Jun 21, 2022 11:44 AM
اقتصاد

مذكرة ثانية من شخصيات مالية وديبلوماسية إلى المجلس النيابي

المركزية- بعد المذكرة الأولى التي رفعتها إلى مجلس النواب السابق، وجّه عدد من الشخصيات الاقتصادية والمالية والديبلوماسية والقانونية مذكرة ثانية إلى مجلس النواب الجديد بعنوان "الدولة هي المسؤولة عن الخسائر الجسيمة في مصرف لبنان"، وجاء فيها: "تبدأ الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة الجديدة بعدما دخلت الحكومة المستقيلة، منذ شهر تقريبا، مرحلة تصريف الأعمال، وهي مرحلة يمكن أن تطول، مما يلقي على المجلس النيابي الكريم مسؤولية التحرك والمبادرة لإنقاذ الاقتصاد، منعا لهدر الوقت ومضاعفة الخسائر. فالبلاد في أشد الحاجة الى قرارات سريعة وشجاعة للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية غير المسبوقة.

وإننا ننوّه بتحرّك لجنة المال والموازنة ولجنة الإدارة والعدل اللتين اجتمعتا ووضعتا برنامج عملهما للفترة المقبلة، وهو يتضمن مشاريع القوانين الأساسية ومنها: قانون موازنة 2022، قانون السلطة القضائية، قانون الضوابط المؤقّتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية، ومشاريع القوانين الأخرى المتعلّقة بالاتّفاق مع صندوق النقد الدولي.

ونودّ أن نلفت نظر السادة المحترمين أعضاء المجلس النيابي الجديد الى ضرورة إعطاء الأولوية لمعالجة الأزمة المصرفية والمالية. فقد انقضى وقت طويل منذ بدء الانهيار المصرفي والنقدي دون ان تتخذ السلطات أي تدبير فعّال لمعالجة انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية. إن الدول التي تعرّضت لأزمات مماثلة بادرت منذ اليوم الأوّل إلى القيام بإجراءات شاملة وموجعة لوقف الانهيار والخروج من الأزمة في أسرع وقت.

شهدت البلاد مبادرات متعثّرة للإنقاذ، من أهمّ أهدافها سدّ الخسائر الكبيرة في النظام المالي، التي تقدّر بحوالي 350% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، ونشير هنا بالتحديد إلى خطّة التعافي الأولى لحكومة الرئيس حسّان دياب وخطّة التعافي الثانية لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي. ومع ذلك، لم تهتد الدولة حتى الآن الى طريق التعافي المنشود لأجل استعادة الثقة بالنظام المصرفي وإعادة الودائع الى أصحابها. فقد شكل توزيع الخسائر على الأطراف المعنية موضوع اختلاف كبير بين عدّة جهات: الحكومة والمجلس النيابي ومصرف لبنان والمصارف والهيئات الاقتصادية ووسائل الإعلام، مما عطّل ولا زال يعطّل التوصل الى قرار بشأن خطة الإنقاذ.

من واجب المجلس النيابي الجديد أن ينكبّ على درس هذه المسألة وبتّها دون إبطاء للتعجيل في إعادة الحقوق الى أصحابها وإحياء النظام المصرفي من جديد، مع الحفاظ على الملكية الخاصّة وركائز الحرّية الاقتصادية. وبرأينا فإن الدولة تتحمل المسؤولية الكبرى عن المصير الذي وصل اليه النظام المالي والاقتصادي، وقد شاركها في ذلك مصرف لبنان الذي لم يتوان عن تمويل العجوزات المتزايدة للموازنة على مر السنين، وهدر الاحتياطات الوطنية بالعملات الأجنبية دعما لسياسة سعر الصرف المنفصلة عن الواقع.

