Jul 04, 2022 7:40 AM
صحف

مفاوضات الترسيم في مهبّ "معادلة المسيّرات"... إسرائيل "أكبر المستفيدين"!

حملت المسيّرات تحت أجنحتها “رسالة مشفّرة” في المقابل إلى الدول العربية “تذكّر بسطوة “حزب الله” ومحوره الإقليمي على مجريات الأحداث اللبنانية”، كما رأت مصادر ديبلوماسية، معتبرةً أنّ هذه الرسالة التي تزامنت مع انعقاد الاجتماع التشاوري على مستوى وزراء الخارجية العرب على الأراضي اللبنانية “عزز وجهة النظر العربية التي ترى استحالة إصلاح الأوضاع في لبنان طالما بقيت الدولة ملحقة بأجندة “حزب الله” الاستراتيجية وقرارها مُصادراً في الحرب والسلم كما بدا (السبت) من إبداء المسؤولين اللبنانيين تفاجئهم أمام المسؤولين العرب من خبر إطلاق الحزب مسيّراته من دون أن يكون للدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية أي علم مسبق بالموضوع”.

أما عن “الرسالة” التي رأى “حزب الله” أنها “وصلت” في البيان الذي أصدره لتبنّي “إطلاق ثلاث مسيرات غير مسلحة” باتجاه حقل كاريش بعد ظهر السبت، فتلقفتها إسرائيل “للتملّص من مفاوضات ترسيم الحدود وتحميل لبنان مسؤولية إفشال الوساطة الأميركية في هذا المجال بذريعة أنّ الدولة اللبنانية غير قادرة على التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية”، وفق ما رأت المصادر عبر "نداء الوطن" التي أعربت عن أسفها لكون “إسرائيل بدت أكبر المستفيدين” من هذه الخطوة التي أقدم عليها “حزب الله” بحيث منحتها “الحجة لتحريض الوسيط الأميركي على لبنان والهروب إلى الأمام نحو تبرير استكمال عمليات استخراج الغاز من المنطقة المتنازع عليها بمعزل عن مفاوضات الترسيم”.

وعلى ما يبدو فإنّ الخطة الإسرائيلية أتت ثمارها في ضوء المعلومات التي نقلتها قناة “الجديد” وكشفت عن أنّ الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين أجرى اتصالات بمسؤولين لبنانيين معنيين بملف الترسيم بينهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، طالباً توضيحات لما جرى بشأن عملية إطلاق “حزب الله” طائرات مُسيّرة باتجاه حقل كاريش، محذراً من أنّ هذه العملية “من شأنها إيقاف جهود التفاوض وقد تؤثّر على الإيجابية التي رشّحت عن المُحادثات الأخيرة”.

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلي الجديد يائير لابيد ووزير دفاعه بني غانتس قد شددا على أنّ “حزب الله يقوّض قدرة الدولة اللبنانية على التوصل إلى ‏اتفاق بشأن الحدود البحرية”، مع التأكيد في المقابل على احتفاظ إسرائيل “بحق التصرّف والردّ لمواجهة أي محاولة لإلحاق الأذى بها” وأنها “مستعدة للدفاع عن بنيتها التحتية ضد أي تهديد”، في حين تعامل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بخفة وتهكّم مع الحادثة مغرداً تحت هاشتاغ “دعاية فاشلة” بالقول: “رسالة المقاومة وصلت ومسيّراتهم دمّرت في عقر دارها (…) حزب الله يورّط لبنان ورسالتنا وصلت”، وأضاف: “وفروا مصاري المسيّرات لطّعموا شعبكم”.

