May 18, 2024 7:57 AM
صحف

الخماسية تُحرج رافضي الحوار

ألقت اللجنة الخماسية كرة الحل الرئاسي الى ملعب اللبنانيين، وأكدت على المؤكد بأن لا رئيس للجمهورية في لبنان يفرض من الخارج، بل انّ الحل بأيدي اللبنانيين ومسارعتهم إلى صياغة انفراج رئاسي، معبره الالزامي مغادرة التعقيدات والاشتراطات، والجلوس الى طاولة الحوار والتوافق على رئيس.

في هذا السياق، أعادت السفارة الأميركية في لبنان، أمس، نشر مضمون البيان الصادر عن سفراء دول الخماسية بعد اجتماعهم في مقر السفارة في عوكر امس الأول، في ما بَدا أنّ السفارة تتوخى من إعادة النشر إفادة، وإيصال رسالة واضحة إلى جميع الاطراف تؤكد على الضرورة الملحة لتجاوبهم على وجه السرعة، مع دعوتها القديمة - الجديدة الى مشاورات محدودة النطاق والمدة للاتفاق على نطاق واسع على مرشح او قائمة قصيرة من المرشحين، والنزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيس.

اللافت للانتباه في هذا السياق، أنّ بيان سفراء دول الخماسية كان أقرب الى «بيان ختامي» لحراك اللجنة، حيث انه لم يحدد آلية معينة لتحرك لاحق للسفراء، سوى اعادة التأكيد على دور اللجنة كعامل مساعد لإنجاح أي مسعى للحل او اي مشاورات سياسية تحقق التوافق على رئيس، بل خلص السفراء الى التبنّي، بصورة مباشرة، لطريق الحل الرئاسي الذي رَسمه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بدعواته السابقة الى حوار بين الكتل السياسية والنيابية سقفه سبعة ايام للتوافق على مرشح او مرشحين.

وفيما بَدا انّ بيان سفراء الخماسية قد أحرجَ رافضي منطق الحوار، بتأكيده انّ رئاسة الجمهورية تمر عبره، تلقف برّي البيان ايجاباً، باعتباره حدّد السبيل الطبيعي الوحيد الى الحلّ الرئاسي، بتغليب منطق الحوار بين الاطراف. وأكدت معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» أنّ احتمال عقد لقاء قريب بين سفراء الخماسية والرئيس بري قوي جداً، لكن حتى الآن لا توجد أي مواعيد. كما ان رئيس المجلس، وبناء على بيان الخماسية، على استعداد لأن يوجّه الدعوة فورا الى الحوار اذا ما وجد رغبة اكيدة لدى كل الاطراف بالجلوس الى طاولة الحوار او التشاور».

واذا كانت بعض المقاربات السياسية لبيان سفراء الخماسية، قد أدرجته كمحاولة جدية من قبل السفراء لتحريك المياه الرئاسية الراكدة، وكسر حلقة الجمود السلبي لهذا الاستحقاق، فقد قالت مصادر سياسية مطلعة عن كثب على اجواء «الخماسية» لـ«الجمهورية»: انّ العبرة ليست في بيان خارطة طريق الحل الرئاسي الذي رسمها السفراء، بل في تمكّنهم من صرف مضمون هذا البيان في بنك الخلافات السياسيّة الداخليّة، وعلى وجه الخصوص مع الأطراف المصنّفة حليفة لبعض دول الخماسيّة، والسبيل الى ذلك يتم عبر حراك عاجل للسفراء مع مختلف الاطراف لإنجاح مهمتهم ببناء أوسع مساحة توافق سياسي على المشاركة في حوار رئاسي يُنهي أزمة الشغور القائمة منذ ما يزيد عن سنة ونصف.

يشار في هذا السياق الى انّ الهوة عميقة بين اطراف الانقسام الداخلي حول النظرة الى الحوار الرئاسي، بين ما يرفضه بالمطلق على اعتباره يخرج على الاصول الدستورية، وبين من يؤكد عليه على اعتبار انه يندرج في سياق الحوارات التي تسبق كل استحقاقات الرئاسة، وبين من يريده فقط للتوافق على مرشحه، وبين من يريده فقط لقطع الطريق على مرشحين معينين. والامر نفسه بالنسبة الى جلسات الانتخاب، حيث انّ ثمة اطرافاً تريد جلسة مفتوحة لانتخاب الرئيس بدورات متتالية، يتخللها تشاور بين النواب، وبين من يريدها جلسات متتالية وصولاً الى الجلسة التي يصار فيها الى انتخاب رئيس، وليس جلسة مفتوحة كالذي يطالب بها البعض، وتؤدي الى شل عمل المجلس نهائياً، حيث انه في حال إبقاء جلسة انتخاب الرئيس مفتوحة، يتعطل الدور التشريعي للمجلس، ولا يعود في امكانه ان يقارب اي اقتراح او مشروع تشريعي، فبهذه الحالة نصبح بلا رئيس للجمهورية، وحكومة تصريف اعمال ومجلس معطّل.

