Mar 04, 2024 8:27 AM
صحف

السنيورة: اللبنانيون لا يريدون الانخراط في حرب مع إسرائيل

الناظر المتابع إلى لبنان وأزماته يتأسى لحاله، بلد يعيش أكبر أزمة اقتصادية، ليس في تاريخه فحسب بل أكبر أزمة شهدها العالم منذ عام 1850. وبلد يعيش بلا رئيس دولة منذ أكثر 17 شهرا، وحكومة تسيير أعمال لا تملك صلاحيات، وأخيرا بلد يعيش كل يوم على وقع الاعتداءات الإسرائيلية والقصف المتبادل مع حزب الله.
يصف البنك الدولي تلك الأزمة الاقتصادية بأن لبنان يغرق نحو إحدى أشد الأزمات العالمية حدّة، وسط تقاعس متعمّد، وأن لبنان يعاني كسادا اقتصاديا حادا ومزمنا، وأن حجم ونطاق هذا الكساد يؤديان إلى تفكك الركائز الرئيسة لنموذج الاقتصاد السياسي السائد في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية، أما الفراغ الرئاسي، فقد فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للبلاد عبر ١٢ جلسة، مما دعا رئيسه نبيه بري إلى تعليق جلسات الانتخاب والدعوة إلى حوار للاتفاق على مرشح، وهي دعوة لم تتم حتى اللحظة، أما الحرب المنتظرة أو المتوقع في ظل تكرار الاشتباكات بين الجانبين الإسرائيلي وحزب الله، فلا يزال الكل في لبنان خائفا ومترقبا تلك الحرب.
 
هذه الملفات أو القضايا الثلاث هي ما تسيطر على أفكار وعقول اللبنانيين، وهي التي كانت جديرة بالمناقشة مع رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، الذي تولى رئاسة الحكومة اللبنانية مرتين متتاليتين من عام 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري وحتى العام ٢٠٠٩، وفي فترتيه تلك، شهد لبنان أحداثا كبيرة وخطيرة ومنها الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، واجتياح حزب الله بيروت عام 2008، واحتلال ساحة بيروت من قبل عناصر حزب الله من 2006 وحتى 2008، وغيرها الأحداث.. وإلى تفاصيل الحوار

السؤال الذى يشغل الجميع الآن، هل ستنشب حرب بين لبنان وإسرائيل؟

الصراع بين لبنان وإسرائيل موجود، وهناك اعتداء إسرائيلى مستمر على لبنان جرى خلال سنوات طويلة، وتعرض خلالها لـ 6 اجتياحات إسرائيلية، وطبيعى أن جزءا من هذه الأمور كان ناتجا من أن لبنان فرط فى سيادته عندما جرى توقيع اتفاق القاهرة عام 1969، وهذا الاتفاق استدعى اعتداءات إسرائيلية متكررة، ناهيك عن أن لبنان يعانى جراء كل تعد عليه، ذلك أنه تم توقيع اتفاق بين لبنان وإسرائيل عام 1949 سُمّى اتفاق الهدنة، لكن اتفاق القاهرة اعطى ذريعة لإسرائيل أن تعتدى على لبنان، وسمح كذلك للمنظمات الفلسطينية أن تستغل الأراضى اللبنانية فى مهاجمة العدو الإسرائيلى وتؤدى بذلك إلى المساس أو الإخلال بالسيادة الوطنية للبنان، ودون شك كان فى لبنان مدعاة لما يسمى الحاجة إلى إصلاحات لم تتم، فهيأت المناخ الذى انطلقت منه الشرارة الأمنية، وبالتالى فاقمته، وكان نتيجته أن جرت الإطاحة بالدولة الوطنية فى لبنان.

