Sep 26, 2022 12:00 PM
خاص

"المركزية" في عيدها الـ 40 : عهد ووعد...

المركزية

المركزية- 40 عاما مضت... أربعة عقود بالتمام  والكمال... أربعة عقود رافقت في خلالها "وكالة الأنباء المركزية" هذا الوطن اللبناني الصغير في أفراحه وأتراحه، في حروبه المستمرة وسلامه الهش المتراقص على حبال الداخل والخارج... في أحداثه المتعاقبة المتسارعة المتشعبة وفي هدوئه الحذر، على ندرته...

رؤساء كثيرون تعاقبوا على مراكز السلطة والسطوة والقرار، حكومات تشكلت، وأخرى سقطت، شخصيات كبيرة خرجت من المسرح السياسي المحلي، وأخرى ولجت الشأن العام... وسائل إعلام وصحف ومجلات دخلت فضاء السلطة الرابعة الذي لا يشك أحد في أنه يتسع للجميع. لكن الصمود والاستمرارية ليسا من شيم الجميع. بقيت "المركزية" صامدة تقلّب صفحات تاريخ لبنان وتساهم  في كتابة بعض من فصوله المضيئة، من دون أن تغيب عن بالها المهمة النبيلة الأساسية: نقل الخبر بأمانة إلى القارئ،كما إلى رجال السياسة والأمن والاقتصاد، بعدما تحولت عن حق مرجعا رائدا في المجال الاعلامي.

هذا ما يعرفه الجميع عن "المركزية" التي نجحت على مر السنين في أن تحفر إسمها على قائمة المؤسسات الاعلامية اللبنانية ذات الصدقية والمهنية اللتين لا مجال للشك فيهما. غير أن هذا ليس إلا غيضا من فيض ما لا يعرفه الناس عن "المركزية" وما شهدته كواليسها ومكاتبها من أحداث سياسية أبطالها من الهامات والقامات التي وثقت يوما بهذا المشروع الطموح الذي انطلق عام 1982. وقد تكون مفيدة الاشارة هنا إلى أن وراء هذه المؤسسة فكرة أينعت في بال "فرسان ثلاثة"، الزميل فيليب أبي عقل والزميلان المرحومان جورج بشير وفوزي مبارك. الثلاثة من أصحاب الأسماء الكبيرة في مهنة البحث عن المتاعب. فالأول المعروف في الوسط الصحافي بشبكة علاقاته السياسية ومصادره المتعددة الموثوقة كان قد بنى لنفسه سمعة كبيرة صحافيا في جريدة "لوريان لو جور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية، و"السفير" و"النهار" كما في مجلتي "ماغازين" و"الأسبوع العربي"، إضافة إلى وكالة الصحافة الفرنسية ومنافستها "أسوشياتد برس" وسواهما " (وهي ظاهرة قل نظيرها). أما الثاني، فكان مراسل راديو مونتي كارلو الدولية من بيروت، بينما ذيّل مبارك بتوقيعه مقالات يومية عديدة في زاوية يومية أفردتها له صحيفة "الأنوار" التي عادت وأطفأت أنوارها قبل سنوات.

تقول الحكاية إن "الفرسان الثلاثة" أرادوا مواكبة الانطلاقة الرئاسية الصاروخية للرئيس الاستثنائي الذي كانه بشير الجميل، الذي تحول في سنوات قليلة من ظاهرة سياسية إلى بطل رئاسي جسّد حلم شعب بكامله. غير أن المتربصين شرا بوطن صغير تجرأ على أن يحلم أحلام الكبار وأن يفكر في أن القدر يبتسم لأمثاله من الدول والشعوب، قلبوا كل الموازين وأجهزوا على لبنان جميل كان في بال بشير وسواه من المؤمنين بهذا الوطن، وبأنه يستحق الحياة والنضال في سبيله.

