Aug 03, 2022 6:54 AM
صحف

الانتخابات الرئاسية صفحة حلول جديدة أم مشروع تدمير ذاتي جديد؟ السفراء بدأوا جولاتهم الاستطلاعية

تدور الشكوك حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية قبل 31 أكتوبر المقبل. ولا يبدو أن الموضوع خاضع لحسابات الأكثرية او الأقلية، ولا الى اعتبارات اليمين واليسار، ومثل هذه الاصطفافات غير موجودة بالمطلق في الخارطة البرلمانية اللبنانية، بينما تأثير الاعتبارات الخارجية على الملف تتقدم على ما عداها، ولكن مراكز القوى المؤثرة في هذا الخارج متضاربة الهوى، ومتناقضة الى حدود بعيدة.

على الدوام كانت هناك تدخلات خارجية في انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، قبل اتفاق الطائف وبعده، لكن تجربة العهد الحالي أدخلت معادلات جديدة، بحيث إنها وسعت من مساحة استثمار الموقع الأول في الجمهورية الى حدود يمكن معها تغيير وجهة الكيان برمتها، وربط الدولة بمسارات خارجية من خلال هذا الموقع، من دون الحاجة للجوء الى الانقلابات العسكرية او الحصول على أكثرية برلمانية. ووصول الرئيس ميشال عون للرئاسة في العام 2016، لم يأت من خلال أكثرية برلمانية الى جانبه، بل حصل بقوة تأثير التعطيل، حيث بقي موقع الرئاسة شاغرا لأكثر من عامين ونصف العام، الى أن رضخ الخصوم قبل الموالين الى معادلة «عون أو لا أحد».

تغيرت الجمهورية بكاملها في عهد الرئيس عون، وحصل ما يشبه التدمير الذاتي للكيان، والمقاربة التي اعتمدها مناصرو العهد أدت الى كارثة حقيقية، وأثبتت أن لبنان لا يعيش بموجب رؤية الحاكم، بل أنه حالة خاصة لها اعتبارات تاريخية وجغرافية وانسانية، ومن يخرج من هذه المحددات يسعى الى تدمير ذاتي، وليس بإمكانه أن يأخذ البلد حيث يريد. والذين اعتقدوا أن «الموارنة» يمكنهم أن يبدلوا تحالفاتهم وفق ما تقتضيه مصلحة هذه الجهة او تلك، فشلوا في رؤيتهم، وأكدت حالة الانهيار التي نعيشها اليوم، أن «الموارنة» لا يمكنهم الا الوقوف الى جانب استقلالية الكيان اللبناني، ولهؤلاء دور أساسي في الحفاظ عليه، والانجذاب في الصراعات المحيطة، او الانخراط في أحلاف خارجية، لا تأتي بأي غلبة، ولا تنتج أي استقرار، خصوصا منها «حلف الأقليات» او الانحياز الى محور إسلامي ضد محور إسلامي آخر.

حسب "الأنباء" الكويتية، برز من الحراك الرئاسي حتى اليوم موقف للرئيس نبيه بري بعد استقباله للمرشح سليمان فرنجية، أكد فيه أنه سيدعو فورا لجلسة انتخاب رئيس بعد الدخول في المهلة الدستورية المخصصة لذلك في 1 سبتمبر المقبل. ولمح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى إمكانية تأييد قائد الجيش جوزيف عون لتولي هذا المنصب، فيما حزب الله لم يكشف أوراقه بعد، برغم أن مقربين منه قالوا أن الحزب يدرك أن المعطيات الجديدة لا تسمح له بإعادة تكرار تجربة الرئيس ميشال عون. اما كتلة نواب «التغيير» فيبحثون عن خيارات تخرج موقفهم الى حالة اعلامية مميزة، ويتجاهلون أي خيارات تحالفية ضرورية في هذا الاستحقاق. أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فقد المح الى إمكانية الوصول الى توافق على شخصية محايدة، من دون أن تشكل استفزاز لأي طرف، ويتلاقى موقفه الى حد بعيد مع موقف البطريرك بشارة الراعي، وهو يرى انقاذ البلاد من الكارثة المعيشية التي تتخبط بها، لها الأولوية على أي اعتبارات أخرى، وموقفه هذا لقي انتقاد من جهات حليفة واعتبرته مهادنة لقوى الممانعة.
اذن فالوضع المعقد مفتوح أمام فرص متعددة، فهل نحن أمام صفحة حلول جديدة، ام أننا أمام مشروع تدمير ذاتي جديد؟

وحسب "اللواء" اذا كان الملف الحكومي مغيباً على مستوى الداخل، فإن الخارج ايضاً لم يعد يعطي هذا الموضوع اي اهمية، وهو وعلى الرغم من انه لا يضع لبنان في اولوية اهتمامته فإنه دخل مرحلة البحث الهادئ في الاستحقاق الرئاسي، حيث بدأ عدد من الدبلوماسيين العرب والاجانب في بيروت يقومون بجولات استطلاعية وإعداد التقارير اللازمة لدولهم حول المناخات السياسية المتعلقة بالمرحلة التي ستعقب خروج الرئيس عون من قصر بعبدا في الخريف المقبل.

