Feb 11, 2023 7:36 AM
صحف

الحل الرئاسي "يرقد بسلام بعيداً من لبنان" وبرّي إلى جلسات مفتوحة

بات جلياً انّ الحل الرئاسي يرقد بسلام بعيداً من لبنان، فكل طرق الداخل المؤدية إلى انتخاب رئيس للجمهورية مقطوعة، فلا توافق ممكناً، ولا استجابة لأي جهود او مبادرات حوارية. واما الخارج، فقد حسم خياره وقراره بعدم التدخّل في الملف الرئاسي، واكّد بكل اللغات العربية والفرنسية والانكليزية أن ليس من أحد في الخارج، ومهما بلغت قدرته وقوته وتأثيره، يمكن ان ينوب عن اللبنانيين في اختيار رئيس الجمهورية. وما حصل في الاجتماع الخماسي في باريس، وفق ما قالته مصادر سياسية مواكبة لحركة الاتصالات والمشاورات حول الملف الرئاسي لـ»الجمهورية»، «ينبغي ان يشكّل حافزاً للبنانيين لكي يقتنعوا بصورة نهائية انّ باب الحل الخارجي مقفل بالكامل، ولا نية لدى الأميركيين او الفرنسيين او السعوديين بأن يكون اي منهم طرفاً مباشراً في الملف الرئاسي، او التدخّل في اسماء او تحديد مواصفات. فما هو أوضح من رسالة كهذه تقول للبنانيين لا دور مباشراً لنا، ولن ندخل في اي نقاش او جدل حول اسماء او معايير، فاختيار الرئيس هو شأنكم، وهذه مسؤوليتكم فقلّعوا شوككم بيدكم»؟.

ووفق معلومات موثوقة لـ»الجمهورية»، فإنّ حركة الاتصالات الداخلية استمرت على اكثر من خط في الايام الاخيرة، وزادت من زخمها الأجواء الرمادية التي أرخاها الاجتماع الخماسي في باريس. والغموض الذي يكتنف مجرياته قرأت فيه مراجع مسؤولة اشارات سلبية أقلّها، انّ الدول الخمس المعنية لم تكن على الموجة ذاتها من الملف الرئاسي اللبناني.

وبحسب المعلومات الموثوقة، فإنّ مستويات سياسية رفيعة عاكفة على بلورة مسعى جديد لاختراق الجدار الرئاسي، سمّته مسعى الفرصة الداخلية الاخيرة، يصبّ في ذات المنحى الذي رسمه رئيس المجلس النيابي نبيه بري منذ ما قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية. واما الدافع إلى ذلك، فهو الاستشعار بخطر كبير داهم، يُخشى ان يتجلّى في القريب العاجل في هزّة سياسية تضرب الواقع اللبناني وتشرّعه على احتمالات سلبية، وارتدادات شديدة الكلفة اقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً.

ورداً على سؤال حول ما يضمن نجاح هذا المسعى، قال معنيون بالتحضيرات له لـ»الجمهورية»: «لا توجد أي ضمانة، بل واقع واضح خلاصته أن لا احد في العالم مهتمّ بنا، بل يرتب أجنداته وأولوياته حول ما يعنيه من قضايا وملفات اقليميّة ودوليّة، ونحن في لبنان مستمرون في الانزلاق إلى أسفل. صحيح انّ الواقع السياسي لا يطمئن بتناقضاته، وتحدّيه لإرادات التفاهم والتوافق، ولكن ليس في يد الساعين سوى ان يسعوا على قاعدة انّ كثرة الدق يمكن لها في لحظة ما أن تفك اللحام».

في هذه الأجواء، كشفت مصادر سياسية لـ»الجمهورية»، انّ حركة البوانتاجات، التي تفاعلت في الأيام الاخيرة لحشد الاصوات لأي جلسة انتخابية لاحقة، اصطدمت بعدم قدرة أي طرف على تجميع الاكثرية المطلوبة لانتخاب الرئيس. فلا ثنائي حركة «امل» و»حزب الله» وحلفاؤهما استطاعوا ان يزيدوا عن الـ50 نائباً، ولا القوى السيادية استطاعت ان تزيد عمّا حققه ميشال معوض في جلسات الفشل أي دون الاربعين نائباً.

وإذا كان بعض الاطراف قد اعتبر انّ تمكن اي طرف من تجميع الـ»65 صوتاً»، يعني انّه ضَمَن لمرشحه الفوز في الجلسة الانتخابية، الّا انّ الواقع المجلسي والسياسي يثبت بأنّ تجميع الـ»65 نائباً» لا يعني انّ المعركة الرئاسية قد حُسمت، فالحسم لمصلحة مرشح جدّي، يتطلب مع تجميع الـ»65 نائباً»، ضمان تأمين نصاب الانعقاد أي 86 نائباً يبقون داخل القاعة العامة للمجلس لحظة الانتخاب. وهذا غير ممكن حتى الآن في غياب التوافق، والاطراف المتصارعة تملك كل منها سلاح «الثلث المعطل» الذي تستطيع من خلاله تعطيل اي جلسة يُدعى اليها لانتخاب مرشح لا تؤيّده.

وتقول مصادر سياسية مطّلعة ل"نداء الوطن": «القصة بعيدة». فلا نتيجة عملية على هذا المستوى من اجتماع باريس، في ظلّ عدم التوافق بين الفرنسيين والسعوديين حيال التعامل مع «حزب الله». كذلك داخلياً، إذ يعتبر البعض أنّ التوافق المسيحي توطئة لانتخاب رئيس، لكن هذا التوافق يبدو أنّه شبه مستحيل حتى الآن، ولم يُبت بعد بعقد اللقاء المسيحي في بكركي مهما كان شكله وآليته.

