Sep 10, 2022 11:05 AM
خاص

لماذا نقلت موسكوالـ "S300"من البحرالابيض الى الاسود؟

المركزية - إقتربت المراجع الدبلوماسية من الإعتراف بأنّ كثافة الغارات الاسرائيلية الاخيرة في سوريا تترجم اتفاقاً مبرماً بين تل ابيب وموسكو يسمح لها بقصف ما يُضاف يومياً الى بنك أهدافها من المرافق المدنية التي تستخدمها ايران في خدمة قواتها والحليفة لها. وهي أمور تتجاوز ما كان مسموحا به لتل أبيب بموجب ضوء أخضر روسي لم يكن يشمل محيط قواعدها العسكرية الجوية والبحرية على الساحل السوري ووسط البلاد. وعليه لماذا بات ذلك مسموحا؟

انتظرت مراجع ديبلوماسية لفترة امتدت منذ 20 آب الماضي حتى مطلع الشهر الجاري بيانا روسيا رسميا ينفي خبرا تفرّدت به احدى الوكالات الاجنبية العالمية عن سحب انظمة صواريخ من طراز "S300" من محيط قاعدة حميميم الروسية في الأسبوع الأخير من آب الماضي ولم يصدر حتى الساعة. وتزامناً مع الرواية التي قالت ان روسيا أخلت الأجواء السورية من هذه الأنظمة ونقلتها الى مكان ما على البحر الأسود بغية استخدامها في تدعيم إحدى الجبهات الروسية الناشئة وُجِد ما يبرّرها في الاوساط الدبلوماسية والعسكرية التي كشفت لـ المركزية" انه لربما اضطرت موسكو الى مثل هذا الاجراء بعد ان توسعت إليها الحرب الدائرة في اوكرانيا منذ الغزو الروسي لها في 23 شباط الماضي

لم تكن الإشارة الى هذه الرواية في مكانها لو انها لم تتزامن مع الحملة الجوية الاسرائيلية المكثفة وبطريقة غير مسبوقة التي بدأت تستهدف منذ 14 آب الماضي منشآت تقع في محيط القواعد الروسية. فالغارة التي استهدفت في 14 آب الماضي تدمير ما سمّته اسرائيل مخازن اسلحة وصواريخ ايرانية في حرم ميناء طرطوس شكّلت اخطر اعتداء على مناطق تقع في حرم القواعد الروسية. فالجميع يعرف ان جزءا كبيرا من أحواض هذا الميناء يستضيف منذ عقود احدى أكبر وأهم القواعد الروسية النادرة على البحر الأبيض المتوسط، وقد تم تطويرها أخيرا لتستقبل الغواصات والبوارج الروسية الاستراتيجية الضخمة. وقد جاءت هذه العملية لتتحدث عن استراتيجية جديدة واكَبت في توقيتها سحب شبكة الصواريخ الدفاعية الروسية. وهي منطقة تم تحييدها لفترة طويلة بتفاهم روسي ـ إسرائيلي أُبرم منذ أن أخطأ صاروخ سوري من صنع روسي في 17 أيلول العام 2018 هدفه عندما أطلق في اتجاه طائرات اسرائيلية كانت تغير على المنطقة الساحلية ليدمّر بالخطأ طائرة استطلاع روسية متطورة من نوع "إيل 20" متخصصة في الرصد والتنصت الجوي ومقتل طاقمها لوجودها في تلك اللحظة على مسار الطائرات العدوة المغيرة أثناء عودتها من جولة تقليدية في منطقة شرق البحر المتوسط الى قاعدتها الجوية في حميميم في جوار مدينة اللاذقية.

ولم تقف الغارات الاسرائيلية عند هذه الحدود من العمليات، لا بل تصاعدت حدتها وتلاحقت مواعيدها بطريقة غير عادية، فقصفت بعد أيام قليلة على عملية "ميناء طرطوس" في 28 آب الماضي مستودعاً قرب مركز عملاق للبحوث في مدينة مصياف التي تقع في منتصف الطريق بين مدينتي طرطوس وحماة في وسط شمال غرب البلاد بتهمة استخدام الخبراء الايرانيين له لتصنيع الصواريخ واستخدامه مخزناً لكثير منها بدليل ما تسبّبت به من انفجارات امتدت لساعات طويلة. كان ذلك قبل ان تبدأ حرب المطارات في الأول من أيلول الجاري لتستهدف إسرائيل بصواريخها مدارج مطار حلب الدولي بحجة منع طائرات ايرانية من استخدامها قبل دقائق قليلة من وصول إحداها لتنقل اسلحة كما ادّعت في حينه. ولوحظ للمرة الأولى أنها لم تكن غارة يتيمة فقد تبعتها غارات مماثلة على منطقة الكسوة في ريف دمشق حيث تقع مستودعات للذخيرة والأسلحة ومدارج مطارها الدولي بفارق لا يزيد عن ساعة لتوافر معلومات عن نقل حركة الطائرات المستهدفة من مطار حلب اليه وللغاية عينها.

