Feb 29, 2024 2:04 PM
عدل وأمن

عبود: إقرارَ قانونِ استقلاليةِ القضاء خطوةٌ ضروريةٌ وأساسيةٌ في طريقِ التغييرِ

المركزية – ألقى الرئيس الأول لمحكمة التمييز - رئيس مجلس القضاء الاعلى  القاضي سهيل عبود كلمة في حفل إطلاق "منتدى العدالة"، جاء فيها: "بدايةً، أقتبسُ حرفياً فأقول :

"أولُ ما يحضُرُ في ذِهني في هذهِ اللحظةْ، هو همّـيَ الدائمْ، أن تعودَ مدينتي بيروتْ أمّاً للشرائعْ كما هو لقبُها، وأَن ننجحَ كلبنانيين في إقامةِ دولةِ القانونْ في بلادِنا، وأَن يسودَ العدلُ بينَ أبنائِها".

إقتباسٌ عن رئيسِ محكمةِ العدلِ الدوليةْ القاضي نواف سلام، الذي نتشاركُ معَهُ الهمومَ والأهداف.

وأُضيفْ في السياقِ ذاتِه، أَنَّ تكريسَ دولةِ القانون، يفترِضُ ثلاثيةً ثابتةً :

أولاً : تشريعاتٌ وقوانين.

ثانياً : قضاةٌ مستقلّون، وجِهازٌ قضائيٌ فاعلْ.

ثالثاً : ضماناتٌ ماديةٌ للقضاة، وتجهيزاتٌ لقصورِ العدل.

فأينَ نحنُ مِنها، وكيفَ حاولنا وما زِلنا نحاولُ الوصولَ إليها؟"

أضاف: "يجدرُ التنويهْ هنا، بالتقريرِ الصادرِ عن مجموعةِ الخُبراْء الأوروبيين بتكليفٍ من الاتحادِ الأوروبي وبرنامجِ الأممِ المتحدةْ الإنمائي، والذي يتماهى في خُلاصاتِهِ إجمالاً، مع ما هو مطلوبٌ للوصولِ إلى دولةِ الحقِ والقانونْ.

أولاً : لجهةِ التشريعاتِ والقوانين

من المسلّمِ به والمؤكّدْ، أنَّ السلطةَ القضائيةَ المستقلة، هيَ في أساسِ وجودِ دولةِ القانون، وأَنَّ الاستقلاليةَ بحاجةٍ إلى قانونٍ يرعاها، وإلى تشريعٍ يُنظِّمُها.

والقضاءُ اللبناني ينتَظِرُ إقرارَ اقتراحِ القانونِ المتعلقِ بهذهِ الاستقلاليةْ، الذي لا زال يُدرسُ فيُستعاد ليُعادَ درسُه، منذ سنواتٍ من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية، بما يُثبِتُ عدمَ وجودِ إرادةٍ حقيقيةٍ في إقراره، وفي تخطّي مرحلةِ الدرسِ إلى الإقرارْ".

وتابع: "وتجدرُ الإشارةُ هنا، إلى أَنَّ مجلِسَ القضاءِ الأعلى، لم يتوانَ يوماً عن اتخاذِ المبادراتِ بهذا الصددْ. ففضلاً عن اقتراحِه تعديلاتٍ محدَّدة لبعضِ موادِ قانونِ القضاءِ العدلي الحالي، من شأنِها تأمينُ الاستقلاليةِ وتحصينُها، فإنه عَمَدَ أيضاً إلى وضعِ ملاحظاتٍ مفصّلة، واقتراحاتٍ تعديلية على اقتراحِ القانونِ المعروضْ، كما اقترحَ تعديلاتٍ على قوانينَ أصولِ المحاكماتِ الجَزائيةْ والمدنيةْ، وقانونِ القضاءِ العدلي وسواها، بهدفِ تسريعِ المُحاكمات بالشروطِ الفُضلى، والوصولِ إلى العدالةْ، وتأمينِ حُسنِ سَير المِرفقِ القضائي.

وتبقى مشروعيةُ السؤالْ عن الفترةْ، التي يُفترض انتظارُها بعد لإقرارِ هذا القانونْ وهذه التعديلاتْ، وهل أَنَّ إِقرارَهُ سيُحقّقُ فِعلاً دولةَ القانونِ والعدالةْ؟

لا شكَّ في أَنَّ إقرارَ قانونِ استقلاليةِ القضاء، هو خطوةٌ ضروريةٌ وأساسيةٌ في طريقِ التغييرِ المطلوبْ، لكن يجبْ أن يترافقَ مع خطواتٍ أخرى تطالُ القضاةَ وأوضاعَهم والجِهازَ القضائيَ وقصورَ العدل.

