Jul 18, 2023 6:00 AM
صحف

اجتماع الدوحة: مراوحة رئاسية وترنح الحراك الفرنسي

من جهة أخرى، ما انتهى إليه البيان الصادر أمس عن اجتماع اللجنة الخماسية لأجل لبنان في الدوحة بدا قوياً في ثوابته، لكنه وفق معلومات «نداء الوطن»، لم ينتهِ الى نتائج عملية في شأن الاستحقاق الرئاسي الذي هو بيت قصيد الاجتماع. وما يزيد هذه المعلومات دقّة، أنّ المناقشات التي سادت الاجتماع، جرت في «أجواء عاصفة». كما أثبتت النتائج أنّ لبنان محكوم بـ»فراغ طويل».

وحتى لا يبدو هذا التوصيف متشائماً، يماثل الصفر، تؤكد المعلومات أيضاً أن الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان كان وراء الانقسام بمحاولته الحصول على ما يرضي «حزب الله» تحت مسمّى «الحوار» الذي اخترعه فريق الممانعة. فكان الردّ من الفريق العربي، ولا سيما السعودي والقطري بالتمسك بالدستور الذي يدعو الى انتخابات رئاسية بلا شروط. أما الجانب المصري في اللجنة ففاجأ الأطراف الأربعة بتسمية قائد الجيش العماد جوزاف عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية، علماً أنه سبق للقاهرة أن دعمت ترشيح سليمان فرنجية. لكن المجتمعين آثروا عدم الخوض في الموضوع باعتبار أنّ أوان التسمية لم يحن بعد. لذلك اكتفى البيان الختامي بإعطاء مواصفات الرئيس المقبل، من دون التسمية .

رب سائل: لماذا صدر بيان «الخماسية» وأجواء اجتماعها كانت «عاصفة»؟ تجيب المصادر ان رعاة الاجتماع، ارادوا عدم الذهاب الى التشاؤم المفرط لما له من انعكاسات سلبية على لبنان نفسه الذي لا يزال يتمسك بـ»حبال الهواء»، تطلعاً الى خشبة خلاص تنتشله من أزماته العميقة.

وفي واشنطن، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أنّ ممثلين من مصر وفرنسا وقطر والسعودية وأميركا التقوا للبحث في»حاجة لبنان الملحّة للإسراع في انتخابات الرئاسة، وتنفيذ اصلاحات اقتصادية». واضافت: «أميركا والدول الأخرى تشعر بقلق حيال عدم اختيار قادة لبنان السياسيين خلفاً للرئيس ميشال عون حتى الآن».

أما في الدوحة، فأشار المتحدث باسم الخارجية القطرية الى أنّ «اجتماع الدوحة في شأن لبنان خلص إلى بيان مشترك ما يعكس أجواء إيجابية». وأكّد في حديث لقناة «الجزيرة» القطرية، أنّ الدول الخمس تتمتع بتأثير على لبنان، متوقعاً أن «يساهم الاجتماع في حل أزمته». ولفت الى أنّ «الدول الخمس تشترك في التأكيد على سيادة لبنان وأنّ حل أزمته لبناني».

وفي انتظار جلاء الموقف على مستوى التحرك العربي والدولي، تتساءل أوساط مواكبة عن مصير المهمة التي اضطلع بها لودريان؟ فعشية لقاء الدوحة ساد اعتقاد ان موفد الرئيس إيمانويل ماكرون، سيعود من الدوحة بتفويض معزّز ليواصل مهمته. أما وأنّ الباب قد أوصد في وجه ما سوّقه من «حوار» مثير للريبة، بات واضحاً ان لودريان إذا ما عاد الى بيروت سيجد ان هناك أكثر من 30 نائباً سيقولون له: «دعوتك الى الحوار مردودة مع الشكر».

ومن أجل الابقاء على نافذة الأمل مفتوحة، خلص بيان «الخماسية» الى القول إن الدول الأعضاء «ستواصل دعمها الثابت للبنان، وتتطلع إلى استمرار التنسيق بما يصب في مصلحة الشعب اللبناني».

ولم تغب طهران عن أجواء الدوحة، إذ ردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني على سؤال وكالة «تسنيم» الرسمية للانباء حول الاجتماع الخماسي بالقول: «نحن نعتبر قضية لبنان قضية لبنانية، ويجب أن يتفق شعب لبنان على مصير هذا البلد. ونعتبر أنّ التدخلات في الحوار الداخلي لهذا البلد غير بناءة وتعيق دور الشعب اللبناني في تقرير مصيره. لكن الدول يمكن أن تساعد، بطبيعة الحال، ونحن نرحب بالاتجاهات البناءة. إذا طُلب من إيران المشاركة، فسنرحب بذلك».

من جهتها، أشارت "الانباء" الكويتية، الى ان التوقعات حول مخرجات اجتماع أمس تفاوتت بين التوصل إلى إحداث خرق في الجدار الرئاسي المسدود، وتحريك هذا الملف بخيار ثالث.

وتقول المصادر المتابعة في بيروت لـ«الأنباء» انها لا توافق على المبالغة في الرهان على اجتماع «الخماسي» لسبب بديهي، وهو ان العراب الفرنسي لو كان واثقا من نجاح حراكه عبر هذه اللجنة، لكان دعا الى اجتماعها في باريس أو أعلن نجاحه دون حاجة لهذا الاجتماع.

وتوقعت المصادر أن يطرح المجتمعون، المشكلات اللبنانية بأبعادها السياسية والدستورية والاقتصادية، ثم يتفقون على عقد اجتماع آخر في عاصمة عربية أخرى.