فالسبب الأول للكارثة، إذا، يكمن في سوء إدارة المالية العامة وتراكم عجوزات الموازنة سنة بعد سنة دون أن تبدي الحكومات المتعاقبة الحدّ الأدنى من الإرادة والتصميم على وقف الحلقة الجهنّمية في تراكم عجز الموازنة وتعاظم الدين العام. من جهة أخرى، فإن خسائر مصرف لبنان نتيجة تسليفاته المتواصلة للدولة وسياسة سعر الصرف المتهوّرة قدّرتها الخطة الحكومية الأخيرة بمبلغ 60 مليار دولار أميركي، وهي أكبر فجوة في الميزانية الموحدة للقطاع المالي.

ونحن نعتقد أن الدولة تتحمل المسؤولية الكبرى عن خسائر المصرف المركزي، مّما يلزمها بالمساهمة مساهمة رئيسية في ردمها حماية لحقوق المودعين في المصارف اللبنانية.

وفي ما يلي أهمّ الأسباب الي تحملنا على الاعتقاد بأن الدولة تتحمّل المسؤولية الكاملة عن خسائر مصرف لبنان:ماميركي، هي خهي أكقبر

  1. رغم الاستقلالية التي خصّ بها قانون النقد والتسليف مصرف لبنان، تبقى للدولة سلطة معنوية على عمل القطاع العام وسائر مؤسساته، ممّا يفرض عليها واجب مراقبة هذه المؤسسات وتوجيهها ضمن سياسات الدولة، ولمصلحة المجتمع اللبناني ككل. إن استقلالية مصرف لبنان التي كفلها قانون النقد والتسليف ووسع إطارها لا تحول دون ممارسة الدولة واجب الرقابة والتوجيه والتنسيق بين السياسات العامة.
  2. إن الصلاحيات الواسعة التي أناطها قانون النقد والتسليف بمفوض الحكومة لدى مصرف لبنان تجعل الحكومة شريكا فعليا للمصرف المركزي في قرارته الكبرى وتوجهات سياسته النقدية، وكذلك في سياسة سعر الصرف التي اتّبعت في الأعوام الأخيرة، لا سيما منذ سنة 2015، عندما استنفد المصرف احتياطاته الخاصّة بالعملات وبدأ باستعمال توظيفات المصارف لديه لتثبيت سعر الصرف. فرقابة مفوضية الحكومة، التابعة لوزير المالية، تشمل حق الرقابة على أدق التفاصيل في المصرف المركزي وتستطيع وقف قرارات المجلس المركزي وإحالتها الى وزير المالية (المواد من 41 حتى 46 نقد وتسليف).
  3. إذا كنت سياسة سعر الصرف التي اتّبعت في السنوات الأخيرة مسؤولة عن تبخّر الودائع وانزلاق النظام المصرفي نحو الكارثة، فيجب التنبيه إلى أن قانون النقد والتسليف جعل الحكومة من خلال وزير المالية شريكا في قرارات التدخّل في سوق القطع، إذ نصّت المادّة 75 نقد وتسليف على أن المصرف ”يعمل في السوق بالاتفاق مع وزير المالية مشتريا او بائعا ذهبا أو عملات اجنبية". إلا أن وزير المالية، ومن ورائه الحكومة، تخلّى عن تحمّل المسؤولية ومشاركة المصرف المركزي هذه الصلاحية الخطيرة، خصوصا في السنوات القليلة التي سبقت الانهيار
  4. نستغرب تراكم الخسائر في مصرف لبنان، وبالتالي المصارف التجارية التي امدته بالسيولة كليا، تقريبا، دون معرفة الحكومة عبر وزارة المالية. فقد فرض القانون نفسه (مادّة 117) على حاكم مصرف لبنان ان يقدم "لوزير المالية قبل 30 حزيران من كل سنة الميزانية وحساب الأرباح والخسائر عن السنة المنتهية وتقريرا عن عمليات المصرف خلالها". فهل قصّر الحاكم في تقديم هذه البيانات أم أن وزير المالية استلمها وأهمل التدقيق فيها ولم يلاحظ بالتالي التدهور المتمادي سنة بعد سنة في ميزانية البنك المركزي؟
  5. القاعدة في الأنظمة المالية في العالم أن المصارف الخاصّة مسؤولة عن الخسائر الناجمة عن قروضها للقطاع الخاص وعن استثماراتها الأخرى، لكن الدولة هي المسؤولة عن خسائر المصرف المركزي. وانسجاما مع هذه القاعدة، نصّ قانون النقد والتسليف بشكل لا لبس فيه على موجب تسديد أي عجز في ميزانية المصرف من أموال الخزينة. فقد ورد في المادّة أنه 113 "إذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزا تغطى الخسارة (في المصرف) من الاحتياط العام وعند عدم وجود هذا الاحتياط او عدم كفايته تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة”.

