Jul 11, 2023 6:03 AM
مقالات

جمهورية الغجر

لم يرقَ الإحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية الواقعة شمال قرية الغجر السورية المحتلة الى مستوى إهتمام لبنان الرسمي أو ما بقي منه، وقد يكون في استخدام عبارة الجزء الشمالي من قرية الغجر المحتلة دلالة على رغبة لبنانية مزمنة بالتنصل من مسؤولية الإعتراف بإحتلال إسرائيلي تمدد في لبنان بما يفوق ثلاثة أضعاف الجزء السوري المحتل. لكن لا بد قبل كل شيء من تسمية الأشياء بأسمائها بالتأكيد على عدم لبنانية قرية الغجر، علّنا نستطيع تعديل التوصيف الخاطئ للمشكلة الذي درج المسؤولون في لبنان وبعض الصحافة على استخدامه ليصبح الجزء الجنوبي المحتل من قرية الماري اللبنانية بدلاً من الجزء الشمالي لقرية الغجر المحتلة.

يتعمّد المسؤولون التقليل من أهمية المشكلة باعتبارها أحد تداعيات إحتلال إسرائيل للجولان السوري وليس إحتلالاً لمساحة من لبنان، وتصرح وزارة الخارجية اللبنانية في تغريدة على حسابها الرسمي:«تتابع وزارة الخارجية والمغتربين بإهتمام كبير التقارير المتعلقة بمنع دخول المواطنين اللبنانيين الى الجزء الشمالي من قرية الغجر ومحاولة ضمّها من قِبل الإحتلال الإسرائيلي في خرق واضح للقرار 1701 مما يخلق واقعاً جديداً على الأرض». تغريدة لا يقرأ منها سوى فصل من فصول الضياع اللبناني الرسمي، فالمواطنون المعنيون ليسوا من أهل الغجر بل من القرى اللبنانية المحيطة بها، والعدو الذي يمنعهم من الدخول الى ممتلكاتهم، إنما يعتدي على دولة أضحت مارقة في التقييم المتعارف عليه وقد ألِف تقاعس مسؤوليها وجبنهم وترددهم وضعفهم على المستويات كافة.

وفي فصل آخر من المشهدية عينها زار خمسة من نواب «كتلة التغيير» محيط الأراضي اللبنانية المحتلة وهو ما أسموه خطأ في بيانهم «الجزء الشمالي من قرية الغجر»، وقد شجبوا في بيانهم «موقف الدولة الخجول المتراخي داعين الى قيام الدولة المسؤولة عن مواطنيها وحمايتهم.....» يبدو التساؤل مشروعاً حيال عدم مشاركة كتلة نواب التغيير بكامل أعضائها في الزيارة الى تخوم الأراضي اللبنانية المحتلة!!! فالإنقسام حول المرشح الرئاسي ضمن الكتلة لا يفسد في الإجماع حول الإحتلال الإسرائيلي للبنان قضية، إلا إذا كان المشهد التعبيري للنواب الخمسة ينتهي فصولاً مع انتهاء الزيارة وأخذ الصور التذكارية.

الإرتباك الذي تبديه الدولة في مسألة الإحتلال الإسرائيلي لخراج بلدة الماري اللبنانية لا يختلف عن إرثها المزمن والمستمر في مقاربة الإستحقاقات الجدية والمصيرية. بشعر المواطن في لبنان أن هناك رأياً أو موافقة من جهة ما يجب إنتظاره، وأن للدولة شركاء غير منظورين لا يمكن الخروج عن قرارهم.

أليس العجز في انتخاب رئيس للجمهورية هو فصل من فصول تردد وعجز يعانيه القيّمون على المؤسسات الدستورية والذين ينتظرون إيحاءً من هنا أو يخافون رفضاً من هناك، أليس هذا مشهداً متكرراً يرافق إختيار رؤساء الحكومات وتشكيلها، أليست المواربة والتلكؤ والمواقف الرمادية هي سمات المنطق المعتمد في سياسة لبنان الخارجية حيث تحوّلت الدبلوماسية اللبنانية الى نوع من التسكع في مواقع القرار الإقليمية والدولية استجداءً لدعم هذا المرشح لرئاسة الجمهورية أو ذاك؟ أليس الإرتباك والضياع الذي رافق ملف ترسيم الحدود البحرية لسنوات عديدة ثم الإمتثال بعدها دون سابق إنذار والسير بما رفض سابقاً واعتبر خيانة وطنية نموذجاً لما يحصل اليوم في مسألة الإحتلال الإسرائيلي لخراج بلدة الماري، والذي يسميه رؤساء المؤسسات الدستورية والأحزاب اللبنانية وفي مقدّمها حزب الله ــــــــ محاباةً أو تهرباً من المسؤولية ـــــــ «الجزء الشمالي من قرية الغجر».

صنَّاع السياسة في لبنان هم في أفضل الأحوال حكام بالوكالة حتى في المسائل الداخلية التي تحوّلت بفعل تسكعهم الدائم على أبواب الخارج الى عبث خارجي ملأ حياتنا الوطنية، أليس إطلاق سراح المتعاملين مع العدو الإسرائيلي والتهرب من التحقيق في تفجير مرفأ بيروت والتطبيع مع ظاهرة المعابر غير الشرعية وسواها من أمور القضاء والأمن والإقتصاد والمصارف دليلاً على التزام ما يريده الخارج وما يستسيغه ويستثمره حكام لبنان بالوكالة.

سكان قرية الغجر السورية المحتلة بخلاف كل الغجر المنتشرين في العالم لا يعانون من الإضطهاد وهم اختاروا جهاراً البقاء تحت الإحتلال في العام 2000، وهم ليسوا مضطرين للإنتقال والترحال عن الأراضي اللبنانية التي لن تجرؤ سلطة مترددة على المطالبة بها بل جلّ ما قامت به هو تحويل لبنان الى جمهورية الغجر.

العميد الركن خالد حماده - اللواء

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o