ثانياً : لجهةِ القضاةْ والجهازْ القضائي

إذا كانَ لا وجودَ لدولةِ القانونْ من دونِ سُلطةٍ قضائيةٍ مستقلةْ، فلا سلطةْ قضائيةْ مستقلّةْ من دونِ قاضٍ يتمتعُ بالمناقبيةِ القضائيةْ، وبالكفاءةِ العلميةْ والشجاعةِ المِهنية، وبالإرادةِ الجادّة للعملْ.

ويبدأُ هذا الأمرْ، من خلالِ حُسنِ اختيارِ القاضي، وجودةِ تدريبِه، ومن ثَمَّ من خلال تعيينِه في المركزِ المُناسبِ له، إضافةً إلى تقييمِ عملِه، وصولاً إلى تحفيزِه ومكافأتِه، أو مساءلتِه عند الضرورة".

وقال عبود: "إِنَّ مَجلسَ القضاءِ الأعلى، رغمَ كل ِالظروفِ الصعبة ِالتي مرّ بها لبنان عموماً، والقضاءُ خصوصاً، عَمدَ إلى وضعِ تصوّرٍ جدِيد ٍلمباراةِ الدخولِ إلى معهدِ الدروسِ القضائيةْ، وذلكَ في ظلّ ِالأحكامِ القانونيةِ المعمولِ بها حالياً، بما يضمَنُ اختيارَ الأفضل ِبين المتبارينَ وشفافيةَ المباراة. كما طبّق التدريبَ المستمرَ للقاضي من دونِ وجودِ نصوصٍ قانونيةٍ ترعى الموضوعْ، ووضعَ مشروعاً لتقييمِ عملِ القضاة، وذلك بالتعاونِ مع منظمّاتٍ دوليةٍ ودولٍ مانحة. كلُّها مواضيعْ تنتظرُ تكريساً تشريعياً.

ويسألُ الجميعْ : لماذا الوضعُ القضائي هو على ما هو عليه اليومْ؟

الجوابُ واضحٌ وساطعْ، فإضافةً إلى تقاعُسِ السلطةِ التشريعيةْ وفقَ ما سبقَ بيانُه، فإِنَّ عدمَ توقيعِ التشكيلاتِ والمناقلاتِ القضائيةْ الشاملةْ والجُزئيةْ وفقاً للقانونْ من قبلِ المراجع المختصةْ، المؤكَّدْ عليها مراراً وبالإجماعْ، من قبلِ مجلسِ القضاءِ الأعلى، والتي وُضِعَتْ بالاستنادِ إلى معاييرَ موضوعيةٍ أقرّها المجلسْ لأولِ مرةْ، وبقيتْ حبراً على ورق، هو السببُ الرئيسي لوضع ِالقضاء ِاليومْ. فهل ما زِلنا نسألُ ونتساءلُ عن المسؤول ِالأساسي عن هذا الوضعْ؟! وعن عدمِ قيامِ القضاءِ بدورِهِ المفترَضْ والمطلوبْ والمعوَّلْ عليهِ في مكافحةِ الفسادْ؟

على صعيدٍ آخر، لا قضاء مستقلاً، من دونِ تطبيق ِمبدأ الثوابِ والعِقاب، ولا سيما من قبلِ تفتيشٍ قضائي ومجالسَ تأديبيةٍ فاعلة. مع الإشارة ِإلى أن الملاحقاتِ التأديبية، أدّت إلى إنهاءِ خدماتِ ثلاثةَ عشر قاضياً في الفترةِ الأخيرة، أربعةٌ منهم ملاحَقون أيضاً جَزائياً.

وعلينا ألاّ ننسى في هذا السياقْ، دورَ المساعدين القضائيين، إذ يجبُ العملْ على تحفيزِهم وتدريبِهِم ومراقبتِهم ومساءلتِهم عندَ الحاجة.