في ظلّ هذا الواقع المُقفل على الحلول الرئاسية حالياً، لن يدعو رئيس مجلس النواب الى جلسة انتخابية، و»لن ينزل إلى المجلس إلّا وأن يُنتخب رئيس للجمهورية»، بحسب مصادر مطّلعة على موقفه. وتقول هذه المصادر: «كلّما عُقدت جلسة انتخابية، يُقال إنّها مهزلة. وهذا صحيح، لكن هذه ليست مسؤولية الرئيس بري، بل جميع اللبنانيين، فلماذا لا يأتون الى مجلس النواب ومعهم الترشيحات الحقيقية، وعندها لا نخرج من المجلس إلّا بعد أن ننتخب رئيساً؟ فحين تصبح هذه العملية جاهزة، لن يؤخّر بري جلسة الانتخاب دقيقةً واحدة».

وفي حين أنّ بري لا يدعو إلى جلسات انتخابية، وتقترع كتلتا «الثنائي الشيعي» بورقة بيضاء، ويتمسّك بري و»حزب الله» بترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، على رغم رفض أكبر كتلتين نيابيتين مسيحيتين لانتخابه، إلّا أنّ مصادر قريبة من «الثنائي»، تعتبر أنّ الاقتراع بورقة بيضاء حق دستوري، فضلاً عن أنّ انتخاب فرنجية أو غيره بأقلّ من 65 صوتاً، لا يغيّر شيئاً في المعادلة الرئاسية، ولا يوصل إلى انتخاب رئيس. وترى أنّ المشكلة ليست في «أنّنا متمسّكون بفرنجية»، بل في غياب الحوار والتوافق وإعلان الترشيحات الحقيقية الجدّية.

لذلك يستمرّ بري في التواصل مع كلّ الكتل النيابية من دون استثناء. وطرحَ «النزول إلى المجلس بالمرشحين الحقيقيين، وقد يكون الأبرز على الساحة الآن اثنان أو ثلاثة… وليُنتخب أحدهم». ويدعو بري الكتل النيابية، لا سيما المسيحية منها، إلى «الاتفاق على ترشيحات جدّية، وعندها لتكن الجلسات مفتوحة». ويعتبر بري أنّ هذه الآلية تفضي إلى انتخاب رئيس، فتقوم الكتل النيابية ببذل جهدها لإقناع كتلٍ أخرى بالتصويت لمرشحها، وإذا حصل كلّ مرشح في الجلسة الأولى على 30 أو 40 أو 50 صوتاً، ستتغيّر المعادلة في الجلسات التالية، بحيث يبدأ «صبّ» الأصوات لمرشح دون آخر، وصولاً إلى انتخاب رئيس.

ويؤكد قريبون من بري أنّ أي طرف «غير متكمّش بالمرشح اللي عندو»، حتى المرشحون أنفسهم، المعلنون وغير المعلنين، ليسوا متمسّكين بترشيحاتهم إذا تأكدوا من أن لا حظوظ لانتخابهم. لكن على الرغم من أنّ بري «غير متمسّك بأحد إذا راح البلد»، إلّا أنّه حتى اللحظة لا قرار بدعم أو انتخاب مرشح غير فرنجية.

وتفسّر مصادر سياسية موقف بري، انطلاقاً من أنّ الموضوع الرئاسي لم ينضج بعد، و»أنّنا لا نزال ندور في الدوامة» نفسها. فحتى مبادرة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لم تكسر المراوحة، لأن لا اتفاق على اسم بعد. وترى هذه المصادر أنّ جنبلاط لم يتخذ قراره الرئاسي النهائي، وحين يرى أنّ هناك ترشيحاً جدّياً على «الصينية» يتخذ قراره. كذلك، إنّ انتخاب قائد الجيش المرشح غير العلني الأبرز، ليس عند بري، فليس هناك إجماع خارجي بعد على اسمه، فضلاً عن عدم تأمين النصاب اللازم لانتخابه، وعدم التوافق المسيحي على اسمه، فرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل يرفض انتخابه ولن يؤمّن النصاب للجلسة، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» يعتبر أنّ انتخاب قائد الجيش يتطلّب تعديلاً دستورياً، وهذا الإجراء غير متوافر.

في ظلّ هذا الواقع، لا يزال «الثنائي الشيعي» يعوّل على تحقيق تأييد نيابي أوسع لفرنجية، إذ في السياسة، «لا حيط لا يُمكن أن نمرّ منه، بل يُمكننا أن نفتح فيه باباً». وتعزّز التجربة الرئاسية السابقة بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً، بعد نيله الدعم الذي كان يُعتقد أنّه مستحيل، من جعجع ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، آمال مؤيّدي فرنجية في انتخابه. ولا يزال بري مصرّاً على أنّ الحوار والتوافق في ما بين اللبنانيين هو الطريق الأقرب للرئاسة الأولى.

ويعتبر أنّ طرحه الرئاسي يتماهى مع طرح بكركي، بحيث يُعلن كلّ فريق مسيحي مرشحه، أقلّه الكتلتان المسيحيتان الرئيسيتان، أي «القوات» و»التيار». فعلى سبيل المثال، إذا اتفقوا على النزول الى مجلس النواب بالمرشحين الثلاثة: فرنجية وباسيل وقائد الجيش، فـ»أهلاً وسهلاً بالذي ينُتخب».

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o