Jun 08, 2023 7:06 AM
صحف

الملف الرئاسي… معركة النّفَس الطويل

تؤكد مصادر سياسية لـ«الجمهورية» انها لا ترى في الأفق الرئاسي ما قد يعجّل بالحسم الرئاسي وبالتالي انتخاب رئيس في 14 حزيران، بل على العكس من ذلك، حيث تقول إنّ أيّ مُراقِب موضوعي لهذه المجريات والاحداث المتسارعة لا يجد ولَو حدّاً أدنى من الصّعوبة في قراءة مشهدٍ يَنحى إلى ما تبدو انّها «معركة النّفَس الطويل»، مفتوحة على مَديات أبعد بكثير من 14 حزيران، وحُبلى بالمواجهات والاحتمالات، وكلّ طرف فيها يوحي بأنّه يمتلك قدرة الصمود امامها، والكثير من اوراق القوة والضغط التي من شأنها دفع الطرف الآخر إلى أن يصرخ أوّلاً، ومن الصعب في هذه الحالة التحديد مُسبقاً لِمَن سيصمد اكثر، ومن نفسه اطول، ومَن سيَصرخ أولاً».

ضمن هذا السياق يتقلّب الواقع الداخلي على تناقضَين يضبطان المعركة الرئاسية على إيقاعهما المتصادم، الذي تنتفي معه اي توقعات لمفاجآت إيجابية في الفترة الفاصلة عن الجلسة الانتخابية والمرحلة التي ستليها. فالتناقضات السياسية، او بالأحرى التقاطعات الظرفية، باتت تتصرّف وكأنها قد حققت هدفها قبل ان يتحقق، وأوساطها تؤكد لـ«الجمهورية» أنّها فرضت تغييراً جذرياً في قواعد الإشتباك الرئاسي، نَزعت من خلالها ورقة اللعب بالملف الرئاسي، من أيدي «ثنائي التعطيل»، وثَبّتت من خلالها أقدام مرشحها أزعور كرقمٍ صعب على الخط الرئاسي، وباتَ على بُعدٍ قريب جداً من الفوز برئاسة الجمهورية، وهو مسار انطلق ولن يستطيع الثنائي حَرفَه عن وجهته أو وَقفَه».

إلّا انّ التقاطعات الداعمة لأزعور، تقفز في مقاربتها هذه فوق حقيقة أنّ في مقابلها جبهتين، الاولى يكتفها الغموض، والثانية في منتهى الوضوح، فالجبهة الأولى تتوزّع على:

- تَغييريون ومستقلّون يزيد عددهم عن 10 نواب، حَسموا سلفاً تَوجّههم نحو خيارات أخرى، وعدم تصويتهم لا لفرنجية ولا لأزعور، ومن شأن ذلك أن يضرب «بوانتاجات» التقاطعات التي فاقت توقعاتها الـ70 صوتاً لأزعور.

- كُتل أخرى مَحسوم عدم تصويتها لفرنجية، إنما لم تحسم بعد توجّهها للتصويت لأزعور. وينطَبِق ذلك على موقف اللقاء الديموقراطي، الذي وإنْ كان قد سَبقَ له أن رَشّح أزعور، فإنه يدرس كل الاحتمالات وكذلك التداعيات، علماً انّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أكّد انه لن يكون شريكاً في تخريب البلد، وليس مع مرشّح مواجهة أو تَحَدٍ من هذا الجانب او ذاك. وتبعاً لذلك، فإنّ خيار الورقة البيضاء ما يزال وارداً. وبالتالي، فإنّ أصوات اللقاء الديموقراطي الـ9 ليست مضمونة حتى الآن لِلصَبّ إلى جانب التقاطعات لمصلحة أزعور. وإنّ احتسابَها المُسبَق ضمن بوانتاجات التقاطعات فيه الكثير من التسرّع.

- نواب وَسطيّون، حَسموا خيارهم بإبقاء وجهة تصويتهم مستورة حتى يوم الجلسة، وينطبق ذلك على نواب الاعتدال الذين قرروا ألّا يصَوّتوا في دورة الإقتراع الأولى في جلسة 14 حزيران لا لفرنجية ولا لأزعور.

- عدد من نواب تكتل لبنان القوي (غير نواب الطاشناق ومحمّد يحيى الذي انتقل الى كتلة نيابية أخرى) الغاضبين من المنحى الذي أدى الى التقاطع على أزعور، فعلى الرغم من الدعوات المتتالية لرئيس التيار جبران باسيل والاستعانة بالرئيس ميشال عون لِجَعل التصويت لمصلحة أزعور أمراً واجباً ومُلزماً، فإنّ هؤلاء مَاضون في التغريد خارج هذا، والأمر بالتصويت إمّا بورقة بيضاء او لإسم آخر. وهذا الامر إن حَصل سيُقزّم بوانتاجات التقاطعات أكثر فأكثر.

