Feb 02, 2023 7:07 AM
صحف

رئاسياً.. الحراكات لا تفك التعقيدات

في هذه الجو، المحكوم اقتصاديا وماليا لمافيات السوق السوداء والتلاعب بالدولار الذي يكمّل صعوده نحو السبعين الف ليرة، في غياب اي كابح او رادع لها، والمحكوم سياسيا للحقد الاعمى والمكايدات وتغليب الغايات والحسابات الشخصية والحزبية، لا يمكن الرهان على قيامة بلد من جديد، فالمسلّم به لدى الخبراء الاقتصاديين هو "أن لبنان بات على مسافة امتار قليلة من كارثة غير مسبوقة، لا حدود معها لصراخ الناس وآلامهم". كما انّ المسلّم به لدى كل المتابعين لتطورات الملف الرئاسي، بأنّ حَسمه ايجابياً في الاتجاه الذي يُفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية، باتَ، على حد ما تقول لـ"الجمهورية" مصادر سياسية ومعنية بحركة الاتصالات الجارية، "من سابع المستحيلات".

واذا كان المسار الرئاسي يشهد بين حين وآخر حراكات محدودة سعياً الى فتح طاقة انفراج فيه، الا انّ هذه الحراكات تدور في حلقة مفرغة، حيث انها لا تتمتع بالقدرة المطلوبة التي تمكّنها من اختراق جدار التعقيدات. وفي هذا السياق يندرج تحرّك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

واذا كان رئيس التقدمي قد لخّص الغاية من تحركه، بمحاولة بناء مساحة مشتركة للتفاهم على مرشّح توافقي لرئاسة الجمهورية، لا يشكل استفزازا او تحديا لأي طرف"، فإنّ مصادر مطلعة على خلفيات تحرّك جنبلاط، تؤكد لـ"الجمهورية" ان انتخاب رئيس للجمهورية يشكل الخطوة الاولى في مسار العلاجات الطويل للأزمة الداخلية، والدافع الاساس الى هذا التحرّك في هذا التوقيت بالذات، هو أنه يستشعر خطرا كبيرا جدا يتهدّد لبنان، من البابَين الداخلي والخارجي.

فخلف الباب الداخلي، تضيف المصادر، إنّ لبنان بوضعه الحالي يعاني انشقاقا سياسيا واهتراء اقتصايا وماليا، وتتبدّى فيه مكامن ضعف مخيفة في كل مفاصله وفقدان تام لعناصر القوة وامكانيات الصمود، وبات يشكل تربة خصبة لأي احتمالات سلبية قد تسري تداعياتها وآثاراها فيه كالنار في الهشيم. وليس خافيا في هذا الاطار، أنّ تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، يُعرّي، او بمعنى ادق، عَرّى لبنان أكثر فأكثر، ويُفاقم المخاطر ويسرّع بالاحتمالات والسيناريوهات السوداء.

اما الباب الخارجي، فإن الداخل المعطّل والمتصادم، لا يشكل وحده تهديداً للبنان، بل ينبغي على كل الاطراف أن تخرج من زواياها الضيّقة، وتتوسّع في نظرتها الى ما أبعد من الداخل، وقراءة المشهد الخارجي الذي يغلي بالتطورات والتوترات، وبالاعاصير الاقليمية والدولية التي تتكون في اجواء المنطقة، ومن الغباء الاعتقاد ان لبنان قد يكون منعزلاً عن المنطقة وما قد تشهده من تطورات وتداعيات امنية وغير امنية".

الا انّ القراءة المقابلة لهذا الحراك لا ترى له أفقا ايجابيا، وعلى ما تقول مصادر مطلعة لـ"الجمهورية" فإنّ هذا الحراك، وإن جرى تغليفه بمفردات التفاهم وبتغليب ارادة الحوار والتشارك، الا انه يبدو تِبعاً لمجرياته في الغرف الداخلية، حراكا في اتجاه واحد، يبدأ وينتهي عند غاية وحيدة، خلاصتها حمل ثنائي حركة "أمل" و"حزب الله" على تعديل موقفهما الداعم لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والقبول بمرشح آخر، لا يشكل تحديا لأي طرف، وهو ان اعلن الوصول مع ترشيح النائب ميشال معوض، وبالتالي تخلّيه عن "التسلية" بانتخابه التي استمرت على مدى 11 جلسة انتخابية فاشلة لمجلس النواب، على اعتبار ان معوّض هو مرشّح تَحد، قطع في الوقت ذاته الطريق على رئيس تيار المردة بقوله ان فرنجية يشكل في نظر البعض مرشح تحد.

