لونا الشبل.. هل سربت معلومات حسّاسة إلى الرّوس ومنهم إلى إسرائيل؟!
هل هو مجرّد حادث سير أم اغتيال مقنّع؟ وإذا كان الاحتمال الثاني كما هو شائع، فمن هي الجهة الفاعلة؟ وما هو السبب؟ هل هو صراع روسي إيراني أم تداخل روسي إسرائيلي؟ وإذا صحّ أنّ لونا الشبل المستشارة الإعلامية الخاصة للرئيس السوري بشار الأسد كانت صلة الوصل مع الروس في سوريا، فهل موسكو متّهمة بتسريب معلومات أمنيّة عن القادة الإيرانيين في سوريا إلى إسرائيل؟ ولماذا تخاطر روسيا بعلاقاتها الحيويّة مع طهران لخدمة إسرائيل في حربها الضروس على حركة حماس في غزة، والحركة هي أحد مكوّنات الجبهة الإيرانية في المنطقة؟ وهل ينعكس ذلك على العلاقات الاستراتيجية بين موسكو وطهران، وكانت الدولتان على وشك توقيع اتفاق استراتيجي بينهما قبل الوفاة المفاجئة للرئيس السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان في حادثة غامضة في 19 أيار الماضي؟ جملة من الأحداث تظهر على السطح مبعثرة وغير مترابطة ظاهرياً، لكنّها قد تكون أحداثاً متراتبة على نحوٍ وثيق.
حكايتان عن لونا الشبل
بدت طريقة مقتل لونا الشبل في حادث سير ملتبس، وأسلوب التعاطي الرسمي الجافّ مع الحادثة والوفاة والجنازة، وكأنّهما تأكيد للشائعات والتسريبات والتفسيرات والسيناريوهات عن الجهة الفاعلة، والدافع، والهدف، والمآل. إنّ مجمل هذه التحليلات مبنيّة كما يقال على تسريبات ومعلومات من داخل القصر الرئاسي، أو من داخل مكتب “الأمانة السورية للتنمية” الذي ترأسه أسماء الأسد، وكانت لونا الشبل عضواً فيه، أو معلومات من مصادر شخصية مختلفة داخل النظام.
لكنّ مسار الرواية ينحصر في اتّجاهين:
–الأوّل: يؤكّد أنّ لونا الشبل كانت مقرّبة من روسيا، فهي محسوبة على الجناح الروسيّ، وأنّها من موقعها القريب من الدائرة الضيّقة المحيطة بالأسد، سرّبت معلومات عن لقاء مهمّ متوقّع في القنصلية الإيرانية المجاورة لمبنى السفارة بدمشق، إلى شقيقها العميد ملهم، حسب ما أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وهذه المعلومات وصلت إلى إسرائيل بطريقة ما، فقامت بقصف المبنى في 1 نيسان الماضي أثناء اجتماع قادة في الحرس الثوري الإيراني، وهو ما أدّى إلى تدميره وقتل الجنرال محمد رضا زاهدي مع عدد آخر من القادة، وكان زاهدي يشغل منصب قائد فيلق حرس الثورة لسوريا ولبنان بحسب قناة “العالم” الإيرانية. وهو الشخصية الإيرانية الأهمّ التي تتعرّض للاغتيال خارج إيران مذ قامت مسيّرة أميركية باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني قرب مطار بغداد في 3 كانون الثاني عام 2020. وهو ما أوصل المنطقة إلى حافة حرب إقليمية مباشرة بين إيران وإسرائيل.
– الثاني: فيعطي الرواية منحى مختلفاً تماماً، حسبما ورد في موقع “تلفزيون سوريا” المعارض، حين يستبعد حكاية تسريب المعلومات والعمالة لجهة خارجية، ويحصر الموضوع بالفساد الماليّ، وما راكمته الشبل من منافع اقتصادية برفقة زوجها الدكتور عمار الساعاتي، والعضو السابق في مجلس الشعب. وبهذا المعنى، يبدو وكأنّ بشار الأسد الذي وفق هذه الرواية يكافح الفساد الذي يرعاه شقيقه ماهر من جهة، وزوجته أسماء من جهة أخرى، هو الذي قرّر محاسبة مستشارته الإعلامية على إثرائها غير المشروع. لكنّ نواحي الضعف في الرواية الثانية كثيرة جداً إلى حدّ عدم القدرة على تصديقها. وأبسط علّة من عللها أنّه إذا كانت الشبل عضواً فاعلاً في شبكة الفساد، فلم يكن ذلك بعيداً عن أعين النظام ورعايته وشراكته. وحتى لو تغيّر لسبب ما موقف الرعاية الذي كان يظلّلها، فلم يكن مضطرّاً إلى اغتيالها بهذه الطريقة الغامضة، وثمّة طرائق كثيرة لاحتواء الأمر دون هذه الضجّة غير المفيدة له.
إذا كانت المعلومات الحسّاسة تسرّبت من الشبل إلى الروس ومنهم إلى إسرائيل، أو كانت الشبل صلة الوصل لشبكة تجسّسية مع إسرائيل، كما حاول البعض الدفع بهذا الاحتمال، تعريضاً بانتمائها إلى طائفة الموحّدين الدروز وإمكانية اختراقها من دروز إسرائيل، فإنّ النتيجة العملية واحدة، وهي أنّ الاختراق الأمنيّ كان خطراً إلى درجة كبيرة. لكنّ تسريب المعلومات مباشرة إلى إسرائيل قد يكون بالغ الخطورة ومتعذّراً دون دراية من الأسد نفسه.
