Jun 25, 2023 2:45 PM
متفرقات

الأب دومينيك حلو في عيد القديس خوسيماريا اسكريفا: تعاليمه تذكّرنا بعدم الخوف

احتفلت حبرية "عمل الله" في لبنان "OPUS DEI" بعيد مؤسسها القديس خوسيماريّا إسكريفا دي بالاغير،  قبل ظهر اليوم في كاتدرائية مار جرجس المارونية في وسط بيروت، بمشاركة آباء الحبرية  في لبنان وأعضائها وعائلاتهم وأصدقائهم.

ترأس الصلاة الأب دومينيك الخوري حلو، يحيط به المونسنيور    Giovanni Bicchieri  ممثلًا السفير البابوبي في لبنان وكهنة الحبرية والخوري نعمة الله مكرزل مسؤول البروتوكول في أبرشية بيروت المارونية الذي نقل للمشاركين في القداس بركة وصلاة رئيس أساقفة بيروت المطران بولس عبد الساتر وتهنئته لهم في عيد القديس خوسيماريا.

وبعد الإنجيل المقدس ألقى الأب دومينيك حلو عظة تحدّث فيها عن القديس خوسيماريا وأعماله وروحانيته وعن حبرية "عمل الله" وروحانيتها في الحياة العامة ، وقال:

1. "لأَنَّ جَمِيعَ الّذِينَ يُحيِيهِم رُوحُ اللهِ هُم أَبنَاءُ الله" (رُوم 8: 14). إِنَّ كَلِمَاتِ الرَّسُولِ بُولُس  هَذِهِ، الَّتي تَرَدَّدَ صَداهَا لِلتَوّ في مَسامِعِ جَمَاعَتِنا الـمُشَارِكَة في هَذا الإِحتِفَال، تُسَاعِدُنا عَلَى فَهمِ رِسَالَةِ القِدِّيسِ خُوسِّيمَارِيَّا إِسكرِيفَا دِي بَالاغِير الهَادِفَة، بِنَوعٍ أَفضَل. وَقَد أَسلَمَ القِدِّيس خُوسِّيمَارِيَّا نَفسَهُ بِلُطفٍ لِتَوجِيهَاتِ الرُّوحِ القُدُس، مُقتَنِعاً أَنَّه هَكَذا فَقَط يُمكِنُهُ تَتمِيمَ إِرادَةِ اللهِ بِالكَامِل.

كانَت هَذِهِ الحَقِيقَةُ الـمَسِيحِيَّة الأَسَاسِيَّة الـمَوضُوعَ الـمُتَكَرِّر في عِظاتِهِ. وَفي الوَاقِعِ، لَم يَتعَب أَبَداً مِن دَعوَةِ أَبنَائِهِ الرُّوحِيِّينَ لاستِدعَاءِ الرُّوحِ القُدُس لِلتَأَكُّدِ من أَلاَّ تَكُونَ حَيَاتُهُم الدَّاخِلِيَّة، أَي حَيَاةُ العَلاقَةِ مَعَ اللهِ، وَحَيَاتُهُمُ  العَائِلِيَّة، وَالـمِهَنِيَّة وَالإِجتِمَاعِيَّة، الـمُكَوَّنَة مِن حَقَائِقَ أَرضِيَّةٍ صَغِيرَة، مُنفَصِلَة، بَل أَن تُشَكِّلَ كِيَاناً واحِداً "مُقَدَّساً وَمَملُوءاً بِالله". وَلَقَد كَتَبَ: "دَعُونا نَكتَشِفُ اللهَ في أَكثَرَ الأُمُورِ وُضُوحاً وَمَادِيَّة" (مُقابَلات مَعَ الـمُونسِينيُور إِسكرِيفَا ، عَدَد 114).

