6:04 AM
مقالات

من غزة إلى مجدل الشمس والدروس المستفادة

اللبنانيون قلقون مما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات ميدانية بعد مجزرة «مجدل شمس» التي أدت الى سقوط عدد من المواطنين السوريين ـــــــ معظمهم من الأطفال ــــ في الجولان السوري المحتل، هذا وقد أضاف التصاعد في وتيرة التهديدات من قبل العدو الإسرائيلي وكثافة التصريحات الدولية المتناقضة مزيداً من الضياع على قلق اللبنانيين. وبالتوازي مع كل ذلك تتشبث الدولة ــــ التي ينشد المواطنون وجودها حين تتفاقم الأزمات وحين يضيق الأفق أمام قدراتهم الفردية ـــــــــ في موقع الترقب السلبي لما يجري دون إطلاق أي إشارة حياة. 

الموقف الرسمي اللبناني العسير على التوصيف ليس وليد مجزرة «مجدل شمس» وما أدت إليه، بل هو إحد سمات الحياة الوطنية في لبنان، وهو سلوك ساسة لبنان إزاء الأزمات والتحولات الكبيرة التي عرفتها المنطقة منذ خمسينات القرن الماضي حتى الآن، وفي طليعتها قضية فلسطين التي لا زالت تداعياتها تتوالى حتى اليوم وإن بأشكال مختلفة. ولطالما كانت مواقف الحكومات في لبنان في غمرة تلك التحولات مشوبة بالعجز عن الإقدام وغياب المبادرة التي تستوجب إدراك أبعاد الموقف المتغيّر وتداعياته واتخاذ الخيارات لدرء المخاطر المترتبة عليه. 

لقد تعامل ساسة لبنان وقادته منذ تأسيسه مع قضايا المنطقة كأنهم عابرو سبيل، بل أقنعوا أنفسهم وحاولوا إقناع مواطنيهم أن لبنان فوق الصراعات والتدخلات الدولية التي يبقى خوض غمار المشاركة بها مسألة خيارات يمكن تجنبها لمجرد النأي بلبنان عنها والإحجام عن اتخاذ الموقف المناسب أو اختيار الهروب الى الأمام. تلك المبررات التي ساقها الساسة في لبنان حيال كل ذلك استندت إلى توهم الخوف من إنفجار المجتمع اللبناني تحت وطأة خصوصياته الثقافية والتاريخية المختلفة عن دول الجوار. لكن التجارب المتكررة أثبتت خطأ القاعدة الذهبية اللبنانية وعدم واقعيتها بل أثبتت بما لا يقبل الشك جسامة المخاطر التي تسببت بها للبنان والتي لا زالت تتجدد بأشكال مختلفة. 

لقد شكلت حالة الترقب اللبنانية بما استبطنت في حينه ــــــ ولا زالت ـــــــ من ضعف وحياد سلبي نقطة جاذبة للتيارات الرافضة للفشل والتشرذم العربي حيال القضية الفلسطينية والباحثة عن بيئة ملائمة للعمل التعبوي ولاحقاً للكفاح المسلح. هذا وقد تحول لبنان بحكم الـأمر الواقع الى بيئة حاضنة لهذه التيارات ولكنها عاجزة في الوقت نفسه عن رفضها أو إعلان القبول الطوعي بها. لقد تسببت حالة الإنكفاء اللبنانية إلى قراءة خاطئة لصعود التيار العروبي في خمسينات القرن الماضي، ولتداعيات هزيمة حزيران 1967 إلى توقيع لبنان على إتفاق القاهرة في العام 1969 دون أن نفهم حتى الآن حيثيات وموجبات هذا التوقيع، كما أدت السطحية في فهم ومواكبة التحولات التي أسفرت عنها حرب تشرين 1973 وأهمها خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي وإنطلاق مسارات التفاوض في المنطقة إلى اجتياح لبنان عام 1982 وتحوله الى ساحة لتصفية الحسابات الإسرائيلية والسورية مع منظمة التحرير بهدف إحتوائها. وقد وقد أدى خروج القضية الفلسطينية تدريجياً من دائرة اهتمام الدول العربية بعد السير بعمليات التطبيع لتحولها الى عنوان جاذب لتشكيل ميليشيات والإنقلاب على  الحكومات تحت عنوان محاكاة الوجدان الشعبي العربي. 

من جهة أخرى، لقد قدمت مجزرة مجدل شمس نموذجاً عن انتقال حالة الترقب السلبي بما تعنيه من تخلي عن المسؤوليات الوطنية الى النظام السوري الذي تعامل مع ما جرى بمنتهى السلبية متجاهلاً مسؤولياته تجاه مواطنيه في الأراضي المحتلة الذين سقطوا نتيجة القصف. لقد أحجمت الحكومة السورية عن مطالبة قوات « الأندوف» المتمركزة في الجولان المحتل منذ العام 1974 بموجب قرار  مجلس الأمن رقم 350 بالتحقيق في أسباب سقوط الصاروخ على القرية وجلاء الحقيقة واكتفت بموقف سياسي يتهم إسرائيل بالهجوم.

إنّ الدروس المستفادة من حوليات النصف الأخير من القرن الماضي وحتى اليوم تثبت محورية القضية الفلسطينية ودينامية تحوّلها من شأن عربي إلى عنوان شرق أوسطي ودولي ملزم لصياغة التحالفات والعلاقات الإقليمية والدولية، هذا ما  تؤكده كل يوم مجريات الميدان من غزة إلى مجدل شمس مروراً بالجنوب اللبناني. من هذا المنظار إن استعادة الحكومات العربية ومنها لبنان وسوريا لدورها الحقيقي وثقة مواطنيها يستوجب الإنتقال من موقع الترقب السلبي لمجريات القضية الفلسطينية إلى دور قيادي قادر على رسم الأُطر الجديدة لإدارة الصراع وتحديد المخاطر بما يعيد للمواجهة مع إسرائيل مشروعيتها القانونية وبعدها الإقليمي بعيداً عن سياسات المحاور العابرة للدول.

العميد الركن خالد حماده - اللواء

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o