May 30, 2023 6:49 AM
صحف

الفاتيكان قلق وباريس تتحرّك للتعجيل وأولوية الداخل التعطيل

ما بين الداخل والخارج تناقض واضح حول مقاربة الملف الرئاسي؛ في الداخل ملهاة سياسية خارج الصحن الرئاسي، ومكونات مأزومة تضيّع الوقت وتملأ الفراغ بعراضات صاخبة وطروحات هامشية تبدو انها تفتقد الى الجدية في تعجيل انتخاب رئيس الجمهورية. امّا في الخارج، فتبدو حركة الجهود الصديقة المرتبطة بالملف الرئاسي قد دخلت في طور التزخيم الاضافي للاندفاعة في اتجاه لبنان، والدفع نحو حسم وشيك للانتخابات الرئاسية.
جديدُ الخارج في هذا السياق قد تبدّى في رسائل فاتيكانية مباشرة قد توالت في الآونة الاخيرة تعكس "قلقاً جدياً من الكرسي الرسولي على لبنان وشعبه"، وتنطلق من "الحاجة الملحّة الى ان يتعاون اللبنانيون ويتلاقوا على واجب انجاز استحقاقاتهم الدستورية وانتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن، يحقق ما يتوق اليه اللبنانيون من امن واستقرار وخروج من ازمة نالت مصاعبها من كل فئات الشعب اللبناني".

ماكرون يضع ثقله
الا ان البارز في هذا السياق يتمثّل بالزخم الفرنسي في مقاربة الملف الرئاسي في لبنان، وربطا بذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ"الجمهورية" ان باريس انتقلت الى مرحلة جديدة من التحرّك، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يبدو انه وضع ثقله في هذا الأمر، بِهدف الحسم السريع للملف الرئاسي في لبنان.
ومن هنا، تلفت المصادر الديبلوماسية من العاصمة الفرنسية الى ان اللقاء المنتظر عَقده اليوم بين الرئيس ماكرون والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، (الذي زار الفاتيكان امس، والتقى امين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين)، يتّسم بأهميّة كبرى في هذ التوقيت بالذات، الذي يَتّصِف بدوره بدقة وحساسية كبرى في جانبه اللبناني، ومن هنا جاء توقيت زيارة البطريرك الراعي الى باريس ولقائه الرئيس ماكرون".
وردا على سؤال، كشفت المصادر ان الرئيس ماكرون سيضع البطريرك الراعي في صورة ما خَلصت اليه اجتماعات باريس، والجهود المبذولة بالشراكة والتكامل مع الاصدقاء الدوليين، الذين تلاقوا على ان لبنان يُسابق الوقت، وان مصلحته تكمن في التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تشرع فوراً في اجراءات انقاذية واصلاحية، علماً ان باريس قد سبق لها ان حددت موقفها في هذا السياق، ويشاركها فيه كل الاصدقاء الدوليين، وتقاطعوا عليه في الاجتماعات التي عقدها ممثلو الدول الخمس في باريس".
ولدى السؤال اذا كان الموقف الفرنسي يُزكّي انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؟ فضلت المصادر عدم الدخول في التفاصيل، الا انها لَمّحت الى انّ الموقف الفرنسي يتلخص في ان الضرورات باتت تُحتّم خروج لبنان من هذا الوضع الشاذ، الذي يتهدد مصيره بالفعل، ومن هنا تتعزز الحاجة الى انتخاب رئيس على وجه السرعة، تتحقق معه مصلحة للبنان، وهو ما سبق ان تم ابلاغه الى كل القادة السياسيين في هذا البلد. وتبعاً لذلك، فإن باريس كانت وما تزال تعوّل على البطريرك الماروني كعاملٍ مساعد على هذا الانجاز الذي يعني اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا، بما له من مكانة وحضور ودور".

لعبة العبث مستمرة
واذا كان الحدث في باريس يتجلى اليوم في اللقاء بين الرئيس ماكرون والبطريرك الراعي، فإنّ الداخل اللبناني ما يزال يسير بعكس مناخات وانفراجات المنطقة، ويتأرجح على منحدر التخبط في المكان ذاته؛ فالأداء الذي تنتهجه مكونات الانقسام السياسي حيال الملف الرئاسي منذ شغور موقع رئيس الجمهورية، لم يدفع به قيد أنملة الى الامام، بل على العكس، ثبّته في مربع التعطيل، وبَدلَ الاتعاظ مما نتج عن هذا الفراغ، مِن مسّ بموقع الرئاسة الاولى ودورها وحضورها وهيبتها، وايضا من خلل وارباك على المستوى العام، لا تعدم هذه المكونات وسيلة لتمديد عمر الفراغ الى مَديات طويلة، ومنع رياح الانفراجات الاقليمية من ان تهب في اتجاه هذا البلد.
لكأنّ هذه المكوّنات قد نذرت نفسها في خدمة الشيطان، وإعدام اي فرصة تمكّن هذا البلد من استعادة نفسه واعادة انتظام الحياة السياسية فيه. وها هو الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية يقترب من نهاية شهره السابع، ولعبة العبث بمصير البلد مستمرة على الايقاع ذاته الذي ضبطت عليه منذ نهاية الولاية الرئاسية البرتقالية في تشرين الاول من العام الماضي.
واذا كانت هذه اللعبة قد عبّرت عن نفسها في 11 جلسة انتخاب فاشلة عقدها المجلس النيابي، ولمرشح معارضة اسمه ميشال معوّض، أجمَعت كل الاطراف السياسية، بما فيها اطراف المعارضة التي تبنّته، على انه لم يكن جدياً، فإن هذه اللعبة تتكرّر في هذه الفترة انما بوجه آخر، حيث تتلهى بمرشح آخر اسمه جهاد ازعور، من دون ان تملك اي مقومات قوة دافعة نحو جَعله مرشحاً جدياً.

