May 11, 2023 10:06 AM
مقالات

“من النّضج أن تسامح شخصاً أساء لك يوماً، لكن من الغباء أن تثق به مجدّداً”

حكمة كتبها الشاعر المسرحي البريطاني وليم شكسبير في القرن السادس عشر، وما زالت تصلح لكل الأوقات، خصوصاً لزمننا هذا.

ورث لبنان “مع” العرب عداوات، وورث لبنان “من” العرب عداوات وتحالفات.
“العداوات كلها” صالحها العرب، وضموا “أغلبها” إلى تحالفات معلنة، وأبقي “بعضها” في خانة تحالفات واقعية غير معلنة.
بقي لبنان وحده وريثاً لكل العداوات وغير محسوب على أي من المصالحات، سواء المعلن منها أم المضمر.

ورث لبنان “مع” العرب عداءً مع الفرس يعود إلى حقبة الخلفاء الراشدين، وتحديداً إلى ولاية سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي أرسل جيشاً بقيادة سعد بن أبي وقاص لمحاربة ملك الفرس يزدجرد فهزم سعد جيش الفرس بقيادة رستم فرخزاد في القادسية في 13 شعبان من العام الهجري 15 الموافق في 19 تشرين الثاني سنة 636 ميلادية.
بحسبة بسيطة يتبين أن صراع العرب مع الفرس عمره حوالي 1،387 سنة ميلادية، تخلله صلحان:
-1- صلح مصاهرة بين الأمبراطورية الفارسية ومصر الملكية عندما تزوجت الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق ولي عهد العرش الفارسي محمد رضا بهلوي في 15 آذار 1939. عرف ذلك الزواج شعبياً بمصاهرة بين “إمبراطورية مصر الفرعونية-العثمانية وإمبراطورة فارس الكسراوية-الشاهنشاهية البهلوية”.
عاش الشرق الأوسط سعادة انعكاسات هذه المصاهرة لمدة 9 سنوات حتى 17 تشرين الثاني 1948 يوم اعترفت إيران بطلاق الملكة فوزية من الشاه محمد رضا بهلوي بعد 3 سنوات على عودتها إلى مصر من دون ابنتها شاهيناز بهلوي التي كان بقاؤها في إيران شرط طهران لإعلان الطلاق.
وعلى الرغم من ذلك الطلاق إستمرت علاقات الوئام بن العرب وإيران الشاهنشاهية حتى اندلاع الثورة الخمينية ومغادرة الشاه طهران في 16 كانون الثاني 1979 على متن طائرة بوينغ 707 قادها بنفسه وحط بها في أسوان بمصر.
بعد 16 يوماً بالضبط على مغادرة الشاه، حطت طائرة الخطوط الجوية الفرنسية في طهران وخرج منها آية الله الخميني وانتهى عهد الوئام العربي-الفارسي في نفس اليوم، الأول من شباط من ذلك العام.
هكذا انتهت حقبة سلام الأمبراطوريتين المصرية-الفرعونية والفارسية الشاهنشاهية، ليبدأ عصر حرب دولة الولي الفقيه مع غالبية العرب، والتي تصدى خلالها لإيران الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بدءاً بطرد مجموعة من قوات الولي الفقيه من قرية زرباطية العراقية التي احتلوها في قضاء بدرة وهو أحد الأقضية التابعة لمحافظة واسط في العراق إلى الشرق من مدينة الكوت ويضم معبراً حدودياً لآليات نقل البضائع بين العراق وإيران،
واستمرت المناوشات الحدودية بين الدولتين أكثر من سنة إلى أن أعلن العراق في 4 أيلول 1980 أن إيران قصفت عدداً من النقاط الحدودية، وأعلن صدام حسين إلغاء اتفاقية الجزائر التي ترسم حدود شط العرب بن الدولتين واجتازت القوات العراقية الحدود الإيرانية في 22 أيلول 1980 “دفاعاً عن البوابة الشرقية للعالم العربي”.
استمرت الحرب العراقية-الإيرانية حتى العام 1988 وعادت قوات الدولتين إلى مواقعها السابقة لاندلاع الحرب، لكن حالة العداء الإيراني للعرب إكاستمرت عبر ما عرف بتصدير الثورة الإيرانية ونشر قوات موالية لإيران في عدة دول عربية لا سيما في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين ودول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى التعاون بين الأخوان المسلمين وإيران في حقبة الرئيس المصري محمد مرسي الذي أطاح به انقلاب عسكري بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي في 3 تموز سنة 2013.