وفي تقدير المصادر ان اصل المشكلة هو في الخيارات الخارجية للحلول في لبنان، وما التعارضات الداخلية التي تأخذ طابع «الممانعة» من جهة و«المعارضة» من الجهة المقابلة، الا انعكاس لما يدور داخل محاور «الخماسي» وتحديدا بين الاميركيين والفرنسيين حول الدور والخيار والمراعاة الفرنسية للجانب الإيراني.

وحول خيار الحوار الذي تتبناه باريس ومعها «الثنائي الشيعي»، قال رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ان اي حوار مرغوب اذا كانت نتائجه سريعة، ومرذول اذا كان لإضاعة الوقت، ولم يكن مرتبطا بأجندات واضحة وبزمن محدد، والأهم: بجلسة نيابية لانتخاب رئيس الجمهورية.

مصادر «التيار الوطني الحر»، التي تتوجس من نتائج اجتماع الدوحة، تخشى أن يتحول المجتمعون عن المساعدة على ايجاد الحلول الى العمل على فرض الحلول. وتساءلت القناة «البرتقالية»، الناطقة باسم «التيار» عما سيطرحه الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان على اللبنانيين مادامت الأجوبة معروفة قبل أن يأتي.

وواضح ان مواقف الفرقاء اللبنانيين على حالها، فالثنائي الشيعي ممثلا في «أمل» و«حزب الله» يؤيد الحوار، لكنه يتمسك بترشيح سليمان فرنجية، والمعارضة الممثلة بالقوات اللبنانية وحزب الكتائب والنواب التغييريين او السياديين على دعمهم للمرشح جهاد ازعور، مع ابقاء الباب مفتوحا امام المرشح الثالث، فيما «التيار الوطني الحر» الذي تقاطع مع المعارضة في دعم ازعور، عاد ليجد نفسه ومصلحته في صف التحالف مع «حزب الله»!

وعلى هذا فإن المصادر المتابعة ترى أن اجتماع الدوحة سيراوح رئاسيا فيما الحراك الفرنسي يترنح.

لا خلاصات نوعية: واللافت انّ اجتماع الدوحة، بحسب "الجمهورية" أطلق العنان للتكهنات. فبعض المعلومات جرى ترويجها في الداخل اللبناني بالتزامن مع انعقاد اجتماع الدوحة، بأنّ البحث تمحور فيه حول ما سُمّي "الخيار الرئاسي الجديد"، الذي من شأنه ان يفتح الأفق الرئاسي على الحسم وانتخاب رئيس الجمهورية. وخصوصاً انّ الخيارات السابقة اصطدمت بعدم التوافق حول ايّ منها، وباستحالة انتخاب اي منها، على ما جرى في جلسة الانتخاب الاخيرة. وأدرجت هذه المعلومات اسم قائد الجيش العماد جوزف عون في موقع الخيار الثالث.

على انّ معلومات اخرى، تؤكّد مصادرها انّها مستندة إلى ما سمّتها "تسريبات محدودة"، تشير إلى انّ الاجتماع كان قصيراً، ومداولاته كانت عامة، لم يتطرّق خلالها المجتمعون الى اي اسماء او خيارات رئاسية، بل جرى استعراض سريع للمشهد الرئاسي اللبناني بمختلف جوانبه،. وقدّم لودريان خلاصة حول زيارته الاخيرة إلى بيروت، وكذلك حول زيارته الثانية والمسار الذي سينتهجه لإطلاق جولة حوارية بين الأطراف اللبنانيين، وانتهت المداولات الى تأكيد الدعم الكامل لمهمّة لودريان، والتقت الآراء على الحلّ العاجل لهذه الأزمة، واولوية ان يتحمّل اللبنانيون مسؤولياتهم في اعادة الانتظام لحياتهم السياسية بدءًا بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة.

وفيما تحدثت بعض المصادر عن انّ فترة الاسبوع الفاصلة عن موعد زيارة لودريان الثانية الى بيروت، قد تشهد حراكاً للموفد الرئاسي، يقوده الى بعض الدول المعنية بالشأن اللبناني، مع الإشارة هنا إلى طروحات رافقت اجتماع الدوحة، واقترحت إشراك إيران في مساعي الحل اللبناني. معتبرةً انّ دخول ايران على خط المساعي ستكون له فوائد سياسية كبيرة خصوصاً انّ طهران قادرة على تأمين موافقة "حزب الله" على اكثر من شكل من أشكال التسوية.

إلّا انّ مصادر اخرى اكّدت انّ لودريان سيعود من الدوحة الى باريس لتحضير ملفه الذي سيحمله الى لبنان، ومنها سينتقل الى بيروت. فيما اكّدت مصادر مطلعة على الموقف الايراني لـ"الجمهورية"، أن لا شأن لإيران بالاجتماع الخماسي، وليست معنية بالتدخّل في شأن يخصّ اللبنانيين وحدهم. وبالتالي هي ليست في وارد ان تكون طرفاً فيه. وهذا الامر سمعه كل من راجع الايرانيين بالملف اللبناني".

خلاصة اجتماع الدوحة انّه غطّى مهمّة لودريان في بيروت، التي يُنتظر ان يقيم فيها اياماً عدّة، على ان تسبق وصوله الى بيروت، كما كشفت مصادر موثوقة لـ"الجمهورية"، ما سمّتها "ممهدات" واتصالات على خطوط متعددة لبنانية وغير لبنانية لإنجاح مسعاه لإنهاء الازمة الرئاسية في لبنان، وتسهيل اطلاق الحوار الرئاسي الذي ينشده. من دون ان تستبعد المصادر حراكاً موازياً لذلك، ربما قطرياً، يصبّ في دعم مهمّة لودريان.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o