Mar 15, 2023 7:38 AM
صحف

بري أشاد بفرنجية المنفتح سوريّاً ومقاومةً: ماذا عن الخليج والسعودية؟

هل كان زعيم تيار "المردة" سليمان فرنجية يحتاج الى شهادة حسن سلوك في مسيحيته وعلاقته بسوريا أو بالمقاومة من رئيس المجلس نبيه بري ليفرض نفسه مرشحاً جديراً بكرسي بعبدا، أم جاءت تلك الشهادة لتعمّق الاقتناع لدى المعترضين على رئاسته للبلاد بعدم موضوعيته أو حياديته في الملفات الخلافية الأساسية المنقسمة حولها القوى السياسية في اصطفافين حادّين لا ثالث لهما؟

قد تكون نيّات رئيس المجلس طيّبة وصافية ونابعة من اقتناعه بأن فرنجية يمثل اليوم أفضل الخيارات المطروحة لإدارة الأزمة والخروج منها، وهو من هذا المنطلق، كان أول من أعلن دعمه له، مستبقاً موقف الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في هذا الشأن، وإن كان الأمر منسّقاً بينهما. إلا أن وقع الكلام الصادر عن بري، كما كتبت "النهار"، وهو بموقعه على رأس السلطة التشريعية، ومالك مفاتيح ساحة النجمة، يتسم بطابع مختلف أكثر وقعاً من تبنّي نصرالله له، ولو أن الأخير هو صاحب الكلمة الفصل في هذا الأمر. لكن هل خدم بري فرنجية في كلامه أم أعطى رد فعل عكسياً؟

في سياق استعراضه لمواصفات الرئيس المقبل وما يريده منه، قال بري "أنا بحاجة الى رئيس يتحدث مع سوريا في موضوع ترسيم الحدود وحل أزمة النازحين لأنه لا يمكن الاتكال على الأوروبيين والاميركيين، كما نريد رئيساً قادراً على مقاربة الاستراتيجية الدفاعية، ورئيساً مؤمناً باتفاق الطائف".

ثمة من رأى في مواصفات بري نعياً لفرنجية، ما دامت تلك المواصفات تعني أن الرئيس المدعوم من الثنائي يجب أن يكون قريباً من سوريا ومن الحزب من أجل مقاربة جيدة لمسألة سلاحه. وثمة من رأى فيها استدراج عروض لسوريا التي ابتعد عنها بري منذ اندلاع الحرب فيها قبل أكثر من عقد من الزمن، ولم تنجح محاولات إعادة المياه الى مجاريها بينه وبين النظام. وثمة في المقابل من رأى أن بري حرص على تسويق هذه المواصفات بعد دقائق على لقائه السفير السعودي وليد البخاري الذي زاره حاملاً رسائل محدّدة حيال الاتفاق السعودي الإيراني، من أجل التأكيد أن موقف الثنائي ثابت قبل الاتفاق وبعده، وقبل الرسائل السعودية وبعدها.
أيّ من هذه القراءات أقرب الى عقل بري وتدبيره، وأيّ منها أقرب الى الواقع والى المقاربة المحتملة لمسار الاستحقاق الرئاسي بعد التفاهم السعودي الإيراني؟

من المبكر حسم مسار التسوية المرتقبة للملف الرئاسي في لبنان خصوصاً أن أي تسوية تتصل برئاسة الجمهورية لن تكون منفصلة عن رزمة متكاملة تشمل رئاسة الحكومة والحكومة وبيانها الوزاري. أما الرهان على أن يفرز اتفاق بكين تسوية قريبة فيصب في التوقعات المتفائلة، نظراً الى أن بلورة الاتفاق ومفاعيله وبنوده التفصيلية المتصلة بالدول المعنية به لن تكون ممكنةً قبل مهلة الشهرين الموضوعة أساساً في مندرجاته. لكن الأكيد أن البند الواضح الصادر في البيان الختامي عن "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية" يشير الى أن الدول المعنية بالصراع السعودي الإيراني والدائرة في فلكيهما ستكون على طاولة التفاهم بينهما وإن بنسب متفاوتة حيث يأتي الملف اليمني في سلم الأولويات، ولن يكون الملف اللبناني إلا جزءاً من هذه الأولويات.

وفيما لا يزال فرنجية يتريث في إعلان ترشّحه رسمياً، بما يشير الى عدم ركونه الكامل الى أن الوعود والالتزامات بانتخابه ستؤمن له عدد الأصوات الكافي لإيصاله الى قصر بعبدا، يبقى توصيف مهم جداً لم يتطرق إليه بري في المواصفات الرئاسية التي رآها في فرنجية، ويتصل بالموقف من الدول العربية والعلاقة مع الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تعرضت إبان مرحلة الصراع الى حملات شعواء قادها الحزب وحلفاؤه، بمن فيهم فرنجية نفسه الذي اضطر الى التخلي عن وزيره جورج قرداحي في الحكومة السابقة بسبب مواقفه من حرب اليمن.

وفي هذا السياق، لا يمكن إسقاط زيارة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط للبنان (للمشاركة في اجتماع الإسكوا)، ولقاؤه رئيس المجلس نبيه بري، حيث أكد من عين التينة أنه سيكون للبنان رئيس، داعياً الى الإسراع في ذلك نظراً الى خطورة الأوضاع الداخلية.
في الموازاة، تؤكد أوساط عين التينة أن بري لم يغفل الكلام عن رئيس قادر على الحفاظ على العلاقات مع دول الخليج والعمل على تعزيزها وتوطيدها.

وسمع هذا الكلام السفير السعودي عندما زاره أخيراً، مذكراً إياه بما ورد في خطابه في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر نهاية آب الماضي على مشارف انتهاء الولاية الرئاسية، كما في كلمته في احتفال السفارة الايرانية. وبهذا الكلام، تؤكد المصادر أن بري لم يقصد إغفال العلاقات العربية لدى توصيفه لفرنجية!