وفي سياق ينذر باحتمال أن تؤدي أي خطوة مستقبلية غير محسوبة العواقب على الجبهة اللبنانية الجنوبية إلى انزلاقة عسكرية تتحيّن إسرائيل من خلالها الفرصة للانقضاض على لبنان والإجهاز على شعبة المنهك اقتصادياً ومالياً ومعيشياً، توالت التسريبات الإعلامية الإسرائيلية خلال نهاية الأسبوع لتضخيم حجم التهديدات الآتية من لبنان فجرى تعميم أجواء تشير إلى أنّ “الجيش الإسرائيلي يدرس الرد ‏عسكريًا على “حزب الله” بعد إطلاقه طائرات مسيرة من دون طيار فوق ‏حقل كاريش”، مع إثارة مخاوف في الإعلام الإسرائيلي من الخروقات الأمنية التي يقوم بها “غواصو” الحزب تحت المياه الحدودية لاستطلاع التكنولوجيا الإسرائيلية ومن أنه سيعمد في المرات القادمة إلى “إرسال موجة كبيرة من الطائرات من دون طيار محمّلة بالمتفجرات” باتجاه إسرائيل.

ورسالة «حزب الله» وان كانت استطلاعية غير عسكرية، لكنها كفيلة بان تفرمل المفاوضات الحدودية وتعيدها الى نقطة الصفر، او سيصار الى تجاوزها طالما انها استطلاعية ولاسرائيل سوابق بالجملة حيث ان طائراتها الاستطلاعية لا تغادر الاجواء اللبنانية. منذ بعث «حزب الله» برسالته والموضوع قيد المعالجة حيث من المتوقع ان يعمل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبو صعب على تطويق ذيول الموضوع، ومحاولة استئناف المشاورات بشأن ما حملته السفيرة شيا موفدة من هوكشتاين والمتعلق بالرد الاسرائيلي. على ان يكون اليوم مفصلياً فإما تطوى صفحة المسيّرات ويتم تجاوزها وهذا معناه القفز فوق «حزب الله» الذي قال الأمر لي في هذا الملف، أو طيّ ملف المفاوضات حول الحدود.

وبين التجاهل الكلي من اركان الدولة للدلالات الخطيرة التي اكتسبها تطيير “حزب الله” ثلاث مسيرات، ولو منزوعة الصواريخ والمتفجرات، فوق حقل “كاريش”، واكتفاء وزير الخارجية بالتقليل من “البعد الحربي” لهذا التطور، شكل ملف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل “حقل الرماية” الأساسي في الرسائل المتعددة الأهداف التي تطايرت من المسيرات التي دمرتها إسرائيل. ذلك ان اخطر الاستهدافات اطلاقا تمثل في انزلاق مفاوضات الترسيم، بعدما تبلغ الرؤساء الثلاثة ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب من السفيرة الأميركية دوروثي شيا رسميا معطيات إيجابية عن تقدم يحرزه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين تمهيدا لاستتئناف المفاوضات غير المباشرة حول ملف الترسيم، نحو تداعيات مواجهة محتملة مباشرة بين “حزب الله” وإسرائيل، وبالواسطة بين إسرائيل وايران، بما يهدد هذه المفاوضات بالاخفاق واثارة توترات إقليمية. يؤكد ذلك ما نقل من ان احدى ابرز الرسائل التي أراد “حزب الله” اطلاقها يوم السبت يتصل بالرد على انتهاك إسرائيل للأجواء اللبنانية صباح السبت في استهدافها ما ذكر بانها مخازن أنظمة دفاعية إيرانية ولـ”حزب الله” في جنوب طرطوس، بما يدلل في حال صحة ذلك الى ارتفاع خطير في وتيرة التوتر الإقليمي الرباعي الذي يشمل إسرائيل وايران وسوريا و”حزب الله” وتمدد هذه التطور العملاني نحو ملف الترسيم والتنقيب عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. واذا كان هذا البعد يبدو الأكثر جدية في مضمون التصعيد الجديد، فمن غير الممكن أيضا تجاهل مغزى حصول هذا التطور تحت انظار وزراء الخارجية والمندوبين العرب الذين كانوا مجتمعين في بيروت السبت الماضي. لذا بدت الدولة اللبنانية، في تجاهلها كل هذه الدلالات كأنها تثبت واقع تغييبها واستسلامها لكل العوامل الذي تجعل دورها شكليا وهامشيا ومستتبعا.