وبما ان انتخاب رئيس للجمهورية هي مسألة مرتبطة بعوامل اقليمية ودولية منذ ان نال لبنان استقلاله فإن ما يجري على الساحة الداخلية ليس له المفعول القومي في هذا الاستحقاق، وإنه من الممكن بين ليلة وضحاها التفاهم على اسم الرئيس الجديد اذا تقاطعت المصالح الدولية حوله، حيث يتم اسقاطه على الطبقة السياسية في لبنان ويصبح ايضاً مقبولاً من غالبية القوى.

ويحرص السفراء المتهمون بالانتخابات الرئاسية في لبنان على حضّ المسؤولين اللبنانيين على ضرورة تجنب الوقوع في الفراغ الرئاسي في ظل حكومة يقتصر عملها على تصريف الاعمال بالمعنى الضيق، وفي ظل الانشطار السياسي الموجود، حيث ان وصول لبنان الى هكذا مرحلة ستكون عواقبه وخيمة، سيما وأن الاهتمام الدولي الذي كان موجوداً في مراحل سابقة لم يعد هو ذاته الآن، حيث ان التطورات الحاصلة على مساحة العالم، لا سيما بين روسيا وأوكرانيا او على مستوى العلاقات الاميركية - الصينية التي تأخذ طابع الجمر تحت الرماد حيث ان التوتر بالغ ذروته بين الجانبين، كل ذلك يضع لبنان في أسفل الاجندة اليومية لدى اصحاب القرار في العالم، وهذا يعني انه في حال حصل الفراغ الرئاسي فإن لبنان سيُترك لمصيره ومن الصعب التكهن بما ستكون عليه الاوضاع في لبنان في هكذا مرحلة.

وفي تقدير أوساط سياسية متابعة ان التفاهم على ترسيم الحدود البحرية سيفتح الآفاق واسعاً امام امكانية انتقال لبنان من مرحلة الانحدار التي هو فيها اليوم في كل شيء، الى مرحلة تتسم بشيء من الاستقرار الذي ينعكس على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والمالية، وان بلوغ هذا الهدف سيؤدي الى اعادة نظر بعض الدول في التعاطي مع لبنان الذي سيستفيد الى ابعد الحدود لترتيب وضعه الداخلي واستعادة دوره إن كان على المستوى العربي او على المستوى الدولي.

ومن هنا، فإن هذه الاوساط تعلق اهمية بالغة على الجولات المكوكية التي يقوم بها الوسيط الاميركي الذي سمع من الجانب اللبناني على ماهية مطالبه بالكامل، وكذلك فعل من الجانب الاسرائيلي، وهو الآن اصبح في مرحلة الجوجلة الاخيرة لمطالب الفريقين، تمهيداً لابتداع حل يتم عرضه في الزيارة المقبلة، فإذا لقي هذا الحل القبول المرجو يكون التوقيع على الترسيم بات أمراً محتماً، وفي حال لم يلقَ القبول فإن هذا الامر ربما يمدد مهمة هوكستين بعض الوقت او تذهب هذه الامور الى المواجهة الحتمية حيث ان هامش المناورات لم يعد مقبولاً وأن الوقت يضيق كل يوم، لا بل إنه يضغط في ظل الحاجة الاوروبية للغاز قبل فصل الشتاء، وفي ظل رفض لبنان القبول بأقل من حقه، ورفضه كذلك استمرار التفاوض غير المباشر الى ما شاء الله، وإن كان لبنان يعتبر ما يجري الفرصة الانقاذية الوحيدة للخروج من ازماته، حيث ان اسرائيل ومعها اميركا واوروبا محشورون في الزاوية في ما خص استخراج الغاز، بشكل يمكّن لبنان من الحصول على حقه على الرغم من أنف اسرائيل،ولو أنه في وضع مغاير لكانت واشنطن ومعها تل ابيب تلكأتا في هذا الموضوع، ولكانت مرحلة انتظار لبنان لاستخراج حقه من مياهه طويلة جداً.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o