فقد كان من الممكن أن تعالج هذه المشكلات بطريقة أفضل ومتحسبة ومستبقة لحدوث الظروف الأمنية التى تسببت فيها كذلك ظروف إقليمية وأدت إلى ما أدت إليه. ولبنان يعانى الآن مشكلة مستمرة بسبب الاعتداءات الإسرائيلية، فعندما تم اتخاذ القرار 1701 أغسطس 2006، كان يفترض أن يتم الالتزام به من قبل إسرائيل، لكنها حين انسحبت من لبنان نتيجة لهذا القرار لم تنسحب من المنطقة التى تسمى قرية المارى الواقعة شمال قرية الغجر السورية وأبقت على احتلالها، علما بأن إسرائيل عندما انسحبت عام 2000 انسحبت من تلك القرية، لكنها فى العام 2006 أعادت احتلالها، كما أن هناك نقاطا فى الخط الأزرق لا تزال تعتدى فيه إسرائيل على لبنان ولم تلتزم بالانسحاب من تلك النقاط، النقطة الأخيرة ما يسمى منطقة مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وهذه المنطقة يقول لبنان إنها تابعة له، وتقول سوريا إنها تابعة لها، والواقع أن هناك التباسا، وهذا الالتباس مقصود به أن يصار إلى استمرار وجود سلاح لحزب الله الموجود فى لبنان خلافا لرأى الدولة اللبنانية واللبنانيين، وبالتالى هذا الالتباس أدى إلى رفض حلول حقيقية لها على النسق الذى اقترحته أنا فى النقاط السبع: بأن تُوضع هذه المنطقة بعهدة الأمم المتحدة، حتى يتم البت بشأنها: أهى تابعة للسيادة اللبنانية أم السيادة السورية، وهذا الأمر رفضته آنذاك كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لأغراض أنهم لا يريدون الانسحاب من منطقة مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، ورفضته كل من سوريا وحزب الله وإيران، لأن ذلك فعليا يسحب الذريعة من يد حزب الله بالاستمرار فى إبقاء سلاحه فى لبنان.

هذه مقدمة ضرورية لنفهم أن الذى جرى فى العام 2023 وتحديدا 8 أكتوبر أن حزب الله هو الذى دخل إلى المعركة بطريقة أو بأخرى من أجل ما يسمى « وحدة الساحات»، ومن ثمّ هذا الأمر استدعى هجوما إسرائيليا على لبنان، وأصبح لدينا ما يسمى نظريات تتعلق بقواعد الاشتباك، ونرى أن هذه القواعد تتوسع شيئا فشيئا بما يزيد من المخاطر، وتجدر الإشارة هنا إلى أننى ربما كنت الأول الذى تحدث فى هذا الشأن، حيث أصدرت بيانا فى الثامن من أكتوبر فى اليوم التالى لطوفان الأقصى، أشيد بهذه العملية التى قامت بها حركة حماس، وأنها تعبر حقيقة أنه بإمكان العرب أن يحققوا إنجازا إذا كان هناك من إرادة ومن تصميم ومن عمل مدروس، وبالتالى يحقق إنجازا على صعيد إعادة الاعتبار للقضية الأساس، وهى القضية الفلسطينية، حيث أُعيد وضعها على الطاولة بعد أن كانت تحت السجادة، وأنه كان هناك من يظن أن هذه القضية على طريق التصفية، ولم يدرك الكثيرون ممن كانوا يظنون أن القضية الفلسطينية فى اتجاه التصفية تبين لهم أنها تحفر عميقا فى وجدان العرب والمسلمين فى العالم، ومن هنا جاء طوفان الأقصى ليضع القضية على الطاولة. لكننى أتبعت ذلك بموقف واضح: وهو أنه برغم من تأييدنا الكامل لهذه العملية وتقديرنا لما قامت به المقاومة الفلسطينية أن لبنان لا يستطيع ولا يمكن له أن ينخرط وأن يُستدرج إلى المشاركة فى العملية العسكرية، لماذا؟ لنكن واضحين أن لبنان استنزف طاقاته وإمكاناته، وهو لديه مجموعة من الأزمات، وطنية وسياسية حتى إنه إلى الآن لا نستطيع أن ننتخب رئيسا للجمهورية، ولا نستطيع أن نؤلف حكومة، ولا نستطيع أن نعيد تكوين المؤسسات الدستورية.