     إِنَّ تَعالِيمُهُ لا تَزالُ اليَومَ آنِيَّةّ وَأَساسِيَّة. إِذ بِحُكمِ الـمَعمُودِيَّة الَّتي يَتَّحِدُ بِهَا الـمُؤمِنُ بِجَسَدِ الـمَسِيح، يُدعَى إِلى الحِفَاظِ عَلَى عَلاقَةٍ ثابِتَة وَحَيَوِيَّة مَعَ الرَب. إِنَّهُ مَدعُوٌّ لأَن يَكُونَ قِدِّيساً وَأَن يُساهِمَ في خَلاصِ البَشَرِيَّة.

2. "وَأَخَذَ الرَبُّ الإِلَه الإِنسَانَ وَأَقَامَهُ في جَنَّةِ عَدنٍ لِكَي يَفلَحَهَا وَيَحرُسَهَا " (تَك 2 ، 15). يُذَكِّرُنا سِفرُ التَكوِين أَنَّ الخَالِقَ أَوكَلَ الأَرضَ إِلى الإِنسَانِ لِكَي "يَفلَحَها" وَ "يَحرُسَهَا". فَالـمُؤمِنُونَ الَّذِينَ يَعمَلُونَ في مُختَلَفِ حَقَائِقِ هَذا العَالَم يساهمون في تَحقِيقِ هَذا الـمَشرُوعَ الإِلَهِيّ الشَّامِل. إِذ يَتَحَوَّلُ العَمَلُ وَأَيُّ نَشَاطٍ آخَر يُتَمَّمُ بِمَعُونَةِ النِّعمَة إِلى أَدَوَاتِ تَقدِيسٍ يَومِيّ.

لَقَدِ اعتَادَ القِدِّيس خُوسِّيمَارِيَّا أَن يُؤَكِّدُ : " أَنَّ حَيَاةَ الـمَسِيحِيِّ الـمُؤمِنِ العَادِيَّة، عِندَمَا يَعمَلُ أَو يَستَرِيح، عِندَمَا يُصَلِّي أَو عِندَمَا يَستَلقِي لِلنَّوم، في كُلِّ الحَالاتِ وَاللَّحَظَات، هِيَ حَيَاةٌ فِيهَا اللهُ حَاضِرٌ عَلَى الدَّوَام."  إِنَّ هَذِهِ الرُؤيَةَ الخَارِقَة لِلوُجُودِ تَفتَحُ أُفُقاً غَيرَ عَادِي لِوُجُهَاتِ النَّظَرِ الخَلاصِيَّة، لأَنَّهُ، حَتَّى في سِّيَاقِ الأَحداثِ الأَرضِيَّةِ العَادِيَّة، الَّذِي قد يَبدُو رَتِيباً، يَقتَرِبُ اللهُ مِنَّا وَيُمكِنُنَا إِذذَاكَ الـمُشَارَكَة في تَصمِيمِهِ الخَلاصِيّ. وَبِالتَّالِي ، يَسهُلُ فَهمُ مَا يُؤَكِّدُهُ الـمَجمَعُ الفَاتِيكَانِيّ الثَّانِي حَيثُ يَقُول: "إِنَّ الرِّسَالَةَ الـمَسِيحِيَّة لا تَصرِفُ النَّاسَ عَن بِنَاءِ العَالَم، بَل عَلَى العَكسِ فهي تَجعَلُ ذَلِكَ واجِباً أَكثَرَ إِلحَاحاً عَلَيهِم"                    (فَرَحٌ وَرَجَاء، عَدَد 34).

3. إِنَّ الإِرتِقَاءَ بِالعَالَمِ إِلى اللهِ وَتَحوِيلِهِ مِنَ الدَّاخِل: هَذا هُوَ الـمِثَالُ الأَعلَى الَّذِي يُوَجِّهُنا إِلَيهِ الـمُؤَسِّسُ القِدِّيس، أَيُّهَا الإِخوَةُ وَالأَخَواتُ الأَحِبَّاء ، الَّذِينَ نَبتَهِجُ مَعَكُمُ اليَومَ في مُنَاسَبَةِ عِيدِهِ. هَا هُوَ يَستَمِرُّ في تَذكِيرِنا بِالحَاجَةِ إِلى عَدَمِ الخَوفِ مِنَ الثَّقَافَةِ الـمَادِيَّة، الَّتِي تُهَدِّدُ بِزَوالِ هُوِيَّةِ أَتبَاعِ الـمَسِيحِ الأَكثَرَ أَصالَةً. فَلنُصغِي إِلَيهِ يُكَرِّرُ بِقُوَّةٍ أَنَّ الإِيمَانَ الـمَسِيحِيّ يُعَارِضُ الإِمتِثَالَ وَالجُمُودَ الدَّاخِلِيّ.

