انتظارات متوالية "ترهق" المنطقة: مغامرة نتنياهو الكبرى
إنها مرحلة الانتظارات المتوالية. انتظار مصير المفاوضات للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. انتظار الردّ الإيراني على استهداف طهران. انتظار ردّ حزب الله على الضاحية الجنوبية. انتظار ردّ الفعل الإسرائيلي على هاتين الضربتين-الردّين، والتداعيات التي قد تنجم عنهما على مستوى المنطقة.
في هذا الوقت، تتزاحم البوارج الحربية والمدمرات البحرية الأميركية من أنواع وأشكال وأحجام مختلفة، بعضها ذات بعد ردعي دفاعاً عن إسرائيل، وبعضها يعطي مؤشرات هجومية ولكن لتلبية حاجة الردع ضد طهران وحلفائها.
خطوة حماس ومراوغات نتنياهو
بالنسبة إلى مصير المفاوضات، فقد أقدمت حركة حماس على خطوة ذكية في البيان الذي أصدرته، ويمكن اختصاره بأنه استعداد للذهاب إلى التفاوض المبني على أساس الاتفاق الذي تم التوصل إليه مسبقاً، وقد أطاح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكثر من مرة، بسبب تعنّته وإصراره على مواصلة الحرب. أبدت حماس الاستعداد للقبول بالتفاوض ووقف إطلاق النار وفق الاتفاق المسبق ومن دون العودة إلى مفاوضات جديدة، توضع في سياق كسب الوقت واستمرار المجازر.
في المقابل، وبحال عدم تحقق الهدف المنشود، فإن حماس تفتح الباب أمام الردّ الإيراني وردّ الحزب، وبالتالي العودة إلى خيار التصعيد العسكري بوجه كل الممارسات التي يقوم بها الإسرائيليون. وهو يتكامل مع بيان حزب الله الصادر بعد مجزرة مدرسة التابعين وأشار فيه إلى أن لا سبيل إلا تصعيد العمليات العسكرية ضد إسرائيل.
من الواضح أن نتنياهو يحاول كسب المزيد من الوقت ورفض الاتفاق، وهذا ما يعرفه حزب الله والإيرانيون، الذين يعتبرون أن تجديد التفاوض غايته فقط تخفيف حدة الردّ الإيراني وتأجيله إلى أقصى فترة ممكنة، كي لا يؤدي إلى تطورات عسكرية تصعيدية على مستوى المنطقة. ولذلك هناك قناعة إيرانية ولدى حزب الله بأن الردّ لا بد أن يكون حتمياً بغض النظر عن موعده.
الذبح بالقطنة
أما بالنسبة إلى انتظار الردّ الإيراني، فمعروف عن الإيرانيين معادلة "الذبح بالقطنة"، وأخذ الوقت الذي يرونه مناسباً لتنفيذ ردّهم، الذي يحتفظون به كحق مكتسب. وتحت هذا العنوان تتسارع وتيرة المفاوضات الأميركية مع إيران على قاعدة تأجيله أو تخفيفه أو جعله رداً أمنياً لا عسكرياً كبيراً. وجانب من الرسائل التي ينقلها الأميركيون هي أن إسرائيل لم تتبن اغتيال رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية في طهران، وبالتالي، لا يمكن لإيران أن تقوم بشن عملية عسكرية رداً على ذلك، والمعادلة تختلف عن استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا والتي تبناها الإسرائيليون.
لا يمكن إغفال الجدل القائم في إيران على خلفية الضربة والردّ، لا سيما أن الرئيس الجديد مسعود بزشكيان بالتأكيد لا يفضل بداية ولايته بتصعيد عسكري كبير، يمكن أن يؤدي إلى تدهور في المنطقة، وهو الذي يأتي بخلفية انفتاحية على غالبية الدول وإعادة إحياء التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية. لذلك، بعض المعطيات تفيد بأن بزشكيان هو الذي ينصح باعتماد خيار الردّ الأمني وإن طال وقته بدلاً من الردّ العسكري. في مقابل وجهة نظر أخرى لدى الحرس الثوري تركز على ضرورة الرد التصعيدي والذي تشير فيه إيران إلى قوتها وقدرتها على مستوى المنطقة.
الداخل الإسرائيلي
في المقابل، فإن إسرائيل أيضاً تعيش تخبطاً كبيراً على مستوى الحكومة نفسها، وبين الحكومة ومعارضيها، وداخل كل المؤسسات السياسية والعسكرية، خصوصاً أن وزير الدفاع والجيش يفضلان إبرام الصفقة، بخلاف نتنياهو الذي ينوي الاستمرار في الحرب. وقد وصلت المشاكل داخل إسرائيل إلى حدّ مهاجمة وزير الدفاع يوآف غالانت العلنية لنتنياهو واتهامه بتحمّل مسؤولية عدم إنجاز الصفقة أو الاتفاق، وصولاً إلى حدّ إعلانه الصريح بأنه في 11 تشرين الأول وقع على قرار مهاجمة لبنان ولكن الحكومة لم توافق، غامزاً من قناة نتنياهو الذي يتوعد بالتهديد والبطولات في العلن، ولكنه يتراجع في الغرف المغلقة.
لا يمكن إغفال هذه التفاصيل الإسرائيلية وتأثيراتها على وضع الجبهة الداخلية في إسرائيل. كما لا يمكن إغفالها على الخلاف في التوجهات بين الأميركيين ونتنياهو، خصوصاً في ظل معلومات تتحدث عن تقارب في وجهات النظر بين غالانت والإدارة الأميركية. وهو ما دفع نتنياهو أكثر من مرة للتفكير بإقالة وزير دفاعه.
يمكن لهذا التخبط الداخلي، وإلى جانب إسهامه في إضعاف الموقف الإسرائيلي، أن يدفع بنتنياهو إلى اتخاذ قرارات تصعيدية على مستوى المنطقة، وفرض أمر واقع على الجميع. وهو يسعى إلى ذلك دوماً من خلال المجازر التي يرتكبها، أو عمليات الاغتيال والتي تمثّل استفزازاً حاداً لمحور المقاومة، لاستدراجه إلى تصعيد أكبر من شأنه أن يطيل أمد الحرب.
ذلك لا ينفصل عن التسريبات التي يقدم عليها نتنياهو في الإعلام الإسرائيلي، حول الاستعداد لتنفيذ ضربة استباقية ضد إيران أو حزب الله، في حال التماس أي تحرك عسكري جدّي لتوجيه ضربات ضد إسرائيل.
أمام هذه الوقائع، ربما يختصر غالانت المرحلة على طريقته، حين يقول إنه يسمع قرع طبول الحرب، لكنها ستكون مغامرة كبيرة.
منير الربيع - المدن