Sep 19, 2023 7:32 AM
صحف

هل تشكل خاتمة ايلول فاتحة لحوار رئاسي؟

آخر أيلول الجاري، يُتمّ الفراغ في رئاسة الجمهورية شهره الحادي عشر، فهل يمكن ان تشكل خاتمته فاتحة لحوار رئاسي يجعل من تشرين الأول المقبل، شهر الفصل والحسم في استيلاد رئيس للجمهورية؟

الجواب عن هذا السؤال لا يكبّد الباحث عنه أيّ عناء، ذلك أنّه يُقرأ سلفاً في اللعبة العبثية التي بات معها التوافق كلمة ممحيّة من القاموس السياسي، وزرعت في الطريق الرئاسي حفراً سياسية عميقة أثبتت أنّها الأقوى، لم تقوَ على ردمها كلّ المساعي والمبادرات وانتشال رئيس الجمهورية العالق في قعرها، وفرضت بالتالي ترحيل الملف الرئاسي برمّته الى أجل ليس منظوراً. ويُقرأ ايضا في النتيجة المخيبة للزيارة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، التي اكدت بلا ادنى شك، أنّ الفرصة التي أتاحتها لوقف لعبة العبث وصياغة حلّ رئاسي لا محل لها من الاعراب في واقع لبناني مشتّت، ولا تملك قوة الدفع الجدية، التي يفترض ان تحقن بها من مصدرها، سواء من الرافعة الفرنسية او دول اللجنة الخماسية، لتعينها على تجاوز تلك الحفر.

طارت المهمة في زيارته الثالثة، وطار لودريان بهذه النتيجة المخيبة الى نيويورك، ليُدلي بإفادته أمام اللجنة الخماسية حول ما قاساه مع مكونات سياسية، تدرك دول الخماسية قبل غيرها انها مكونات متوازية متأصلة في عدائها لبعضها البعض، يستحيل أن تلتقي على كلمة سواء. وعلى رغم ذلك، قال لودريان انه سيعود قبل نهاية الشهر الجاري، لمواكبة حوار يسعى اليه بين تلك المكونات. ولكنه، على ما تقول مصادر موثوقة مواكبة لمهمته لـ»الجمهورية»، قد يعود، وقد لا يعود، ربطاً بالوقائع غير المشجعة التي تحيط بمهمّته من ناحيتين:

الاولى من الداخل اللبناني، وتتجلى في واقع التوازنات الداخلية التي استولدت ما يسمى «توازن الانسداد والتعطيل» بين الاطراف المعنية بالملف الرئاسي منذ ما قبل انتهاء الولاية الرئاسية السابقة.

والثانية من الخارج، فسَفر لودريان الى نيويورك أوحى بأنّ اللجنة الخماسية ستقارب الملف اللبناني بفعالية وحزم اكبر، وبناء على ما ستقرّره اللجنة ستحدّد الخطوة التالية له. الا ان المصادر عينها لا ترى في أفق الخماسية ما يؤشر الى مقاربة مختلفة عن اجتماعاتها السابقة، خصوصاً انها ما زالت مكبّلة بالتناقضات الموجودة في داخلها وبالفروقات الجوهرية بين اطرافها، في النظرة الى الملف الرئاسي بصورة عامة وهوية الرئيس بصورة خاصة. وبالتالي، أقصى ما يمكن ان تقدمه في اجتماعها، على اي مستوى انعقد سواء على مستوى وزراء الخارجية او ما دون ذلك، هو بيان تقليدي مكرّر لمضامين بياناتها السابقة، لا يشكل عامل الدفع المطلوب للاطراف المتناقضة في لبنان، في اتجاه الحسم الايجابي والتوافقي للملف الرئاسي».

على انّ المشهد الرئاسي، كما يقرأه مرجع مسؤول لـ»الجمهورية»، لا يحتمل اي مبالغات، فلا الداخل بالتوازن السلبي القائم فيه، ولا الخارج بالحراكات الشكلية التي يقدم عليها بين حين وآخر، قادران على ان يُحدثا خرقا جديا في الجدار الرئاسي. وبالتالي كلّ ما يحصل من حراكات، لا يعدو أكثر من تقطيع للوقت، ذلك انّ الحل اللبناني يقع في مكان آخر، وتأخر العثور على هذا الحل، يقرأ بوضوح في الصمت الاميركي، الذي يشبه الانكفاء عن الملف الرئاسي».

