Sep 27, 2022 6:13 AM
مقالات

الرياح الخليجية والأشرعة الألمانية

لم تأتِ نتائج جولة المستشار الألماني أولاف شولتز على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتّحدة وقطر على قدر الآمال المعقودة عليها. نتائج المسعى الألماني الحثيث لتأمين بدائل عن مصادر الطاقة الروسية من المملكة العربية السعودية، مع اشتداد المعارك الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة الجنوني في أوروبا، لم تطابق توقعات المراقبين في عقد صفقات كبرى لاستيراد النفط. المقدّمات التي أعلنها قبل الزيارة سياسيون ألمان من ضمن الإئتلاف الحكومي، والتي ركّزت على أهمية تصحيح مسار العلاقات بين البلدين وتبنّي سياسة واقعية، لم تؤتِ ثمارها في ظلّ انعدام الخيارات على أعتاب شتاءٍ قاسٍ، وصعوبة إيجاد بدائل عن واردات الطاقة الروسية.

الإنسجام في المواقف الخليجية أكّدته نتائج الزيارة لكلّ من دولة الإمارات وقطر. أتى البيان المشترك في أبو ظبي متجاوزاً الخوض في صفقات غب الطلب الأوروبي، ومعبّراً عن ميْل واضح بالإرتقاء بالعلاقات بين الإمارات وألمانيا الى مستوى الشراكة الاستراتيجية في مجالات الطاقات المتجدّدة والهيدروجين والغاز الطبيعي المُسال والعمل المناخي. إقتصرت تلبية الحاجة الالمانية على إتّفاقية مع شركة «أدنوك» على تصدير شحنة من الغاز الطبيعي المُسال لشركة «آر دبليو إي إيه جي» الألمانية، في أواخر عام 2022 لاستخدامها في التشغيل التجريبي لمحطة استيراد الغاز الطبيعي العائمة في مدينة برونسبوتل الألمانية، بالإضافة الى شحنات إضافية غير مجدوّلة من الغاز الطبيعي المُسال وكميات من وقود الديزل خلال العام 2023 لدعم أمن الطاقة في ألمانيا. أما في قطر فقد ربط أميرها تصدير الغاز الى أوروبا بتطوير حقول جديدة نتيجة استنفاد القدرة على التصدير، وفي ذلك أكثر من إشارة إلى ربط الإقتصاد بالعلاقات الدولية.

النتائج الهامة للزيارة لم تكن في ما لم تنجزه على مستوى تأمين الطاقة بل في التغيير الجذري الذي أحدثته الزيارة في العلاقات السعودية الألمانية وتداعيات ذلك على العلاقات الخليجية الأوروبية، وهو ما يعتبر انتصاراً للدبلوماسية السعودية والخليجية. السفير الألماني في الرياض «ديتر لامليه»  وفي مؤتمر صحفي عقده بعد مغادرة شولتز الرياض نجح في تقديم قراءة واقعية لنتائج الزيارة من خلال ربطها بالمسار المرتقب للعلاقات بين الدولتين، والذي لا يمكن أن يستمر إلا موازياً ومنسجماً مع تطوّر المواقف المشتركة للدولتين حول القضايا الإقليمية، ولا سيما الموقف من التهديدات الإيرانية والأذرع العسكرية ومسألة الصواريخ البالستية.

وضع لامليه الشراكة الإقتصادية بين الدولتين وتعزيز العلاقات الثنائية في مجال الإقتصاد والتجارة ونقل التكنولوجيا في إطار فتح صفحة جديدة بين الرياض وبرلين، معتبراً أن الزيارة هي الخطوة الأولى لوضع حجر الأساس للمرحلة الجديدة من التعاون بين البلدين.

المنطلق الجديد للشراكة مع المملكة عبّر عنه السفير الألماني بكلّ وضوح: «المملكة دولة قيادية في العام العربي فضلاً عن عضويتها بمجموعة العشرين، ما يعني حتميّة مشاركتها لحلّ أي قضية في المنطقة، وما يجمعنا الإستقرار وتحقيقه بالمنطقة وحلّ النزاع في اليمن والمساعدات الإنسانية لليمنيين. وعن إيران قال لامليه» إنّ مباحثات الجانبيْن السعودي الألماني، أكدّت على أنّ إيران تشكّل تهديداً للمنطقة بشكل مشابه لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية في أوروبا»، مشيراً إلى أنّ الجانبين يدركان خطورة الهيّمنة الإيرانية على المنطقة و«أنّ هناك خطراً حتى في حال إبرام الإتّفاق في حال عدم التزام إيران بما جاء فيه وانحرافها نحو مزيد من التسليح».

يعود شولتز الى ألمانيا لمواجهة الخلافات والإنقسامات داخل البرلمان الفيدرالي (البودنستاغ) حول الإقتراح المقدّم من الإتّحاد المسيحي الديمقراطي، وهو حزب المعارضة الرئيسي، لتزويد أوكرانيا بمعدات عسكرية متطورة ألمانية الصنع. تستند المعارضة في اقتراحها إلى نجاح ألمانيا في تأمين مصادر بديلة للغاز تمكّنها من التحرر نهائياً من الإرتباط بموسكو واتّخاذ قرارها بدعم القوات الأوكرانية.

ربما سيستند المستشار الألماني الى المواقف الخليجية المتريّثة ليس حيال تزويد ألمانيا بالغاز لوقف اندفاعة المعارضة الألمانية نحو مزيد من التورط في أوكرانيا، بل حيال التحوّلات الجذرية التي تشهدها أوروبا والتي يعبّر عنها الوصول المتوقّع لليمين المتطرّف إلى الحكم في إيطاليا ووصول حزب «النازيين الجدد» إلى السلطة في السويد، التي كانت تُعدْ من أكثر الدول اعتدالاً في أوروبا، ومع احتدام الصدام بين المفوضية الأوروبية والمَجَر حول الإمتثال لقواعد المشروع الأوروبي، واحترام المبادئ والقيّم الأساسية التي يقوم عليها.

العميد الركن خالد حماده - اللواء

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o