دَعُونا إِذاً، مِن خِلالِ اتِّبَاعِ آثَارِ خُطاه، دُونَ تَمييزٍ بِسَبَبِ العِرقِ أَو الطَبَقِيَّةِ الإِجتِمَاعِيَّة أَوِ الثَّقَافَة أَوِ العُمر، دَعُونَا نَنشُرُ في الـمُجتَمَعِ الوَعيَ بِأَنَّنَا جَمِيعاً مَدعُوُّونَ إِلى القَداسَةِ. دَعُونا نُجَاهِدُ لِنَكُونَ قِدِّيسِين في الـمَقَامِ الأَوَّل ، وَنُنَمِّي أُسلُوباً إِنجِيلِيّاً مِنَ التَّوَاضُعِ وَالخِدمَة، وَالتَسلِيمِ الـمُطلَقِ إِلى العِنَايَةِ الإِلَهِيَّة وَالإِصغَاءِ الـمُستَمِرِّ إِلى صَوتِ الرُّوحِ. وَهَكَذا، سَنَكُونُ "مِلحَ الأَرضِ" (راجِع مَتَّى 5 ، 13) ، وَ "هَكَذا سَوفَ يُضِيءُ نُورُنا أَمَامَ النَّاسِ لِيَرَوا أَعمَالَنَا الصَّالِحَة وَيُمَجِّدُوا أَبانا الَّذِي في السَّمَاء" (أَلـمَرجَع نَفسُهُ 5 ، 16).

4. بِالتَأكِيد، لَنْ تَنقُصَ الصُّعُوبَاتُ وَلَن تَخلُو مَسِيرَةُ حَيَاةِ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ خِدمَةَ قَضِيَّةِ الإِنجِيلِ بِأَمانَة، مِن سُوءِ الفَهم .غَيرَ أَنَّ الرَبَّ يُطَهِّرُ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدعُوهُم لِاتِّباعِهِ، بِقُوَّةِ الصَلِيبِ السِرِيَّة. وَلَكِنَّنا نَجِدُ في الصَلِيبِ، كَمَا كَرَّرَ مُؤَسِّسُ "عمل الله "،  أَلنُّورَ وَالفَرَحَ وَالسَلام.

وَمُنذُ ذَلِكَ الحِين ، أَيّ في السَّابِعِ مِن آب سَنَة 1931، أَثنَاءَ الإِحتِفَالِ بِالقُدَّاسِ الإِلَـهِي ، راحَت كَلِمَاتُ يَسُوعَ هَذِهِ تَتَرَدَّدُ في رُوحِهِ : " وَأَنا إِذا مَا رُفِعتُ عَنِ الأَرضِ ، جَذَبتُ إِلَيَّ كُلَّ أَحَد !" (يُو 12 ، 32). فَهِمَ القِدِّيس خُوسِّيمَارِيَّا بِشَكلٍ أَوضَح أَنَّ رِسَالَةَ الـمُعَمَّدِين تَكمُنُ في رَفعِ صَلِيبِ الـمَسِيحِ فَوقَ كُلِّ وَاقِعٍ بَشَرِيّ، وَشَعَرَ في داخِلِهِ بِوِلادَةِ النَّدَاءِ الوَقَّادِ لِتَبشِيرِ كُلِّ الأَمكِنَة. ثُمَّ قَبِلَ دُونَ تَرَدُّدٍ دَعوَةَ يَسُوعَ لِلرَّسُولِ بُطرُس: إِنتَزِحْ إِلى العُمق. وَلَقَد نَقَلَها إِلى عَائِلَتِهِ الرُّوحِيَّة بِأَكمَلِهَا، لِكَي تُقَدِّمَ لِلكَنِيسَةِ مُساهَمَةً مَتِينَة في الشَّرِكَةِ وَالخِدمَةِ الرَّسُولِيَّة. وَهَذِهِ الدَّعوَة تَمتَدُّ إِلَينَا جَمِيعاً اليَوم. "إِنتَزِحُوا إِلى العُمقِ ، يَقُولُ الـمُعَلِّمُ الإِلَهِيّ، وَأَلقُوا شِبَاكَكُم لِلصَّيد" (لُوقَا 5 ، 4).