-2- الصلح الثاني:
أُعلن عن بداية وئام مستجد بين السعودية وإيران بوساطة صينية في 10 أذار الماضي (2023)، تبعه بعد نحو شهرين قرار استعادة نظام البعث الأسدي إلى الحضن العربي وهو حليف إيران الولي الفقيه وشريك ميليشياتها في صناعة وتهريب الكبتاغون إلى دول الخليج إضافة إلى “مآثر” عديدة أخرى.
تزامن قرار استعادة نظام الأسد مع غارات شنها سلاح الجو الأردني على “مجمّعات” صناعة وتخزين وتهريب الكبتاغون في سوريا ما أسفر عن مقتل بعض باروناتها ووعائلاتهم وكبار حلفائهم من الميليشيات الإيرانية المشاركة في الجرائم المنظمة المزدهرة في الدولة السورية…
السؤال، بل الأسئلة، المطروحة الآن بإلحاح هي:
-س١-: من سيمثل سوريا في القمة العربية التي تستضيفها السعودية في 19 أيار الجاري؟ وهل ستتضمن كلمته للقمة اعتذاراً من الشعوب السورية واللبنانية والفلسطينية عن مواطنيها الذين فقدوا في معتقلاته وقبوره الجماعية؟
-س٢-: هل ستدعى إيران لحضور القمة بصفة مراقب إقليمي؟
-س٣-: وماذا عن الدولتين الإقليميتين غير العربيتين المتبقيتين من ثلاثي القوى الشرق أوسطية الإقليمية، هل ستتم دعوتهما أيضاً، بغض النظر عن حقيقة أن إحداهما تتمتع بعلاقات دبلوماسية معلنة مع غالبية الدول العربية والثانية لديها علاقات مع بعض العرب، سواء في الشرق الأوسط أو في شمال أفريقيا.

بغض النظر عما سينتج عن الوئام العربي مع فارس وأتباعها المستعربين، وتوقعات العمر المقدّر لهذا الوئام الفتي، من المفيد التمعّن بحقيقة أن غالبية مرافقي الخميني على متن طائرة الخطوط الجوية الفرنسية التي أعادته إلى طهران قد ماتوا لاحقاً في ظروف غير مفهومة وهم:
• مرتضى مطهري: أحد كبار منظري ثورة الولي الفقيه وأحد مؤسسي مجلس شورى الثورة قبل سقوط الشاه… اغتيل في 1 أيار 1979 في طهران من قبل جماعة أطلقت على نفسها اسم “الفرقان”
• حسن أشكوري: كان من المقربين من الخميني لكنه سجن بعد سنتين وتوفي في السجن وتزعم عائلته أنه توفي “مسموماً”
• صادق قطب زاده: وزير خارجية إيران بعد الثورة حتى آب 1980. أعدم في أيلول 1982، بعد اتهامه بالتآمر لاغتيال آية الله الخميني والإطاحة بالجمهورية الإسلامية
• أبو الحسن بني صدر: أول رئيس في إيران بعد الثورة الإسلامية. هرب من إيران وسُحبت الثقة منه بقرار نيابي في 21 حزيران 1981 وتم عزله بتهمة التعاون مع جماعات معارضة لنظام الملالي
• داريوش فورهر: كان معارضاً لتشكيل حكومة من رجال الدين وقد اغتيل مع زوجته على أيدي من وصفوا بـ “عناصر مارقة” في وزارة الاستخبارات الإيرانية 1998.
هؤلاء جميعهم كانوا مع الخميني في فرنسا وعادوا معه على متن الطائرة إلى طهران، ومنهم أحمد الخميني نجل الإمام الذي قيل إنه مات جراء نوبة قلبية.

هنا لا بد من طرح السؤال: إذا كان الصراع العربي مع فارس يعود إلى العام 636 ميلادياً واستمرّ حتى إعلان الصلح السعودي-الإيراني برعاية صينية في 10 آذار الماضي (2023) تخلّلتها فرصة سلام مصاهرة أنجبت رغم فشل المصاهرة وداً إقليمياً عاش فقط 40 عاماً، يصح السؤال:

-س- كم هو العمر المقدّر للود العربي-الفارسي الجديد برعاية صينية، على أن يتم الاحتساب في ضوء تجربة رفاق الخميني الذين قتلوا في ظروف مشبوهة مع الدعاء بالسلامة حصراً لجميع الشركاء العرب من غير مستعربي الولاء والشراكة مع الفقية الفارسي؟

بغض النظر عن الاجتهاد في تقدير عمر الودّ المستجدّ مع الفارسي والمستعرب حليف الفارسي إضافة إلى محاولة تقدير إرث لبنان من تاريخ العداوات والمصالحات العربية، لا بد من التوقف أمام حقيقة جد معبّرة، وهي أن شاه إيران لم يكرّم في هجرته غير الطوعية إلا في مصر، دولة زوجته الأولى، التي لجأ إليها مع زوجته الثالثة فرح ديبا وتوفي على أرضها في 27 تموز ونعاه الرئيس أنور السادات وأقام له جنازة لائقة.

وفي ضوء حكمة شكسبير”، “من النضج أن تسامح شخصاً أساء لك يوماً، لكن من الغباء أن تثق به مجدداً”، يدقق اللبنانيون في جردة إرثهم من تاريخ العداوات والمصالحات العربية آملين ألا ينتهي بهم الزمن مجرد أغبياء يثقون مجدداً بمن اغتال قياداتهم ودنّس مدنهم ومنازلهم ومعابدهم ومدارسهم ونهب أعمالهم منذ اغتيال معروف سعد في 26 شباط 1975 حتى اغتيال محمد شطح في 27 كانون الأول 2013 وما بينهما…

محمد سلام - هنا لبنان

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o