Jun 25, 2022 6:38 AM
صحف

"التعويم" صعب و"التشكيل" أصعب.. موانع تبعد التأليف

من المرتقب أن يُجري رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي استشارات نيابية غير ملزمة لاستمزاج آراء الكتل النيابية، ومن ثم بدء مشوار التشكيل الصعب، وتقديم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية ميشال عون، لكن التجارب في هذا السياق غير مشجعة، ومن غير المنتظر أن تكون العملية سريعة، خصوصاً وأن كتلاً نيابيةً وأطرافاً سياسية بدّلت وجهات نظرها من عملية تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، كالتيار الوطني الحر، الذي عبّر عن رفضه صراحة على لسان رئيسه جبران باسيل لحكومات التكنوقراط، وسُمعت داخل أوساطه أحاديث عن حصص وحقائق معينة يريدها التيار لصالحه.

ومع تسمية ميقاتي، وفي ظل الصعوبات التي تعتري عملية التشكيل وضيق الوقت، برزت فكرة تعويم الحكومة الحالية نفسها عبر تقديم تشكيلة تضم أسماء الوزراء الحاليين، لكن مصادر المكتب الإعلامي لميقاتي نفت أن يكون ثمّة طرح لإعادة تعويم الحكومة الحالية، خصوصاً وأن هذه الخطوة غير دستورية، كما نفت وجود نيّة لتقديم تشكيلة تضم أسماء الوزراء في حكومة تصريف الأعمال الحالية.

وفي حديث مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية، لفتت المصادر إلى أن "شكل الحكومة يتحدّد بعد الاستشارات النيابية غير الملزمة، وصحيح أنها غير ملزمة، لكن ميقاتي يتطلّع للاطلاع إلى أراء الكتل والنواب والسماع لمطالبهم للبناء على الشيء مقتضاه"، لكنّها ذكّرت بأن الرئيس المكلّف كان واضحاً عندما أشار إلى ان المرحلة تقتضي حكومة عمل، تعمل على معالجة الملفات الطارئة، لا سيما الاقتصادية منها.

انسداد الأفق السياسي سينعكس حتماً تردياً في الأحوال الاقتصادية والمعيشية، في ظل غياب الحلول والخطط الإصلاحية والانقاذية، وبدأ ذلك يتجلى بارتفاع سعر صرف الدولار وتفاقم الأزمات، لا سيما انقطاع مياه الشفة عن بيروت، التي تحتاج الى الطاقة الكهربائية لتعود.

المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، زياد عبد الصمد أشار إلى أن ما من مستجد حصل على صعيد الانفراج السياسي أو التدخل النقدي من قبل مصرف لبنان لينخفض سعر صرف الدولار، بل على العكس، الأمور تتأزّم واللبنانيون لم يلحظوا أي جديد على صعيد الاستشارات، واحتياطي مصرف لبنان يتضاءل مع الوقت، وهو لن يكون قادراً في المدى القريب على الاستمرار بالتدخل.

وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، رأى عبد الصمد أن المرحلة المقبلة ستكون أصعب مع تراجع تدخل مصرف لبنان حتى على صعيد الدعم الجزئي الذي يقدمه لاستيراد بعض المواد على سعر منصة صيرفة، وهذا الدعم مهدّد بالتوقف، ما سيؤدي إلى تحرير السوق والاستيراد على سعر الأسواق السوداء، وعندها، سترتفع أسعار المنتجات الأساسية، كالخبز والمحروقات، أكثر.

ولفت إلى أن حكومة تصريف الأعمال قادرة، في حال توفّر القرار السياسي، على الشروع ببعض الخطوات التي قد تلجم الانهيار بشكل جزئي، لكن السياسات والاستراتيجية الاقتصادية والمالية تغيب، ولا حلول مستدامة دونها.

