Jun 27, 2023 6:56 AM
صحف

تساؤلات تسبق لودريان: سيؤسّس لخرق أم لمراوحة؟

دخلَ المشهد الرئاسي الى مربّع الجمود الكامل، في انتظار الزيارة المقبلة للموفد الفرنسي جان ايف لودريان، الذي قال انه سيعمل خلالها على تسهيل حوار بنّاء وجامع بين اللبنانيين، من أجل التوصّل إلى حلّ يكون في الوقت نفسه توافقيًّا وفعّالًا، للخروج من الفراغ المؤسّساتي والقيام بالإصلاحات الضروريّة لنهوض لبنان بشكل مُستدام، وذلك بالتشاور مع الدول الشريكة الأساسيّة للبنان".

ما لم يَطرأ ما يعطّل زيارة لودريان الثانية أو يؤجلها، فإنّها مرجّحة خلال النّصف الأول من شهر تموز المقبل، واذا كان الهدف منها السّعي الى اطلاق حوار بين اللبنانيين، ممهّداً لذلك بتحذير من "ان الوقت لا يعمل لصالح لبنان"، فإنّ زيارته الأخيرة كانت أشبَه بحوار غير مباشر، قادَهُ بين مختلف الأطراف المعنية بالملف الرئاسي، أصغى فيه للجميع وأجندته طفحت بالملاحظات التي دوّنها، والتي ظهّرت عمق الإنقسام والخلاف فيما بين تلك الاطراف ليس على الملف الرّئاسي فقط، بل مفترقة حتى على أبسط البديهيات والأساسيات.

قال لودريان كلمته، إنّه بالحوار فقط يمكن بناء مساحة رئاسية مشتركة، ومشى موجّهاً الى اللبنانيين رسالة تحذيرية بأنّ الوقت لا يعمل لصالح لبنان، لعلهم يتبصّرون فيها، ولكن ربما فات الموفد الفرنسي ان الوقت ليس وحده الذي لا يعمل لصالح لبنان، بل ان مكونات الصراع الرئاسي فعلت فعلها وزَنَّرَت مسارات الانفراج الرئاسي برهانات وكمائن واحقاد ومختلف الاسباب التعطيلية.

حوار على ماذا؟
على ان السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال، هل سينجح لودريان في جلب اطراف الانقسام السياسي والرئاسي الى طاولة الحوار؟ وعلى اي اساس سيقوم هذا الحوار؟

لا خلاف على أنّ الحوار، وطرح الأمور الخلافيّة على طاولة البحث والنقاش الموضوعي والعقلاني، يشكّلان المعبر الالزامي لفكفكة ايّ عقد مهما كانت صعبة وشائكة، وتقريب وجهات النظر وفتح الأبواب على حلول مشتركة. إلّا أنّ هذا الحوار لا يبدو أنّه لغة مقبولة حتى الآن في واقعٍ لبناني منقسم على ذاته، ومأسور بعداوات متبادلة بين مكوناته السياسية، أطاحت بسلسلة الدعوات المتتالية التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ ما قبل الشغور في رئاسة الجمهورية، الى الحوار على المستوى الوطني للتوافق على رئيس للجمهورية، وآخرها الدعوة التي أطلقها بعد جلسة الفشل الثاني عشر في انتخاب رئيس للجمهورية. كما اكدت في الوقت نفسه صعوبة الحوار على المستوى المسيحي، واستحالة الوصول الى قاسم مشترك بين اطراف كلّ منها يعتبر نفسه صاحب الأمر والقرار والكلمة العليا في الملف الرئاسي.

مصادر مواكبة للمسعى الفرنسي اكدت لـ"الجمهورية" أنّ لودريان بإعلانه انه عازم على إطلاق حوار بين اللبنانيين، وضع نفسه أمام مهمّة محفوفة بصعوبات كبرى، لا بل بفشل مسبق إن كان الحوار الذي يسعى اليه منطلقا فقط من كونه محاولة لإجلاس اللبنانيين على طاولة الحوار، لعلهم ينجحون من خلالها في تخطي انقساماتهم ويتفقون على مخرج للمأزق الرئاسي. وهو امر دونه مستحيلات مع تناقضات سياسية تسلك مسارات مختلفة مصادمة لبعضها البعض. ولو قُيِّضَ لمثل هذا الحوار ان ينعقد، فإنّ لودريان سيسمع بالجملة داخل غرفة الحوار، ما سمعه من اعتراضات واتهامات وتباينات بالمفرّق خارجها خلال لقاءاته واتصالاته التي أجراها في زيارته الاخيرة والنتيجة الأكيدة لهذا الحوار هي الفشل واستمرار الدوران في الحلقة المفرغة.