وعلى هذا، يمكن التعامل مع الفرضية الروسية، لعدّة اعتبارات. أوّلها ما رشح من معلومات قبل أسابيع عن مصادر إيرانية تُفيد بأنّ الروس هم الذين زوّدوا الإسرائيليين بالمعلومات التي أوصلتهم إلى قادة الحرس الثوري في القنصلية الإيرانية بدمشق. فالحرس الثوري، منذ مطلع نيسان الماضي، قام بتحقيق مكثّف في سوريا لمعرفة الجهة ألتي أوصلت المعلومات عن الاجتماع المذكور في القنصلية الإيرانية، وبغرض كشف الشبكة التجسّسية التي ترصد التحرّكات الإيرانية في سوريا. ويبدو أنّ التحقيق وصل إلى خواتيمه، وكان مصرع الإعلامية لونا الشبل هو إحدى نتائج التحقيق. ولا يُعرف مصير الضبّاط المعتقلين في إطار التحقيق نفسه، ومنهم شقيق لونا، العميد ملهم الشبل.
بناء على ما سبق، فما هي مصلحة روسيا في تسريب معلومات حسّاسة إلى إسرائيل، وما ترتّب على ذلك من أحداث جسيمة كادت تؤدّي إلى حرب شاملة في المنطقة؟ وهل لهذا علاقة بما سرّبته جهات مقرّبة من محور الممانعة عن دور لروسيا أيضاً بتقديم المساعدة التقنية أو الاستخبارية لحركة حماس عشيّة هجوم السابع من تشرين الأول الماضي، وهو ما أدّى بدوره إلى اندلاع صراع دمويّ ومدمّر غير مسبوق في المنطقة، وله الآن تداعياته الاستراتيجية السياسية والعسكرية في أوروبا، لا سيما في مسرح العمليات الساخن في أوكرانيا، التي هي ساحة الصدام المباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، كما له آثاره السياسية في الغرب عامة؟
هل اكتشف الإسرائيليون الاختراق الروسي لمصلحة حماس في غلاف غزة، فكان تسليم المعلومات عن زاهدي هي طريقة موسكو في التعويض على إسرائيل؟ ما كان مثيراً للاهتمام منذ الأيام الأولى لطوفان الأقصى تصريح بايدن الذي ربط بين بوتين وحماس، وتصريحات بعض رجال الكونغرس الأميركي عن حلف حماس مع روسيا والصين إلى جانب إيران، لأنّ موسكو وبكين صدّتا أيّ قرار في مجلس الأمن يدين حركة حماس، باستعمال حقّهما في النقض.
مصلحة روسيا في توريط إيران
للإجابة على هذا السؤال المهمّ، لا بدّ من رصد المصلحة الاستراتيجية الروسية في تفجير الحرب في الشرق الأوسط. فمنذ 7 تشرين الأول الماضي، انتقل الاهتمام الغربي برمّته من أوكرانيا إلى إسرائيل، وانقطعت الإمدادات العسكرية عن كييف، وهو ما سمح لروسيا بتحقيق إنجازات تكتيكية على طول الجبهة ودفع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى محاولة كبح جماح حليفه بنيامين نتنياهو منذ الأشهر الأولى للحرب في غزة لوقف الحرب والعودة إلى جبهة أوكرانيا، إلى أن قرّرت الإدارة الأميركية على مراحل تخفيف شحن الأسلحة إلى إسرائيل والعودة إلى تعزيز دفاعات أوكرانيا.
في هذه اللحظة المفصلية، تسرّبت معلومات من دمشق إلى تل أبيب التي سارعت إلى قصف القنصلية الإيرانية في دمشق دون اعتبار للاتفاقيات الدولية التي ترعى حصانة البعثات الدبلوماسية في الدول الأخرى. وكان الهدف الإسرائيلي من الإغارة إشعال حرب إقليمية في المنطقة تكون الولايات المتحدة طرفاً طبيعياً فيها مع إسرائيل. ولموسكو الحليفة لطهران في عدّة ملفّات مصلحة مشتركة مع إسرائيل في إشعال هذه الحرب لأنّها ستكون الضربة القاضية لأوكرانيا، إذ كان من المتوقّع أن تحرم كييف بشكل شبه كامل من أيّ إمداد، فتكون طريق النصر مفتوحة أمام الاتّحاد الروسي.
لكن ما جرى لاحقاً خيّب آمال موسكو وتل أبيب معاً، وذلك لأنّ إدارة بايدن ضغطت على طرفَي النزاع المرتقب إسرائيل وإيران كي يكون الانتقام محدوداً، وهكذا كان. حتى إنّ روسيا شعرت بالقلق من حرص الولايات المتحدة على إيران، ومن براغماتية النظام الإيراني الذي حاول مقايضة الردّ المتوقّع منه على أهداف إسرائيلية، بمكاسب سياسية واستراتيجية، ومنها وقف إطلاق النار في غزة. لكنّ نتنياهو كان متمسّكاً، وما زال كذلك، باستمرار الحرب مهما تكن العروض أو الشروط تحت عنوان: تحقيق النصر الكامل على حماس.
قد تكون التحقيقات الإيرانية في سوريا قد وصلت إلى نتائج ما، بدليل مقتل لونا الشبل، وهو الحادث الذي كان بمنزلة إصدار حكم علنيّ بالإعدام، لتوجيه رسائل متعدّدة الاتّجاهات، إلى حلفائها بالدرجة الأولى، داخل النظام وخارجه، فيما كان بالإمكان التخلّص من الأفراد المتورّطين بتسريب المعلومات، حتى لو لم يكونوا يدركون أنّها ستصل إلى إسرائيل، وتقع الكارثة الموصوفة.
المصدر - أساس ميديا