ثانيا: أن لبنان يعانى أزمة اقتصادية ماحقة، وثالثا: أن عندنا أزمة تتعلق بوجود هذا العدد الكبير من النازحين وأن أعدادهم تعادل نحو 40% من السكان المقيمين فى لبنان، وهذا الأمر لا يطيقه لبنان، أضف إلى ذلك أن لبنان تعرض منذ سنوات قليلة إلى تفجير مرفأ بيروت، وبيروت تحديدا، وهذا البلد حتى الآن لم يستطع أن يلملم أو يرمم ما جرى من هذا التفجير، فكيف له أن ينخرط فى حرب ساحقة ماحقة، وهو حتى الآن لا يستطيع أن يقوم بإصلاح السراى الحكومى جراء التفجير، وهذا الأمر ليس عمليا الآن، فهو يحدث لأغراض شعبوية ولأغراض مصلحة بعض الدول الإقليمية مثل إيران، ويعرض ساحة لبنان الداخلية وسلمه الأهلى إلى الخطر، لذلك كان موقفى بوضوح وصراحة، وربما كنت الأول الذى قال هذا الكلام بشكل واضح، وأننى ما زلت أعتقد أن لبنان بإمكانه أن يقف إلى جانب الثورة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية ولكن ليس عبر الأساليب العسكرية، بل عبر الدعم السياسى والدبلوماسى والإعلامي.

ولكن، بعد هذا التحليل المهم، هل تتوقع حربا؟

إذا سألنا اللبنانيين، فهم لا يريدون على الإطلاق أن ينخرطوا فى الحرب، يقول حزب الله وإيران أنهما لا يريدان توسيع نطاق المعركة العسكرية, وما أتخوف منه فى هذه العملية هو التهديد الإسرائيلى الباحث عن تحقيق مآربه، ولذلك هناك عمل مستمر من خلال الاستفزازات التى تقوم بها إسرائيل للبنان وذلك حتى ينجر إلى هذه العملية العسكرية.

تتحدث أعلاه عن أن اتفاق القاهرة كان سببا فى اجتياحات إسرائيل المتكررة، فهل تعتقد أن الرئيس عبدالناصر لو كان امتد به العمر حتى نشوب الحرب الأهلية والاجتياحات الإسرائيلية لكان تراجع أو سعى إلى إلغاء هذا الاتفاق؟

صحيح أن هذا الاتفاق جرى أيام الرئيس عبدالناصر، لكن كل الذين يعلمون أنذاك أن عبدالناصر حذر اللبنانيين من مخاطر توقيع هذا الاتفاق، فاللبنانيون آنئذ كانوا متحمسين للغاية، وغير مقدرين للعواقب، وبالفعل لو كان حيّا، فأميل إلى الاعتقاد أنه كان من الممكن أن يحول دون تردى الأوضاع بلبنان على الشكل الذى جرى.

منذ طوفان الأقصى تحديدا، وهناك حديث كبير وكثير وزيارات متعددة من أجل تنفيذ القرار 1701، كيف تنظر إلى ما يحدث؟

القرار ينص على خلو المنطقة من جنوب نهر الليطانى من الأسلحة، هذا هو نص القرار، وما يجرى الآن لا علاقة له بالقرار، فلا إسرائيل أحسنت وصدقت فى تنفيذ القرار، ولا حزب الله صدق فى تنفيذه.

