Jan 20, 2024 11:01 AM
خاص

بعد الضربة الايرانية لباكستان.. تهدئة أم جمر تحت الرماد؟

يولا هاشم

المركزية – قررت باكستان أمس إنهاء الأزمة مع إيران وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها، وارساء التهدئة، وذلك بعد التوتر الذي أثارته الضربات المتبادلة ضد جماعات مسلحة على جانبي الحدود. لكن ماذا في خلفيات الضربة؟

المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يقول لـ"المركزية": بعد استهداف العراق وسوريا، توجهت ايران نحو باكستان تحت شعار الرد على الضربات التي تتلقاها ووجهت أصابع الاتهام في مجزرة كرمان إلى المتطرفين وتحديدا حزب العدالة السنّي في بولشستان، واستهدفته بضربات، الهدف منها تطويع هذه المناطق المنتفضة تحت حجة محاربة الارهاب، علماً أن حادثة كرمان داخلية نتيجة الأذرع والصراع على السلطة.

ايران لم تعلن أنها تحمّل اسرائيل مسؤولية تفجير كرمان، كما أنها لا تستطيع أن تقول بأن الصراع داخلي ايراني لأن من شأن ذلك أن يفقد السلطة دورها وقدرتها، وبالتالي عليها أن ترد. لذلك، وجهت ضرباتها نحو المناطق المنفصلة تحت شعار التعبئة الشعبية الايرانية وبأن ايران تتعرض للخطر، وتحارب الارهاب التكفيري السنّي الذي تتهمه بأنه يقوم بأعمال تكفيرية إجرامية ضدها، والاستفادة من الضربة لتطويع المناطق المنتفضة والمعترضة، في محاولة للقبض على مناطق سيستان وبولشستان المتمردة ذات الأغلبية السنية.

ويشير العزي الى ان "ايران تعيش منذ 44 عاما حالة من التخبط الاستراتيجي وتوجّه ضرباتها وفقا لردات الفعل وليس التكتيك الاستراتيجي. لذلك لم تتوقع بأن الرد الباكستاني سيكون أقوى وأوسع نتيجة تخطيها للأمن القومي، إضافة الى العداء الكبير تجاهها نتيجة مشروعها التوسعي وبناء الدويلات، تماماً كالعداء العربي لاسرائيل. لذلك، أخطأت ايران عندما ظنّت ان باستطاعتها توجيه ضربة تأديبية لحزب العدالة المعارض في بولشستان والمكروه والمطالَب في باكستان تحت حجة ملاحقة الارهاب".

ويرى العزي ان باكستان لم تسكت على الضربة بحجة محاربة الارهاب لأن من شأن ذلك أولاً، ان يسمح لايران بالتعدي على كل الحدود والاجواء معها، من هنا كان الرد بأن باكستان كفيلة بملاحقة هذه المنظمة التي تعتبر على لائحة الاعمال العدائية الباكستانية، لكن فتح النار على المناطق الحدودية تعدٍ على أمنها القومي. وثانياً، التفرد بالقومية البلوشستانية التي ترتبط عرقيا بالعرق البلوشستاني والافغاني ما سيسبب اضطرابات داخلية في هاتين الدولتين ويترك ظلاله الفعلي على السياسة الباكستانية وسيسمح لايران بمعاقبة وملاحقة قتل هذه الاقليات تحت شعار الارهاب".

ويعتبر العزي ان محاولة تصدير ايران مشكلة كرمان نحو الخارج للقول بأنها شريكة في محاربة الارهاب ومُعتَدى عليها من قبل الارهاب الاسلامي الصهيوني الاميركي ومحاولة التعبئة الشعبوية في الدول الاسلامية، جاء نتيجة حشر أذرعها خاصة في البحر الاحمر والصراع المباشر مع الغرب وتلقي ضربات موجعة.

ويلفت الى ان "اهمية باكستان أنها قامت بالرد العسكري المباشر وبدأت تتحضر لتدعيم جبهة بلوشستان والقول لايران بأن الامن القومي الباكستاني خط أحمر حتى لو كلف الدخول في معركة معها. وبالتالي ظهرت باكستان على المسرح الدولي باعتبار انها لا تريد التصعيد لكنها لن تسمح لايران بتصدير مشاكلها الداخلية الى الخارج. لكن الشكوى التي تقدمت بها الى مجلس الامن ستكون محط أنظار وخلاف في داخل الداعمين لايران وتحديدا الصين التي حاولت ان تحتوي الازمة ما بين اصدقائها الباكستانيين التي تربطهما علاقة ممتازة خاصة من خلال مشروع طريق الحرير، والايرانيين شركائها اقتصاديا وامنيا.

