Jan 31, 2023 4:31 PM
متفرقات

لقاءات "هنا بيروت": طرابلس مدينة ثراؤها كامن لكنّها أكثر فقرًا من غزّة

المركزية - بمناسبة انقعاد حلقة النّقاش المنظَّمة في إطار "لقاءات هنا بيروت"، طُرحت حالة البؤس الّتي تلفّ طرابلس رغم وجود إمكانات واسعة يمكن أن تعود بالفائدة على المدينة، إلى جانب الأسباب المختلفة الكامنة خلف العوز هذا. في ما يلي، أبرز النّقاط الّتي تناولها اللّقاء، إلى جانب شريط فيديو كامل مرفق ربطًا.

"طرابلس المنبوذة" ... معادلة مقتضبة تلخّص جيّدًا الوضع الّذي تتخبّط فيه عاصمة لبنان الشّمالي، المهملة فعليًّا من السّلطة المركزيّة، وأيضًا من بعض مسؤوليها السياسيّين، والمعروفين بثرواتهم الطّائلة. 

شكّلت حالة البؤس الّتي تغرق فيها طرابلس، رغم ما تتمتّع به من مؤهّلات، موضوع حلقة النّقاش الرّابعة المنظَّمة يوم الخميس في إطار "لقاءات هنا بيروت"، الّتي ضمّت مداخلات كلّ من مؤسِّسة جمعيّة تراث طرابلس-لبنان ورئيستها، جمانا شهّال تدمري، والنّائب السّابق مصباح الأحدب، والكاتب في هنا بيروت والأستاذ في جامعة القدّيس يوسف أنطوان قربان. ترأّس النّقاش مدير تحرير هنا بيروت ميشال توما.

استُهلَّت حلقة النّقاش بعرضِ مقتطف قصير من تقريريْن صحفيّيْن يتناولان مدينة طرابلس، أعدّه زميلانا في هنا بيروت، ماكسيم بلوفينيه، وندى الكردي. في مقدّمة النّقاش، طلب مدير تحرير هنا بيروت من السيّد بلوفينيه، والآنسة الكردي، إيجاز انطباعيْهما، عقب انغماسهما في نسيج طرابلس الاجتماعيّ.

شدّد بلوفينيه، الصحفيّ الأجنبيّ الّذي استطاع إلقاء نظرة خالية من أي ذاتيّة على طرابلس، أو فكرة مسبقة، على جوانب مختلفة من إمكانات واسعة يمكن أن تستفيد منها عاصمة لبنان الشّماليّ، غير أنّها لا تزال مهمَلة. وأشار السيّد بلوفينيه قائلاً: "بصفتي مراقب أجنبيّ، سألت نفسي كيف لهذه المدينة أن تئنّ بؤسًا رغم سحرها، وكمّ الإمكانات الّتي تتمتّع بها، ورغم أنّها تبهر زائريها، وتملك مرفاً، ومطارًا مهجورًا ليس ببعيد عنها، ونخبة مميّزة، وتراثًا أثريًّا وهندسيًّا وسياحيًّا وثقافيًّا وتاريخيًّا واسعًا، ومبنى مهيبًا مُشيّدًا ليكون معرضًا دوليًّا، ناهيك عن المنطقة الصّناعيّة المهمَلة منذ العام 1973، أي قبل الحرب".

في السّياق عينه، أشارت الكردي إلى غنى التّراث في المدينة على صُعد السّياحة، والثّقافة، والعمارة، والصّناعة، إلخ. ونوّهت الأخيرة قائلة: "تملك طرابلس جميع المؤهّلات الّتي تستطيع تحويلها إلى عاصمة لبنان الاقتصاديّة. يا لهول الهدر. لقد زرت خان الصّابون، وهو تحفة معماريّة، غير أنّه مهمَل كليًّا. يشكّل هذا مثالاً ملموسًا وحيًّا عن الإهمال، وانعدام المسؤوليّة اللّذيْن تعانيهما هذه المدينة".

تعقيبًا على التّقريريْن، افتتح توما النّقاش، فطلب بداية من تدمري التّعليق على شهادتيْ الآنسة الكردي، والسيّد بلوفينيه. في البداية، أشارت رئيسة جمعيّة تراث طرابلس-لبنان، (وهي جمعيّة فرنسيّة تأسّست في باريس عام 2009 عملاً بقانون الجمعيّات 1901)، إلى أنّ هدف المنظّمة غير الحكوميّة هذه هو تخفيف مستوى الجهل في المدينة، والتّصدّي للتّشويه الإعلاميّ ضدّها.