كتبت مؤخرا مقالا فى الواشنطن بوست تحت عنوان«العالم العربى يمدّ يده لإسرائيل. هل ستردّ بالمثل؟» فما الرسالة المراد إرسالها؟

كانت هناك يد ممدودة للسلام قامت بها الدول العربية فى 2002 وهى مبادرة السلام العربية، وصراحة فإن هذه المبادرة ظُلمت، فلا العالم أعطاها قدرها، ولا الدول العربية سعت إلى تسويقها وإلى تعزيز فكرتها لدى العالم، فكان ينبغى تجييش كل الجهود من أجل زرع فكرة المبادرة، وهنا أعود إلى القول إنه فى الحادى عشر من نوفمبر 2023 جرت القمة العربية الإسلامية وأسسوا مجموعة وزراء خارجية تضم مصر والسعودية وقطر والإمارات والأردن ونيجيريا وتركيا وإندونيسيا، واجتمعوا مع مجموعة الخمسة الكبار فى العالم، وكنت وما زلت أتمنى أن يكون هناك دور لهؤلاء الوزراء من أجل إقناع العالم بأهمية وقف الحرب فى غزة، وأن يتم توزيع هؤلاء الوزراء على أربع فرق، كل وزيرين يقومان بجولات على كل بلد فى العالم، من أجل تسويق فكرة المؤتمر العربى الإسلامى الرامى إلى تحقيق السلام ووقف إطلاق النار، وهذه العملية لم يفت الأوان بعد على القيام بها، كان ينبغى أن يتوجه هؤلاء الوزراء إلى جنوب إفريقيا لشكرها على هذه المبادرة الكبيرة التى قامت بها، وفى هذا السياق أتذكر مقولة قسطنطين زريق«ليس كافيا أن تكون صاحب حق، بل أن تستحق هذا الحق» الفلسطينيون بالتضحيات الأسطورية التى يقومون بها يستحقون أن تكون لهم دولة، ونحن العرب نستحق أن يكون هناك حل لهذه القضية.

نأتى إلى الملف الثانى فى الأهمية وهو الاستحقاق الرئاسي، فمتى يتم انتخاب رئيس للبنان؟

استمرار لبنان من دون رئيس هو ضرب من الجنون، لأنه لا تستقيم الأمور من دون رئيس للجمهورية، وهنا ينبغى أن أذكر بعض النقاط المهمة، إن رئيس الجمهورية اللبنانية بحسب اتفاق الطائف هو رأس الدولة، وهو رمز وحدة الوطن، بمعنى أنه ليس رئيس السلطة التنفيذية، لأن رئيس الجمهورية لا يحاسب إلا فيما يسمى الخيانة العظمى، وبالتالى هو ليس مسئولا عن فشل أى من السلطات، فدوره هو حامى الدستور، وهو بالتالى فوق كل السلطات الدستورية: التنفيذية والتشريعية والقضائية. فهو فى النهاية يجب أن يكون فوق كل الصراعات السياسية الموجودة فى النظام الديمقراطي، أكثرية تحكم وأقلية غير مهمشة تعارض، وتسعى لأن تعود إلى السلطة وأن تزيح الأكثرية عن موقعها، ولكن جرى تخريب هذه النظرة من خلال ما يسمى بأن الرئيس يجب أن يكون الأقوى فى طائفته، وهذا تخريب أدى بنا إلى ممارسات خاطئة، فهو رئيس كل البلد، وليس منتميا إلى فريق من اللبنانيين، وهو يجب أن يكون فوق كل الصراعات، وليس تابعا لفريق حتى تكسبه القدرة على أن يسوس الأمور ضمن أحكام الدستور وبما يحافظ على الوحدة الوطنية بين اللبنانيين، لكن الذى جرى فعليا هو هذه الممارسات من قبل التيار الوطنى الحر وأيده فى ذلك حزب الله، بحيث يأتون برئيس جمهورية تابع للفريق ويكون متعاونا معهم، كما حدث فى 2016 حين جرى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية فى البرلمان أكثر من سنتين ونصف السنة من أجل أن يأتوا بالجنرال ميشال عون تبعا لاتفاق مار مخايل 2006 بين عون وحزب الله، فكل هذه الأمور أدت إلى هذا التخريب بهذا الشأن، وبالتالى أدت إلى أن يكون لدينا ما يسمى الثلث المعطل الناتج عن احتلال واجتياح بيروت من قبِل حزب الله عام 2008، ونتيجة لاتفاق الدوحة، وهذا الثلث المعطل هو تسلط الأقلية على الأكثرية.

