الأزمة المعيشية انعكست على صحة اللبناني...ربّ ضارة نافعة!
ليا مفرّج
المركزية- بدّلت الأزمة الاقتصادية والمعيشية العديد من عادات اللبنانيين، تحديداً في نمط حياتهم، لا سيما نظامهم الغذائي. فمنذ نهاية العام 2019 وبدء تدني قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي، انهارت قدرة اللّبنانيين الشرائية، ومع تفاقم الصعوبات الغذائية إثر الأزمة المحلية وتداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي والحرب الروسية-الأوكرانية، صنفت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" وبرنامج الأغذية العالمي لبنان بأنه "ضمن 20 دولة تعد بؤرا ساخنة للجوع". ونبّهت ممثلة "الفاو" في لبنان نورة أورابح حداد من أن "وضع الأمن الغذائي في البلد مقلق، ويواجه تحديات غير مسبوقة على كل الصعد، بما فيها عدم توفر غذاء متنوع وآمن للجميع"، مضيفةً "الأزمة الاقتصادية في لبنان تهدد بدفع مزيد من الناس إلى الفقر وانعدام الأمن الغذائي، بالأخص إذا استمرت أسعار المواد الغذائية بالارتفاع، مدفوعةً بانخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار القمح والوقود".
كذلك، أثبتت العديد من التقارير الدولية أنعكاس الأزمة الاقتصادية على الأمن الغذائي، آخرها تقرير البنك الدولي في شأن اوضاع الغذاء في العالم وارتفاع الأسعار ربطاً بزيادة نسب التضخم في معظم الدول، والذي بيّن أنّ لبنان سجّل ثاني أعلى نسبة تضخّم إسميّة في أسعار الغذاء حول العالم خلال فترة الأشهر الثمانية الأولى من العام 2022. أما محلياً، فكشفت الدولية للمعلومات أن غلاء المعيشة منذ بداية العام 2020 وحتى نهاية آب 2022 قد يكون تخطّى الـ 500% إذ ارتفعت أسعار السلع المستوردة بنسبة تجاوزت ارتفاع سعر صرف الدولار، كذلك الأمر مع السلع المنتجة محلياً. ففي ظلّ الأمن والسلام الغذائي المتدهورين كيف تغير نظام اللبناني الغذائي؟ وما تأثيره على صحّته؟
اختصاصية التغذية جاكي صفير تشرح لـ "المركزية" أن " الأزمة احدثت تغيرات لجهة توافر المواد الغذائية من جهة، ونوعيتها من جهة أخرى. فالعديد من الماركات لم تعد موجودة في الأسواق المحلية، لا سيما المستورد منها، وإن وجدت فأسعارها ارتفعت، وأصبح من الصعب على المستهلك أيضاً تحمّل كلفة نوعية معينة من الأصناف الغذائية مثل الألبان والأجبان، اللحوم المصنعة والحمراء..."، لافتةً إلى أن هذا الواقع "جاء بفوائد صحية، إذ كان لبنان يعاني من فائض استهلاك للحوم الحمراء التي تؤدي إلى أمراض مؤذية إن لم يتم تناولها بكميات معتدلة، لا سيما في المجتمعات التي تعاني من نسب عالية من الأمراض مثل القلب وارتفاع الكوليسترول على غرار المجتمع اللبناني. بالتالي، اللجوء إلى الحبوب والطبخ المنزلي جعل نسب الإصابة بالأمراض هذه تتراجع. حتى أن أسعار الزيوت ارتفعت، ما خفف من استهلاكها وانعكس تراجعاً في أعداد الذين يعانون من الوزن الزائد المضر بالصحة".
لناحية نوعية الغذاء، تشير صفير إلى "أنها تأثرت سلباً خصوصاً بسبب سوء التوضيب والحفاظ على الأطعمة لا سيما التبريد المناسب، ما تسبب بمشاكل في الجهاز الهضمي لدى البعض، إضافةً إلى زيادة نسب التسمم ومن عوارضها التقيؤ والإسهال ولعيان النفس...".
وفي ما إذا كان التركيز على الحبوب كافٍ كبديل للأصناف الأخرى في النظام الغذائي، تجيب صفير "يمكن الحصول على كميات كافية من البروتينات التي يتم عادةً استهلاكها من السمك واللحوم البيضاء والحمراء إذا كانت أغلبية الأطباق من الطبخ اللبناني المتميز بمزيج من المكونات، لا سيما الحبوب والخضار. أما الفيتامينات والمعادن والألياف، فكلّها متوافرة في الأطباق اللبنانية والحبوب، بالتالي التركيز عليها في النظام الغذائي مفيد أكثر لصحة الإنسان من دون ان يعني ذلك أنه يجب التخلي كلّياً عن اللحوم في نظامنا الغذائي، بل الخيار الأنسب هو تناولها باعتدال أي مرة كل أسبوع أو إثنين مثلاً، ما يسمح بالحصول على التغذية المتكاملة والحفاظ على نوعية حياة جيدة، وبهذه الطريقة يحصل الشخص على الفوائد الغذائية للحوم من دون كلفة باهظة".