ولفتت المصادر الى ان التجربة مع التناقضات اللبنانية تؤكد بما لا يقبل ادنى شك أن لغة التمني والدعوات البيانية من بعيد الى حوار بين التوجهات اللبنانية حول الملف الرئاسي وكل ما يتصل به، لا تسري في هشيم السياسة اللبنانية المعقدة. وبالتالي، لكي يكون هذا الحوار مُستجابا له بلا تردد، ومجديا ومحطة لكسر الانسداد الرئاسي، ينبغي أن يأتي في إطار ملزم يحدّد شكل الحوار، ومستواه، وزمانه ومكانه، وجدول أعماله، أي خريطة عمل تتمتّع أوّلاً بقوة الجذب، والجلب والدفع بالجميع إلى طاولة الحوار من دون شروط مسبقة، وتتمتع ثانياً بقدرة إلزام الجميع على فتح ممرات آمنة للملف الرئاسي تُفضي الى ايجابيات تنهي المأزق الرئاسي.

وردا على سؤال عما اذا كان مثل هذا الحوار ممكنا، قالت المصادر: فلنعترف اولاً انّ باب الحوار الداخلي مقفل، واطراف الداخل جميعها منقسمة على هذا الحوار، وبمعنى أدق كل طرف يريد حوارا يحقق له مشيئته وما يريده، وفي هذا الجو لا يمكن لأي حوار لبناني أن ينتج ولو انتظرنا مئة سنة. وثانياً، اللبنانيون في محطاتهم الاساسية احترفوا مسألة وحيدة هي حرق المراحل والفرص، ولا يذهبون الى الحلول طواعية بل بالاكراه، او بعدما تقع الواقعة ويسقط الهيكل، والامثلة عديدة منذ الطائف وصولاً الى الدوحة. وتبعاً لذلك، فإنّ الحوار المجدي والملزم بنتائجه امر ممكن جدا اذا ما كان إنفاذا لقرار دولي جدي جامع بين الدول الكبرى المؤثرة بلبنان بحسم الملف اللبناني. تتشارك فيه الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ومعهما السعودية وسائر الدول المعنية بهذا الملف.

إنتظارنا سيطول!
واذا كانت بعض المستويات السياسية قد قاربت ما قاله لودريان حول ان خطوته المقبلة ستتم بالشراكة مع الدول الشريكة الاساس للبنان. بكونها ممهدة للقرار الدولي او بندا تنفيذيا له، إلا ان ما هو متوفر من معطيات ومعلومات موثوق بها لدى المطلعين على الاجواء الدولية المرتبطة بلبنان يؤكد عكس ذلك، وبحسب ما أكد هؤلاء لـ"الجمهورية": انّ اي قرار دولي بِحَسم الملف اللبناني واخراج لبنان من مأزقه لم يُتخَذ بعد، ولا تؤجد اي مؤشرات توحي بذلك، ذلك انّ اولويات الدول واهتماماتها بعيدة عن النطاق اللبناني مسافات زمنية. وعليه، فإن واقع لبنان سيبقى ضمن المراوحة السلبية في التناقضات والتوترات السياسية والتصعيد الى امد بعيد، وتِبعاً لذلك فإن انتظارنا لمساعدة خارجية جدية سيطول لأشهر وربما لسنة او اكثر".

رئيس بعد النووي!
رغم هذا الإنسداد، فإنّ مرجعاً مسؤولا كشف لـ"الجمهورية" عما سمّاهما عاملين قد تكون لهما تأثيرات ايجابية على الملف الرئاسي، الاول هو الجهد الفرنسي الرامي الى احداث اختراق في الجدار الرئاسي، والموفد الفرنسي لودريان عَكسَ وجود ارادة دولية وتحديدا من الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني، لتحقيق هذا الخرق، وان زيارته المقبلة الى لبنان ستتضمن خطوات دافعة في هذا الاتجاه من دون ان يحدد ماهيتها، الا انه كان واثقا من انها ستؤسس الى انفراج. وما علينا في هذا السياق سوى ان ننتظر.

أمّا العامل الثاني، فيشير المرجع عينه الى التطورات الدولية المتسارعة، وخصوصا على خط الاتفاق النووي الايراني، حيث ان ثمة مؤشرات جدية توحي بإمكان بلوغ اتفاق حول هذا الامر، وان ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن تشدّ في هذا الاتجاه على باب الانتخابات الرئاسية الاميركية. ومن شأن ذلك ان تنسحب ايجابياته على اكثر من ساحة في المنطقة، ولبنان لن يكون خارجها، واهم ثماره تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o