وقال المرجع عينه: «خذوا الأسرار من السّفراء، وخصوصاً سفراء الدول الصديقة لواشنطن، حيث انهم في لقاءاتهم معنا، يتناولون الملف الرئاسي بشكل عام كاستحقاق مهم يجب ان يحصل، ولكن الاولوية التي يشددون عليها هي الحفاظ على امن لبنان واستقراره. وعند التدقيق في هذا الكلام، يقول بعضهم ما يفيد بأنّ الولايات المتحدة الاميركية منكفئة حالياً عن الملف الرئاسي اللبناني، الذي لا وجود له في دائرة اولويات الادارة الاميركية واهتماماتها، وحتى في دائرة المتابعات الثانوية، على اعتبار ان هذا الملف لم يحن اوان الدخول المباشر فيه بعد».

الى ذلك، وبمعزل عن الصورة الداخلية المنقسمة رئاسياً، والتي يبدو معها انتخاب رئيس للجمهورية مستحيلاً، الا ان هذه الصورة، في رأي شخصية وسطية بارزة، قابلة لأن تتبدل في اي لحظة، عندما تصدر «كلمة السر».

وتتهكم تلك الشخصية على ما تسميها «عشوائيات الزمن السياسي الجديد، وما فيها من بهلوانيات ومراهقات سياسية لا تحسب حساب خط الرجعة، وتعتقد ان في مقدورها ان تقلب الميزان الرئاسي في هذا الاتجاه او ذاك، فيما هي لا ترى بالعين المجردة عندما يقول الكبار كلمتهم». وقالت لـ»الجمهورية»: «ما زلت اراهن على المبادرة الحوارية التي اطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لكي تسري في الهشيم السياسي كونها توفّر على البلد تضييع المزيد من الوقت، ونجاحها يجنبه دفع المزيد من الاثمان الغالية».

اضافت الشخصية الوسطية عينها: «هذه المبادرة، بقدر ما عبّرت عن ارادة صادقة لبلوغ حل رئاسي يفرض على الداخل والخارج، ويقطع الطريق على اي حلول اكراهية قد تفرض من الخارج، فهي، اي المبادرة، تعبّر عن فرصة لحفظ ماء وجه كل الاطراف، وخصوصا لأولئك الذين رفضوها لا لشيء فقط من باب النكاية لا بل الغباء السياسي. اما والحال هذه من الاعتراضات غير المبررة على هذا الحل، فبتنا امام مرحلة طويلة من المراوحة واستمرار الانسداد السياسي والرئاسي، في انتظار ان يتبلور الحل الخارجي الذي أرى بعض ملامحه تتكوّن على الخط الاميركي – الايراني، وهذا الحل له ثمنه بالتأكيد.

وتبعاً لذلك، تقول الشخصية الوسطية، إن كل الاحتمالات واردة، مع التطورات الايجابية التي تتلاحق منذ فترة طويلة على مسار العلاقات الاميركية الايرانية. وبالامس، كنا امام مشهد مثير؛ واشنطن أفرجَت عن ستة مليارات دولار لايران، بالتوازي مع الافراج عن اسرى من الجانبين، وليس معلوما ماذا يخبّأ في مغارة الدولتين بعد، ومن هنا ليس مستبعدا في لحظة ما ان نشهد حدثا ذا طبيعة اقليمية دولية تُخلط فيه الاوراق ويفرض على الاطراف داخلا وخارجا او يسيروا بكلمة سر او بصفقة او بتفاهم اقليمي دولي يقلب كل هذا المشهد الرئاسي القائم في لبنان رأسا على عقب».

في هذه الاجواء، ينتظر الرئيس بري ما ستقرره اللجنة الخماسية وما سيحمله معه لودريان في زيارته الرابعة الى بيروت المحددة مبدئياً قبل نهاية الشهر الجاري، الا اذا طرأ ما فرضَ تعديلاً لهذا الموعد. ويأمل الرئيس بري ان تسير الامور وفق ما هو مرسوم لها، وعلى الرغم من المواقف السلبية التي تتعالى في افق الحوار، وآخرها ما صدر عن رئيس التيار الوطني الحر جدبران باسيل قبل يومين، لا يقطع بري الامل في عقد طاولة الحوار التي باتت تقترب من الموعد المبدئي المحدد لانعقادها بداية تشرين الاول المقبل.

في هذه الأثناء، وصل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى نيويورك لتمثيل لبنان في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة. والتقى امس، نائبة وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، التي دعت خلال اللقاء الاطراف اللبنانيين الى الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، مشددة على ان الولايات التحدة الاميركية تدعم اي حوار لبناني لبناني في هذا الصدد. كما دعت لبنان الى تفعيل التعاون مع المنظمات الدولية وخصوصا مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين لمعالجة ملف النزوح السوري المُستجد وكل جوانب ملف النزوح. وكذلك شددت على ان واشنطن تدعم الجيش اللبناني، معتبرة انه من الضروري استكمال الاصلاحات الاقتصادية والمالية الضرورية».

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o