Sep 11, 2022 4:17 PM
خاص

خطّة الهيئات الاقتصادية للتعافي: معالجة وضع القطاع المالي وحده غير كافية

ليا مفرج

المركزية – أعلنت الهيئات الاقتصادية منذ أيام عن خطّتها للتعافي الاقتصادي والمالي الهادفة إلى "إعادة هيكلة الدين العام ومعالجة التزامات مصرف لبنان وإعادة هيكلة القطاع المصرفي مع محاولة إعادة أكبر قدر من حقوق المودعين"، كذلك السعي من خلف الخطّة هو لـ "معالجة انهيار القطاع المالي على كل المستويات، وتحفيز المؤسسات المالية على العمل بشكل يتيح تمويل النمو المستقبلي، والذي بدونه لا يمكن معالجة أي من الاختلالات النظامية. ويجب أن تصبح ديون الدولة "مستدامة"، وأن تُخفف من أعباء ميزانية المصرف المركزي بما أنها تمنعه حاليًا من أداء دوره النقدي والتنظيمي". وتنص الخطّة على متطلبات تنفيذ الأهداف هذه. 

وفي قراءة اقتصادية لدراسة الهيئات، يعطي رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور نسيب غبريل وجهة نظر شخصية، مرحّباً عبر "المركزية" بـ "كلّ مسعى احترافي ومفصّل تقوم به اي جهة لأنه مقدّر ومشكور عليه. هذه خطوة إيجابية، والواضح أن الهيئات وضعت جهداً منظّماً في دراستها المفصّلة والموضوعية. وتم توضيح آلية استعادة الودائع مفصّلة في حين أن هذه النقطة غير واضحة في خطّة الحكومة للنهوض الاقتصادي. أيضاً التركيز على دور التعافي الاقتصادي المستدام أمر إيجابي".  

وفي المقابل، يلفت إلى جملة من نقاط الاستفهام التي يثيرها الاطلاع على الخطة إذ انها "سمّيت بـ "خطة تعافي مالي" ويحكى أنها متكاملة ولا تتطرّق فقط للقطاع المالي، أما السردية فهي نفسها التي وضعتها الحكومة وهي أنه "لا يمكن للاقتصاد التعافي قبل معالجة القطاع المالي على كلّ المستويات"، وجهة النظر هذه صحيحة مبدئياً، إلا انها خارج السياق، إذ لا يمكن التركيز على القطاع المالي حصراً، لأن انهياره ليس السبب الذي أدّى إلى الأزمة الحالية، بل هو أحد نتائج المسببات الأربعة الأساسية للأزمة: سوء استخدام السلطة، سوء إدارة القطاع العام ومؤسسات ذات الطابع التجاري التي تملكها الدولة، سوء إدارة الأزمة، وضع المصالح السياسية والحزيبة الضيقة فوق مصلحة المواطن والاقتصاد. بالتالي، من دون معالجة المسائل هذه لن يؤدي أي إصلاح للقطاع المالي، مهما كانت طبيعته، إلى استعادة الثقة وإلى النمو الاقتصادي المستدام أو السريع. لذا، الانطلاقة يجب أن تكون من هذه العوامل أوّلها معالجة تعطيل السلطة منذ آذار 2013 تاريخ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ولغاية أيلول 2021 تاريخ تشكيل حكومة ميقاتي الحالية وتفصل بينهما 8 سنوات ونصف تمكنت خلالها الحكومات المتعاقبة من العمل بشكل طبيعي فقط لسنتين وثمانية أشهر وهنا لا نقول أنها اتّخذت قرارات اقتصادية. كلّ هذا الواقع له ثمن مثل تراجع الثقة، تراجع تدفق الودائع ورؤوس الأموال إلى لبنان، تراجع الحركة الاقتصادية، تأجيل أي إصلاحات أو إجراءات من شأنها دعم الاقتصاد وأدّت إلى ارتفاع الفوائد وانخفاض تصنيف لبنان الائتماني. وحتى بالعودة إلى ما قبل 2013 واجه الاقتصاد اللبناني صدمات عدّة وأهدر فرصاً ذهبية للنمو". 