ولكن الإحراج الذي لازم موقف الدولة زاده تفاقما ما ذكر من أنّ الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين أجرى اتصالات بمسؤولين لبنانيين معنيين بملف الترسيم بينهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، وطلب توضيحاً لما جرى بشأن إطلاق “حزب الله ” طائرات مُسيّرة باتجاه حقل كاريش، السبت. واعتبر هوكشتاين أن إرسال “حزب الله” لتلك المسيرات من شأنه إيقاف جهود التفاوض، وقد يؤثّر على الإيجابية التي رشحت عن المُحادثات الأخيرة.

ولعل المفارقة اللافتة انه على رغم كل هذه الابعاد التي تتهدد ملف المفاوضات حسب "النهار"، فان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب حافظ على وتيرة تفاؤله فتوقع التوصل “إلى اتفاق في مسألة ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، في شهر ايلول”. واشار الى ان ” المعلومات الواردة من الأميركيين والأمم المتحدة تقول إن هناك تقدما في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية”.

ولكن في المقابل اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد يائير لبيد امس أن “حزب الله” يشكّل عقبة أمام اتفاقٍ بين لبنان وإسرائيل على ترسيم حدودهما البحرية. وقال إن “الحزب يواصل السير في طريق الارهاب ويقوّض قدرة لبنان على التوصّل إلى اتفاق حول الحدود البحرية”. وأضاف خلال الاجتماع الأول لحكومته بعد أيام على حل البرلمان تمهيداً لانتخابات تشريعية جديدة أن “إسرائيل ستواصل حماية نفسها ومواطنيها ومصالحها”.

وكان ملف الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قفز الى واجهة المشهد اللبناني مساء السبت مع اعلان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أنّ “طائرات حربية وسفينة صواريخ إسرائيلية قامت باعتراض ثلاث طائرات مسيرة اقتربت من جهة لبنان نحو المجال الجوي فوق المياه الاقتصادية لدولة إسرائيل”.

واضاف أدرعي : “تم رصد المسيرات من قبل أنظمة الرصد حيث تمت مراقبتها من قبل وحدة المراقبة الجوية لتتم عملية الاعتراض في النقطة الميدانية الملائمة. من التحقيق الأولي يتضح ان المسيرات المعادية لم تشكل تهديدًا حقيقيًا في كل مدة تحليقها وحتى اعتراضها فوق البحر الأبيض المتوسط”.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إنّ “حزب الله أطلق ثلاث مسيّرات غير مسلحة صوب منصة غاز إسرائيلية في البحر المتوسط”.

ووفقا لصحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، فإنّ هذه الطائرات كانت تُحلق قرب منصة الغاز في حقل كاريش، وقد جرى اعتراضها بواسطة طائرة مقاتلة وطائرتان أخريان بصاروخ باراك جرى إطلاقه من سفينة صواريخ. ونقلت الصحيفة عن الجيش الإسرائيلي قوله إن “التقديرات الأولية تشير إلى أن الطائرات لم تكن مسلحة ولم تشكل أي تهديد”، وأضاف: “في رأينا، هذه محاولة لتقويض المفاوضات مع لبنان بشأن الحدود البحرية، وحزب الله يريد تدمير لبنان”.

ومساء السبت أصدرت “المقاومة الإسلامية” بيانا أعلنت فيه ان “مجموعة الشهيدين جميل سكاف ‏ومهدي ياغي قامت باطلاق ثلاثِ مسيراتٍ غير مسلحةٍ ومن أحجامٍ مختلفة باتجاه ‏المنطقة المتنازع عليها عند حقل كاريش للقيام بمهامٍ استطلاعية، وقد انجزت ‏المهمة المطلوبة وكذلك وصلت الرسالة، وما النصر الا من عند الله العزيز ‏الجبار”.‏

وقالت مصادر واسعة الإطلاع لـ «الجمهورية»، انّ اتصالات هوكشتاين شملت عددًا من المسؤولين اللبنانيين مدنيين وأمنيين من المعنيين بملف الترسيم، ومن بينهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، توجّه من خلالها اليهم بمجموعة من الاسئلة عن الأسباب التي دفعت إلى هذه العملية، ومستطلعًا رأيهم في ما جرى ومتمنيًا تبريرًا مقنعًا لما حصل.
وكشف أحد الذين اتصل بهم هوكشتاين، انّه كان متخوفًا من هذه العملية ومتوجسًا من ردّات الفعل عليها، لما تشكّله من عقبة قد تودي بما تحقق في المفاوضات من إيجابيات، تنعكس سلبًا على مهمته في المستقبل.
 وفي معلومات «الجمهورية»، انّ السفيرة الاميركية دوروثي شيا اتصلت بالمسؤولين اللبنانيين، مواكبة ما حصل، والتشاور في ما يمكن القيام به لحماية ما تحقق في المفاوضات الجارية، وخصوصًا انّها عادت من واشنطن بأجواء ايجابية.

