Oct 28, 2023 12:14 PM
خاص

هل صحيح انها الحرب الاسرائيلية – الايرانية الأولى؟

طوني جبران

المركزية –  بقدر ما قادت إليه عملية "طوفان الاقصى" من مفاجآت صادمة، سمحت بالكثير من السيناريوهات المنطقية منها وغير المنطقية بمعزل عن تلك التي ما زالت تخضع للمناقشات المفتوحة في المراكز الاستراتيجية وغرف العمليات الدولية في ظل العجز الظاهر عن وضع حد لها ولجم الآلة العسكرية التي تمادت الى حدود غير محتسبة في الكثير من الأوساط العربية والغربية. وخصوصا إن شكلت انعكاسا لما يدور في المنطقة من مواجهات بين محورين كبيرين وتحديدا بين الحلف الدولي الذي نشأ للقضاء على داعش وتلك التي أدرجت على لائحة دول الممانعة.

والى مسلسل المفاجآت التي أحدثتها العملية على أكثر من مستوى حتى في أوساط من خطط وقرر القيام بها فلم يكن يحتسب ان وحداته ستتوغل الى عمق المناطق المحتلة متجاوزا أكثر من خط دفاعي وأمني ومخابرات وصولا الى المستوطنات الكبرى التي انتشروا فيها لساعات طويلة ونقلوا منها مئات الاسرى الى غزة عدا عن عمليتي تبديل اجريت للمقاتلين بين غزة وغلافها قبل ان يتبين لاحقا أنه لربما ما زال هناك مسلحون في داخلها وفي مناطق الـ 48 حيث القرى العربية او تلك المشتركة بين العرب واليهود الى لحظة كتابة هذه السطور.

وعليه، يعترف اكثر من ديبلوماسي وخبير عسكري تحدثوا الى "المركزية" انهم ومعهم كثر كانوا يعتقدون قبل السابع من تشرين الاول الجاري، أن المنطقة اقتربت من ان تكون على قاب قوسين من الدخول الى مرحلة جديدة من التفاهمات التي يمكن ان تقود إلى عملية سلام واسعة النطاق رسمت لها مجموعة من الاتفاقيات البينية والاقليمية والدولية خطوطها العريضة. بدءا من المساعي المصرية – التركية من أجل مصالحة فلسطينية وطنية ترجمها لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية المنضوية تحت لواء السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة وبعض من تلك الممانعة وفي مقدمها حركة حماس بشكل خاص والذي عقد في "مدينة العلمين" في مصر في ظل غياب من يمثل نظيراتها الكبرى ومنها على سبيل المثال لا الحصر منظمة "الجهاد الاسلامي".

هذا على المستوى الفلسطيني الداخلي أما في المنطقة فكانت خطوات الإنفراج المختلفة على قدم وساق جارية كما حددت اولوياتها في "تفاهم بكين" بين المملكة العربية السعودية وايران، بحيث تتزامن الاولى منها بين العمل من اجل انهاء الازمة اليمنية وإطلاق الخطوات السياسية المؤدية الى استعادة الدولة وحدتها كما بالنسبة الى احياء التمثيل الديبلوماسي بين الرياض وطهران سعيا إلى مرحلة جدية من السلم المؤدية الى تصفير المشاكل في الخليجين العربي والفارسي ومنطقة الشرق الأوسط بما فيها استعادة سوريا الى الحضن العربي، فلا تبقى خارج إطار التفاهمات المعلنة، على الرغم من الوضع الأمني والإقتصادي السيئ الذي تعيشه في ظل استمرار العمليات العسكرية في مناطق متعددة منها.

كل هذه الخطوات كانت تجري متلازمة وفق خريطة طريق كان يمكن رصدها إلى ان ظهرت فجأة وبطريقة غير محتسبة الخطوات التي اتخذت من أجل استئناف مسار التطبيع بين اسرائيل والدول الخليجية والعربية والافريقية بحيث تنضم المملكة العربية السعودية الى مدارها في خطوة تعزز مجموعة التفاهمات الابراهيمية التي ابرمت مع البحرين والإمارات العربية المتحدة والسودان.

وفيما كانت كل الجهود منصبة لتحقيق هذه الانجازات متجاوزة شبكة المصالح المتضاربة حتى ما بين الحلفاء القدامى والجدد حتى  جاءت عملية "طوفان الاقصى" لتشكل بمجموعة المفاجآت المذهلة غير المسبوقة التي حققتها في ساعات قليلة انقلابا كاملا وشاملا على مختلف ما سبقها من محطات وخطط وضعت في الاشهر الاخيرة. فألغت البعض منها بـ "الضربة القاضية" وتحديدا ما يتصل منها بمشروع المصالحة الفلسطينية الداخلية، وجمدت أخرى كتلك المتصلة بالتطبيع بين الرياض وتل ابيب وأنهت مفاعيل عدد من الخطوات الاخرى الخاصة باليمن  وسوريا ولم يكن بعد قد جف الحبر الذي اعلن بموجبه عن انشاء الخط البحري والبري بين المحيط الهندي والبحر الابيض المتوسط الذي ينطلق من الهند وصولا الى  ميناء حيفا في إسرائيل.