وعليه، تؤكد المصادر أن أي حل للملف الرئاسي في لبنان لا يمكن أن يغفل أهمية الانفتاح على دول الخليج وفي مقدمها المملكة حيث الوجهة الحقيقية لأيّ دعم دولي يسعى لبنان للحصول عليه لاستعادة عافيته. وهذا يعني أنه لا يمكن إغفال ما يمكن تسميته دفتر شروط المواصفات الرئاسية السعودية التي لا تلتقي حتى الآن مع مواصفات بري لفرنجية!

ثمة مَن يقارب هذه "الإشكالية" من زاوية مختلفة عندما يتحدث عن ان بري في اندفاعته تلك وفي دفاعه عن ترشيح فرنجيه، فإن ذلك منشأه واحد من 3 احتمالات:
- إما انه يملك منظومة اثباتات وقاعدة بيانات متكاملة تجعله واثقا من مستقبل خياره، لذا فهو يمضي به على نحو يدحض أي امكان للتراجع.

- وإما انه (بري) أقحم نفسه في سباق مع الوقت بعدما استشعر التحولات والتطورات فسارع الى ملء الوقت المستقطع لكي يفرض الخيار الذي بدأه امرا واقعا على الجميع.

- وإما ان هذا السياسي المخضرم يعمد الى لعبة "تكبير" الحجر ليشرعن لاحقا أمر الخروج من تعهده والتحلل منه تحت ذريعة انني حاولت وبذلت كل جهدي ولكن الظروف أبت واستعصت.
يسارع المحيطون بالرئيس بري الى دحض الاحتمال الثالث، انطلاقا من ان رئيس المجلس ليس من النوع الذي يطلق خياراً ويضمر السعي الى سواه.

والثاني ان بري الذي سبق له ان تعامل برويّة ممزوجة بقدر عالٍ من الحكمة مع ملف انتخابات الرئاسة خلال الاشهر الخمسة التي سبقت تزكيته ترشيح فرنجيه، لم يتناهَ الى علمه اي عروض جدية لمرشحين مقبولين تنطبق عليهم مواصفات التوافقية واللااستفزازية.

زيادة على ذلك، فان بري بات اكثر قناعة بخياره الرئاسي، خصوصا بعدما لمس "ميوعة ولا جِدّية" في الجلسات الـ11 التي انعقدت بقصد انتخاب رئيس، ووجد ايضا رفضاً غير مبرر لدعواته المتكررة الى التحلّق حول طاولة الحوار الوطني بحثاً عن مخارج تقود الى انفراجات.

ويضيف هؤلاء المحيطون ببري واقعة اخرى تعزز تمسكه بخياره وتدفعه الى المضي في دعمه، وهي طريقة مقاربة الآخرين لهذا الاستحقاق، اذ ان لائحة الاسماء الطويلة (13 اسماً) الذين يزكّيهم البعض لتولّي الرئاسة هي "وصفة" للانفلاش الحاصل والرخاوة، خصوصا انه واكب بدقة تراجع الاصوات الداعمة لمرشحهم الأوّلي (ميشال معوض) من 40 الى 30 صوتاً، وهي بالنسبة اليه قرينة على تشرذم الفريق الذي يقدم نفسه كمعارض وتغييري وعلى تفرّق خياراته وتصادم اراداته. فهُم بهذا الاداء يبدون كأنهم يجلسون على قارعة الانتظار لكي تأتيهم كلمة السر.

وبمعنى آخر، يكشف هؤلاء مدى الأسى الذي كان يساور بري عندما يعود من جلسات الانتخاب وقد شهد بالعين المجردة "هذا المشهد المتفلت المفتقد الجدية والمهابة" اللتين تفترضهما جلسات انتخاب رئيسٍ لجمهوريةٍ تعاني ما تعانيه من تردٍّ وانهيارات اقتصادية ومالية.
لذا لا يستغرب هؤلاء ان يقرن الرئيس بري في اطلالته ما قبل الاخيرة (في الإعلام المكتوب) بين أمرين معا: الاول المجاهرة بترشيح فرنجيه، والثاني قفل الباب نهائيا أمام إمكان اجراء اي تعديل دستوري في مجلس النواب يحلل انتقال قائد الجيش من اليرزة الى قصر بعبدا القريب، وذلك عندما تحدث بشكل مسهب عن الظروف التي أملت انتخاب ميشال سليمان رئيساً في أيار عام 2008 وعن عدم اعتمادها حاليا لتأمين هذا الانتقال. والهدف عند بري واضح وجليّ، وهو ان السبل الدستورية التي يمكن اعتمادها لانتخاب العماد جوزف عون غير متوافرة عنده ولن يمررها في مجلس النواب.

لقد جاهر بري بكل ذلك ليعلن ان ثمة مرحلة قد بدأت عنوانها "هذا مرشحنا الأخير فهاتوا مرشحكم أو مرشحيكم ولنحتكم الى مَن يتعين ان نحتكم اليه وهو صندوق الاقتراع يدور دورته في القاعة العامة للمجلس لتكون لنتيجته الكلمة الفصل".

ويخلص هؤلاء المحيطون بالرئيس بري الى ان المشكلة الاساس هي في ذهنية الآخرين ورهاناتهم، فهُم مضوا سابقا (خلال الاشهر الخمسة الماضية) في لا جِدّيتهم بل وفي عبثيتهم عندما جاهروا أخيرا بأنهم سيلجأون الى مقاطعة جلسات الانتخاب وتهريب النصاب عندما يستشعرون ان فرصة الفوز لغير مرشحهم متوافرة.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o