امّا الجبهة الثانية في مواجهة تلك التقاطعات، فمُتراصّة خلف فرنجيّة، وتؤكد مصادر ثنائي حركة «أمل» و«حزب الله» لـ«الجمهورية» انها في أعلى درجات الجهوزية للمُنازَلة المنتظرة في 14 حزيران، وإن كان الفريق الآخر يملك قدرة إيصال مرشحه الى رئاسة الجمهورية، فجلسة 14 الشهر أمامنا، والمَي بتكذب الغطاس».

ورداً على سؤال، قالت المصادر: «لا تَعنينا لغة «البوانتاجات» والعدّادات التي تحاول لَملمة الاصوات من هنا وهناك»، الّا انّ ما هي مُتيقّنة منه هو انّ تلك التقاطعات ستُمنَى بخسارة مزودة؛ صغرى وكبرى. فالصغرى ستتجلى في عدم تمكّنها من إيصال مرشحها الى رئاسة الجمهورية، ونحن مدركون سلفاً انّ إنجاحه ليس غايتها. أمّا الخسارة الكبرى فستتجلّى بعدم استطاعتها التأثير على ترشيح الوزير فرنجية، ولا على زَحزحَة دعم «أمل» و»حزب الله» وحلفائهما له، بِوَصفه الخيار الوحيد الذي يشكل مصلحة للبلد، فلم نرشّحه لكي نتخلى عنه، فالتزامنا ثابت ونهائي ولا لزوم لأن نُكرر ذلك».

وسط هذه الأجواء، تُثار في الاوساط السياسية تساؤلات حول سر انكفاء حركة الجهود الخارجية، وتَرك الساحة لهذا الاشتباك الدائر. وفيما أكّد مرجع سياسي مسؤول لـ«الجمهورية» انه «لا توجد حتى الآن أي مُعطيات عن حراكات وشيكة لا من قبل الاصدقاء ولا من قبل الأشقّاء، علماً انّ الحراكات التي سبقَ وجَرت في الفترة الاخيرة، حملت معها بَشائر بانفراجٍ رئاسي وشيك، وهذا ما سمعناه بشكل واضح. لكنّ هذه الحراكات، التي تم الاتفاق على ان تُستكمَل بشكل مفصّل لحسم خريطة طريق الانفراج، توقفت بشكل مفاجىء. وبالتالي، ما سمعناه من إيجابيات ووعود يبدو انه تبخّر ولم يعد له وجود، وعُدنا الى المربّع الاول المحكوم بتوتر سياسي ورئاسي، ووسط هذا الجو يستحيل انتخاب رئيس».

ورداً على سؤال عن سبب هذا التوقف، وهل ثمّة عامل خارجي فرضَ ذلك؟ قال المرجع: «لم نتبلّغ شيئاً في هذا الاطار، ولكن هناك من يقول ان الاميركيين دخلوا من جديد الى قلب الحدث الرئاسي. وان هناك محاولات لتَزكية خيار رئاسي ثالث، وانا شخصياً لا أملك اي معطيات دقيقة حول ما يُقال، ولذلك أستطيع أن أؤكده أو أنفيه».

على ان النظرة الفرنسية الى تطورات المشهد الرئاسي تُلخّصها مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي لـ«الجمهورية»، بقولها: انّ باريس تتابع بحذر شديد دقائق الوضع في لبنان، ولا ترى مصلحة للبنانيين في اثارة توترات اضافية فيما بينهم، تَبعَث على القلق مِن دَفع لبنان الى منعطف خطير جداً يتهدّد أمنه واستقراره».

على ان أبرز ما تلفت اليه المصادر هو انّ باريس ما زالت على ثقة بأنّ الحل للأزمة الرئاسية مُحَدد بصورة واضحة في التسوية التي طرحها الرئيس ايمانويل ماكرون، انطلاقاً من الحاجة المُلِحّة للبنان لفرصة تَضعه على سكة الخروج من أزمته».

وأكدت على ذلك ايضاً مصادر ديبلوماسية من باريس بقولها لـ«الجمهورية»: باريس قَلِقة من ارتفاع مستوى التوتر السياسي في لبنان، فهذا لا يخدم التعجيل بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة، ولا مصلحة لبنان واللبنانيين.

ولدى سؤالها: هل مِن حراك فرنسي جديد؟ قالت المصادر: «باريس حاضرة دائماً، إنما لا معطيات حول تحرّك فرنسي وشيك. والرئيس ماكرون كان شديد الوضوح عندما أكد للبنانيين انّ لبنان في خطر، وانّ على القادة السياسيين التقاط فرصة الحل، وانتخاب رئيس للجمهورية على وجه السرعة، وتَجنّب كل مُسبّبات التوتر فيما بينهم، ومع الأسف هذا ما لم نلمسه حتى الآن.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o