Mar 24, 2022 6:24 AM
صحف

لبنان خسر بغياب العرب 15 مليار دولار.. وترقب لاجتماع "التعاون الخليجي"

بقي التطوّر الخليجي، الحدث الأوّل الطافي على سطح المشهد الداخلي. المستوى الرسمي في ذروة ارتياحه لإعادة فتح الباب الخليجي أمام لبنان، ويعوّل على خطوات تالية للتّرحيب السعودي والكويتي ببيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تعيد وضع علاقات لبنان بدول الخليج على سكة التفاعل الطبيعي والايجابي مع العرب وعلى وجه الخصوص مع السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي.

وقد حضر هذا التطوّر في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السرايا الحكومية بعد ظهر امس، الى جانب قضايا قضائية ومعيشية. حيث استهلّ الرئيس ميقاتي الجلسة بالقول: إن التصريحات التي صدرت عن المملكة العربية السعودية والكويت تؤشر الى أن الغيمة التي خيّمت على العلاقات مع لبنان الى زوال، وإن ما يربط لبنان وشعبه بإخوانه في دول الخليج هو تاريخ مشترك وإيمان بمصير مشترك أيضا، وإن أية إلتزامات هي رهن بالخطوات التي يجري تطبيقها تباعاً على أمل أن تكون كفيلة بإعادة العلاقات الى طبيعتها. ونحن حريصون على تطبيق ما ورد في البيان الوزاري وندعو الأشقاء العرب للوقوف الى جانب لبنان.

وعلى ما تؤكد مصادر حكوميّة لـ"الجمهورية" فإنّ "الاستدارة الخليجيّة نحو لبنان تعكس ما نعهده لدى الاشقاء من حرص على لبنان، وعلى موقعه داخل أسرته العربية والخليجية تحديدا، وهو حرص يوازيه حرص لبنان ورغبته الدائمة في افضل علاقات أخوة وتعاون مع أشقائه في السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي".

وعما اذا كانت صفحة القطيعة للبنان قد طويت، أكدت المصادر الحكومية اننا في الاتجاه الصحيح، والمستقبل القريب مبشّر إن شاء الله. ورئيس الحكومة كان شديد الوضوح في بيانه الأخير، وخصوصا لناحية رفض ان يتحوّل لبنان الى منطلق للاضرار بدول الخليج وتهديد امنها الاجتماعي، وكذلك لناحية الالتزام بكل ما يخدم صفاء العلاقات، ومصلحة الاشقاء الخليجيين، ومصلحة لبنان الذي هو في أمسّ الحاجة إلى دعم كل الاشقاء والاصدقاء ووقوفهم الى جانبه ومساعدته على الخروج من الازمة".

على انّ السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال: ما هو سبب هذا التحوّل في الموقف الخليجي تجاه لبنان؟

مصادر سياسية واسعة الاطلاع اكدت لـ"الجمهورية" انّ الشغل على هذه المسألة ليس آنياً، بل هو استمر ضمن مسار طويل منذ اشهر، ولبنان منذ بداية الازمة أكد ان مكانه الطبيعي هو داخل الحضن العربي، والخليجي على وجه الخصوص، واكد تجاوبه الكامل مع المبادرة العربية التي رعاها وزير الخارجية الكويتي وقدم الاجوبة المطلوبة منه حيال مندرجاتها، وعبّر صراحة وعلناً عن حرصه الشديد على استمرار علاقته التاريخية الوثيقة مع اشقائه وخصوصا في المملكة العربية السعودية التي وقفت الى جانب لبنان وقدمت له الكثير لمساعدته في تخطي المحطات الصعبة التي مرّ بها".

واشارت المصادر الى "ان التفهم الخليجي للموقف اللبناني كان ملموسا منذ البداية، وثمّة اشارات ايجابية سابقة وردت في الوقت الذي وجّه فيه لبنان اجوبته على الورقة الكويتية"، الا انها لفتت في هذا السياق الى الدور الكويتي الاساس في سعيه عبر وزير خارجية الكويت، الى تَنقية الأجواء اللبنانية الخليجية واعادة مدّ الجسور بين لبنان ودول الخليج. بالتوازي مع دور فرنسي مهم جدا في تبديد الغيوم التي كانت سائدة في اجواء العلاقات اللبنانية الخليجية، حيث حصل اكثر من تواصل فرنسي سعودي وفرنسي لبناني خلال الاسابيع الماضية، اضافة الى حضور مباشر لمسؤولين كبار في الاتحاد الاوروبي على هذا الخط، أفضَت الى الايجابيات التي ظهرت في اليومين الماضيين".