الى ذلك، كشفت مصادر في لجنة الشؤون الخارجية النيابية لـ«الجمهورية» عن لقاء حصل مع سفير دولة اوروبية كبرى، قدّم خلاله مداخلة حول الوضع في لبنان، ضمّنها انتقادات صريحة لما سمّاه «التعطيل المتعمّد للاستحقاق الرئاسي، وقال: لن أسمّي اطرافاً بعينها، انما الأكيد هو أن هناك اطرافا كثيرة شريكة في ذلك، وبمعنى اكثر وضوحا، هذه الاطراف ليست على استعداد لانتخاب رئيس للجمهورية، ولسنا نفهم حتى الآن الغاية من إسقاط الكثير من المبادرات الرامية الى انتخاب رئيس.

وبحسب ما نقل عن السفير المذكور انّ اللجنة الخماسية تبذل اقصى ما لديها لإخراج لبنان من أزمته، وهذا دليل واضح على ان المجتمع الدولي يقف الى جانب لبنان، ويريد له ان يخرج من أزمته. فيما لا نرى في المقابل، مع الأسف، تجاوباً جدياً مع كل هذه المساعي، وهو أمر عَمّق مأزق لبنان، وسيزيده عمقا وتفاقما اذا ما بقي الحال على ما هو عليه. وقال: كيف لكم أن تقبلوا بقاء لبنان في هذا المأزق وفي هذه الأزمة الخطيرة، وفي يدكم ان تخرجوه منها؟.

وانتهى السفير المذكور في مقاربته الملف الرئاسي إلى خلاصة مفادها «انّ المجتمع الدولي لن ينتخب رئيس لبنان عن اللبنانيين، فرئيس الجمهورية مسؤوليتكم، وهذا ما نعتقد انه يجب ان يحصل في نهاية الامر».

وبحسب مصادر اللجنة الخارجية فإنّ الوضع في الجنوب احتلّ حيّزاً واسعاً في النقاش مع السفير الغربي، الذي ذهب في تشخيصه للوضع القائم الى القول إنّ التصعيد الذي نلاحظه من الجانبين (اسرائيل و«حزب الله») يعزّز قلقنا على لبنان ومخاوفنا من مخاطر كبيرة».

الا أن السفير عينه، تضيف المصادر عينها، قَلّل في الوقت ذاته من احتمال التفجير الواسع في الجنوب، ولكن من دون ان يلغيه، وقال: في بدايات الحرب، كان احتمال انزلاق جبهة لبنان الى حرب قوياً جداً، ولكن تبعاً لما نراه على الاقل من الجانب اللبناني، فإنّ منسوب التوجّه الى حرب واسعة منخفض جداً، وكل الاطراف اللبنانية تؤكد انها لا تريد الحرب، بما فيها «حزب الله»، الذي نلاحظ انه يضبط مواجهاته مع الجيش الاسرائيلي ضمن حدود وقواعد معينة. ومن هنا خشيتنا ليست من مبادرة «حزب الله» الى إشعال الحرب، بل إنّ قلقنا الكبير هو من «بيبي». (المقصود هنا رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو).

وفي انتظار ان يتمكن بيان اللجنة الخماسية من اخراج الملف الرئاسي من حيّز التجميد العالق فيه، كشفت معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» أن شخصية سياسية وسطية أجرت لقاءات مع عدد من المسؤولين الغربيين، وعادت بما سمّتها «أجواء رئاسية محبطة». وخلاصة هذه الاجواء أن الملف الرئاسي ثانوي بالنسبة الى «دول القرار الرئاسي»، ذلك ان اولويتها غزة، ولا شيء غير ذلك.

وبحسب ما تنقل تلك الشخصية انها لم تلمس ما يفيد عن تحرّك خارجي نوعي لحسم الملف الرئاسي في القريب العاجل، فالاميركيون وكما يبدو، مُحجِمون في الوقت الحالي عن اي تدخّل فاعل من جهتهم، وتركوا لللبنانيين حرية أن يختاروا رئيساً للجمهورية. اما الفرنسيون فهمّهم الأول والاكيد هو الحفاظ 

على قدر أعلى من حضورهم في الملف اللبناني، وبالتالي أن تكون باريس شريكة في أي حل لبناني رئاسي او أمني، والرئيس ايمانويل ماكرون كما لمسنا متحمّس جداً لبلورة حل لبناني، سواء على المستوى الرئاسي او على مستوى الوضع في الجنوب، ويؤكد في الوقت ذاته على مسؤولية اللبنانيين في التعجيل بهذا الحل. فحتى الآن يمكن الجزم بأن ليس لدى الفرنسيين اكثر ممّا قدموه».

وعندما تُسأل تلك الشخصية عما اذا كانت في الافق تباشير حراك خارجي فاعل وتحديداً اميركي لحسم الملف الرئاسي، تقول: شئنا أم أبينا، إنّ ملف لبنان مرتبط بملف غزة حتى من دون ان يتم الاعلان عن ذلك، وغزة تشكل حالياً محط الاهتمام الاميركي والدولي، وبعدها قد تتحرّك الجهود على خَطّي الحل الرئاسي والحل السياسي لمنطقة الجنوب، علماً انني لست أملك معلومات يقينية حول هذا الامر.

المصدر - الجمهورية

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o