ويؤكد العزي "ان باكستان مستعدة للتصعيد في حال حصول تصعيد أوسع من قبل ايران، خاصة وأنها تملك جيشا قويا، كما ستتلقى دعماً من الهند والولايات المتحدة، وسيرفع البلوشستان مستوى تحركاته في الداخل الايراني. باكستان لن تقبل بأي تسوية لاحقة إذا لم يكن هناك حماية فعلية للعنصر البلوشستاني وعدم التفرد الايراني في تصفية حسابات مذهبية واعتراضية تحت شعار أنهم متطرفون وارهابيون".

ويضيف: "الجلسة في الامم المتحدة قد تؤدي الى رفع الكثير من الإنذارات، وسنلاحظ غياب الفيتو الصيني الروسي وبالتالي ستكون الجمعية العمومية أقوى في مناقشة البيان وهذا سيؤمن غطاءً سياسياً كما حصل أبان الضربة الحوثية الاسبوع الماضي. وبالتالي لن تستطيع ايران مواجهة باكستان في السياسة الخارجية، وسيكون الجيش الباكستاني جاهزاً للرد على أي اعتداء ليس فقط على الحدود وإنما أيضاً لحماية بلوشستان التي تتعرض لاضطهاد".

ويؤكد العزي "ان ايران التي لم تستطع مواجهة اسرائيل او الولايات المتحدة وتحاول ضمن التسوية الكبرى ضرب حلفائهما كرد على ضرب حلفائها في المنطقة، لكن الامر انعكس سلبا عليها نتيجة التخبط في مواجهة الاستكبار العالمي ومحاربة اسرائيل وبناء أذرع باتت تخسرها تدريجيا اكان في غزة او البحر الاحمر او العراق او لبنان، نتيجة الضعف وغياب القراءة الفعلية للتحولات والتغيرات السياسية والاستراتيجية في مواقف الدول العالمية. إذ أن ايران كانت تظن أنها قادرة على تنفيذ ما تريد لأن واشنطن المنشغلة بالحرب الميدانية في اوكرانيا والحرب الباردة مع الصين، لن تقوم بأي رد فعل وسيتم الجلوس معها والتفاوض لاحتواء اي ضربة تقوم بها ومنها عملية طوفان الأقصى، خاصة مع السنة الأخيرة للرئيس جو بايدن، وهي سنة متوترة، وبالتالي لن تستطيع واشنطن اتخاذ قرارات سوى الخضوع لمطالبها، وبهذا تستطيع ايران في هذه اللحظة التي تراها مناسبة ان تفرض شروطها من خلال التسوية القادمة لمنطقة الشرق الاوسط وان تحافظ على أذرعها ونفوذها. لكن على العكس رأينا كيف استطاعت واشنطن إخراج ايران وإفراغ دورها السياسي وإبعادها عن كل التسويات".

ويختم العزي: "ايران خسرت كل الاوراق حتى الباكستانية، وهذا يدل على عمق الهوة بينها وبين محيطها الذي يحاول الا يفتح اي جبهة معها. ايران التي رمت مصائبها ليس فقط على المناطق العربية او الداخل الايراني وانما على الجوار والمحيط، تعلم جيدا انها محمية ومرعية من واشنطن التي لم تكن تريد تغيير النظام الايراني لأنه يؤمن لها حماية مصالحها. لكن يبدو أن الجيوسياسية الحديثة باتت ترى ان ايران يمكنها المحافظة على وجودها ودولتها لكن نفوذها في الخارج اصبح عائقا امام كل التغيرات العالمية، ولذلك وجدت المنطقة نفسها امام حرب مفتوحة لكنها مضبوطة تحت شعارين: الاول عدم السماح للدويلات بفرض شروطها على نفوذ واشنطن والثاني تراجع ايران والحفاظ على مصالحها من خلال التضحية بأذرعها والتي بتنا نراها من مكان الى آخر، وربما سيتفتَح على ايران عند اي خطأ ترتكبه جبهة الدبابير أكان في أذربيجان ام باكستان ام افغانستان، لأن العرق البلوشستاني، وهو الاساسي في هذه المنطقة، سيكون عرقاً قومياً معادياً للفارسية ومذهبياً معادياً للمذهب الصفوي وولاية الفقيه. وما حدث مع افغانستان وكيف تعاملت حركة طالبان مع قضية الجفاف والمياه خير دليل".

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o