ويتابع غبريل "لا يمكن أيضاً التغاضي عن انعكاسات عدم تطبيق القوانين وغياب الشفافية على الاقتصاد. مؤشرات البنك الدولي للحوكمة والإدارة الرشيدة واضحة جدّاً: 85% من الحكومات حول العالم فعّالة أكثر من الحكومات اللبنانية المتعاقبة، 81% من البلدان تطبق قوانينها بشكل أفضل من لبنان، 80% منها لديها قوانين داعمة لاقتصاد السوق والقطاع الخاص أفضل من القوانين اللبنانية، أكثر من 90% من بلدان العالم تتمتّع باستقرار سياسي وتحاسب المسؤولين أكثر من لبنان. هذه هي العوامل التي تجب معالجتها في أي خطّة اقتصادية ما يؤدّي إلى استعادة الثقة ولا يمكن عزل موضوع القطاع المالي وإصلاحه والنهوض الاقتصادي واستعادة الثقة عن هذا الموضوع الحيوي والأساسي". 

ويشير غبريل إلى أن "يجب على اي خطّة أن تتضمّن موضوع الشفافية في القطاع العام لأن الحديث عن إعادة هيكلته وتحجيمه فقط غير كافٍ. وكنت أتمنى أن تضع هذه الخطة نقاطاً عملية-إجرائية بالتفاصيل نفسها التي غاصت فيها حول موضوع القطاع المالي لتطبق على الشفافية في المؤسسات ذات الطابع التجاري وغيرها من القطاعات المحتكرة من الدولة وعشرات الهيئات والمجالس والصناديق، ذلك من خلال طلب نشر موازناتها القديمة والحالية، هكذا نصل إلى الحوكمة والإدارة الرشيدة والشفافية وتبدأ استعادة الثقة. إلى ذلك، دخل القطاع العام 32000 موظّف وعامل ما بين العامين 2014 و2018 ولم تتطرق خطّة الهئيات إلى الفائض هذا"، سائلاً "أين معالجة التهرب الضريبي في الخطّة؟ ومكافحة التهريب الحدودي بالاتجاهين؟ ووقف التهرب الجمركي؟". 

ويرى أن "كان يفترض التركيز أيضاً على قوانين لا تطبق أو تطبق جزئياً، في حين أنها تشكل مصدر إيرادات للخزينة وتعكس جدية في تطبيق القوانين. اين مطالبة مجلس النواب بإقرار العديد من مشاريع القوانين النائمة في الجوارير منذ سنوات؟ من الملح إثارة هذه القضايا الحيوية قبل الدخول في الأمور التقنية إن كانت في المالية العامة أو القطاع المالي أو الموضوع الاقتصادي". 

توازياً، يعتبر غبريل أن "دعم الاقتصاد ونموه المستدام لا يفترض أن يكون فقط بالاقوال بل يجب ان يتضمن برنامج النهوض الاقتصادي إجراءات عملية لتوسيع حجم الاقتصاد، تحسين المناخ الاستثماري، تطوير بيئة الأعمال، إعادة تأهيل البنية التحتية، رفع مستوى تنافسية الاقتصاد على الصعيد العربي وعلى صعيد الأسواق الناشئة". 

أما بالنسبة إلى تمويل الاقتصاد، فيوضح أن "من المهم التخلي عن معتقد أن المصارف المصدر الوحيد لذلك. الجهاز المصرفي بشقيه كان مصدر تمويل الاقتصاد اللبناني طيلة 25 سنة، نظراً إلى انعدام تنوع مصادر التمويل الأخرى. بورصة بيروت في جماد والقطاع الخاص اللبناني لا يعتبرها مصدرا  بديلا لتمويل الاقتصاد بينما البورصات العالمية تؤدي دوراً حيوياً كأحد مصادر تمويل الشركات. يجب تطوير وتشجيع الشركات أيضاً على إصدار سندات. من دون أن ننسى أهمية استقطاب استثمارات المحافظ الاستثمارية أو صناديق الاستثمار في الشركات الخاصة والمملوكة عائلياً. بالتالي، يفترض تنويع مصادر تمويل القطاع الخاص في لبنان وليس الاعتماد حصراً على القطاع المصرفي ما يخلق اقتصاداً حيوياً وديناميكياً وهذا يكمل القطاع المصرفي لا يستبدله أو يأتي على حسابه. يجب أيضاً تشجيع قطاع المصارف الاستثمارية التي تساعد على الدمج والتملّك واستقطاب استثمارات إلى هذه الشركات ومساعدتها على إدراجها على البورصة". 