يروّجون اسمه ولا يتبنّونه
واذا كانت طريق ازعور مقطوعة نهائيا من جانب ثنائي حركة "أمل" و"حزب الله"، وذلك لاعتبار انهما، ووفق ما تؤكده مصادر الثنائي لـ"الجمهورية"، ملتزمان حتى النهاية بدعم الوزير فرنجية خلافاً لكل الجو الذي يروّج له من قبل منصات مدفوع لها للتشويش وقلب الوقائع، اضافة الى اعتبارات اخرى تعود الى الماضي وموقعه السياسي قبل سنوات كأحد اكثر المقربين من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الا ان الاثارة الصاخبة لاسمه في بعض اوساط المعارضة، لا تعني، وفق ما تؤكده مصادر مواكبة لهذا الامر لـ"الجمهورية"، انّ طريقه سهل ومفتوح، فنواب الاعتدال ليسوا في هذا الوارد، وهناك نواب تغييريون اعلنوا انهم ليسوا مع هذا الخيار، فضلاً عن ان مَن روّج لاسم ازعور لم يعلن تبنّيه له علناً وبشكل رسمي، وهذا ينطبق على "القوات اللبنانية، والكتائب، وبعض حلفائهما ممن يعتبرون انفسهم سياديين واستقلاليين وتغييريين".
واذا كانت بعض الاوساط تتحدّث عن ان ازعور يشكل نقطة تقاطع بين القوات وحلفائها وبين التيار الوطني الحر، في مواجهة ترشيح الوزير فرنجية، الا ان النوايا شيء والواقع القائم شيء آخر، فما يحكى عن موافقة قواتية على دعم أزعور الذي التقى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، يدخل مدار الجدية والحسم في حالة وحيدة، اي عندما تعلن القوات ذلك، وتعبّر عن دعم علني لأزعور. وواضح ان القوات ترمي الكرة في اتجاه التيار الوطني الحر في انتظار ما سيقرره تجاه ازعور.
امّا من جانب التيار، فعلى الرغم مما يروّج عن اقترابه من اعلان دعمه لأزعور، الا ان مصادر مطلعة تحدثت لـ"الجمهورية" عن انّ ما يروج في العلن يُجافي ما يسود داخل التيار تجاه هذا الامر، مِن تَباين واعتراض عليه من نسبة تقارب نصف عدد نواب تكتل "لبنان القوي"، فضلاً عن انّ المعترضين ينطلقون من انه اذا كان لا بد من دعم مرشّح، فليكن هذا المرشح من داخل التكتل، الذي يضم اعضاء يملكون الاهلية الكاملة للترشح وحمل البرنامح الاصلاحي والانقاذي الذي ينادي به التيار، وليس مرشحاً من داخل ما تسمّى "المنظومة". ومن هنا تستبعد المصادر ان يصل التيار الى تبنّي ترشح ازعور، الا اذا دفعت روح المغامرة بالبعض الى الدفع في هذا الاتجاه، فهذا معناه دخول التيار في واقع يتهدد تماسكه لا يحسد عليه".

أين الـ65 صوتاً؟
على ان اللافت للانتباه في معمعة البحث عن مرشح تلتفّ حوله المعارضات، ما دأبَت عليه بعض اوساط المعارضة من ترويج لاقتراب بلوغ المعارضات نقطة التفاهم على دعم الوزير ازعور كمرشح يواجه فرنجية، برغم ما ينقل عن ازعور انه لا يقبل بأن يكون مرشح تَحد في وجه رئيس تيار المردة، وهو بالتالي بات يستحوذ على ما يزيد عن 65 صوتاً من النواب.
الا ان مصادر مواكبة لحركة الاتصالات استغربت لـ"الجمهورية" ما سمّته "اللاواقعية والتضخيم الوهمي لشيء غير موجود، فالوزير ازعور لم يصل بعد الى ان يشكّل نقطة التقاء بين المعارضة او المعارضات عليه، كَون هذه المعارضات ما زالت عالقة عند تبايناتها ومسلماتها التي رافقتها خلال جلسات الفشل السابقة، ومنعتها من التوحّد والالتفاف حول مرشح معين...".
ولفتت المصادر الى انه "صحيح ان اسم ازعور متداول على خط الترشيح، ولكن لا اجماع بين المعارضات عليه، فضلاً عن ان موقف التيار ليس محسوما بعد، اضافة الى ان كتلاً اخرى حسمت تموضعها في الخط الاعتراضي على هذا الترشيح، كنواب الاعتدال وبعض نواب التغيير، وكذلك اللقاء الديموقراطي. وتبعاً لذلك، فإنه في تقريش الاصوات المعارضة التي يروَّج انها تدعم ترشيحه، فهذه الاصوات وفي احسن الاحوال لا تزيد عن نسبة الاصوات التي سبق ونالها ميشال معوض، واذا ما بقي الحال على ما ّهو عليه من صعوبة للاجماع عليه فإنّ مصير ترشيحه لن يكون مختلفا عن مصير ترشيح ميشال معوّض.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o