وبحسب معلومات موثوقة لـ"الجمهورية" ان جنبلاط الذي طرح حتى الآن خمسة اسماء بديلة، تنطبق عليهم في رأيه الصفة التوافقية بدءاً بقائد الجيش العماد جوزف عون، والوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين، وشبلي الملاط ومي الريحاني، لا يبدو انه استطاع ان يحقّق ما يرمي اليه من تحرّكه. فتحرّك جنبلاط فشل بداية مع التيار الوطني الحر، واللقاء بينه وبين رئيس التيار النائب جبران باسيل لم يصل الى نتيجة تُعدّل من موقف باسيل الذي بات واضحاً انه يرفض أي مرشّح آخر سواه، كما انه فشل مع ثنائي "أمل" و"حزب الله"، حيث انهما ليسا في وارد التخلي عن فرنجية، فأوساطهما تؤكد ثباتهما على تأييد ترشيحه.

وقلّلت مصادر متابعة لتحرّك جنبلاط من احتمال تحقيقه اي خرق، وقالت لـ"الجمهورية": العقدة الرئاسية كبيرة جدا، وتبدو انها اكبر من أن تُحلّ، عبر تحرّك يلبّي في جوهره، ما تطرحه الاطراف الاخرى، التي تصنف نفسها سيادية وتغييرية وفي مقدمها حزب "القوات اللبنانية"، والتي تلتقي في غالبيتها على تبني اي مرشح خارج ما يسمّونها "جبهة الممانعة"، وفي مقدمهم قائد الجيش. وينبغي في هذا السياق، التوقف مليّاً والقراءة المعمّقة لأبعاد بعض المواقف، لا سيما موقف رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي عاد الى التأكيد مجدداً على "أن المشكلة اذا كانت تحلّ بانتخاب قائد الجيش فلا مانع لدينا". وكذلك في الموقف الذي أعلنه وفد اللقاء الديموقراطي من بكركي قبل يومين، ومفاده "انه اذا حصل اتفاق على قائد الجيش فسنسعى الى تعديل الدستور". وهذا الموقف يعبّر بالتأكيد عن موقف جنبلاط".

في موازاة هذه الصورة الداخلية المعقدة، كشفت مصادر مسؤولة لـ"الجمهورية" عمّا سمّتها إشارات خارجية جديدة تُقارب الملف الرئاسي في لبنان بقدرٍ عالٍ من التشاؤم، وتُلقي ظلالاً من الشك حول احتمال حصول اي انفراج فيه، طالما ان الارض اللبنانية ليست مهيّأة لصياغة هذا الانفراج".

وبحسب المصادر فإنّ هذه الاشارات، التي سبقت ما يُحكى عن اجتماع محتمل في باريس بين ممثلين عن الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، تحاول ان تعطيه حجمه الطبيعي، خلافاً للماكينة الإعلامية التي حمّلته اكثر مما هو يحتمل.

وقالت: ما هو مثبت لنا حتى الآن، انّ ثمة كلاماً نسمعه عن عقد اجتماع مجهول موعده حتى الآن، وكذلك مستوى المشاركة فيه. في كل الاحوال، فإنه لو حصل وعقد هذا الاجتماع، وعلى اي مستوى كان، فإنه في احسن الاحوال لن يكون اكثر من مجرد محطة لإجراء مشاورات "تذكيرية" بمشاورات سابقة على قاعدة أخذ العلم بالتطورات التي استجَدّت منذ آخر مشاورات حصلت بين تلك الدول.

ولفتت المصادر الى انه قبل السؤال عن نتائج ايجابية محتملة لهذا الاجتماع تترجم بتسريع الخطى لانتخاب رئيس للجمهورية، ينبغي السؤال هل انّ هذه الدول تقف على موقف واحد حيال الملف الرئاسي؟ وبالتالي أقصى المتوقّع هو تكرار مواقف تقليدية اساسها دعوة اللبنانيين الى انتخاب رئيس وتشكيل حكومة، ولا شيء اكثر من ذلك. كما لا نتوقع في الوقت اي تحرّك ملموس من قبل تلك الدول تجاه لبنان، فالولايات المتحدة اكدت على مختلف مستوياتها انها لا تتبنّى اي مرشح، وليست في وارد إطلاق اي تحرك مرتبط بالملف الرئاسي. اما فرنسا، فغايتها الاساس الحضور والدور الفاعلان في لبنان، لكنها لا تملك الامكانيات لتثبيت ذلك، وهو ما تأكّدَ بشكل لا يرقى اليه الشك منذ إطلاق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للمبادرة الفرنسية غداة الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت. فيما الواضح ان المملكة العربية السعودية منكفئة عن القيام بأيّ مسعى او تحرّك مباشر تجاه الملف الرئاسي.

وردا على سؤال قالت المصادر: الموقف المصري معروف لناحية التأكيد انّ مصر معنية بالشأن اللبناني، من موقع الحرص على ما تسمّيه "الشقيق الاصغر"، والحثّ على إتمام الانتخابات الرئاسية بتوافق اللبنانيين وسلوك مسار إنقاذ والخروج من الأزمة. بالتأكيد ان مشاركة مصر في اجتماع باريس مفيدة، ولكن لا يوجد حتى الآن ما يؤكد هذه المشاركة.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o