وفي هذه الاجواء، فقد ثبت في وقت لاحق ان قيادة حماس لم تكن على ثقة بانه يمكن ان تحقق ما حققته العملية في ساعات قليلة لجهة قدرة المسلحين على اختراق هذه المساحات من المناطق المحتلة الحافلة بالعديد من المواقع العسكرية والمخابراتية الكبرى  ومعها المستوطنات الاسرائيلية التي سقطت واحدة بعد اخرى في وقت قياسي سمح بقتل من قتل من الجنود والمستوطنين واسر هذا العدد الكبير من العسكريين ومن بينهم برتب عالية وفي مواقع حساسة ومن يحملون الجنسية الاسرائيلية ولدول اخرى أمريكية وآسيوية وأوروبية. 

على هذه الخلفيات تعددت السيناريوهات التي تحاكي عملية "طوفان الاقصى" والرد الاسرائيلي بـ "السيوف الحديدية" وما يمكن ان تنتهي اليه طالما ان النقاش ما زال قائما حتى هذه اللحظة بحثا عن هوية من خطط وقرر قبل البحث في الظروف التي دفعت إليها وتوفير مقوماتها العسكرية واللوجستية والمخابراتية والامنية عدا عن اختيار التوقيت القاتل الذي سمح بانجاز أكثر مما كان متوقعا منها بكثير. وهو امر ارتبط منذ اللحظة الاولى بالنسبة الى الأميركيين بتبرئة ايران من العملية قبل ان تعود مؤخرا  لتدل إلى دور محتمل لها، فيما سارعت باريس وعواصم مختلفة الى تحميلها المسؤولية تزامنا مع التمادي من قبل بعض وجوه محور الممانعة في لبنان والمنطقة بتبني "انتصارات حماس" وكأنها صنعت في طهران او في الضاحية الجنوبية من بيروت او في اليمن او سوريا.

والى هذه المؤشرات التي تدل الى الدور الايراني في ما حصل، كانت حماس صريحة باعفاء طهران من اي مسؤولية واكد معظم قادتها، ان العملية "حمساوية" تخطيطا وتنفيذا وإن كانت لطهران يد في طلائع صناعة الصواريخ الفلسطينية فقد تطورت بفضل مساعدات اجنبية اخرى ومنها كورية الشمالية بنوع خاص عدا عن الخبرة التي جمعت من صواريخ اطلقت على القطاع ولم تنفجر فاستخدمتها المنظمة لتقليدها والتشبه ببعض مميزاتها إلى ان تحولت صناعة "غزاوية خالصة" في مصانع تنتج المئات منها أسبوعيا.

على هذه الخلفيات، بدأت الاجواء تنحو الى تكبير الدور الإيراني الى درجة رغبت فيه بعض الأوساط في محور الممانعة الايحاء ان مجرد اتصال هاتفي او لقاء مع قادة حماس يعني تبني ما قامت به ولكن الملاحظات الجدية حول الدور تقف عند الأطراف دولا وجماعات ومنظمات وأفراد ساندت حماس. ولذلك اعطيت الاهمية للانتقادات الحمساوية التي دانت اسلوب حلفاء إيران وحزب الله تحديدا في طريقة تعاطيهم مع الازمة بحيث لا تقاس بحجم الضربات الاسرائيلية على المدنيين في القطاع لتحملهم مسؤولية التقاعس عن توفير الدعم، فيما التردد لا يزال قائما لديهم على قاعدة "ان حماس لا تحتاج الى دعم أحد حتى اليوم" متجاهلين سقوط ما يقترب من 8000 شهيد فلسطني مدني واصابة اكثر من 18 ألفا حتى الأمس القريب وبلوغ حجم التدمير مئات الآلاف من الأبراج والمباني السكنية الى ان سويت بعض المناطق بالأرض المحروقة .

وفي هذه الأجواء، تستحضر المراجع السياسية والديبلوماسية دورا لايران وحلفائها في المنطقة بكثير من الحذر، فبين قائل انها "اودت بحماس في البئر وقطعت الحبل فيها"،الى ان قال آخرون إن مصالحها تتجاوز ما تعنيه المواجهة القائمة في غزة وان تبرئتها الاميركية توحي بإمكان التفاهم معها لتجاوز الازمة بما يمكن ان تجنيه طهران فتقطف ثمار التضحيات الفلسطينية في اي مكان ولا سيما في الملف النووي بدلا من غزة او الضاحية الجنوبية او عمان والقاهرة .

وختاما، يبدو للمراجع المعنية بان الجدل ما زال قائما إن كان ما يجري في غزة حلقة من مسلسل الحروب الإسرائيلية - العربية والفلسطينية او تحولها الى كونها "الحرب الاولى" بين اسرائيل وايران الى ان تتضح بعض المحطات الغامضة. والى تلك اللحظة فما هو مؤكد انها الحرب الكونية في جزء كبير منها لإفناء الشعب الفلسطيني في غزة ومحيطها بدون اي رادع او حسيب .

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o