شورى الدولة يبطل قرار استنسابية الداخلية والتبليغات إلزامية...هل يعود البيطار لإصدارها؟
جوانا فرحات
المركزية – في خطوة جريئة ولافتة ، تبنت الهيئة الحاكمة في مجلس شورى الدولة برئاسة القاضي فادي إلياس تقرير القاضي كارل عيراني بكامله، فأبطلت قرار وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام المولوي المعمم في 22 أيلول 2021 على قوى الأمن الداخلي والذي أُبلغ به البيطار قبل أيام قليلة من موعد الاستجواب، الامتناع عن تبليغ بعض السياسيين عبر قوى الأمن الداخلي وهم: حسان دياب، علي حسن خليل، غازي زعيتر، نهاد المشنوق بمواعيد جلسات استجوابهم التي حددها البيطار آنذاك. وقضى قرار شورى الدولة بإعادة الأوراق إلى مرجعها لإتمام التبليغ بالطرق العادية.
قرار المولوي آنذاك جاء معمما بحجة أن تنفيذ التبليغات قد يؤدي إلى وقوع ضرر على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ومن الممكن ادخالها في تجاذبات سياسية قد تؤثر على استقلالية المديرية، مستندًا على أحكام المادة 147 من أصول محاكمات جزائية.
من هنا تبرز أهمية القرار المبدئي الصادر عن مجلس شورى الدولة لأنه يكافح مفهوم الدولة المارقة ويعيد مسار بوصلة العدالة إلى مسارها الصحيح على رغم كل العوائق والإستنسابات التي تطرح لقطع الطريق أمام أي جهة من إبطال أي قرار قضائي علما أنه ملزم وبحجة التقدير والإستنساب.لكن هل سيتمكن القاضي البيطار من استكمال التحقيق في جريمة المرفأ في ظل الدعوى المرفوعة عليه من قبل النيابة العامة التمييزية؟
ثمة رأي عام افترض أن قرار مجلس شورى الدولة على رغم أهميته في الشق القضائي واستعادة ما أمكن تلقفه من هيبة القضاء يعني عودة البيطار إلى الملف والبدء بالجلسات لإصدار التبليغات. وهنا تكمن العقدة.
في مسألة توقيت صدور القرار الذي وزعه مكتب الإدعاء في نقابة المحامين بعد تلقيه قرار الإبطال الذي اتخذه مجلس شورى الدولة، يوضح المحامي في مكتب الإدعاء في نقابة المحامين يوسف لحود أن " قرارات المجلس لا ترتبط بأجندة. جل ما في الأمر أن القرار صدر بعد تداول أعضاء المجلس بحيثياته بحيث اعتبر أن قرار المولوي يشكل سابقة خطيرة من حيث تمنّع العناصر الأمنية عن تنفيذ التبليغات تحت ذريعة التجاذبات السياسية. وشدد على أن سلطة وزير الداخلية ليست كيدية أو إعتباطية. وعليه لا يمكن القول أن هناك أي خلفيات ".
الذريعة التي تمسك بها وزير الداخلية بناء على رفض المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان آنذاك غير قانونية "إذ لا يمكن أن تكون هناك رقابة على أي قرار قضائي". ويضيف لحود" أن الذرائع التي تمسك بها قرار الوزير وفق تقديرات اللواء عثمان خطيرة كونها تتعلق بهيبة الدولة". ويسأل"كيف يمكن أن تنقسم القوى الأمنية في حال التزمت بتنفيذ قرار قضائي، وهل للسياسة حصص في مديرية قوى الأمن الداخلي؟ أين المساواة بين المواطنين كما هو وارد في الدستور؟".
أهمية القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة أنه مبدئي وغير محصور فقط بملف تفجير المرفأ وينطبق على كل الحالات المماثلة، وبذلك لم يعد بمقدور القوى الأمنية التذرّع بعدم تنفيذ أي قرار قضائي لا سيما التبليغات بحجة ذريعة التقدير، ويضيف لحود " قاضي التحقيق يطلب ،والطلب يكون بمثابة الأمر. من هنا لا يحق للقوى الأمنية أو المسؤولين الأمنيين والسياسيين الإمتناع عن التنفيذ بحجة التقدير أو المراقبة وإلا يفتح باب التقديرات على مصراعيه أمام كافة القطعات الأمنية وتدب الفوضى".
ما كان يفترض أن تقوم به القوى الأمنية وفق الأصول القانونية هو تبليغ المدعى عليهم لصقا. وهذا الأمر محسوم. "وإلا يتوجب عليها تحديد الأسباب الأمنية والواقعية التي حالت دون تمكنها من تبليغ المدعى عليهم وذلك في محضر رسمي ليصار إلى ملاحقة المدعى عليهم. وإذا تضمن المحضر وجود مقاومة المدعى عليهم بالعنف تتم إحالتهم إلى المحكمة العسكرية ". وفي السياق يوضح لحود أن تبليغ رؤساء الأجهزة الأمنية يجري من خلال قطعاتهم. أما رؤساء الأجهزة الذين أحيلوا إلى التقاعد فيتم تبليغهم عبر القوى الأمنية كما سائر الأفراد المدنيين.
ملاحظة قانونية ثانية يتطرق إليها لحود ولا تقل خطورة عن سابقة عدم التبليغ بحجة الذرائع إذا حصلت، فيوضح" هناك احتمال أن تقوم القوى الأمنية بالتبليغ ظاهريا. أما ضمنا فينفي المدعى عليهم بقرار التبليغ للتهرب من المثول أمام المحقق العدلي لتمرير المهلة الزمنية القانونية، وبذلك تكون قد أُتيحت أمامهم فرصة للتهرب من التبليغ وترتيب أمورهم للإدعاء ربما على القاضي. وإذا حصل ذلك فيكون بالتواطؤ الضمني مع القوى الأمنية".
مع صدور قرار مجلس شورى الدولة الملزِم بحسب لحود لم تعد هناك أي ذريعة أمام القوى الأمنية في التمنع عن التبليغ لأنها بذلك تتحمل مسؤولية "عدم إحراج الشخصيات السياسية" وهذا خطير جدا لأننا بذلك نكون أمام دولة مارقة".
تبقى مسألة العودة إلى جلسات التحقيق في ملف جريمة المرفأ وهي ترتبط بعقدتين يقول لحود، الأولى أن يبدأ القاضي حبيب رزق الله بالتحقيق مع القاضي طارق البيطار في الدعوى التي رفعتها النيابة العامة التمييزية في حقه لحسم المسألة، والثانية تشكيل مجلس القضاء الأعلى الهيئة الإتهامية للنظر في القرار الذي سيصدرعن القاضي رزق الله والتصديق عليه من قبل الهيئة. آنذاك يصبح بإمكان البيطار العودة إلى جلسات التحقيق وإصدار قرارات التبليغ وهذا الأمر منفصل كليا عن قرار مجلس شورى الدولة المبدئي على رغم أهميته"يختم لحود.
فهل ستكون أمام أهالي ضحايا المرفأ محطات جديدة من الوقفات أمام قصر العدل للمطالبة بالحقيقة الآتية لا محال؟