بمخطط كبير وجهنمي اغتيل الرئيس المنتخب في 14 أيلول 1982 . إلا أن الحدث- الزلزال الذي أحبط جيلا كاملا من المسيحيين لم يدفع الثلاثي أبي عقل-مبارك -بشير إلى اليأس والتراجع. بل على العكس، استمروا في المشروع الذي انطلق في18أيلول 1982 ولا يزال مستمرا. ذلك أن الرئيس أمين الجميل فاجأ طاقم الوكالة قبل أيام معدودة على انطلاق عهده بزيارة المكاتب، حيث حض الثلاثي المؤسس على الاستمرار في المهمة التي كان شقيقه الشهيد متحمسا لها. حتى أن الرئيس الجميل أعلن ترشيحه إلى المنصب الأول من "المركزية" تحديدا في حضور جمع من الصحافيين، بما يؤكد أن للمؤسسة مكانها المحفوظ  في المشهد المحلي.  

على أن الثلاثي المؤسس ليس الوحيد الذي أمن النجاح لـ "المركزية". ذلك أن أجيالا ومئات من الصحافيين أسهموا بأقلامهم وإبداعهم وأفكارهم وأخبارهم في استمرارية المؤسسة. حتى أن كثيرا من الزملاء الصحافيين الذين باتوا اليوم رؤساء تحرير كبريات الصحف، أو على الأقل كتّابا أساسيين فيها، كانت لهم محطات كبيرة في "المركزية"، شأنهم في ذلك شأن كثير من مراسلي ونجوم الشاشات والاعلام الالكتروني والمسموع. وإذا كان النجاح المهني حليفا لصحافيي "المركزية"، فإن هذا لا ينفي أن بعضهم دق قلبه بعدما ابتسم له الحب في أروقتها، فوجد نصفه الآخر... قبل أن يحلق في فضاءات رحبة جدا.

وبين الحبر والحب، محطات كبيرة مرت فيها "المركزية" وتحولت مركزا لصناعة الحدث، حيث يولد الخبر، في وجود المعنيين به. وهو ما جرى عندما زار الرئيس الياس الهراوي (وكان وزيرا للأشغال العامة والنقل) مكاتب "المركزية"، وتلقى عبر الهاتف تفاصيل حادثة هزت المطار، وكانت "المركزية" السباقة في نشر الخبر، تماما كما نقلت عنها كبريات الصحف العالمية خبرا يتعلق بقاتل الرئيس بشير الجميل، حبيب الشرتوني، وهي عدوى انتقلت إلى نشرات الأخبار المسائية، التي تحولت "المركزية " ضيفا شبه دائم وأساسي في مقدماتها الهادفة إلى تسجيل المواقف والتأثير في الرأي العام.

ومن حكايات لبنان والعرب في كواليس "المركزية"-التي أقامت حفل إفطار على شرف رئيس الحكومة شفيق الوزان عام 1984 في جونيه ، حضره اركان الدولة والهيئات الاقتصادية، أي في عز قرع طبول الحرب الطائفية البغيضة- أن مستشار الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، أسامة الباز زار لبنان يوما في عهد الرئيس أمين الجميل، وعقد المؤتمر الصحافي الختامي في مكاتب الوكالة في الحازمية، وفي ذلك لفتة تقدير إلى مهنيتها وحيادها في نقل الصورة والحقيقة. وتقول حكاية أخرى إن الوكالة والقيمين عليها نشروا كتابا كشفت فيه محاضر اجتماعات مؤتمر لوزان، وأقيم حفل التوقيع في كازينو لبنان، في حضور كبار نجوم العالم السياسي... 

ولأن الزمن لا يتوقف والنجاح قطار لا يجوز أن يقف على أطلال مجد غابر وعابر، تستمر "المركزية" في أداء مهمتها، مواكبة التطور السياسي في بلد التقلبات والتغييرات الدائمة، من دون أن يغيب عن بالها ضرورة أن تماشي التطورات والتغيرات التقنية (بحيث انتقلت من النسخة الورقية إلى كونها موقعا الكترونيا مستقلا). لكن هناك بعض مما لا يتغير: الموضوعية المطبوعة بالإنحياز للانسان والحرية والحقيقة والسيادة والدفاع المستميت عن فكرة دولة لا تزال سرابا في بلاد الفوضى المتمادية واللاعقاب. إنها قيمنا التي اعتدنا رفع رايتها. وفي ربيعنا "الأربعين"، نتعهد المضي في هذه الرسالة الكبيرة. ولا ننسى أن نوجه الشكر إلى كل من رافقنا ولا يزال في مهنتنا النبيلة، حيث كتابة التاريخ شرف، ومشاركته مع القراء فخر لن نفرّط به.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o