Jun 25, 2024 12:35 PM
مقالات

مصير الائتلاف الحكومي في إسرائيل بعد استقالة بني غانتس

كتبت رندة حيدر:

 كيف يبدو المشهد السياسي في إسرائيل بعد مرور نحو أسبوعَين على استقالة زعيم حزب المعسكر الرسمي، بني غانتس، والوزيرَين غادي أيزنكوت وحيلي تروبر من كابينيت الحرب؟ وما هي تداعيات هذه الاستقالة على وضع الائتلاف الحكومي الحالي، وعلى حركات الاحتجاج المطالبة باستقالة بنيامين نتنياهو والذهاب إلى انتخابات مبكرة؟

يمكن القول للوهلة الأولى أن استقالة غانتس من حكومة الطوارئ في وقت لا يزال فيه الجيش الإسرائيلي يخوض معارك محتدمة في القطاع ويحاول السيطرة على منطقة رفح بينما تتصاعد حدة المواجهات بين حزب الله والجيش وتبلغ درجة خطِرة للغاية، تهدد بتحوُل حرب الاستنزاف الحالية إلى حرب شاملة، لم تكن بالأمر الهين بالنسبة إلى غانتس رئيس هيئة الأركان السابق، وصاحب الخبرة العسكرية والقتالية في غزة ولبنان. لكن بحسب كلام غانتس نفسه، فقد كان لزاماً عليه الخروج من الحكومة، لأن "نتنياهو وشركاءه حولوا الوحدة إلى شعارات رنانة ليس لها أيّ تجسيد في الواقع. فالقرارات الاستراتيجية المصيرية تُتخذ بتردد ومماطلة، لاعتبارات سياسية. نتنياهو يمنعنا من التقدم نحو نصر حقيقي، ولهذا السبب، فإننا نترك حكومة الطوارئ اليوم بشعور حزين، لكن بقناعة تامة."[1]

وفي الواقع، لم يكن خروج حزب المعسكر الرسمي (12 عضو كنيست) من كابينيت الحرب مفاجئاً، إنما جاء بعد الإنذار الذي وجّهه بني غانتس إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في 19 أيار/مايو بأنه إذا لم يوافق على صفقة مخطوفين، أو يضع تصوراً لليوم التالي للحرب، فإنه سيستقيل في 8 حزيران/يونيو. ولقد نفذ تهديده على الرغم من المقترح الذي عرضه الرئيس بايدن لصفقة مخطوفين تعتمد على موافقة إسرائيلية، وبرر خطوته هذه بمعارضته سياسة نتنياهو في إدارة في الحرب، واعتقاده أن استمرار القتال يخدم مصالح سياسية شخصية لنتنياهو، داعياً إلى انتخابات نيابية مبكرة.

كيف سيتأثر الائتلاف الحكومي بعد خروج غانتس منه؟

بعد خروج حزب المعسكر الرسمي من حكومة الطوارئ، عاد الائتلاف إلى ما كان عليه قبل الحرب، وبات يستند إلى تأييد 64 عضو كنيست موزعين على حزب الليكود والأحزاب الدينية الحريدية والأحزاب القومية المتطرفة، وزالت الصبغة المعتدلة التي أضافها غانتس إلى الحكومة، كونه يمثّل حزباً وسطياً، وعادت حكومة "اليمين بالكامل". وبهذه الطريقة، فقد خسر نتنياهو بخروج غانتس وأيزنكوت أمرَين أساسيَين: الصوت المعتدل والمتوازن إزاء الداخل الإسرائيلي والخارج، والخبرة القتالية في المعارك لشخصَين تولّيا رئاسة هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، ويعرفان عن كثب جبهة غزة والجنوب اللبناني.

وكان انضمام غانتس إلى حكومة الطوارئ في بداية الحرب قد أثار شعوراً بالثقة لدى المواطنين الإسرائيليين بوجود وزراء أصحاب خلفية عسكرية وخبرة قتالية، لا تحركهم أغراض سياسية واعتبارت شخصية أو أفكار مسيانية متطرفة لوزراء كإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومثّل غانتس في كابينيت الحرب موقف الجمهور الإسرائيلي الداعم لصفقة إطلاق المخطوفين في مقابل إعلان وقْف إطلاق النار، وحتى وقف الحرب. كما كان من المؤيدين للمقترح الأميركي الرامي إلى تطبيع العلاقات مع السعودية. وبصورة عامة، كان أيضاً من أبرز المؤيدين لحركة الاحتجاج المطالبة بتقديم موعد الانتخابات البرلمانية.

وبالنسبة إلى الخارج، فقد شكّل خروج غانتس من كابينيت الحرب نوعاً من نزع الشرعية عن الحكومة، وغياب الصوت المعتدل الذي شكّل مُحَاوِراً جيداً للدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة التي لديها علاقات وطيدة مع غانتس، الذي اعترف بأنه ناقش قرار الاستقالة مع الأميركيين.

