Dec 05, 2022 6:22 AM
صحف

جهوزية لبنانية غائبة لمراحل ما بعد الترسيم البحري

لا تتظهّر مؤشرات مشجّعة على تلقّف لبنان اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل بالنسبة إلى مواكبين لبنانيين علميين للتطورات المحيطة بهذا المعطى، انطلاقاً من بديهيات ضرورة تأمين الاستقرار السياسي والانتظام المؤسساتي بدءاً من توافر مقوّمات دولة قائمة وانتخاب ممثلين عنها يتولون الشؤون اللوجستية الضرورية ويشجعون المستثمرين من خلال إجراءات إصلاحية مكافِحة للفساد واعتماد نظام ضرائبي محفّز لهم على الأقلّ.

وتغيب حرارة التشغيل اللبنانية عن معدّات استخراج الغاز في مرحلة تتعطل فيها انتخابات رئاسة الجمهورية وما يليها من استحقاقات بما يشمل تشكيل حكومة جديدة، حيث تبقى الإشكالية الأساسية التي يعانيها لبنان باستمرار شغور مواقع السلطة التي يتوجّب أن تتسلّم "مقاليد التنقيب".

وفي سياق آخر بحسب "النهار"، يطفئ لبنان محرّكاته الجيوسياسية أيضاً، التي لا يستطلع المراقبون أنها منخرطة في أجواء التحالفات الاقليمية المتكوّنة مع تأسيس "منتدى غاز شرق المتوسط" بهدف تأمين العرض والطلب وتنمية الموارد وترشيد تكلفة البنية التحتية وتقديم أسعار تنافسية وتحسين العلاقات التجارية. ويغرّد لبنان خارج نطاق هذه الدول المتوسطية السبع التي يضمّها المنتدى، بما يجعله بعيداً حتى الآن عن الدخول في توقيت اللحظة الاقليمية. ويمثّل هذان المعطيان مؤشرين رئيسيين على الواقع اللبنانيّ الذي لم يباشر الانتقال فعلياً إلى "الزمن الجديد" على الرغم من ترسيمه حدوده البحرية الجنوبية.

إلى ذلك، تبدو اهتمامات لبنان بعيدة عن مواكبة مرحلة ما بعد الاتفاق البحري، وفق مستطلعين محليين يسلّطون الأضواء على شرط هام لم يركّز عليه الاعلام اللبناني بشكل كبير لناحية وجوب الاتفاق بين الشركة التي ستتولى الاستخراج في حقل قانا والدولة الاسرائيلية على حصة الأخيرة قبل المباشرة بأي نشاط في الإطار. وفي سياق آخر، لم يضع لبنان استراتيجية علميّة أو تصميماً مستقبلياً لدولته "النفطية"، فيما لا يمتلك المعنيون بتوقيع اتفاق الترسيم لبنانياً تصوّراً واضحاً خارج إطار التوقعات والترجيحات للسنوات التي تحتاجها البلاد للتنقيب والاستخراج كمرحلة أولية. وفي المقابل، سُمعت ملاحظات من خبراء خارجيين في الأسابيع الماضية مفادها أنه يستوجب توفّر معطيات حول حجم مخزون الغاز في الأعماق البحرية أولاً، لكن حتى إذا تبيّن احتواء كميات تجارية إلا أن للاستخراج شروطه التقنية القائمة على تشييد البنى التحتية اللازمة في لبنان وسط الحاجة إلى منشآت تؤهل البلد للانتقال إلى مراحل متقدّمة بما يحتاج إلى 10 سنوات بالحدّ المعقول. وإذا كانت هذه الظروف على تنوعها تجعل من العاصمة بيروت ومن شواطئ المدن اللبنانية الساحلية غير قريبة من موسم قطاف "الثمار الغازية" المعوّل عليها، فإن المفاعيل الايجابية التي دخلت حيّز التنفيذ تقتصر كما يقاربها سياسيون على الناحية الأمنية، مع ميزة أساسية متمثلة بالحدّ من التصعيد والتهديدات المتقابلة بالاشتباك العسكري بين اسرائيل و"حزب الله" ووقف احتمال أي اشتعال أمنيّ ممكن على جبهة الحدود اللبنانية - الاسرائيلية إلى أمد زمني طويل.

وفي وقت تتغيَّب جهوزية لبنان الرسمي الحضورية بعد توقيع اتفاق الترسيم البحري، تُعقد المحاضرات والمناقشات للحديث في موضوع مماثل سيستحوذ اهتمام المنطقة على مدى سنوات مقبلة. وكانت انعقدت ندوة حديثة نظمتها "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" ومقرّها بيروت في 2 كانون الأول الجاري، تحت عنوان "الغاز في شرق المتوسط: الاحتياطيات والتحديات الجيوسياسية". وتحدّث في هذه الندوة رئيس تحرير غاز شرق المتوسط في نشرة MEES بيتر ستيفنسون، مفصّلاً واقع احتياطيات النفط في شرق المتوسط، مع تطرّقه أيضاً إلى المجال اللبناني، في قوله إن "دولاً في شرق المتوسط اكتشفت، أو يُفترض أن فيها احتياطيات من الغاز (منها لبنان) لم تبدأ الإنتاج مطلقاً ولا حتى تجارياً، ومن غير المتوقع أن تباشر قريباً في استخراج الغاز". واستنتج ستيفنسون أنه "من غير الواقعي الاعتقاد أن دول المنطقة ستتفق مع بعضها البعض، على الرغم من أنه لا حلول ناجعة من دون تعاون الجميع، ومن دون تطوير البنى التحتية لتصدير الغاز إلى أوروبا".

ومن جهتها، استبعدت الخبيرة الدولية في أمور الطاقة العالمية كارول نخلة في محاضرتها بعنوان "الغاز في سلة الطاقة لعالم تصفير الانبعاثات 2050" أن "يتحقق هدف طاقة بلا انبعاثات كربونية في سنة 2050، الأمر الذي أظهرته تطورات مثل "كوفيد 19" وتداعياته والحرب على أوكرانيا". وبرز لافتاً ما أوضحته نخلة بأنه "في الوقت الذي اكتُشف الغاز في شرق المتوسط، اكتُشف أيضاً في شرق أفريقيا. وبينما تتجادل بعض دول شرق المتوسط، فإن الموزمبيق ستكون واحدة من أكبر مصدّري الغاز سنة 2025". ما أشارت إليه نخلة يطرح علامات استفهام جدية حول الواقع اللبناني المراوح مكانه، وضرورة الخروج من دوامة الشعارات الخطابية والمراوحة السياسية والانتقال إلى "لبنان دولة غازية" قبل أن يفوت بيروت القطار الذي يبدو أنه يمرّ بسرعة ولا ينتظر من يمكن أن يبدو متأخراً أو متكاسلاً في انتظاره على المحطة بدلاً أن يستقلّه عند سماع صافرته. وإذا كان تقويم لبنان بعد الانهيار الاقتصادي الذي شهده بات يقارن مع الدول المتقهقرة اقتصادياً تحديداً، فإن حتى بعض هذه الدول باتت تستعدّ لتحولات الاكتشافات الغازية وتراهن عليها، في وقت يبدو لبنان بعيداً عملياً عن طموح مماثل حتى اللحظة.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o