5. وَلِكَي نَتَمَكَّنَ مِن إِنجَازِ مِثلَ هَذِهِ الرِّسَالَة الصَعبَة ، أَضحَى النُمُوُّ الدَّاخِلِيَّ الدَّائِم أَلَّذي تُغَذِّيهِ الصَلاة مَسأَلَةً أَساسِيَّة وَضَرُورِيَّة. لَقَد غَدا القِدِّيس خُوسِّيمَارِيَّا مُعَلِّماً في مُمَارَسَةِ الصَلاة، وَقَدِ اعتَبَرَها "سِلاحاً " غَيرَ عَادِيٍّ لِفِداءِ العَالَم. وَلَقَد أَوصَى دائِماً: "أَوَّلاً، أَلصَلاة، ثُمَّ الكَفَّارَة، وَثَالِثاً، وَفَقَط في" الـمَركَزِ الثَّالِث "، العَمَل" (طَرِيق ، عَدَد 82). وَهَذِهِ لَيسَت إِعجَازاً، بَل حَقِيقَةٌ أَبَدِيَّة:  فَالخُصُوبَةُ الرَسَولِيَّة تُوجَدُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ في الصَلاة وَفي الحَيَاةِ الأَسرَارِيَّةِ الـمُكَثَّفَة وَالدَّائِمَة. وَهَذا هُوَ في الأَسَاسِ سِرُّ القَدَاسَة وَسِرُّ نَجَاحِ القِدِّيسِينَ الحَقِيقِيّ.

أَلا أَعانَنا الرَبُّ، أَيُّهَا الإِخوَةُ وَالأَخَواتُ الأَعِزَّاء، عَلَى قُبُولِ هَذا التُراثِ النُّسكِي وَالإِرسَالِي. وَلتَحفَظنَا مَريَم، الَّتِي دَعَاهَا الـمُؤَسِّسُ القِدِّيس بِهَذِهِ التَسمِيَات : يا رَجَاءَنا، يَا كُرسِيَّ الحِكمَة ، يا أَمَةَ الرَب.

وَلتَجعَل السَيِّدَةُ العَذراءُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا شَاهِداً حَقِيقِيّاً لِلإِنجِيل، فَنَغدُو عَلَى استِعدادٍ لِتَقدِيمِ مُسَاهَمَةٍ سَخِيَّة في كُلِّ مَكَانٍ لِبِنَاءِ مَملَكَةِ الـمَسِيح. وَليَكُن مِثالُ القِدِّيس خُوسِّيمَارِيَّا وَتَعلِيمُهُ بِمَثَابَةِ حَافِزٍ لَنَا، حَتَّى نَتَمَكَّنَ نَحنُ أَيضاً ، في نِهَايَةِ حَجِّنا الأَرضِيّ، مِنَ الـمُشَارَكَةِ في إِرثِ السَمَاءِ الـمُبَارَك. هُنَاكَ، مَعَ الـمَلائِكَة وَجَمِيعِ القِدِّيسِين، حَيثُ نَتَأَمَّلُ وَجهِ اللهِ، وُنُنشِدُ مَجدَهُ إِلى الأَبَد!

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o