بالمناسبة، أكّدت السيّدة تدمري أنّ طرابلس تزخر بالثّروات التّراثيّة. وقالت في هذا السّياق: "إنّها أكثر مدن السّاحل الشّرقي غنىً من ناحية عدد المواقع الأثريّة، والمعالم الّتي يمكن زيارتها. هي ثاني مدينة مملوكيّة بعد القاهرة، وأكبر مقرّات الصّليبيّين مع قلعتها. لا يعرف النّاس بوجود هذا التّراث. ولهذا السّبب أسّسنا جمعيّة ثقافيّة للمحافظة عليه بمساعدة خبراء فرنسيّين".

أشارت تدمري، في هذا الإطار، إلى أنّ جوًّا من "التّعايش السلميّ" ساد بين فئات المدينة ومجتمعاتها قبل الحرب. وأكّدت قائلة: "شكّلت الأعياد الدّينيّة وقتًا يتشارك فيه الجميع. وبعد مغادرة الكثير من المسيحيّين، اختلف الأمر. إذ دفعت الأزمة الاقتصاديّة بالنّاس إلى الرّحيل، وتحوّلت طرابلس إلى مرقد لأنّها فقدت دورها كعاصمة الشّمال".

بالعودة إلى ما قالته الكردي، وبلوفينيه حول إرث هذه المدينة التّراثيّ، تشير السيّدة تدمري قائلة: "إذا أمضينا ساعة واحدة في طرابلس، نستعرض 4000 عام من التّاريخ، لأنّ العصور كافّة ممثَّلة، من الفينيقيّين إلى العثمانيّين، مرورًا بالمقدونيّين، واليونانيّين، والمماليك، والصّليبيّين". وتابعت قائلة: "طرابلس مدينة سياحيّة بامتياز. فيها مئة وأربع وستّون معلمًا سياحيًّا، من ضمن أمور أخرى كالينابيع، والحمّامات، والخانات الّتي يبلغ عددها ستّة. طرابلس متحف في الهواء الطّلق". وتضيف السيّدة تدمري فتقول: "تحتفظ هذه المدينة بتراث غير ماديّ، لأنّ العادات والتّقاليد تستمرّ من جيل إلى جيل".

نموذج حضريّ عن الحياة في المدينة بكلّ ما للكلمة من معنى

بعد أن تمنّى عليه السيّد توما شرح ما تمثّله مدينة طرابلس بالنّسبة إليه، شدّد البروفسور قربان على حقيقة أنّ: "طرابلس نموذج عن المدينة، بمعنى أنّها الفضاء الّذي يجمع التنوّع". "إنّها النّموذج الحضريّ الوحيد المتكامل في لبنان، وأكثر بأشواط من بيروت الّتي كانت في القرن التّاسع عشر عبارة عن بلدة صغيرة على شاطئ البحر المتوسّط، وتطوّرت بسرعة كبيرة."

بالنّسبة إلى قربان، "لم يتسنّ الوقت لبيروت كي تشهد التوسّع الّذي عرفته طرابلس". وأضاف قائلاً: "توسّعت الأخيرة توسّعًا مركزيًّا. واحتضنت المنطقة المحيطة. لم تحتضن بيروت المنطقة المحيطة بها لأنّها تطوّرت عن طريق التّجميع. إذًا، نحن "في" بيروت، وليس "من" بيروت. كلّ من أقام في طرابلس، يتبنّى المدينة، وتتبنّاه المدينة".

وأردف قربان قائلاً: "تتميّز طرابلس بأنّها المدينة المتوسّطيّة الّتي ابتكرتها روما، والمدينة الّتي تحتضن، وتحوّل التنوّع إلى وحدة، إنّما ليس إلى تجانس. لم تكن الحياة في طرابلس مجزّءة ومشرذمة. ثمّة تنوّع حتّى في الوحدة؛ هذا هو نموذج لبنان الغد. أشكر ندى الكردي، وماكسيم بلوفينيه اللّذيْن أدركا تمامًا دور طرابلس كمحور المشرق الشّمالي كلّه، ومكانة المدينة".

