، لكي تتحسّن المُناخات الاستثمارية بما تُسهم بدورها في تمكين الاقتصاد اللبناني وماليته العامة من البدء باستعادة العافية والنمو والاستقرار نحو مسارات مستدامة، وبما ينعكس إيجاباً على فرص العمل الجديدة للشابات والشبان اللبنانيين".

ونبّه الى "ان لم يعد من الممكن ان تقتصر المعالجات المطلوبة على الإجراءات المالية والإدارية فقط، وكلاهما ضروري لكن للإسهام مع بقية المعالجات الوطنية والسياسية في إحداث الصدمات الإيجابية المطلوبة. فالحقيقة انه لم يعد هناك من دواء واحد يستطيع تحقيق المعالجة المستدامة للمشكلات المعقدة والمتشابكة التي اصبحت تعاني منها الدولة اللبنانية وإداراتها واقتصادها وماليتها العامة".

ولفت الى "ان سلوك طريق المعالجات الصحيحة للمشكلات يقتضي بدايةً التوقف عن التفتيش عن الحلول في المكان الخطأ، او اقتصار التفتيش على مكان واحد فقط، بينما تبقى الأمكنة الأساسية الأخرى التي ينبغي تسليط الضوء على المشكلات التي تتسبب بها واستخلاص الدروس اللازمة منها، ولاسيما بما يتعلق بممارسات اختطاف الدولة اللبنانية واستتباعها وتقاسمها من قبل الأحزاب الطائفية والمذهبية والميليشياوية. في ضوء ذلك، يمكن تحديد البرامج الإنقاذية الواجب اعتمادها. وبالتالي يمكن بل تجب العودة إلى تصويب البوصلة نحو التصدي للمشكلات التي تنهش في جسم الدولة وتمسُّ المبادئ والقيم التي تجمع اللبنانيين ويفترض بها ان تكون بالنسبة لهم من المسلمات. ان العودة إلى الالتزام بتلك المبادئ والقيم يسهم في الوصول إلى نقطة بداية استعادة ثقة المواطنين اللبنانيين والمجتمَعَيْنِ العربي والدولي بالدولة اللبنانية".

وشدد الرئيس السنيورة على "ان الخروج من هذه المآزق المتكاثرة على لبنان واللبنانيين مازال ممكناً. والقسم الأكبر من القرارات التي تتطلبها معظم الحلول المطروحة بأيدي اللبنانيين قبل ان تكون بأيدي غيرهم. ويقتضي ذلك المبادرة إلى القيام بتصحيح الخلل المتفاقم في التوازن الداخلي، وذلك انطلاقاً من الإيمان والعودة إلى:

1-الالتزام الفعلي وليس الكلامي باتفاق الطائف والدستور نصّاً وروحاً، إذ ليس مقبولاً ان يقول احدهم اننا: "نعدل الدستور بالممارسة".

2-الالتزام بتطبيق القوانين الصادرة، إذ لم يعد من الممكن القبول بما يقوله بعض الوزراء ان بعض القوانين لا تعجبهم. لذلك فإنهم لا يريدون تطبيقها او الالتزام بها.

3-الالتزام بتحرير الدولة من الأسر والاختطاف الذي تمارسه عليها الدويلات كبيرها وصغيرها. وبالتالي التأكيد على استعادة الدولة القادرة، والعادلة، والحيادية في علاقتها مع كافة الأطراف السياسية لدورها وصلاحياتها وسلطتها الكاملة على كافة مرافقها وحدودها، وعلى جميع اراضيها دون ان تنازعها في ذلك اي سلطة اخرى. وبما يستعيد بالتالي، وتدريجياً انتماء وولاء جميع العاملين في إدارات الدولة ومؤسساتها واسلاكها إلى الدولة اللبنانية. وليس لرؤساء الطوائف والأحزاب والميليشيات.

4-العودة إلى احترام مصالح لبنان واللبنانيين في علاقتهم مع الدول العربية الشقيقة التي هي اسواقهم الطبيعية والحقيقية، وبالتالي استعادة الاعتبار والالتزام بسياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان عن الخلافات العربية والدولية كما جاء في إعلان بعبدا، وذلك للحؤول دون وضع لبنان واقتصاده على ممرات الأفيال.

5-العودة إلى احترام التزامات لبنان العربية والدولية، والذي هو في مصلحة لبنان واللبنانيين وحسب ما تؤكد عليه الشرعيتان العربية والدولية.

6-العودة إلى الالتزام الكامل بمعايير وقواعد الكفاءة والجدارة والإنجاز في تسلم المناصب الحكومية من جانب اصحاب الكفاءة والجدارة والاستحقاق.

واشار الى "ان هذا التحول إلى ما فيه مصلحة لبنان ليس انصياعاً لإملاءات الآخرين بل انسجام مع مصلحة الدولة اللبنانية ومصلحة الاقتصاد اللبناني، كذلك مع استدامة الحرص على مصالح اللبنانيين. لكن هذه الاقتراحات لا يمكن ان تتحقق نتائجها الإيجابية بين ليلة وضحاها، إذ تتطلب التزاماً وصبراً ومتابعة ومثابرة حتى تبدأ النتائج الإيجابية بالتحقق. لكن الأمر المهم هنا، ان بمجرد ان تعتزم الدولة على الالتزام الصادق والشجاع والحازم والمثابر على البدء بالتطبيق والتنفيذ الصحيح، فإنها سترسل رسالة واضحة وصادقة للبنانيين ولأشقائهم واصدقائهم بأنها بدأت فعلاً مشوار تطبيق السياسات والإجراءات الإصلاحية التي توصل تدريجياً إلى استعادة ثقة المواطنين وثقة المجتمعين العربي والدولي بالدولة القادرة والعادلة والحيادية في قيادة سفينة استعادة النهوض والنمو والاستقرار والازدهار".

وختم الرئيس السنيورة "لقد دقت الآن ساعةُ الحقيقة ولم تعد المكابرة والهروب الى الأمام مفيداً لأحدٍ، وعليه، لا بد من الذهاب الى المعالجات الجذرية التي تؤدي الى النهوض والعودة بالدولة العادلة والقادرة والحيادية إلى حيث يجب ان تكون وان تسود بكونها وحدها الحاضنة والمدافعة عن مصالح جميع اللبنانيين.

إنه إذا بدأ الإصلاح كما سبق ذكره، فإن الشباب والشابات المتخرجين والأكفاء تنفتح امامهم الفرص في القطاعين العام والخاص اللبناني، وعندها ينطلقون ايضاً بحثاً عن فرص عمل في الخارجين العربي والدولي، إذ يخرجون متسلحين بكفاءتهم وتميّزهم ويخرجون باعتبارهم آتين من دولة ناجحة يشهدون لها، كما تشهد لهم. وهذه هي سمعة لبنان العريقة، وهذا هو مستقبله.

نؤكد لأشقائنا واصدقائنا وانفسنا اننا، رغم كل شيء، متمسكون بوحدة الوطن وحصرية سلطته وسيادة دستوره وأننا سنعمل على مدار الساعة لمزيد من التمكين وتأهيل الأجيال لمسابقة التطور، لأن الظلام لا يدوم ولأننا سنظل نسعى لاستيلاد الفجر من اشداق الظلمة".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o