Jun 09, 2023 3:03 PM
خاص

من دبلوماسية النخبة الى نخبة الاسفاف...بو حبيب تلقف اعلان "عدوان غير مرغوب به في باريس"‏

نجوى ابي حيدر

المركزية- ليس الانهيار الحقيقي والخطير في لبنان سياسيا وماليا واقتصاديا وطبيا وتربويا وكل ما طالته الازمة منذ اربع سنوات حتى اليوم فحسب، ذلك ان معالجته، ليست عصيّة في ما لو توافرت الارادة والنية بالانقاذ، فالعطب البنيوي والمرض المستعصي يكمن في تشويه صورة لبنان الى درجة تصعب مداواتها وقد لا يتوافر الترياق الى حين، ما دامت المنظومة الحاكمة الممعنة في طعن دولة القانون والحريات ومنارة الشرق ودبلوماسية الرقي لمصلحة منافعها الشخصية ماضية في التحكم بمصير البلاد ومستقبلها.

في الحضيض باتت سمعة لبنان دوليا، بعد سيل ممارسات أقل ما يقال فيها انها لا ترقى الى مستوى الحد الادنى من التعاطي اللبق سياسيا ودبلوماسيا، حتى ليكاد يصبح مضرب مثلٍ ونموذج في "قلة الادب والاخلاق" نسبة لممارسات بعض من طاقمه السياسي والدبلوماسي. اذ علاوة على اقترافات امتهنتها طبقة سياسية فاشلة وموبوقة، رضي بها جزء من اللبنانيين ويتحملون مسؤولية اعادة انتاجها من خلال صندوقة الانتخابات، وقد عبّر سفراء اجانب كثر عن مدى امتعاضهم وإحباطهم منها طوال السنوات الاخيرة، اطلت اخيرا طبقة من الدبلوماسيين مسحت بالارض سمعة لبنان وشعبه، تارة بمواقف "غبيّة" واخرى بممارسات معيبة في محافل دولية وعلى انظار العالم ، وصولا الى معلومات تتواتر عن خلافات بين سفير وموظفة في دولة آسيوية تطورت الى تعنيف وطرد، ستكشف الساعات المقبلة المزيد منها، بحسب معلومات "المركزية"، الا ان قمة الانهيار جاء من عاصمة اللباقة والرقي مع فضيحة السفير رامي عدوان.

تقول مصادر دبلوماسية لـ"المركزية" ان ترتيب لقاء وزير الخارجية والمغتربين عبدلله بوحبيب  بوزيرة الخارجية الفرنسية  كاترين كولونا في الرياض في الساعات الماضية  لم يكن سوى للبت في مسألة السفير عدوان بعد الضجة التي أثيرت على خلفية اتهامات وجهت اليه من مصدرين  بالاغتصاب والتعنيف.وتكشف ان الخارجية الفرنسية كادت  تعلن عدوان شخصا غير مرغوب به ، persona non grataفتلقف الامر وزير الخارجية  وسارع الى إبلاغ نظيرته انه سيستدعي عدوان الى الادارة المركزية.

وتوضح اوساط دبلوماسية لبنانية "ان عدوان قبل تعيينه في منصبه وتزكيته من قبل وزير الخارجية آنذاك النائب جبران باسيل  كان لا زال برتبة سكرتير ديبلوماسي، اي من ضمن الفئة الثالثة في السلك الديبلوماسي وتعيينه سفيرا  في باريس على حساب زملاء له لهم الأفضلية والأقدمية والأحقية، دونه عقبات، اولها استحالة ترقيته الى الفئة الأولى دون المرور بالثانية،  ومضي سنوات في الفئة الثانية كي يتمكن بعدها اي ديبلوماسي ان حالفه الحظ بالارتقاء الى رتبة سفير بعد ترقيته الى الفئة الأولى.

الا ان، وفي وقت  كان يطرح فيه ملء المركز الشاغر في باريس على رأس البعثة الدبلوماسية، استطاع عدوان الذي كان يشغل منصب مدير مكتب باسيل في الخارجية اقناع الأخير بضرورة تعيينه سفيرا، ولو بتخطي الأصول، للسعي لدى الرئيس الفرنسي المنتخب حديثا آنذاك ايمانويل ماكرون الذي تربطه به علاقة صداقة  كونهما درسا في معهد واحد، لتوفير فرصة رئاسية لباسيل، بحسب الاوساط، فخيضت معركة وحصلت توليفة قانونية اعتبرها سفراء الخارجية الممتعضون من تخطي الأصول والنظام الداخلي للوزارة  التفافا على القوانين. وكان المخرج الأنسب  لتخطي كل العراقيل القانونية الموضوعة أمام عدوان في مساره الى العاصمة الفرنسية، أن أقدم على الاستقالة من السلك مع اقتراح وزير الخارجية السابق جبران باسيل قبولها وترقيته الى الفئة الثانية وصرف تعويضه على اساس راتب الفئة الأعلى(وهذا ما اثار حفيظة وزير المال آنذاك علي حسن خليل الذي رفض التوقيع في بادئ الامر)،  ثم تم تعيينه سفيرا  لدى باريس من خارج الملاك، ليعود الى السلك ثانية بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون ويترقى مباشرة الى الفئة الأولى.

 وبحسب ديبلوماسي لبناني رفيع المستوى، كان السيناريو هذا  ليحصل لولا الدعاوى القضائية التي يواجهها عدوان في باريس وسلوكه المشين الذي بدأ يخرج من الرقعة الضيقة الى العلن.أما اليوم وبعد استدعاء بوحبيب له، فمن المتوقع ان تكون عودته هذه الخطوة الأخيرة في حياته الدبلوماسية بحسب السفير عينه. فلا الرئيس العتيد سيجدد له ويبقيه سفيرا من خارج الملاك حتى لو وصل باسيل نفسه، ولا سيمنح شرف العودة الى السلك الديبلوماسي بعد ما حصل.

لا تقف قضية عدوان وفق المصدر عند اقترافاته هو او اي سفير آخر يرتكب مخالفات او سرقات، بل تتعداها الى ما هو ابعد واخطر، يمثله التفلت من كل الاصول والضوابط في اختيار الدبلوماسيين وتعيينهم، اذ عوض اختيارهم استنادا الى معايير الكفاءة والمقدرات العلمية والثقافية والتدريب والتفوق في الامتحانات والتدرج في المناصب لاكتساب الخبرة والتمرّس في الدبلوماسية اللائقة بصورة لبنان في الخارج ، تسري على التعيينات معايير المصالح الخاصة للزعماء والاتيان بمن يواليهم وينفذ مشاريعهم المصلحية في هذه الدولة او تلك  دون ادنى مراعاة لاصول العمل الدبلوماسي ومسؤولية تمثيل لبنان لدى العواصم الخارجية، فيحصد لبنان سمعة سيئة .

رحم الله عمالقة رفعوا شأن لبنان دبلوماسيا واسهموا في وضع شرعة حقوق الانسان، فكانت دول العالم قاطبة تحسب لهم الف حساب. رحم الله شارل مالك وفؤاد بطرس وفؤاد الترك وسفراء زمن لبنان النخبوي الذهبي، وبؤس زمن دبلوماسية "العلكة" والاسفاف والانحطاط.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o