وهل ترى فى الأفق حلا للشغور الرئاسى الممتد منذ نهاية أكتوبر 2022؟

لا شك فى أننا لا نستطيع أن نستمر من دون رئيس للجمهورية، ويجب أن يكون هاجسنا الأول وفى كل يوم أننا يجب أن نسعى إلى أن يُصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وأن تتم الدعوة إلى انتخاب رئيس فى المجلس النيابي.

وهل تتوقع أن يترشح قائد الجيش جوزيف عون بجانب المرشحين الآخرين سليمان فرنجية وجهاد أزعور؟

من حيث المبدأ فإن هذا يتطلب تعديلا دستوريا.

لكنه فى حكومتك تم ترشيح قائد الجيش وقتها الجنرال ميشال سليمان؟

الذى جرى أنه تم انتخاب الرئيس سليمان، حيث أصر الرئيس نبيه برى أن تتم عملية الانتخاب من دون تعديل للدستور، ولكن تحت مسميات وأعذار لا قيمة دستورية لها. كما أن هذا الترشيح والمخالفة للدستور جرى بقوة دفع اتفاق الدوحة عام 2008.

الملف الثالث وهو الملف الاقتصادي، والأزمة الاقتصادية الحادة التى يعيشها لبنان منذ سنوات، حيث توجه اتهامات إلى أن السبب فى ذلك هى السياسة المالية والاقتصادية للبلاد منذ 1992، وأنت كنت وزيرا للمالية فى هذه الحكومة، فكيف تنظر إلى الأسباب التى أدت إلى تراكم تلك الأزمة ومن ثمّ انفجارها ؟