ولذا فإننا نحذر من تحميل المودعين العبء الأكبر من هذه الخسارة مع كل تبعاتها السيئة على تدفق أموال المدّخرين مستقبلا نحو المصارف اللبنانية، حتى في حال إصلاح القطاع المصرفي.

إننا نقترح إعادة النظر بخطة التعافي التي أعدّتها الحكومة، علما إنها لم تبيّن الأرقام المحدّدة للإجراءات والفرضيات التي تنطوي عليها. وندعو للاعتراف بأن الجزء الأكبر من عبء خطة التعافي يجب أن تتحمله الدولة بما في ذلك السلطة النقدية، وذلك بغض النظر عن أي تخطيط لإعادة هيكلة المصارف العاملة في لبنان.

كما نقترح على السلطات المسؤولة أن تعدّ جدولا زمنيا لتسديد التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف، والتي بدورها تضع جدولا زمنيا موازيا لتسديد ودائع زبائنها بالعملات الأجنبية.

ويكون ارتكاز هذا الجدول على صندوق سيادي يتولى ادارته خبراء مستقلون، وتكون من مهامه إدارة بعض موجودات الدولة (لا بيعها) لتساهم عائداته جزئيا في تسديد ديون مصرف لبنان للمصارف التجارية حسب الجدول الزمني المشار إليه. وإننا نرى أن صندوق النقد لن يمانع بأن يكون الصندوق السيادي المقترح من ضمن الخطة المالية التي يعدها لبنان، شرط أن يتولى ادارته خبراء ذوو مصداقية ومستقلون عن المصالح السياسية. وفي هذه الحال فإن الموارد المنتظرة من صندوق النقد وغيره من المؤسسات الدولية، إضافة الى عائدات الصندوق السيادي، ستعيد ثقة المدّخرين في الجهاز المصرفي اللبناني، وستشكل كلها الأرضية المالية المطلوبة لتطبيق الجدول الزمني المقترح لتسديد التزامات مصرف لبنان. ونضيف هنا ضرورة التخطيط أيضا لدعم المواطنين ذوي الدخل المحدود الذين لا قد لا يملكون حسابات مصرفية.

ويمكن تغذية الصندوق السيادي بنسبة محدّدة من عائدات النفط والغاز إذا بيّنت عمليات التنقيب المنتظرة وجود هذه الثروة في باطن الأرض اللبنانية والمياه الإقليمية.

هناك خطوات اضافية يمكن للدولة ان تقوم بها من اجل حشد الموارد الضرورية للصندوق، ومنها على سبيل المثال فقط فرض ضريبة تصاعدية استثنائية على الفوائد المقبوضة خلال فترة 2017 الى 2019 عندما ادّت سياسة مصرف لبنان الى رفع الفوائد على الودائع في لبنان الى مستويات تفوق كثيرا مستويات الفوائد في الأسواق العالمية.

 

سمير المقدسي               جورج قرم            ناصيف حتّي          نقولا تويني  

أستاذ الاقتصاد                أستاذ الاقتصاد        وزير سابق            وزير سابق لشؤون

وزير سابق                    وزير سابق للمالية    للخارجية              مكافحة الفساد

للاقتصاد التجارة

 

غسان العيّـاش                لينا التنّير             عادل معكرون         رياض سعادة

أستاذ الماليّة العامّة       أستاذ إدارة الأعمال   مستشار قانوني            اقتصادي

نائب سابق                                                                    مدير المركز اللبناني

لحاكم مصرف لبنان                                                          للأبحاث والدراسات الزراعية

 

* * *

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o