 ثالثاً : لجهةِ الضماناتِ الماديةْ للقضاة، وتجهيزاتِ قصورِ العدل

لا قضاءَ مستقلاً وفاعلاً من دونِ تأمينِ مخصّصاتٍ ورواتبَ مناسبةٍ للقضاةْ، تتلاءمُ مع حجم ِمسؤولياتِهم وخطورةِ مهامِهم ودِقتِها، وتكونُ عُنصرَ جذبٍ لاستقطابِ الكفاءاتِ لدخولِ معهدِ الدروسِ القضائية. كما يتعينُ تأمينَ التمويلِ المناسبِ لصندوقِ تعاضدِ القضاةِ ليصبحَ قادراً على تحقيقِ موضوعه، من خلالِ ضمانِ الاستشفاءِ والتعليم والتقديمات الاجتماعية للقاضي ولعائلتِه وتأمينِ مسكنٍ لائقٍ لهُ، إضافةً إلى تحسينِ الوضعِ المادي للمساعدين القضائيين.

أما بالنسبةِ إلى قصورِ العدلِ وقاعاتِ المحاكماتِ ومكاتبِ القضاةِ والأقلامْ، فلا بدَّ من إعادةِ تجهيزِها، لا بل إعادة ِتشييدِ قُسمٍ منها، لكي تُصبحَ لائقةً بالمتقاضينَ والقضاة والمساعدين القضائيين.

كما يتعينُ مكننةَ العمل ِالقضائي وتحديثَه، بُغيةَ الوصولِ إلى شروطِ عملٍ وإنتاجيةٍ متوافقةٍ مع التطورِ والتحوّل الرقميّينْ".

وختم: "أختمُ بتوجيهِ الشكرْ إلى الاتحادِ الأوروبي وبرنامجِ الأممِ المتحدة الإنمائي، على التقريرِ الواقعي والموضوعي، والأفكارِ المستقبليةْ المتعلقة بالوضع القضائي الحالي.

كما أُنهي بخُلاصتين :

أولاً: أثبتتِ التَجرِبةُ حتى الآن، أنَّ السلطاتِ والمرجعياتِ والقوى والفاعليات ِالسياسية لا ترغبُ على العموم بوجودِ سلطةٍ قضائيةٍ مستقلةْ، وأَن كلاً منها يريدُ قضاءً على قياسِهِ وقياسِ مصالحِهِ، وأنها نجحتْ في إيصالِ القضاءِ، إِن باتفاقٍ صريحٍ أو بتوافقٍ ضُمني، إلى وضعِهِ الحالي، الذي يُسألُ ونُسأل عنه أيضاً.

ثانياً : إِنَّ النهوضَ القضائيْ، واستعادةَ القضاءِ لدورِهِ، لن يتحقَّقا إلاّ عِبرَ إرادةٍ وتعاونٍ حقيقيين، بين مختلفِ السلطاتِ، وفقَ ما يفترضُه الدستورْ، بمشاركةٍ من المجتمع المدني، وبتعاونٍ مع الجهات الدوليةِ الحاضرةْ والقادرةْ والراغبة في تأمين المساعدةِ والدعم، علماً أن َّتجرِبتَنا سابقاً في طلبِ المساعدةِ الدولية، لم تلقَ التجاوبَ المطلوب.

أخيراً، فلنحيِي الإرادةَ بالتفاؤل ِ، ولنُضِف إليها رمزيةَ هذا المكانْ، أي رمزيةْ اختيارِ محكمةِ التمييز مكاناً لانطلاقِ مشروعِ النهوض والتحديث القضائيين. فلهذِه الرمزيةِ أهميتُها، إذ إنَ محكمةَ التمييز هي التي تسهرُ على القانون ِ“Sentinelle du droit”، وهيَ التي أُنشِئت في العام 1919، أي قبلَ إعلانِ دولةِ لبنانَ الكبير، بهدفِ "عدمِ قطعِ سَير العدالة، وعدمِ تعليقِ المحاكمات ِإلى أجلٍ غيرِ مسمّى"، كما جاء حرفياً في سببِ وجوهرِ قرارِ إنشائِها.

وعسىْ أن يكونَ إطلاقُ مشروعِ التحديث ِالقضائي من هذا المكان ِ بالذات، مؤشراً ودافعاً للسيرِ بالمحاكماتِ والتحقيقاتِ المتوقفة والمجمّدة، ومنطلقاً لإعادةِ بناءِ دولةِ القانونِ والعدالةْ، ولاستعادةِ دورِ بيروتَ كحاضنةٍ للشرائع ِوحاميةٍ للحقوقِ ومنارةٍ للعدالةْ.

عاشَ القضاءُ اللبناني المستقل. عاشَ لبنان".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o