الحقيقة هذه فعليا، أكذوبة كبرى، وليس صحيحا ما يُقال، فلبنان فعليا يعانى تلك الأزمة منذ 1975 عام الحرب الأهلية وحتى اليوم، حيث يسجل سنة وراء سنة عجزا فى خزينته وموازنته العامة، وهذا العجز يترجم بزيادة فى الدين العام، وهذا الأمر ناتج بداية من الحروب التى تعرض لها لبنان على مدى تلك السنوات من حرب أهلية واجتياحات إسرائيلية، وهذه كلها أدت إلى نتائج على المالية العامة وعلى الاقتصاد، ولبنان فى مطلع العام 1993 عندما جاءت حكومة الرئيس رفيق الحريري، وكان هناك وعد من المجتمع الدولى بعد اتفاق الطائف بإنشاء صندوق دولى وعربى من أجل إعادة إعمار لبنان مباشرة بعد اتفاق الطائف، ولكن الذى جرى بعد الاتفاق أن قام العراق باحتلال الكويت، وعندها تغيرت الأولويات فى منطقة الشرق الأوسط، وأصبح الهم الأكبر هو إخراج الجيش العراقى من الكويت، ومن ثمّ تم وضع فكرة إنشاء الصندوق « على الرف» وإلى الأبد، وبالتالى كان على لبنان أن يُعالج مشكلاته من خلال إمكاناته، وهذا الأمر كان صعبا على لبنان، إذ إن ديونه فى تلك الفترة قد بلغت 3 مليارات دولار، وحاول لبنان أن يبحث عن طريق للمعالجة، ولكن هنا دخلت العناصر التالية: أنه بسبب توجيه الأنظار نحو إخراج العراق من الكويت، كانت هناك حاجة عربية ودولية إلى إقصاء كل بؤر التوتر فى المنطقة العربية من أجل أن تتوحد الجهود نحو الكويت، وكان ذلك يقتضى إبعاد الجنرال عون الذى كان مختطفا للسلطة وقتها، وقد أوكل الأمر إلى النظام السورى لتولى المسئولية، وبالتالى أصبح لدى النظام السورى صلاحيات عديدة لإدارة الوضع فى لبنان، وأصبحت هناك إدارة ما يسمى تطبيقا مجتزأ للدستور اللبناني، التى قد أقرت تعديلات بشأنه فى اتفاق الطائف، وجاء الحريرى رئيسا للوزراء، لكن ألقاه لبنان فى اليّم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء، وهذا ما جرى فى بداية التسعينيات وحكومة رفيق الحريرى الأولي. الأمر الآخر أو المشكلة التى صارت فى لبنان، أن هناك استعصاء مستمرا على القيام بالإصلاح، والإصلاح هو ناتج عن المتغيرات والتحولات الجارية فى العالم، والتى بدأت طلائعها المتسارعة مع الثورات التكنولوجية والتى لم يستطع لبنان أن يقوم بمواكبتها لأنه حقيقة كانت هناك مصاعب، وكانت الأمور يريدها النظام السورى حسبما تحقق له مزيدا من الهيمنة والسيطرة، وكانت أيضا بعد ذلك ناتجة عن الاحتلال الإسرائيلى واجتياحاته المتكررة، فعندما أتى الحريرى كان ربع لبنان محتلا من إسرائيل، وكانت هناك إملاءات نتيجة الوجود الإسرائيلي، وإملاءات نتيجة وجود النظام السورى الذى كان كعامل إطفاء الذى توقع معه عقدا من أجل إطفاء الحرائق، لكنه كان يحرص على عدم إطفائها بالكامل حتى يجدد العقد، وبالتالى كان يبقى هناك جمر من أجل أن يعيد إضرام النيران حسبما تقتضيه مصلحته، وهذا كل الذى جرى، كان هناك استعصاء على الإصلاح، والذى جرى خلال تلك الفترة أنه كانت هناك ممارسات شعبوية وبعيدة عما يحتاجه لبنان، والذى جرى كذلك أنه تم تكبير حجم الجيش اللبنانى وقوى الأمن، وخلق ما يسمى بجيوش جديدة، فأصبح لدينا الجيش وقوى الأمن والأمن الداخلى وأمن الدولة والجمرك، ومن هنا زادت الحجوم وزاد حجم الدولة الإدارية، وكان كل ذلك له تكلفة، ومن هنا نرى أنه كان هناك استعصاء على إيجاد التوازن فى الموازنة العامة وفى الخزينة، وكان هناك إصرار على زيادة الإنفاق والحرص على عدم موازاة ذلك بزيادة الإيرادات لدى الخزينة العامة، ولذلك كان يحدث دائما عجز، وهذا العجز كان يتم بموافقة مجلس النواب، والأكثر من ذلك أن المجلس النيابى بعد إقرار الموازنة العامة، كان يقر اقتراحات وقوانين ترتب كلها أعباء على الخزينة العامة، ولكن دون ترتيب الموارد المالية التى تعوض هذا الإنفاق.

هذه هى المحنة التى كنت أواجهها كوزير للمالية، وبرغم كل التنبيهات والتحذيرات والتشديد على ذلك، كان يجرى الإطاحة بها، ويرفض المجلس أى عملية إصلاح من أجل التوازن فى الموازنة العامة، ولكن أن توجه التهمة إلى الرئيس رفيق الحريرى وإلى شخصيا فهذا ظلم. وكان السؤال لماذا لا تستقيل؟ كنت أعتقد أنذاك أن استمرارى هو من أجل تقليل الضرر وهذا ما كان يحدث.