وردا على سؤال عما اذا كان توقيت الايجابيات الخليجية تجاه لبنان مرتبط بالانتخابات النيابية وفق ما ذهبت بعض التحليلات والتفسيرات، قالت المصادر: المسار الانتخابي في لبنان يسير بشكل طبيعي، والموقف الخليجي واضح لناحية اجراء انتخابات في لبنان بنزاهة وحيادية تحقق تطلعات الشعب اللبناني. اما الايجابيات التي جرى تظهيرها في بياني وزارتي الخارجية السعودية والكويتية، فقد سبق لها ان تبلورت منذ مدة، والمستويات السياسيّة والحكوميّة في لبنان كانت في أجوائها، مع الاشارة هنا الى ما اعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري في حديثه الى جريدة الاهرام المصرية على هامش مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الذي انعقد في القاهرة قبل نحو شهر من الآن، قد اشار ردا على سؤال حول المبادرة العربية الى "اننا ننتظر جوابا خلال ثلاثة ايام". ولكن التطوّرات الدولية التي برزت في ذلك الوقت، وخصوصا الحرب الروسية الاوكرانية وانهماك العالم بأسره في متابعة تداعياتها وارتداداتها، يبدو انها شكلت عامل تأخير لها".

وعن الموقف الاميركي قالت المصادر: بالتأكيد ان الفرنسيين والاوروبيين لم يكونوا وحدهم على هذا الخط، بل ان الاميركيين كانوا في قلب الصّورة، خصوصا ان واشنطن كانت شريكة مع باريس في الدعوة الى اعادة سريعة للعلاقات ودخول لبنان في حوار مع دول الخليج، وهو ما صدر علنا عن وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان ووزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن.
 
واذا كان المنتظر ان يلي التّرحيب السعودي والكويتي إعادة السفيرين الى لبنان، كمقدمة الى اعادة سائر سفراء دول مجلس التعاون، فإن مصادر سياسية مسؤولة قالت لـ"الجمهورية": ان ما حصل مرحلة اولى، يفترض ان تليها مراحل أخرى مكمّلة لها لتتدرّج هذه الايجابيات السعودية والكويتية الى خواتيم سعيدة. وفي هذا الاطار سجلت المصادر ملاحظتين:

- الأولى، ان الكرة في ملعب الجانب اللبناني، فالترحيب السعودي تحديدا ببيان رئيس الحكومة، مهم جدا، ولكن من الخطأ اعتباره، اقله حتى الآن، ينسحب على الحكومة.

- الثانية، ان هذا الترحيب قابل للتطور اكثر وفقاً لكيفية تلقفه لبنانياً، بمعنى انه مع كل ايجابية لبنانية تقابلها ايجابية خليجية. حيث انه يلقي على الجانب اللبناني مسؤولية الايفاء بالالتزامات التي قطعها رئيس الحكومة في بيانه. ولعل الاهم في هذا السياق الوقف النهائي للهجومات السياسية على السعودية ودول الخليج، من قبل "حزب الله" وبعض حلفائه. فهنا يكمن الاساس، فهل الحكومة قادرة على وقف هذا النهج الذي يعتمده "حزب الله"؟
 
الا ان مرجعا مسؤولا ابلغ الى "الجمهورية" قوله: ان القطيعة الخليجية الحقت ضررا كبيرا جدا بلبنان، والآن بدأت الامور تنحى في اتجاه الانفراج، الذي يؤمل الا يعيد فقط العلاقات الديبلوماسية، بل العلاقات التجارية والتبادل التجاري واعادة فتح اسواق الخليج امام لبنان. ومن هنا، فإن الموقف الخليجي والسعودي تحديدا يبعث على التفاؤل، خصوصاً انه ينمّ كما هو واضح عن تفهّم لوضع لبنان، ولما هو قادر على الالتزام به والايفاء به في آن معاً. وبالتأكيد ان هذا الموقف مقدمة لخطوات اكثر ايجابية، ومن شأن ذلك ان يرخي عامل اطمئنان اضافي وخصوصا للبنانيين في دول مجلس التعاون الخليجي. ولم يستبعد المرجع عينه "ان يلي هذا الموقف الخليجي الايجابي، عودة قريبة جدا للسفراء الى لبنان، وكذلك فتح خطوط التواصل بين السعودية ورئيس الحكومة".

