Feb 23, 2023 5:59 AM
صحف

المواجهة تتفجر قضائياً بين ميقاتي والتيار العوني

لم يكن غريبا ان تتصاعد تداعيات الاشتباك المصرفي – القضائي الى ما يتجاوز الشلل المصرفي المستمر مع اضراب المصارف، فيفجر البارحة فصولا غير مسبوقة في تاريخ التشابك والتعقيدات بين السلطتين التنفيذية والقضائية وما بينهما القطاع المصرفي. ذلك ان الخطوة التي اقدم عليها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بالطلب من القوى الأمنية الامتناع عن تنفيذ المذكرات والإجراءات التي تصدرها وتطلبها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، اكتسبت طابعا استثنائيا لجهة تفجير مفاجأة في اقدام رئيس للحكومة على خطوة كهذه يفترض انها مناطة بالجهات القضائية العليا، ولا سيما منها النيابة العامة التمييزية، لمنع تفجر تداعيات “الرعونة القضائية” المفرطة من التسبب بمزيد من النتائج الكارثية.

وبحسب "النهار"، هذه الخطوة اثارت لغطا واسعا لجهة ما اوحته من تداخل في الصلاحيات التنفيذية والقضائية ولكنها كشفت حقيقيتين لم يعد ممكنا التستر عليهما : الأولى ان التزام الجهات القضائية العليا والمعنية حصرا واساسا باحتواء “تمرد” القاضية عون على الانتظام القضائي واصوله، التفرج، وعدم مبادرة النيابة العامة التمييزية والتفتيش القضائي الى معالجة الازمة في فصولها الأخيرة، اخرج الازمة العاصفة من الضوابط وجعلها تتفلت على نحو خطير في اتجاهات عدة علما ان هذا الامر اثبت تكرارا مدى انصياع جهات قضائية للفريق العوني. والثانية ان الانجراف الذي طبع مضي القاضية عون في حربها المفرطة في الرعونة على المصارف أدى الى عكس كل المزاعم التي رمتها لتبرير التداعيات الخطيرة الناشئة عنها والتي لن توفر إعادة دولار واحد لاي مودع في ظل التفجر الحاصل. هذه التداعيات توجها اقدام الرئيس ميقاتي امس على خطوته التي قيل انها كانت نتيجة حتمية لاستدراج القاضية عون لهذه السابقة التي اثارت جدلا قانونيا حول مدى طبيعتها او امكان تجاوزها لحدود السلطة، ولكن المعنيين ابرزوا المعطيات القانونية التي تسوغ لميقاتي هذه الإجراءات وكشفوا انه سيدعي على غادة عون.

وفي المقلب السياسي يمكن القول ان اشتعال اعنف السجالات بين ميقاتي و”التيار الوطني الحر” نتيجة لإجراءات القاضية عون من جهة، والهجوم الحاد الذي كان ميقاتي شنه في حديثه التلفزيوني ليل الثلثاء على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب #جبران باسيل من جهة ثانية، أديا واقعيا الى انكشاف التدخل والغطاء السياسي اللذين يظللان القاضية غادة عون انكشافا تاما بما يسم إجراءاتها تكرارا بسمة الشكوك المتعاظمة حولها. بذلك يتضح ان المواجهة القضائية – المصرفية باتت اشبه بعاصفة سياسية ضخمة وسط استحالة فصل التدخلات السياسية فيها عن الطابعين المصرفي والقضائي بحيث تزداد تداعياتها وافاقها قتامة .

من جهتها، أشارت "الشرق الاوسط" الى ان بعدما أخفقت المراجع القضائية في وقف «الحرب» التي تشنّها القاضية عون على عدد من المصارف، والتي أدخلت القطاع المصرفي بإضراب مفتوح، ولم تفلح القرارات والتعاميم التي صدرت عن مجلس القضاء الأعلى وعن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بفرملة اندفاعة هذه القاضية، استدعى الأمر معالجة من خارج أروقة قصر العدل. ووجّه أمس الرئيس ميقاتي كتاباً إلى وزير الداخلية بسام المولوي، طلب بموجبه «الإيعاز إلى الأجهزة الأمنية بوحداتها كافة، عدم تنفيذ أي إشارة تصدر عن القاضية عون لأنها تشكل تجاوزاً لحدّ السلطة». وأكد مصدر حكومي لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الخطوة ستستتبع بتعميم يصدره النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، ينظّم من خلاله آلية الادعاء على المصارف والأطر القانونية لملاحقتها».

وأشار رئيس الحكومة في كتابه إلى أن القاضية عون «تتجاهل جميع دعاوى الردّ المقدمة ضدها وكذلك طلبات مداعاة الدولة عن أخطائها، وتضع الجميع بمن فيهم الأجهزة الأمنية أمام خيارين، إما مجاراتها بمخالفة القانون ما يجعل الأجهزة شريكة في المخالفة ويعرّضها للمسؤولية القانونية، وإما التخلف عن تنفيذ إشارات صادرة عن القضاء ما يشكل أيضاً مخالفة قانونية ويعرضها للمسؤولية». وطلب ميقاتي من المولوي «اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تجيزها القوانين والأنظمة المرعية الإجراء في سبيل تطبيق أحكام القانون ومنع تجاوزه والحفاظ على حسن سير العدالة».