وخلال وجوده في كابينيت الحرب، كان عرضة، هو وأيزنكوت، لهجوم عنيف من وزراء اليمين القومي، الذين اتهموهما بالتساهل في محاربة "حماس"، وحمّلوهما مسؤولية الإخفاق في إدارة المعركة. من هنا، فقد جاءت استقالة غانتس وأيزنكوت من حكومة الطوارئ بعد أن وصلا إلى استنتاج فحواه "أن الطريقة الوحيدة للتأثير هي من الخارج - الضغط على نتنياهو لاتخاذ القرار الذي لا يُعتبر فقط الأكثر أخلاقية، بل أيضاً القرار الاستراتيجي الضروري، وعقد صفقة تبادُل، ولو كان ثمنها وقف الحرب في غزة."[2]

ومن البديهي أن هذه الاستقالة من شأنها أن تقوّي نفوذ وزارء اليمين القومي الذين سارعوا إلى المطالبة بالانضمام إلى كابينيت الحرب من جهة، لكن نتنياهو استبق ذلك بحل الكابينيت وتشكيل مجلس مصغر، لكنها من جهة أُخرى يمكن أن تدفع رئيس الحكومة إلى اتخاذ مواقف أكثر صلابة في مواجهة المطالب المتشددة لليمين القومي بعد أن كان يختبئ وراء معارضة غانتس لها. كما أن خروج غانتس سيلقي بكل الأعباء الأمنية والقرارات على عاتق وزير الدفاع، يوآف غلانت، بحسب رأي عاموس يادلين.[3]

لكن بعكس التوقعات، فإن هذه الاستقالة لم تجعل الائتلاف اليميني أكثر وحدة وتماسكاً، إنما بدأت تُبرز تصدعات وخلافات بين الشركاء، ليس بشأن الحرب في غزة وأهدافها، إنما بشأن قضايا داخلية خلافية حساسة، وظهر ذلك عند تصويت الحكومة على قانون الاستمرار في إعفاء تلامذة المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، الذي أُحيل إلى لجنة الخارجية والأمن في الكنيست لمناقشته وإدخال تعديلات إليه تتلاءم مع الأوضاع الحالية. فالأحزاب الحريدية ترفض اقتراح القانون الذي يطالب بتطبيق الخدمة العسكرية الإجبارية بصورة متدرجة تزيد أعداد المجندين منهم حتى سنة 2036 رفضاً قاطعاً، وتعتبره انتهاكاً للوعود التي حصلت عليها هذه الأحزاب لدى قبولها المشاركة في الائتلاف الحالي. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الحريديم الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي حالياً لا يتخطى 1200 مجنّد فقط.[4]

أمّا المشكلة الثانية التي برزت وسط الائتلاف وأثارت خلافات كثيرة بين حزب الليكود وحزب قوة يهودية من جهة، والأحزاب الدينية الحريدية من جهة أُخرى، ولا سيما حزب شاس، فكان رَفْضَ لجنة القانون في الكنيست الموافقة على قانون الحاخامين الذي يسمح بتعيين 800 حاخام، الأمر الذي دفع الأحزاب الحريدية إلى التلويح بالاستقالة من الائتلاف إذا لم تَجْرِ الموافقة على القانون، واعتبرت هذا القانون "اختباراً" لنتنياهو، و"إذا لم ينجح هذا الائتلاف في تمرير القانون، فلا فائدة من وجوده، و'إذا كنا غير قادرين على إقرار أي شيء، فلماذا نبقى في هذه الحكومة؟‘."[5] وهكذا بات هذا القانون بالون اختبار سينعكس في قانون التجنيد.

وتعكس هذه الخلافات داخل الائتلاف طبيعة شركاء نتنياهو في الحكم الغارقين في الدفاع عن مصالح خاصة بجمهورهم، ويأتي رفْض الأحزاب الحريدية القبول بالخدمة العسكرية في وقت حرج يدفع فيه الجمهور العلماني الثمن الأكبر لهذه الحرب من حياة أبنائه، ناهيك بحاجة الجيش الإسرائيلي الماسة حالياً إلى زيادة عددية، ولا سيما في ظل إمكان تطوُر المواجهات مع حزب الله إلى حرب شاملة. وإذا نفذت الأحزاب الحريدية تهديداتها بالاستقالة احتجاجاً على إقرار قانون التجنيد المتدرج للحريديم، فإن هذه الأحزاب هي التي ستطيح بحكومة نتنياهو الحالية، وليس حركة الاحتجاج المستمرة منذ أشهر، والتي تطالب باستقالته.