من جهتها، أشارت "الانباء الالكترونية الى أن العرب لن يتركوا لبنان.. هذه خلاصة الاتصالات التي نشطت على خط بيروت – الرياض وكان عرّابها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، الذي أوفد عضو كتلة اللقاء الديمقراطي، النائب وائل أبو فاعور، إلى السعودية في إطار هذه المساعي بالشراكة مع الفرنسيين. 

العودة قريبة للسفيرين السعودي والكويتي كما أعلن أبو فاعور، كاشفاً عبر "الأنباء" الإلكترونية أنّ، "اجتماعي مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية تناول الترتيبات المشتركة مع الفرنسيين لدعم المؤسّسات الاجتماعية، وإمكانية مشاركة المملكة بالصندوق الدولي لدعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية، وإجراءات عودة العلاقات إلى طبيعتها، وسُبل تطويرها".

مصادر مراقِبة توقفت عند اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي أواخر هذا الشهر وموقفه من عودة العلاقات مع لبنان، متوقعةً عبر "الأنباء" اتّخاذ خطوات إيجابية في هذا الاجتماع تجاه لبنان من شأنها أن تعيد العلاقات اللبنانية الخليجية إلى سابق عهدها.

وقد شدّدت المصادر على أهمية عودة الخليج إلى لبنان في ظل الأزمة الكبيرة التي يعيشها، لا سيّما وأنّ الشراكة العربية مطلوبة من المجتمع الدولي كشرطٍ أساسي في أي اتّفاق أو مؤتمر دعم جديد للبنان، إن كان عبر صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي وسواهما.

وفي سياق المواقف السياسية من هذا التطور المهم، اعتبر عضو كتلة المستقبل، النائب عاصم عراجي، في حديثٍ مع "الأنباء" الإلكترونية أنّ الكلام عن عودة السفيرين السعودي والكويتي إلى لبنان بادرة إيجابية. فلبنان لا يمكن أن يعيش بمعزلٍ عن أشقائه العرب، فهو بلدٌ عربي الهوية والانتماء، ولا يمكن له أن يعيش بمعزلٍ عن محيطه العربي، ولا يمكن أن يكون لا- فارسي، ولا- غربي، ولا- شرقي، لافتاً إلى المساعدات الهائلة والضخمة التي قدّمتها السعودية والكويت إلى لبنان منذ بداية السبعينيات حتى بداية هذا العهد، وهي ساعدت كثيراً على ازدهار لبنان ونموّه.

وشدّد عراجي على أنّ الاقتصاد اللبناني يعتمد بالدرجة الأولى على الدعم الخليجي الذي يضم أكبر جالية لبنانية يزيد عددها عن أكثر من 500 ألف عائلة، والتي يعود لها الفضل الأول بدعم الاقتصاد اللبناني، آملاً انتفاء سياسة العداء التي يعلنها حزب الله حيال السعودية لأنّها أضرّت كثيراً بمصلحة لبنان، داعياً إلى التزام لبنان بعدم التعرّض لدول مجلس التعاون الخليجي، ووقف تهريب المخدرات إليها، وعدم التدخل بالصراعات في اليمن والعراق.

وعن موقف رئيس الجمهورية المدافِع عن حزب الله في الفاتيكان، رأى عراجي أنّ موقف عون معروف منذ ما قبل اتّفاق مار مخايل، لكنه استغرب كيف أنّ رئيس الجمهورية يتحدّث عن ميليشيا مسلّحة عوض أن يتحدّث عن الجيش، وعن المؤسّسات الشرعية.

من جهته، أكّد عضو تكتل الجمهورية القوية، النائب أنيس نصار، في حديثٍ مع "الأنباء" الإلكترونية أنّه لا بد للعلاقات اللبنانية- الخليجية أن تعود إلى طبيعتها، فلا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، قائلاً: "لدينا في الخليج جالية كبيرة، وكل لبناني يجب أن يكون سفيراً لبلده"، متمنياً عودة السفراء الخليجيين إلى لبنان قبل الانتخابات التي يجب أن تحصل وتقود إلى التغيير المطلوب.

النائب السابق فادي الهبر اعتبر عبر "الأنباء" الإلكترونية أنّ قرار السفراء الخليجيين بالعودة إلى لبنان خطوة إيجابية، كاشفاً أنّ لبنان خسر بغياب العرب 15 مليار دولار، ما يشكّل ربع الدخل القومي الذي كان بحدود 60 ملياراً، واليوم مع الأسف انخفض إلى الربع، مؤكداً أنّ أكثر من نصف اللبنانيين لا يريدون الدويلة، مستبعداً عودة الاقتصاد اللبناني إلى سابق عهده إلّا إذا تحوّل لبنان إلى بلدٍ حيادي.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o