May 11, 2023 6:48 AM
صحف

مخاوف من تصعيد اسرائيلي.. دعوات لتحــصين الداخل

الداخل اللبناني غارق في رمال السياسات العبثية التي ابتلعت كل المساعي والجهود الرامية إلى كسر حيطان التعطيل القابضة على رئاسة الجمهورية، وقوّضت فرص إخراجه من أزمة مهلكة له، فيما عادت المنطقة إلى التموضع على مفترق احتمالات وسيناريوهات مجهولة، ربطاً بالتطورات الخطيرة في الداخل الفلسطيني.

كل المؤشرات تؤكّد انّ احتمالات التصعيد تحوم في سماء المنطقة، غداة العملية الاسرائيلية في غزة فجر الثلاثاء الماضي، التي استهدفت بالاغتيال ثلاثة من قيادات «سرايا القدس»، وخلقت واقعاً متفجّراً، تصاعد بالأمس إلى عمليّات حربية وقصف مدفعي وصاروخي عنيف، وسط مخاوف جدّية من تمدّدها إلى تصعيد اوسع وتوترات في اكثر من ساحة، حيث تتبدّى نذر ذلك في الهجوم على الكنيس اليهودي في تونس، الذي ادّى إلى سقوط قتلى وجرحى..

هذه المستجدات التصعيدية تنثر في أجواء المنثر سيلاً من علامات الاستفهام، حول توقيت هذا التصعيد ومراميه، وما إذا كان التصعيد الاسرائيلي يرمي إلى فرض وقائع جديدة في المنطقة، مخرّبة للانفراجات الاقليمية التي توالت على الخط السعودي -الايراني وكذلك على الخط العربي- العربي، الذي تُوّج بإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية بعد إبعادها عنه منذ بداية الأزمة في سوريا قبل أكثر من عشر سنوات، واستُكملت بالأمس في توجيه دعوة من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى الرئيس السوري بشار الاسد للمشاركة في القمة العربية التي ستُعقد في جدة في التاسع عشر من الشهر الجاري.

وعلى الرغم من الدعوات الأممية والدولية إلى وقف العمليات الحربية، الّا انّ التقارير التي تُنقل من الداخل الفلسطيني، تتحدث عن استعدادات لتصعيد اكبر، خصوصاً من الجانب الاسرائيلي. حيث تتقاطع مقاربات الخبراء والمحلّلين عند حاجة حكومة بنيامين نتنياهو إلى هذا التصعيد، لسببين أساسيين، الأول، هو الهروب من الأزمة الداخلية التي تعصف بهذه الحكومة، والتي تجلّت باعتراضات وتظاهرات غير مسبوقة ضدّها، والثاني، محاولة فرض وقائع جديدة، تقطع الطريق على ما يسمّيه الخبراء والمحلّلون «المسار الذي أحبط السعي الاسرائيلي إلى التطبيع الشامل مع الدول العربية، وتحديداً الخليجية، وأنعش في الوقت ذاته أعداءها وحلفاءهم في المنطقة» وعلى وجه الخصوص ايران، بعد الاتفاق بينها وبين السعودية، وصولاً إلى الانفتاح العربي والخليجي على سوريا».

وفيما عكس الإعلام الاسرائيلي جواً من الحذر يسود الداخل الاسرائيلي، وانّ توجيهات وجّهها الجيش الاسرائيلي إلى المستوطنين في المدن والمستوطنات القريبة من نقاط الاشتباك، وكذلك المستوطنات على الحدود الشمالية مع لبنان، بملازمة منازلهم والأماكن الآمنة، تحسباً من قصف صاروخي محتمل، ليس من قطاع غزة فحسب، بل من خارجها، حيث كشف الإعلام الاسرائيلي انّ الطاقم الأمني والعسكري الاسرائيلي يضع في حسبانه إمكان تعرّض تلك المستوطنات إلى رشقات صاروخية من الجانب اللبناني، وانّه وضع خططاً لمواجهة ذلك، الّا انّ الصورة من الجانب اللبناني، تعكس وضعاً طبيعياً، ولا شيء يوحي بأي استنفارات او تحرّكات لأي جهة، في وقت لوحظ فيه تكثيف لنشاط ودوريات قوات «اليونيفيل» على امتداد الحدود الجنوبية.

قلق حقيقي: هذا الجو المفتوح على احتمالات مجهولة، أشاع جواً من الحذر في الداخل اللبناني. وفي هذا السياق، عبّر احد الخبراء المختصين بالشؤون الاسرائيلية عن مخاوف كبرى من نوايا عدوانية اسرائيلية لإعادة اجواء الحرب إلى المنطقة، وأبلغ إلى «الجمهورية» قوله: «الوضع في منتهى الخطورة، ويوجب اتخاذ أقصى درجات اليقظة والحذر من أي مفاجأة اسرائيلية، لا اقول على مستوى المنطقة فقط، بل على مستوى لبنان الذي لا يمكن عزله عمّا تتأثر به المنطقة، فضلاً عن انّه كان ولا يزال على مرمى التصويب الاسرائيلي، وتبيت له عدوانية دائمة، وليست صدفة في هذا السياق، المناورة العسكرية التي بدأتها اسرائيل قبل ايام، وأخطر ما فيها انّها تحاكي حرباً على لبنان، وانّها اختارت قبرص موقعاً لإجراء هذه المناورة لتشابه التضاريس القبرصية مع التضاريس اللبنانية».