وصدر عن ميقاتي توضيح أكد فيه، أنه «لم ولن يتدخل في عمل القضاء، بل انطلق في بيانه من كتب وردته وتتضمن عرضاً مفصلاً لمخالفات منسوبة لبعض القضاة»، وطلب من وزير الداخلية «اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تُجيزها القوانين والأنظمة المرعية الإجراء في سبيل تطبيق أحكام القانون والمنع من تجاوزه والمحافظة على حُسن سير العدالة».

ويأتي كتاب ميقاتي بعد يوم على الاجتماع الذي ضمّ وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، استجابة لطلب رئيس الحكومة الذي كلّف وزير العدل إيجاد حلّ لتفرّد القاضية عون بإجراءات ملاحقة المصارف بدعاوى يقدمها أشخاص ليسوا أصحاب صفة، وبدا لافتاً أن لقاء الخوري بالقاضيين عبود وعويدات لم يأتِ بنتيجة، بدليل استمرار المدعية العامة في جبل لبنان باستدعاءاتها لأصحاب ومديري المصارف والادعاء عليهم كما حصل مع «بنك سوسيتيه جنرال» وصاحبه أنطوان الصحناوي، وكذلك مصادرة «داتا المعلومات» العائدة لبعض المصارف وإقفالها بالشمع الأحمر كما حصل مع «بنك بيروت» قبل يومين.

ورغم أن الاجتماع في وزارة العدل استتبع باجتماعات متلاحقة بين عبود وعويدات، فإن المعالجات القضائية لم تفض إلى حلّ، وأوضح مصدر قضائي مواكب لهذه الاجتماعات، أن «الأمور ما زالت قيد البحث، لكن حتى الآن لم تتوفر صيغة قانونية توقف قرارات القاضي عون أو تصححها». وإذ لفت إلى أن إجراءات القاضية المذكورة «ليست كلّها مخالفة للقانون، إنما هناك بعض المحطات التي تقفز فوقها، مثل رفضها تبلغ دعاوى الردّ أو مداعاة الدولة عن أخطائها»، أكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن المسؤولين في السلطة القضائية «ما زالوا يبحثون عن مخارج لهذه الأزمة، لكن المؤسف أن مجلس القضاء الذي تقع عليه مسؤولية المعالجة غير قادر على الاجتماع، بسبب خلافات أعضائه على جدول أعماله».

وعن الطروحات التي تتحدث عن إمكانية إعلان عدم أهلية القاضية عون، أشار المصدر القضائي إلى أن هذا الأمر «رهن ما تتخذه هيئة التفتيش القضائي والمجلس التأديبي للقضاة». وقال «رغم أن القاضية عون تخضع للتحقيق أمام هاتين الهيئتين، فإنها لم توقف تحقيقاتها»، مذكراً بأن القاضي عويدات «سبق وأصدر تعميماً كفّ يد هذه القاضية عن التحقيق بالملفات المالية، إلّا أنها لم تمتثل، وأقصى ما يمكن فعله هو إحالتها على المجلس التأديبي وحتى الآن لم يصدر أي قرار بحقها».

من جهته، قال الوكيل القانوني لجمعية المصارف اللبنانية المحامي أكرم عازوري لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخلل الحاصل في التعاطي مع المصارف تصبح معالجته من مسؤولية مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل والسلطة السياسية». وأضاف «بصفتي وكيلاً لجمعية المصارف من حقي أن أنتقد أي قرار قضائي يعتريه الخلل من دون الإساءة إلى القاضي الذي اتخذه، ونحن نمارس الاعتراض عليه وفق الأصول القانونية، وإذا لم تعط هذه الطعون نتائجها نصبح أمام مشكلة كبيرة».

وعن الأجواء الإيجابية التي تحدث عنها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وتوقعاته بفك إضراب المصارف خلال 48 ساعة، أوضح المحامي عازوري، أنه «إذا تمكن الرئيس ميقاتي من معالجة الخلل القانوني في التعاطي مع المصارف، فإن الإضراب سيتوقف خلال 48 دقيقة لا أكثر، والأمور رهن المعالجة الموعودة».

وتم رصد ارتياح صريح لدى كبار المصرفيين كون الإجراءات المتخذة من قبل رئيس الحكومة ووزير الداخلية عالجت مباشرة موضوع الحماية الأمنية لما كانوا يعتبرونه تعسفاً في بعض الممارسات القضائية. وصنف المصرفيون التطور الجديد كخطوة أساسية في الاتجاه الصحيح والمطلوب.

وكانت جمعية المصارف أصدرت بياناً وصفت فيه ممارسات القاضية عون ضد المصارف بـ«الاعتباطية»، وأسفت لـ«قبول دعاوى من أشخاص غير مودعين لدى المصارف وتقديمها إلى قضاة معينين غير مختصين لا نوعياً ولا مكانياً، إلّا لأن هؤلاء القضاة لديهم مواقف معادية للمصارف». وذكّرت بأن بعض القضاة «يرفضون تبلغ طلبات ردّهم ودعاوى مداعاة الدولة عن أعمالهم».

