May 09, 2023 6:00 AM
صحف

الحراك الرئاسي يستريح حتى ما بعد القمة... والداخل غارق في سيناريوهات وهمية

فرضَت التطورات المُتسارعة على أكثر من خطّ إقليمي، تمديداً جديداً لإقامة الملف اللبناني في دائرة مراوحة يخشى ان تكون طويلة الأمد، في انتظار جلاء الصورة التي سترسو عليها تلك التطورات، إنْ بالنسبة الى ما يتعلّق بالاتفاق السعودي الايراني وما اذا كانت ارتداداته الايجابية ستلفح لبنان، أو بالنسبة الى ما يتعلق بالمَسار المُتسارِع لإعادة صياغة المشهد العربي خارج دائرة التوتر، والذي تجلّى في الساعات الأخيرة في فتح الباب امام عودة سوريا الى احتلال مقعدها في الجامعة العربية بعد ما يزيد عن عشر سنوات من العزلة والقطيعة مع دمشق.

الثابت في هذا الجو، أن لا سقف زمنياً لهذه المراوحة، الا اذا برزَ عامل داخلي يكسرها ويدير الدفة في اتجاه الحسم الايجابي لهذا الملف، وهو أمر لا يمكن إدراجه في دائرة الاحتمالات الواقعية، ربطاً بالبلوكات السياسية التي أحبطت كل الجهود الصديقة والشقيقة التي سَعت لكسر المراوحة السلبية للملف الرئاسي في دائرة التعطيل، عبر محاولة خلق فرصة جديدة امام المكونات السياسية لإعادة الانتظام الى الحياة السياسية في لبنان بدءًا بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تَتلمّس المخارج والحلول للأزمة الخانقة التي تضرب لبنان، إلّا انّها اصطدمت في المقابل بإصرارٍ مُريب من تلك المكوّنات على إبقاء موقع رئاسة الجمهورية مقيّداً بحبال الفراغ، وبإمعانها في تضييع الوقت وعدم الاستجابة لأيّ مسعى لصديق أو شقيق، يحرّر رئيس الجمهورية من أسر التناقضات والشعبويات.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الاجواء: هل ثمة إمكانية لبروز عامل داخلي يحرّك الملف الرئاسي الى الامام؟

المجريات السياسية المرتبطة بالملف الرئاسي، والفجوات التي تتعمّق على مدار الساعة بين مكونات الانقسام الداخلي، تجعل الرهان على بروز عامل داخلي يدفع الى انتخاب رئيس للجمهورية، أشبَه بالرهان على سراب، خصوصاً انّ هذه المكونات يبدو انها حكمت على رئاسة الجمهورية بالتعطيل الدائم، وقررت ان تتعايَش مع الوضع الشاذ الى آجال طويلة، حيث انها أسرت نفسها بمواقف ارتفعت فيها الى المدى الأبعد في فرش الطريق الرئاسي بالالغام السياسية، من دون ان تترك امامها مجالاً لخط الرجعة الطوعية الى ارض الواقع.

تبعاً لذلك، يؤكّد مرجع مسؤول لـ»الجمهورية» ان «الأفق الداخلي مسدود، ويؤكد بما لا يقبل أدنى شك ان لا حل رئاسياً من الداخل اللبناني، الذي لم يعد معنياً سوى بالمبالغات والتوتير السياسي والاعلامي».

ولفت المرجع الى انّ الداخل مفتوح على شتى الاحتمالات السلبية، خصوصاً انّ مكونات الداخل لم تتّعِظ بعد، بل لم تسلّم بعد بفشلها، وبمكابراتها التي ضيّعت الملف الرئاسي في الشعبويات وحرمت لبنان من فرصة توافق على انتخاب رئيس صنع في لبنان، وعن قصد وقصور ومراهقة في مقاربة الملف الرئاسي، امتدت على ما يزيد على ستة اشهر من الفراغ في سدة الرئاسة، لم يخرج هذا الملف من يدها فحسب، بل أخرجَت نفسها من الدور المقرّر فيه، وباتت تلقائياً في مواقع المَركون على هامش الملف الرئاسي في انتظار ما سيقرره الخارج حوله، الذي يغطي نفسه بالعويل والصراخ، في انتظار ما سيتقرر من الخارج حول مصير الملف الرئاسي.

ما ذهب اليه المرجع المذكور، يؤكده عاملون على خط الحراكات الخارجية، حيث ابلغ مصدر ديبلوماسي غربي الى «الجمهورية» قوله انّ «أفق الرئاسة في لبنان ما زال مفتوحاً على انفراجات في المدى المنظور».