ماذا تعني عودة غانتس إلى صفوف المعارضة؟

تتشكل المعارضة الإسرائيلية حالياً، بالإضافة إلى حزب المعسكر الرسمي الذي يترأسه غانتس، من أحزاب الوسط، وفي طليعتها حزب يوجد مستقبل برئاسة يائير لبيد، وحزب أمل جديد برئاسة جدعون ساعر، وحزب إسرائيل بيتنا برئاسة أفيغدور ليبرمان، وأحزاب اليسار، كحزب العمل مع رئيسه الجديد يائير غولان، والقائمة العربية المشتركة. وهذه المعارضة ليست موحدة، ولا متجانسة، ويمكن توزيعها إلى معارضتَين: معارضة أقرب إلى اليمين من الوسط، وتجمع حزب ساعر وأفيغدور ليبرمان الممثلَين في الكنيست الحالي، إلى جانب شخصيات سياسية يمينية معارضة أُخرى، كنفتالي بينت. وأفيغدور ليبرمان هو المرشح لقيادة هذه المعارضة، وتتوقع استطلاعات الرأي أن يحصل في الانتخابات المقبلة على أكثر من 15 مقعداً (6 مقاعد في الكنيست الحالي). كما أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "معاريف" (7/6/2024) أن 14% من الذين شملهم الاستطلاع يؤيديون ليبرمان كرئيس للحكومة، بينما نال نفتالي بينت تأييد 23% ، وجدعون ساعر 4%.

وإلى جانب هذه المعارضة الأقرب إلى اليمين، فإن هناك معارضة الوسط واليسار، وعلى رأسها حزب العمل، ورئيسه الجديد يائير غولان الذي يثير الجدل، وخصوصاً بعد تصريحاته التي قارن فيها، سنة 2016، بين المجتمع الإسرائيلي وصعود الفاشية في ثلاثينيات القرن الماضي. ومنذ انتخابه في 29 أيار/مايو، أعلن غولان أنه "سنستثمر كل ما لدينا من أجل إسقاط الحكومة الحالية وتقديم موعد الانتخابات. ليس هناك مهمة أهمّ من إنقاذ الدولة والمجتمع في إسرائيل"، ودعا إلى توحيد الأحزاب الليبرالية في معسكر واحد في الانتخابات المقبلة، وضرورة جلب الجميع إلى بيت سياسي ليبرالي يفهم أن مستقبل إسرائيل كمجتمع تعددي يحتاج إلى أساس لدولة ومجتمع يمكن إصلاحهما.[6]

وتتوقع استطلاعات الرأي التي أُجريت بعد انتخاب غولان حصول حزب العمل على 6 مقاعد، وعدم تمكُن حركة ميرتس من تجاوُز نسبة الحسم، وحصول القائمة العربية المشتركة، المرشحة للانضمام إلى كتلة اليسار الليبرالي، على 5 مقاعد. ومع تموضع حزب الوسط يوجد مستقبل (مع 24 مقعداً) في وسط الخارطة الحزبية، فإنه من الصعب أن تتحقق آمال غولان في توحيد الأحزاب الليبرالية كما يقول ضد نتنياهو. ويبدو أنه على الرغم من كل المحن الداخلية والحرب التي أقحم فيها نتنياهو الجيش الإسرائيلي من دون أفق للخروج منها، فإنه لا يزال قادراً ربما على تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات، على الرغم من نيل غانتس تأييد 42%، ونتنياهو 34%.

ولا يبدو حتى الآن أن استقالة غانتس سرَّعت في انهيار الائتلاف الحاكم، لكنها كشفت تصدعاته الداخلية، لكن من دون شك، فإن انضمام غانتس وحزبه إلى صفوف الحركة الاحتجاجية المطالبة بصفقة تبادل للأسرى لها تأثيرها في تصعيد الضغط الشعبي والبرلماني على نتنياهو للمضي قُدُماً في صفقة لتحرير المخطوفين.

[1] - "غانتس يعلن انسحابه من حكومة الطوارئ الإسرائيلية ويتهم نتنياهو بأنه يتردّد ويؤجل اتخاذ قرارات استراتيجية مصيرية لاعتبارات سياسية"، "مختارات من الصحف العبرية"، العدد 4355، 10/6/2024.

[2] - عاموس يادلين، "مسؤولية ثقيلة تقع على أكتاف غالانت الآن، وقف التدهور"، "مختارات من الصحف العبرية"، العدد 4356، 1/6/2024.

[3] - المصدر نفسه.

[4] - "يديعوت أحرونوت"، 13/6/2024.

[5] - شاي كوهين، "'قانون الحاخامين‘ بالون اختبار حريدي لمعرفة قوة نتنياهو"، "مختارات من الصحف العبرية"، العد 4361، 19/6/2024.

[6] - "انتخاب النائب السابق لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي يائير غولان رئيساً لحزب العمل"، "مختارات من الصحف العبرية"، العدد 4345، 29/5/2024.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o