Oct 16, 2023 5:04 PM
خاص

"توحيد الساحات" في مرحلة الإيقاع المضبوط...شعار مؤجل ينتظر التسوية!

جوانا فرحات

المركزية – الأكيد أن ما قبل عملية "طوفان الأقصى" ليس كما بعدها. فحركة حماس بمبادرتها مهاجمة المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، حسمت خيارها في شأن تحديدها لمكانة قطاع غزة، أو أخذها له، وفقا لأجندتها السياسية، لفرض ذاتها كقيادة للشعب الفلسطيني، على حساب حركة "فتح"، وأيضا لفرض ذاتها كمتحكم بالورقة الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي، بعد أن أدارت تلك المنطقة، كسلطة أحادية، في العام2007، وهو تاريخ انقسام الكيان الفلسطيني.

ثمة العديد من الأسباب التي شجعت حماس على خوض تلك المواجهة الخطيرة، والتي من المبكر التكهن بنتائجها وتداعياتها على الطرفين. من هنا يبقى الرهان على ما سيقدمه مفهوم وحدة الساحات من شرعنة العمل المقاوم، وربط قوى تمتلك مخزونًا من التناقضات ببعضها، كما أنه يسهم في بناء هدف وإجماع سياسي بين هذه القوى. وبينما لا يصل هذا المفهوم إلى اتفاقية دفاع مشترك، إلا أنه يقترب من هذا النوع من الاتفاقيات بحيث يشكل رويدًا رويدًا إمكانيات متعددة ويعقّد حسابات الحرب والسلم بالعلاقة مع إسرائيل فهل يتحقق مفهوم الساحات ويدخل لبنان الحرب أو يبقى مجرد شعار؟

الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي يوضح لـ"المركزية" أن "منذ أعوام خرج محور الممانعة بمقولة توحيد الساحات أو توحيد الميادين، وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله السباق في الترويج لهذه النظرية. ومنذ بضع سنوات حتى الآن لا ترجمة فعلية لهذا الشعار على أرض الواقع خصوصا بعد الأحداث التي حصلت في سوريا وعشرات الغارات الإسرائيلية المدمرة التي استهدفت الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وحماس وصولا إلى الغارات التي طالت دمشق وريفها والشمال المحسوب مباشرة على النظام وما فيه من قواعد للحزب وإيران، ولم يكن لشعار "توحيد الساحات" أي أثر على رغم خطورة هذه الغارات وكانت أحيانا تحصل مناوشات على جنوب لبنان ولم يكن لها صدى لا في الجولان ولا في نقاط حساسة تابعة لإسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية الداعمة لها".

"في كل مرة كان تبرير عدم تلاحم الساحات أو توحيدها هو أن محور الممانعة يدرس الرد في المكان والزمان المناسبين إلى أن حصلت حرب غزة، بما فيها من شراسة وقتل وتدمير وربما حروب اجتياح برية ، ولم يحرك أصحاب "توحيد الساحات" ساكناً على رغم بعض المناوشات المتفرقة في جنوب لبنان فقط ولم نجد لها صدى عمليا أو واقعيا لا في الجولان مثلا ولا في أي ساحة يكون لإسرائيل وحلفائها وجود أو تأثير أو مصالح". ويضيف الزغبي"عمليا حتى الآن وبعد مرور 10 أيام على حرب غزة لا يوجد أي أثر فعلي تطبيقي لهذا الشعار . وكان لإيران تبرير لتغطية هذا الغياب من خلال وزير خارجيتها الذي أعلن تكرارا من بيروت أن القرار يعود للمقاومة وحدها في دخول الحرب وفي توقيت هذا الدخول ودراسة معطيات المشاركة. لكن في الحقيقة لا المقاومة المعنية هي صاحبة القرار في الحرب، بل طهران نفسها كقائدة عليا لمحور الممانعة .فكما أن لإيران سلطة معنوية وسياسية وعسكرية على حركة حماس والجهاد الإسلامي في غزة، كذلك لها السلطة نفسها على حزب الله والأذرع الأخرى في العراق واليمن وسوريا".

السؤال الذي يطرح: لماذا تتردد إيران في خوض هذه الحرب وتطبيق نظرية"توحيد الساحات"؟ يؤكد الزغبي أن الموانع الظاهرية كمثل انتظار الإجتياح البري الإسرائيلي لغزة أو تفاقم الأزمة الإنسانية وما إلى ذلك ليست بالموانع الحقيقية.والسبب يعود إلى الحسابات الدقيقة التي تجريها إيران والعواقب الخطيرة التي ستنتج عن أي انخراط في الحرب.وأبرز ما في هذه الحسابات أن إيران تستشعر منذ الآن خطورة انفرادها في الحرب لأن القوى العالمية المصنفة حليفة لها ليست في وارد الإنخراط في حرب غير محسومة النتائج .فروسيا منشغلة في حرب أوكرانيا والصين منكفئة تقليديا عن خوض الحروب وربما تساعد في إسناد الأسلحة والذخائر. أما القوى الإقليمية التي يمكن أن تساند إيران فهي غير معنية في خوض حرب لا قرار لها فيها ولا مصلحة كمثل تركيا والخليج العربي وسائر الدول العربية".

قد يفسر هذا التردد الإيراني ما يجري في جنوب لبنان من مناوشات مضبوطة سلفا وكأنها نتيجة تنسيق بين عدوين حميمين لا يريدان الإنخراط في حرب فعلية أو كأن ما يجري في الجنوب هو مجرد رفع عتب لإيهام الرأي العام بأن شعار توحيد الساحات بخير. لذلك يضيف الزغبي، لا نجد أثرا لأي ترابط بين جنوب لبنان والجولان ، ولا نجد تحريكا فعليا للحشد الشعبي على الحدود السورية القريبة من الأردن وإسرائيل.

كل هذا يؤشر إلى أن الحرب لا تزال في مرحلة الضبط والإيقاع المدروس برعاية الولايات المتحدة الأميركية المباشرة، وهذا ما يفسر إستمرار جولة وزير الخارجية الأميركية ما بين إسرائيل وبعض دول المنطقة. ولا شك، وفق الزغبي، أن هناك مشاورات بعيدة عن الضوء بين أميركا وإيران عن طريق وسطاء لضبط إيقاع المنطقة وإفهام إيران مدى خطورة الإنزلاق فيها .وقد نجحت هذه المساومات السرية بإيقاظ الوعي لدى الإدارة الإيرانية تجاه خطورة إنخراطها في الحرب والنتائج العامة لهذه الحرب سواء تمّ ضبطها في غزة مع بعض المناوشات خارجها أو في حال انفلاتها على أكثر من جبهة عبر توحيد الساحات.فالنتائج ستكون نفسها، أي أن هناك تحجيما للقوى الفلسطينية المتطرفة على رأسها حركة حماس مقابل تحجيم معنوي لإسرائيل بعد نجاح حماس في عملية طوفان الأقصى ، يختم الزغبي.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o