وبينما اكتفى «حزب الله» بتبني «إطلاق 3 مُسيَّرات بمهمة استطلاعية»، واصفاً إياها بـ«الرسالة»، لم يصدر -كما العادة- في لبنان أي موقف رسمي حول العملية، بينما اكتفت مصادر وزارية بالقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «يتم العمل على جمع المعلومات الدقيقة حول ما حصل».

وأعلن أحد مسؤولي الحزب، الشيخ محمد يزبك، أمس، أن «إطلاق المُسيَّرات هو رسالة، ليست فقط لإسرائيل، إنما أيضاً للوسيط الأميركي» (آموس هوكشتاين). وقال: «حفاظ لبنان على ثرواته لا يكون إلا بإشعار العدو بأننا أقوياء، ووصلت الرسالة بالأمس من خلال المُسيَّرات، وهذه الرسالة ليست للعدو الإسرائيلي فقط، وإنما هي أيضاً للوسيط الأميركي بأنه لا يمكن الاستخفاف أو الاستهزاء بحقوق لبنان».

وكان «حزب الله» قد سبق أن أكد أن الهدف المباشر يجب أن يكون منع إسرائيل من استخراج النفط والغاز من حقل كاريش المتنازع عليه، وحذّر أمينه العام حسن نصر الله من أن «الحزب لن يقف مكتوف الأيدي، وأن كل الإجراءات الإسرائيلية لن تستطيع حماية المنصة العائمة لاستخراج النفط من حقل كاريش».

لكن بانتظار ما ستكون عليه تداعيات العملية على المفاوضات، عاد أمس وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، وتحدث عن إيجابية، رغم اعتبار إسرائيل على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد يائير لبيد، أن «حزب الله» يعيق تحقيق تقدم في المفاوضات. وتوقع بو حبيب -في حديث تلفزيوني- التوصل إلى اتفاق بمسألة ترسيم الحدود في شهر أيلول المقبل، مضيفاً أن «المعلومات الواردة من الأميركيين والأمم المتحدة، تقول إن هناك تقدماً في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية».

وفي قراءة عسكرية لـمُسيَّرات «حزب الله»، رأى العميد المتقاعد الدكتور هشام جابر ل"الشرق الأوسط"، أن «رسالة الحزب ليست عسكرية أو تهدف إلى إشعال الحرب، بقدر ما تهدف إلى وقف عمليات التنقيب عن النفط التي بدأت بها إسرائيل»، معتبراً في الوقت عينه أن «ليس من مصلحة أي طرف، لا (حزب الله) ولا تل أبيب المواجهة العسكرية». وقال جابر لـ«الشرق الأوسط»: «لكن مما لا شك فيه أن هذا الأمر قد ينعكس على عمل الباخرة التي بدأت التنقيب عن النفط، بانتظار ما سينتج عن المفاوضات الحدودية بين لبنان وإسرائيل، فعندما تصبح المنطقة غير آمنة، يصبح من الصعب على أي شركة أن تعمل فيها».

وبينما يتوقف جابر عند تبني «حزب الله» لإطلاق المُسيَّرات، على خلاف ما اعتاد عليه في المرات السابقة، يستبعد أن «تؤثر هذه العملية على المفاوضات التي لا يبدو أنها تحمل حتى الآن أي إيجابيات؛ لكنها تركت تداعياتها عند الإسرائيليين، انطلاقاً من ردة فعل إسرائيل التي اعتبر جيشها أن (حزب الله) يحاول تقويض السيادة الإسرائيلية بشتى الطرق على الأرض، وفي الجو والبحر».

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o