ولفت المصدر الى «انّ لبنان احتلّ موقعا متقدما في سلّم الاهتمامات الدولية، وما زلنا نراهن على ان تُثمر الجهود القائمة انفراجات في لبنان، ولقد أبلغنا المستويات اللبنانية جميعها بأنّ عليها واجب الانخراط في مسار الحسم النهائي، والتفاعل الايجابي والواقعي والعقلاني مع أي مسعى توافقي يكسر الفراغ في سدة الرئاسة، ويؤسّس الى انتخابات رئاسية خلال بضعة اسابيع، وهذا ما نتوقعه في نهاية المطاف».

ورداً على سؤال اكّد المصدر عينه «انّ الحراك الخارجي والفرنسي تحديداً المرتبط بالملف الرئاسي في لبنان، لم يفقد زخمه، خلافاً لما يجري الترويج له من الداخل اللبناني، بل انه دخل حاليا في ما يُشبه استراحة قصيرة ومؤقتة الى ما بعد انعقاد القمة العربية المقرر عقدها في التاسع عشر من ايار الجاري في السعودية، حيث انّ ما قد يصدر عن هذه القمة في شأن لبنان يشكّل عاملا مساعدا يُبنى عليه لتزخيم الجهود أكثر، ودفع الفرقاء اللبنانيين الى التوافق على رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن.

الى ذلك، وفي الوقت الذي تعالت فيه بعض الاصوات الداخلية والقراءات السياسية التي رَحّلت الملف اللبناني الى ما بعد ترتيب الملفات الشائكة في المنطقة، مرجّحة بأنّ أولوية مقاربة التطورات الاقليمية تتقدّم على ما عداها من ملفات، وهو الامر الذي يفرض تأجيلا تلقائيا للملف اللبناني، اكدت مصادر ديبلوماسية عربية لـ»الجمهورية» ان ليس من الحكمة الركون الى تفسيرات وتحليلات وقراءات قد تكون مُجافية للواقع. فمّما لا شك فيه انّ المستجدات التي برزت في المنطقة، تشكّل حدثاً أقرب الى الانقلاب في الصورة عما كانت عليه في زمن التوترات الذي استمرّ لسنوات طويلة، ولعل هذه المستجدات تحظى باهتمامات الدول المعنية بها، خصوصاً انها تشكّل عاملا تبريديا لإطفاء نقاط التوتر القائمة على مستوى العلاقات العربية العربية، او على مستوى العلاقة بين السعودية وايران، والملفات الاقليمية التي تعني الرياض وطهران».

ولفتت المصادر الى انّ وضع لبنان مختلف، وليس مرتبطاً بتلك المستجدات سوى من زاوية انه قد يستفيد من الانفراجات التي تحصل، علماً انّ من السابق لأوانه تحديد حجمها او مداها. ومن هنا، فإنّ تزخيم الحراك في اتجاه لبنان لم يأت من فراغ، بل جاء استجابة لما يتطلبه الوضع في لبنان والمدى الخطير جداً الذي يهدّد استمراره، في ظل أزمة تتعمق الى حد تكاد تصبح فيه ميؤوساً منها، فضلاً عن انه جاء موازياً لحركة الاتصالات العربية والاقليمية، ولم يتأثر بها.

وتخلص المصادر الى القول ان لا احد على المستوى العربي او الدولي يعتبر ان لبنان خارج دائرة الاولوية، بل على العكس هو في صلبها. ومن هنا، فإنّ ثمة معطيات اكيدة بأن ملف لبنان سيكون قريباً محل مواكبات على اكثر من مستوى عربي ودولي، وتزخيم مقاربته التي تجلّت في الايام الاخيرة في الحراك الديبلوماسي المكثّف الذي تقوده باريس على اكثر من خط داخلي وعلى مستوى الدول الصديقة، واندرَجَ في سياق مكمل له حراك السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في اتجاه المستويات السياسية والروحية في لبنان، سيستتبِع على اكثر من مستوى، فهو من الاساس انطلقَ على قاعدة انّ وضع لبنان بات يتطلب علاجات سريعة تواكب التطورات الاقليمية المتسارعة، لا بل تُلاقيها، وعلى هذا الاساس ستستكمل الجهود، خصوصاً ان لبنان بلغَ من الضعف والوهن حدّاً لا يحتمل مزيداً من الانتظار.