ألمشهدان السّياسيّ والأمنيّ

يبرّر الإهمال، والتصرّف غير المسؤول الّذي مارسته السّلطة المركزيّة وبعض المسؤولين السّياسيّين الطرابلسيّين، إلى حدّ كبير، حالة البؤس الّتي تتخبّط فيها عاصمة الشّمال، رغم جميع الإمكانات، والثّروات الّتي يمكن أن تستفيد منها الأخيرة في مجالات مختلفة. يؤكّد السيّد مصباح الأحدب، في هذا الصّدد، أنّ طرابلس فاقت مدينة غزّة فقرًا، ما يجعلها إحدى أفقر المدن المتوسّطيّة. ويعزى ذلك أيضًا إلى العوامل السياسيّة، والأمنيّة، الّتي استعرضها النّائب الأحدب.

يعلن الأحدب قائلاً: "بيّنت دراسة أجرتها الأمم المتّحدة أنّ مدينة طرابلس أكثر فقرًا من غزّة، رغم فرض الإسرائيليّين حصارًا عليها. قد يتساءل المرء عمّن يحاصر طرابلس حتّى تفوق غزّة فقرًا. ببساطة، تحاصرها الدّولة اللّبنانيّة الّتي لا تتصرّف في اتّجاه بناء الدّولة الوطنيّة".

يشرح الأحدب كيف تواطأت السّلطة عمليًّا في خطط زعزعة استقرار طرابلس، ما أضفى على عاصمة الشّمال طابع المدينة المتروكة للعصابات المسلّحة، بينما كان يمكن أن تشكّل مركزًا قياديًّا، على الصّعيديْن الاقتصاديّ والسّياحيّ. 
"اضطّهد المسيحيّون والعلويّون بدءًا من عام 1975، منذ إنشاء حزب التّوحيد، (وهو ميليشيا إسلاميّة سنيّة). تبيّن مع الوقت أنّ مصدر التّمويل إيران. موّلت إيران حزب التّوحيد السّلفيّ في طرابلس. حتّى في ذلك الحين، عام 1975، كانت هذه الاستراتيجيّة قيد التّحضير، وهرب المسيحيّون بسبب الوضع، ولهذا فحياة العلويّين غير مريحة حتّى اليوم. في الواقع، تخوض الدّولة اللّبنانيّة اللّعبة المتداولة بشكل علنيّ اليوم، وبدلاً من إحباط هذا الواقع، وتحديدًا، استراتيجيّة الهلال الشّيعيّ. إنّها استراتيجيّة ضخمة بدأت منذ وقت طويل".

يضيف النّائب السّابق في هذا السّياق فيقول إنّ "شبّانًا يستفيدون من رخصة حمل السّلاح، ويسرحون ويمرحون بحريّة حاملين أسلحتهم". ويشير قائلاً إلى أنّ "هؤلاء الشبّان يموّلهم سياسيّون، وتتلاعب بهم أجهزة خاصّة. في المقابل، لا يتعدّى عدد عناصر الشّرطة البلديّة مئة وأربعين عنصرًا، في مدينة يبلغ عدد سكّانها 800 ألف نسمة. إذن فنحن لا نستحقّ الحصول على شرطة بلديّة فاعلة. والدّولة هي المسؤولة عن هذا".

أدّى هذا "الحصار" الّذي تفرضه السّلطة المركزيّة على عاصمة لبنان الشّماليّ، إلى الحدّ من نشاط ميناء طرابلس، "واقتصار دوره، بينما كان ميناء بيروت يعرف ازدهارًا واسعًا". وأضاف النّائب السّابق قائلاً: "لكنّ الحقيقة تبقى في أنّ مرفأ طرابلس، لا يزال يتمتّع حتّى الآن، بمقوّمات أكثر بكثير من نظيره البيروتيّ، كما أكّد ماكسيم بلوفينيه. يمكن لهذا الميناء أن يتوسّع، ويتطوّر". إلاّ أنّ تطوّره، وتطوّر إمكانات المدينة يبقيان رهنًا بقرار سياسيّ مركزيّ، لا يزال غائبًا. كما هي الحال، أيضًا، على صعيد البلد بأسره...

لمشاهدة الفيديو اضغط على الرابط التالي:

https://youtu.be/oVshsFjV0Mo

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o