وأشارت "الجمهورية" أن كلّ الاحتمالات واردة في هذه الفترة، إلا احتمال التأليف. حيث انّها ترتكز إلى مجموعة موانع:

المانع الاول، العامل الزمني المرتبط بالاستحقاق الرئاسي والعمر الافتراضي للحكومة، التي إن تشكّلت اليوم، فلن يزيد عن أربعة أشهر، وهي الفترة المتبقّية من عهد الرئيس عون، الذي ينتهي في 31 تشرين الاول المقبل. والتي تُعتبر فترة انتقالية، الأولوية فيها ليس التنقيب عن أي شخصية مؤهلة لتبوؤ سدّة الرئاسة الاولى، بل عن الشخصيّة التي تحظى بمقبولية وتوافق عليها بين المكونات السياسية. وهنا تكمن صعوبة لا يستهان بها، تفتح الباب على شتى الاحتمالات، بما فيها عدم التمكن من إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري. هذه المرحلة الانتقالية الرئاسية، معطوف عليها العمر القصير للحكومة، يطفئان الحماسة السياسية لحكومة حتى ولو تشكّلت اليوم، ستنتهي ولايتها بعد بضعة اسابيع إن أُجريت الانتخابات الرئاسية، وترحل لتأتي حكومة جديدة. ومهما كان شكل الحكومة الجديدة ومضمونها و«نوعية» بيانها الوزاري، فلن يكون في مقدورها ان تفعل او تنجز شيئاً في هذه الفترة، وبالتالي تشكيلها أو عدمه لا يشكّل أي فارق.

المانع الثاني، العامل السياسي، حيث انّ الجو الناشئ بعد الانتخابات النيابية، يفتقد الى «التوازنات» التي تشكّل القاعدة الصلبة التي يفترض ان تقوم عليها الحكومة. وبالتالي، يستحيل تشكيل حكومة، في جوّ ملبّد بمكوّنات سياسيّة محكومة بتباينات وخصومات وانقسامات أكثر حدّة وعمقاً ممّا كانت عليه قبل الانتخابات.

المانع الثالث، العامل الابتزازي الذي يتهدّد أيّ تشكيلة حكومية، والذي دأبت عليه أطراف معيّنة، تجاهر علناً بعدم مشاركتها في الحكومة، وتقاتل ضمناً على الأحجام والظفر بحصة الأسد داخل الحكومة، وكذلك على التمسّك بحقائب معيّنة، متسلّحة بتوقيع رئيس الجمهورية مرسوم تأليف الحكومة.

المانع الرّابع، عامل الانكفاء، سواء الإرادي أو المطعّم بشيء من الكيديّة، الذي جرى التعبير عنه بإعلان بعض المجموعات السياسية التي تصنّف نفسها بين معارضة سيادية ومعارضة تغييرية، عدم مشاركتها في الحكومة. وهو الامر الذي يصعّب على الرئيس المكلّف مهمّة التأليف، حيث انّ هذا الانكفاء قد أسقط مسبقاً فكرة قيام حكومة وحدة وطنية، أو حكومة شراكة، او حكومة جامعة. ويضع بالتالي «المؤلّفين» أمام خيار الذهاب الى حكومة من طرف واحد، وحكومة كهذه ومهما جرى تجميلها، ستُعتبر حكومة صدامية، ومثل هذه الحكومة قد جُرِّبت في الماضي وأسست لتعقيدات وسلبيات، ولا يبدو أحد من المؤلفين في وارد تكرار تجربة حكومة تستفز الداخل بقدر ما تستفز الخارج.

المانع الخامس، عامل الثقة، حيث انّه مع اتساع رقعة المعارضين في مجلس النواب، وغيابهم عن التمثّل في الحكومة، فإنّ أي حكومة تتشكّل، سيعتبرها هؤلاء حكومة من لون واحد. وجلسة الثقة ستكون جلسة منازلة صعبة وحلبة تهشيم بها، وقد تنال هذه الحكومة الثقة، لكنها لن تحظى بالثقة المريحة المحفّزة لها للانطلاق بعملها، بل بثقة عرجاء كاسرة لمعنوياتها. وهذا ما يريده المعارضون ويعتبرونه انتصاراً لهم؟!

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o