على ان اللافت للانتباه في هذه الاجواء، ما تَصِفه مصادر مسؤولة بـ»تعمّد بعض الاطراف الداخليين إسقاط تفسيرات وتحليلات غير واقعية، على حركة الاتصالات الاخيرة، وخصوصاً على حركة السفير السعودي في لبنان، عبر إسقاط أسماء مرشحين لرئاسة الجمهورية، وإعلاء اسهم مرشحين آخرين». وقالت: أثبتَ اللبنانيون انهم الأقدر على صياغة سيناريوهات وهمية، فالحركة السياسية والديبلوماسية الجارية لم تتوقف، وهي في الاساس لم تُقارب اي اسم مطروح، بل انتهجَت مساراً حدّدت من خلاله خريطة الطريق التي لا مفر للبنانيين من سلوكها، جوهرها الاساس حَمل اللبنانيين على التسليم بحتمية إجراء الانتخابات الرئاسية وفق مندرجات الدستور اللبناني. أي ان يمارس مجلس النواب دوره في اختيار الرئيس، في جو ديموقراطي وتنافسي، من بين مجموعة مرشّحين».

الاوراق تُكشَف قبل منتصف حزيران: من جهة أخرى، أشارت "الانباء الكويتية" الى ان عودة سورية الى الجامعة العربية تصدرت واجهة الصورة اللبنانية، وغطت، الى حد ما، على رتابة الحراك الرئاسي المتباطئ، بانتظار شحنة خارجية ما، انطلقت كما يبدو من واشنطن، كمهلة اعطيت للبنان كي ينتخب رئيسا للجمهورية قبل نهاية شهر حزيران، أي قبل إحالة حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة إلى التقاعد، كما يقول النائب غسان سكاف، العائد من العاصمة الاميركية والمتفائل بانتخاب رئيس يعيد فتح ابواب قصر بعبدا المقفل منذ سبعة اشهر.

على ان المخاوف اللبنانية مما يبدو من مشاريع اممية لتوطين النازحين السوريين في لبنان، كادت تطغى على تطلعاتهم للخروج من هذه الازمة الدستورية، خصوصا، مع عودة سورية الى الجامعة العربية، حيث لم ترد اشارة اليهم في بيان وزارة الخارجية السورية بهذا الشأن، لا بخصوص أولئك الموجودين في لبنان، ولا في دول الجوار الاخرى، واكتفى المجتمعون بمنح لبنان عضوية لجنة المتابعة! وترجمت تلك المخاوف معظم المراجع السياسية والدينية من بكركي الى الافتاء الجعفري، الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي طالب بمرجعية مركزية لشؤون اللاجئين في لبنان، وأن تكون الحكومة مرجعيتهم، عبر تكليف جهاز الامن العام، وأشار الى ان هناك اللاجئ السوري والمقيم السوري، ولابد من معالجة هذا الملف دون عصبية او مزايدة.

على أي حال، هذه العودة عززت آمال داعمي ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية برئاسة الجمهورية، ضمن إطار التسويات العربية والاقليمية الجارية، لكن عندما سئل وليد جنبلاط، بعد لقائه الرئيس بري عن موقفه من فرنجية ذهب الى القول: النائب تيمور جنبلاط هو رئيس اللقاء الديموقراطي (الذي يضم نواب الحزب وحلفاءه) وسأتشاور معه لأن المستقبل له.

وتعززت آمال «الفرنجيين» اكثر عندما اعلن رئيس «التيار الحر» جبران باسيل، في مقابلة مساء الاحد، مع قناة «ال بي سي»، انه لن يترشح للرئاسة «لأنني سأفشل».

واضاف: أي مرشح غير قادر على مواجهة المرشحين الآخرين لن يكون باستطاعته الوصول ومنهم فريقنا، والحل ببرنامج توجهات عامة يمكن الاتفاق عليها يؤدي الى الاستقرار.

لكن الاجواء الاقليمية والدولية لا تبدو في هذا المناخ خصوصا أن واشنطن لم ترحب بعودة سورية إلى الجامعة في هذه المرحلة، وهي عضو اساسي في الخماسي الدولي، الذي لم يتوصل بعد الى تحديد موعد اجتماعه المنتظر، بخصوص ملف الرئاسة اللبنانية، بسبب التباعد بين الجانب الفرنسي الساعي لأن يكون عراب الرئاسة اللبنانية، لتمسكه بترشيح سليمان فرنجية لاعتبارات مصالحية ذاتية، وبين الآخرين الذين يرون أن هناك ما هو اكثر قدرة على مواكبة المرحلة اللبنانية المقبلة.

وتقول المصادر المتابعة لـ"الانباء الكويتية": لقد بات من المؤكد انه لم يكن هناك تكليف من الخماسي الدولي لفرنسا بالسير بمرشح «الثنائي الشيعي» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ولاحظت جمودا فرنسيا على هذا الصعيد، يقابله تصويب الاضواء على قائد الجيش العماد جوزاف عون، بعضها ضمنا وبعضها الآخر بالمباشر، على ألا تكشف كل الاوراق قبل منتصف حزيران المقبل.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o