Feb 07, 2023 6:36 AM
مقالات

الاستحقاق الرئاسي والمنطاد الصيني

يُسدل مع لقاء باريس الخماسي بين دبلوماسيين من كلّ من الولايات المتّحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر الستار عن آخر محاولة دولية - إقليمية لإخراج لبنان من أزمتيْه السياسية والإقتصادية وفك الإشتباك في الملف الرئاسي، بما يؤكّد إستحالة إحداث أي اختراق في البيئة السياسية الضحلة في لبنان. ضحالة البيئة السياسية والساسة في مقاربة الملف الرئاسي هي الجزء اليسير الظاهر من بداوة سياسية مستمرة أُدير بموجبها الشأن العام اللبناني وقدّمت نماذجها فشلاً في الإقتصاد والطاقة والحوكمة الرشيدة.

توقفت المسرحيات الإنتخابية في المجلس النيابي إلى أجلّ غير مسمّى بعد أن دخل الشغور شهره الرابع ليس لرتابة مضمونها أو حرصاً على ما تبقى من احترام لمعدّيها، بل لافتقاد ما يعرض للجديّة بحيث يتعذّر تسويقه وإقناع الخارج به، ناهيك عن الطابع الإستفزازي الذي يمارس عنوة في الداخل. إنّ الإغراق في تناول الأسماء ترشيحاً أو تمويهاً دون أن يُعلن أصحابها رغبتهم بذلك وكأنهم يقتادون مخفورين الى الترشح ليلتزموا في ما بعد بتعليمات الجهة التي رشحتهم، ودون تقديم أي برامج من قِبلهم تتناول ما يعاني منه لبنان من فساد وتسيُّب وانهيار قد أفقد المسألة برمّتها - ومن ضمنها المرشحين والموقع الرئاسي الأول - الحدّ الأدنى من الإحترام. فلماذا يستمر هذا العبث وتقاذف الأسماء بالرغم من إعلان الدول المعنيّة أكثر من مرة وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وفرنسا أنها تقف على نفس المسافة من جميع المرشحين وأن موقفها يرتبط بما يلتزم به المرشحون من برامج وخطط.

أليس وضع المرشحين للرئاسة في موقع المواجهة أو التبّني مع دول لها موقعها ووزنها على مستوى رسم السياسات الدولية هو ضرب من الجهل في تقييم الأمور أو المبالغة في تقدير أهمية إنهاء الشغور الرئاسي بالنسبة للدول التي تحاول إنقاذ لبنان. ألا يراقب الساسة اللبنانيون الأزمات الدولية المستجدة وأسلوب التخاطب المتوتر بين القوى الدولية بما ينذر باندلاع نزاعات قد تأخذ العلاقات الدولية السائدة إلى تعقيدات غير منتظرة وتؤدي إلى تشكّل تحالفات جديدة؟ وكيف يقيّمون في ضوء ذلك التداعيات على الإهتمام الدولي بلبنان وإمكانيات الإنقاذ المتوفرة؟

يعبّر النمط الجديد في العلاقات الدولية عن منحى تصعيدي، وقد بلغ من التأزم بما لا يسمح بوجود مناطق رمادية. نموذج التخاطب الدولي الجديد هو ما عبّر عنه يوم السبت الفائت إسقاط المنطاد الصيني الذي حلّق فوق الولايات المتّحدة بواسطة طائرة أميركية مقاتلة من طراز «إف-22» وبأوامر من الرئيس جو بايدن، دفاعاً عن السيادة الأميركية كما قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، ودون أي احتساب للتوتر بين واشنطن وبكين. هذا النموذج قدّم نفسه أيضاً في عودة العلاقات العسكرية بين الفليبين والولايات المتّحدة واتّفاقهما على تمكين الجيش الأميركي من استخدام 4 قواعد عسكرية جديدة في هذه الدولة التي يفصلها مضيق بحري عن تايوان، وهي المرة الأولى منذ 30 عاماً، التي سيكون فيها للولايات المتّحدة هذا الوجود العسكري الكبير في الفليبين.

وفي هذا الإطار، كيف يمكن قراءة توصيف الجنرال «جاكلين فان أوفوست» للعلاقات الأميركية السعودية بأنها «تمثّل حجر الزاوية لاستمرار الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط « واستعادة يوميات القتال جنباً إلى جنب خلال حرب الخليج الأولى في بداية التسعينات، وإعلانها الإلتزام «بتعزيز أمن حلفائنا وشركائنا ضد التهديدات الخارجية، مثل تلك القادمة من إيران». هذه العودة الأميركية ـــ بعد الأزمة التي مرّت بها العلاقات الخليجية الأميركية ــ لا يمكن قراءتها إلا من قبيل حراجة الموقف المترتب على الحرب الدائرة في أوكرانيا وإعادة ترتيب الأوراق الأميركية بما يسمح لها بالمواجهة. ويندرج في هذا الإطار الموقفان الأوروبي والأميركي المتشددان تجاه طهران لوقف تعاونها العسكري مع روسيا في مجال تطوير المسيّرات والصوارخ البالستية.

بين لقاء دبلوماسيي الدول الخمس في باريس وإسقاط المنطاد الصيني في المحيط الأطلسي نموذجان مختلفان في العلاقات الدولية، فهل يندفع سياسيو لبنان نحو خيار جديد؟ وهل ينجح نموذج المنطاد الصيني في حلّ الأزمة اللبنانية حيث عجز اللقاء الخماسي في باريس؟

العميد الركن خالد حماده - اللواء

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o