فى شهر فبراير الماضى، وهو شهر تمر فيه ذكرى اغتيال رفيق الحريري، وقد جاء رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريرى لإحياء الذكرى الـ 19 لاستشهاده، فكيف تنظر إلى هذه الزيارة، وهل لها أهداف سياسية؟

عندما عبر الرئيس سعد الحريرى عن رغبته فى تعليق عمله السياسي، فقد عبرت له وبكل وضوح أننى ضد هذه الرغبة، وكنت أقول له إن هذا لا يجوز، وأنه يجب أن تستمر، فأنت لك مريدوك ومحبوك من الشعب اللبناني، وأنت تتمتع بالرمزية التى لا يتمتع بها أحد، فأنت ابن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقد قمت بأعمال كبيرة، فقد استطعت فى انتخابات 2009 أن يكون لك كتلة نيابية هى الأكبر فى تاريخ المجلس النيابى والتى كانت 33 نائبا، وكنت أيضا ضد فكرة التسوية السياسية التى قام بها مع الجنرال ميشال عون عام 2016 ليصبح رئيسا للجمهورية، وكنت ضد قانون الانتخاب عام 2018 والذى على أساسه أجريت الانتخابات وتسببت فى انخفاض عدد كتلته النيابية إلى ما دون النصف، وبعد ذلك انحصرت بشكل أساسى وكبير.

لكن صاحب الزيارة حديث عن عودته للعمل السياسي؟

عندما يريد أن يعود مستفيدا من كل التجارب الماضية، فأعتقد أنه سيجد من يدعم وجوده السياسى فى لبنان.

وهل تنصحه بالعودة؟

عندما يقرر ويستفيد من تجارب الماضى فلماذا لا يعود .

وهل آن الأوان لذلك؟

هو يرى أن هذا الوقت ليس مناسبا للعودة

على ذكر الحريرى الأب والابن، من هو زعيم السنة الآن فى لبنان ؟

أهل السنة والجماعة وهى أكبر مجموعة حتى هذه اللحظة، كما أنهم موجودون فى كل مناطق لبنان من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، يعنى من النهر الكبير إلى شبعا ومزارع شبعا، ومن البحر إلى النهر، ولأن لهم امتدادا فى المحيط العربى الكبير، فهذا يرتب عليهم دورا ولا يعطيهم امتيازا، وهو أن يكونوا المادة اللاصقة فى هذه اللوحة الفسيفسائية، وهذه اللوحة هى التى تجمع حبات قطع الموزاييك لتبقى متلاصقة مع بعضها البعض، وفى تاريخ لبنان لم يكن فيه زعامة سُنية واحدة، كانت هناك بوادر زعامة سنية واحدة فى عهد رياض الصلح لكونه رجل الاستقلال، بعد ذلك كانت هناك زعامات مناطقية مثل صائب سلام فى بيروت ورشيد كرامى فى طرابلس، وزعامات أخرى متفرقة، لكن لم يكن هناك زعيم واحد، وهذا الأمر تغير مع مجىء الرئيس رفيق الحريرى الذى بسبب حجمه وإمكاناته واتصالاته ودوره الذى لعبه قبل تولى رئاسة الحكومة وفى اتفاق الطائف استطاع أن يصبح زعيما لبنانيا أساسيا وعربيا فى آن معا، وباستشهاده انتقل الدور الذى لعبه إلى نجله سعد الحريرى لكونه ابن الرئيس الشهيد، وكان يعمل من أجل هذا الموضوع، وهذا الأمر افتقدناه عندما قرر تعليق عمله السياسي، وبالتالى أصبحت هناك حالة من الفراغ، وهذا الفراغ له تأثيراته السلبية على الوضع الوطنى العام.

لكن لماذا يشعر السنة فى لبنان بأنهم مهمشون؟

هذا الأمر ليس مقصورا على لبنان فقط، بل يشعر به السنة بشكل عام فى كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان، وهذا الامتداد لهذه الأزمات التى يعانيها الوضع العربى العام والوضع السنى العام، فهناك استهداف لعدد من الدول العربية، وهناك التأثير الإيراني، كل هذا أدى إلى هذا الشعور بما يسمى الاستهداف والتقليص من الدور السني، وهذا الدور ليس من مصلحة لا العرب ولا كل المكونات الأخرى، فإذا تم إضعاف الأكثرية فإن ذلك يؤدى إلى مزيد من التأجج فى العلاقات التى يجب أن تجمع المكونات القويمة العراقية والسورية واليمنية واللبنانية.

المصدر - الأهرام

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o