ويضيف غبريل "خطة الهيئات تشمل نقاطاً تحدد الأسباب الرئيسية للأزمة، منها عدم توافق آجال الاستحقاقات المصرفية في كثير من الحالات في حين أن هذا موجود في أي قطاع مصرفي في العالم وليس حصرياً في لبنان. أما ما وصف بـ "الاسترخاء وعدم الجدية في تقييم المخاطر وإدارتها لدى المصارف" فالأفضل كان ألا تذكره الخطة. كذلك، المنافسة ليست شرسة بل صحية واحتكار الدولة للقطاعات أظهر مصيرها". 

وفي ما خص موضوع معالجة الودائع في خطّة الهيئات يعلّق بالقول "اعتبر مشروع الهئيات ان الودائع التي تحوّلت من الليرة إلى الدولار بعد تشرين الأول 2019 والبالغة حوالي 25 مليار دولار "غير مؤهلة" ويجب أعادتها على سعر صرف 5000 ليرة وفق آلية محددة. هذه المقاربة غير عادلة لأن المودعين الذين التزموا بترك أموالهم بالليرة لغاية اندلاع الأزمة لم يشكلوا عبئاً على سيولة المصارف أو احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية وعند تحويلها إلى الدولار جمّدت لفترات أقلها ستة أشهر وبالإجمال سنة أو ما فوق أي أن اصحاب هذه الودائع لم يتمكنوا من تحويلها إلى الخارج ولا من سحبها بالدولار، بالتالي لم تشكل ضغطاً على سيولة المصارف أو احتياطي مصرف لبنان. بعد تعثر الحكومة عن تسديد سندات اليوروبوند، أصدر مصرف لبنان تعميماً بأن تدفع المصارف نصف الفوائد على الودائع بالليرة والنصف الآخر بالدولار، لذا من غير العادل القول ان لم يكن يفترض تحويل هذه الودائع وكان من الممكن إصدار قرار رسمي لمنع ذلك حينها"، لافتاً إلى أن "يجب البحث عن المشكلة في مكان آخر مثل الأموال المحوّلة إلى الخارج ابتداءً من 2017 ما أدى إلى استنزاف سيولة المصارف التجارية الموجودة في المصارف المراسلة وإلى استنزاف احتياطي مصرف لبنان تدريجياً. هذه النقطة الاساسية التي يجب التركيز عليها ولا سيما ملاحقة استرداد الأموال المكتسبة بطرق غير قانونية وغير شرعية وأن تكون جزءاً من معالجة الودائع المصرفية". 

ويرى غبريل أن من النقاط الإيجابية في الخطة "تفعيل المؤسسات ذات الطابع التجاري التي تمكلها الدولة من خلال الآلية المذكورة. على الحكومة أخذ هذا المقترح في عين الاعتبار في برنامج التعافي الاقتصادي فهذا أمر ضروري لأن على الدولة تحمل الجزء الاساسي من المسؤولية ولا يمكنها التنصل منها". 

ويختم "عدم مواجهة مسببات الأزمة لن يؤدي إلى استعادة الثقة مهما وردت تفاصيل عن إعادة هيكلة القطاع المالي ومهما كانت النية صافية والجهد محترف وفي مكانه وعادل تجب معالجة الجذور الاساسية للأزمة. قبل الوصول إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي وكي تكون مجدية ومفيدة ومنتجة يجب البدء بالأولويات المذكورة آنفاً. أما أخذ هيكلة القطاع المالي بمعزل عن محيطه والبيئة التشغيلية القائمة لن يؤدي إلى استعادة الثقة وإلى إعادة تدفق رؤوس الأموال وتحريك الاقتصاد بشكل مستدام، من دون أن ينفي ذلك ضرورة إعادة هيكلته"، متمنياً على الحكومة "أخذ مقترحات الهيئات القيّمة في عين الاعتبار والتعامل معها بجدية لأن مسودة خطة التعافي الاقتصادي الحكومية لا تتضمن هذه كلّها وليست منزلة لا هي ولا بنود الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي، بل كلّها قابلة للتعديل". 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o