وفيما تحدث اكثر من مصدر عن «استنفار غير معلن لـ«حزب الله» على امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة، لم تُرصد اي حركة علنية للحزب، رفضت مصادر الحزب تأكيد ذلك او نفيه، وأبلغت إلى «الجمهورية» قولها: «المقاومة كانت وما زالت حاضرة في موقعها، ولا كلام علنياً حول ما يمكن ان تقوم به. وعلى ما قال الأمين العام السيد حسن نصرالله فإنّ اسرائيل تدرك الثمن الباهظ جداً الذي ستدفعه ازاء أي اعتداء على لبنان».

مراوحة وتشويش: على انّ التطورات المتسارعة في الداخل الفلسطيني، تواكبت مع مراوحة سلبية في الملف الرئاسي، يُمرّر فيها الوقت بحراكات سطحية ولقاءات شكلية لا جدوى منها، واجترارات لذات المواقف الصدامية، فيما حركة المساعي الصديقة والشقيقة لا يبدو انّها دخلت فقط في استراحة مؤقتة إلى ما بعد قمة جدة، بل يُخشى ان تفرض تطورات المنطقة جدول اعمال جديداً في المنطقة، تصبح معه حركة المساعي ثانوية، هذا إذا لم تعطلها.

وإذا كانت الحركة الديبلوماسية الاخيرة، والتي اندرج في سياقها حراك السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، قد رسمت خريطة إتمام الانتخابات الرئاسية، على قاعدة ان يتحمّل اللبنانيون مسؤولياتهم الوطني على هذا الصعيد، الّا انّ الوقائع الداخلية ما زالت معاكسة لهذا المنحى، ورافضة سلوك اي معبر داخلي نحو التوافق على رئيس. على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، ما بدت انّها محاولة جديدة لإرباك الداخل، والتشويش على الايجابيات التي تولّدت عن تلك الحركة، إن من خلال العودة إلى اغراق البلد بشائعات وتخيّلات، كمثل الحديث عن انّ تلك الحركة سعت إلى ترويج خيارات رئاسية واسماء جديدة لرئاسة الجمهورية، او تفسيرات قديمة - جديدة، تؤوّل الموقف السعودي ما لم يقله، وتحديداً حول رفض وصول رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، وصولاً إلى الحديث عن حوار رئاسي خارج لبنان.

على انّ هذه الشائعات والتفسيرات والتخيّلات، تعتبرها مصادر مطلعة عن كثب على حركة المساعي الديبلوماسية بأنّها «نوع من التسلية حتى لا نقول اختلاقات، في الوقت الضائع». وقالت لـ«الجمهورية»: «هذا الامر ليس مستغرباً من المتضررين من الحل الرئاسي، الذي سيكون مفاجئاً للجميع، وفي مدى غير بعيد، وهو ما تؤكّد عليه الأجواء الصديقة والشقيقة، بوجوب حسم الملف الرئاسي في لبنان في غضون اسابيع قليلة».

التحصين اولاً: يتقاطع ذلك، مع ما يؤكّد عليه مرجع سياسي لـ«الجمهورية»، بأنّ الظروف المحلية والخارجية باتت تحتّم حسم الملف الرئاسي اليوم قبل الغد.

واعتبر المرجع، انّ التطورات الاخيرة في فلسطين، تشكّل دافعاً قوياً جداً إلى تحصين الداخل اللبناني اكثر من اي وقت مضى، كون المنطقة برمتها على كف عفريت. وتوجّه عبر «الجمهورية» إلى كل الاطراف السياسية في لبنان من دون استثناء احد، قائلاً: «شبع البلد فراغاً، وانبعاثات سياسية مسمومة من هنا وهناك، فلا شعبويات قادرة على انتاج رئيس، ولا مناكفات ومزايدات قادرة على تغليب فريق على فريق، وكل الحسابات الداخلية والحزبية اثبتت عقمها وفشلها، وكل الرهانات الخارجية اثبتت انّها بلا أي رصيد، ومن هنا علينا النظر اولاً إلى حال بلدنا المهترئ، والتمعن ثانياً في ما يجري في المنطقة، التي يحوم حولها المجهول، حيث انّها باتت قابعة على برميل بارود، واسرائيل تسعى إلى تفجيره، واما لبنان فيشكّل الحلقة الأضعف بين دول المنطقة، وهو في حالته الراهنة في ظلّ ازمة مالية واقتصادية خانقة، ووضع سياسي مفكّك، ولا رئيس للجمهورية، ولا حكومة قادرة على العمل والإنجاز، بات امام خيارين اثنين لحماية مصيره، لا ثالث لهما؛ فإما ان يُحَصّن بانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تكوين السلطة فيه، وهو الامر الذي يمدّه بشيء من المناعة امام ايّ عواصف محتملة، واما ان يُترك رهينة الانقسام والسياسات العابثة، التي تشكّل قوة رفد ودفع لأي عاصفة خارجية، لا تزيد فقط من ضعفه وتفاقم أزمته، بل تكسر قدرته على البقاء والاستمرار».

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o