لم تقف الطحشة الإسرائيلية الأخيرة عند هذه المحطة من الغارات المكثفة، وظهر جلياً انه وبعد مرور ايام قليلة تجددت الغارات الإسرائيلية على مطار حلب بطريقة اكثر عنفاً ودقة أدّت الى إخراجه من الخدمة الفعلية لأيام امتدت حتى مساء أمس الجمعة عندما أعلن عن ترميم ما تم تدميره. وكما في الغارات السابقة فقد ارفقت هذه الغارة بأخرى على مطار دير الزور في توقيت مُماثل بحجة منع وصول دفعات اضافية من الاسلحة والمعدات العسكرية العائدة لـ"حزب الله" وفصائل مختلفة الى المطار عينه.

وتوقفت المراجع الدبلوماسية ومعها الخبراء العسكريون في حديثهم الى "المركزية"  أمام هذه الموجة الجديدة من الغارات الاسرائيلية وأهدافها الموحدة، ورأت فيها ما يتجاوز الضوء الاخضر الروسي الذي كان قد سمح بموجبه لتل أبيب بخرق الأجواء السورية بعد ابلاغ القيادة الروسية به وأسقطت الحظر الذي كان مفروضاً على المناطق التي تقع في نطاق شعاع الحماية التي توفرها شبكة صواريخ الـ"S300" عقب حادثة سقوط طائرة "ايل 20"، قبل اربع سنوات. بدليل انها بدأت تسرح وتمرح في المنطقة التي أخلتها الصواريخ الدفاعية الروسية على رغم من عدم استخدامها ولو لمرة واحدة منذ إدخالها الى سوريا بعد التدخل الروسي في الأول من تشرين الأول عام 2016، ولم يثبت حتى تاريخه انها سلّمت نماذج منها للجيش السوري الذي ما زال يستخدم على ما يبدو واضحا صواريخ روسية قديمة العهد في محاولة للتصدي للاعتداءات التي تستهدف منشآتها ومرافقها العسكرية الجوية والبحرية الخاصة بها وتلك الموضوعة في تصرّف ايران وحلفائها.

وانطلاقاً من هذه المؤشرات، لم يعد صعباً على المراجع العسكرية والديبلوماسية فهم التطور والتعاون المحقق ما بين تل أبيب وموسكو. فالحرب الاوكرانية والتطورات المحيطة بها ونتائجها بما فيها العقوبات التي تخضع لها موسكو دفعت الى تطوير العلاقات مع تل أبيب بما يرضي نهمها الى تأمين الحد الاقصى من أمنها القومي في المجال السوري. ولذلك فقد نقلت خططها من تفريغ الجنوب السوري من الوجود الايراني واسلحته الى المساحة السورية كاملة بما فيها الساحل الشمالي وحيث ما وجدت بمعزل عن جاراتها الروسية على أنواعها.

وفي المعلومات المتداولة على نطاق ضيق انّ الزيارة الاخيرة لرئيس الحكومة الاسرائيلية يائير لابيد الى موسكو رسمت خطوطاً جديدة للتعاون بين الدولتين تعطيها الافضلية لمخططاتها في سوريا، وسمحت لها بأن تكثّف من غاراتها على المواقع السورية والايرانية على اختلاف انواعها وتلك التابعة لحلفائها اينما وجدت من دون التوقف عند اي سقوف محددة وخصوصا عند التثبّت من عدم وجود اي رادع.

وختاماً، فإنّ ما تتوقعه المراجع الديبلوماسية والعسكرية يوحي بأنّ ما يجري في سوريا تحتسبه اسرائيل من الرسائل الواضحة في شكلها ومضمونها وأهدافها الى محور الممانعة بضرب خطوط الإمداد الخاصة بها بدلاً من جنوب لبنان وضاحية عاصمته لاستحالة القيام بأي عمل عسكري فيها وفي إيران نفسها بما يُطاول منشآتها النووية. ومن المؤكد ان المقاومة واحدة من أكبر قواها، وانّ أي تفاهم على الساحة السورية لتقييد الحركة الايرانية سينسحب على لبنان بأسرع ما يتوقّعه البعض، عدا عمّا يمكن ان تتسبّب به مما يصيب العلاقات بين موسكو وطهران والضاحية الجنوبية من بيروت. 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o