ويتوقع الدعوة اليوم إلى عقد الجمعية العمومية للمصارف بصفتها صاحبة القرار، مع وجود توجه جامع يقضي بأن ترد المصارف بإيجابية على الإجراءات الحكومية الموعودة، تكرسها بتحديد موعد فك الإضراب، على أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الإضراب، وذلك بدءاً من مطلع الأسبوع المقبل، وربما من يوم غد (الجمعة).

الى ذلك، وعلى صعيد الوضع الإقتصادي واستمرار إضراب المصارف، وما انتشرَ من أخبار عن امكانية انهائه في مدّة لا تتجاوز الـ 48 ساعة،  أشار الخبير المالي والاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة الى أن اضراب المصارف أصبحَ بحكم المنتهي بعد البيان الصادر عن رئيس الحكومة الى المصارف بضرورة عدم تنفيذ القرارات التي تصدر عن القاضية غادة عون وهو ما يمكن وصفه بربط النزاع، بغض النظر عن قانونية تصرّف القاضية عون وكلام ميقاتي عن كف يدها، إذ إن هذا الامر يتطلب قراراً من محكمة الاستئناف لتحديد قانونيته.

عجاقة وفي حديث مع "الانباء" الالكترونية رأى أنَّ مسألة الاضراب قد حُلّت بالشكل، أمّا في المضمون فيجب النظر الى مضمون الرسالة الموجهة من وزير الداخلية بسام مولوي الى جهازَي الأمن العام وقوى الامن الداخلي وعدم الاشارة الى أمن الدولة باعتبار أنَّ هذا الجهاز تابع لمجلس الدفاع الاعلى ولرئيس الجمهورية، وهو ما قد يدفع باسيل لتسجيل اعتراضٍ حول هذه النقطة، على اعتبار ان مخاطبة أمن الدولة تتطلب أن تكون الحكومة مجتمعة. 

وإذ أكّد عجاقة انتهاء اضراب المصارف بنسبة 95%، اعتبرَ أنَّ قدرة المصرف المركزي ضئيلة من حيث تنفيذ سياساته المالية التي تريح الناس، وذلك لأنَّ المصارف بالنسبة اليه هي اداة التنفيذ، لافتاً الى تمديد مصرف لبنان للتعميم رقم161 بما يعزّز الاعتقاد أن المصارف ستبدأ بتنفيذه والاعتماد على المصرف المركزي باتخاذ القرارات للجم تدهور الوضع لكن عامل الثقة بالمصارف هو الكفيل باعادة ضخ الدولارات اليها.

ولفتَ عجاقة الى ثلاثة أمور قد تساعد على حل الأزمة، عبر إشارة  سياسية تعيدنا الى التفاوض مع صندوق النقد الدولي، أو كلام وزير المال يوسف خليل المتعلق بدفع 75 % من الضرائب نقداً و25% شيكات مصرفية، معتبراً أنَّ المهم ان تبدأ وزارة المال بتطبيق هذا القرار على ان يكون الدفع نقداً وبنسبة مئة في المئة، وأخيراً، توّقف تطبيقات تحديد سعر الدولار، خصوصاً بعد توقيف الصرافين غير الشرعيين، إمّا بواسطة وزارة الاتصالات او بواسطة الملاحقات القضائية وذلك للحدّ من عمل هذه التطبيقات وتحديد المصادر التي تحدّد سعر الدولار الموجودة خارج لبنان، لأن سعره يجب ان يتلاءم مع سعر منصة صيرفة، بالإضافة إلى العمل على لجم التجار الذين يهربون الدولار والسلع الاستهلاكية الى الخارج المحروقات والدواء وما شابها وطريقة قبض ثمنها، متسائلاً ما إذا كان يتم استلامها باليد او بواسطة عملاء معينين يحضرون شخصياً، أم أنها تتحول الى حسابات في دول اخرى، فضلاً عن التجار الذين يقومون بتهريب الكاش دولار من السوق اللبناني الى الخارج من دون استيراد  بضائع بقيمتها.

 اما في موضوع اقفال الحدود، لفت عجاقة الى استحالة تنفيذ هذا الأمر لانه يتطلب قراراً سياسياً، مؤكداً أنَّ ملاحقة التجار تبقى من مسؤولية الحكومة والجيش والاجهزة الامنية.

وختاماً، اشارَ عجاقة الى ما تناقلته بعض وسائل الاعلام مساء امس ومفاده ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعد بأنه وبعد تعليق اضراب المصارف بساعات قليلة سوف يقوم باصدار تعاميم باتت جاهزة وتحتاج الى التوقيع والاعلان عنها للجم الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار في السوق السوداء خصوصاً وان مصرف لبنان بات قادراً على التحكم بالسوق بعد توقيف المضاربين والصرافين غير الشرعيين.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o