Mar 22, 2022 10:49 AM
مقالات

أوكرانيا : الحل قريباً

كتب دكتور توفيق هندي:

تتطلب القراءة الموضوعية الإستراتيجية للحرب الروسية على أوكرانيا الإبتعاد عن العواطف والميول والأيولوجيات.

من المعلوم أن الحرب الدعائية لكل من الأطراف المتحاربة تهدف إلى تحطيم معناويات الطرف الآخر وتبرير الحرب  التي تقوم بها ورمي مسؤوليتها عليه، خلال سير العمليات العسكرية كما في مسار المفاوضات الآيلة إلى وقف الحرب.

لذا، لا فائدة في مقاربة هذا الواقع من الغوص في هذه الجزئية وجزئيات أخرى كالأخطاء العسكرية، وطباع القادة، والمواجهة بين الديمقراطية وقيمها والإستبدادية ومساوئها على الإنسانية، وإتخاذ مواقف أيديولوجية منحازة لهذا الطرف أو ذاك...

لماذا الحل قريبا" خلال بضعة أيام أو بحد أقصى خلال أسابيع، لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة؟

1) لأن روسيا دولة عظمى، أقله على المستوى العسكري والنووي. فالغرب و/أو الناتو لا يمكنه المخاطرة بإتخاذ أي خطوة عسكرية جدية لهزيمة روسيا لأنها قد تؤدي إلى حرب عالمية قد تصل إلى إستخدام السلاح النووي. فهو يمد الأوكرانيين ببعض العتاد العسكرية الغير كاسرة للتوازن وبعض المال وبعض المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية وغيرها والتي تسمح لهم بالصمود مؤقتا"، ليس إلا.

2) لأن سياسة العقوبات عقيمة بوجه دول توتاليتارية يحكمها شخص بمفرده. والمثال الإيراني يعطي البرهان الأكبر لصحة هذه المقولة.

3) لأن إسقاط بوتين من الداخل مستبعد جدا"، إن لم نقل أنه مستحيل. وفي مطلق الأحوال قد يستغرق وقتا" طويلا".

4) لأن الإقتصاد العالمي معولم وباتت أوضاع كل البلدان مترابطة فيما بينها وهي بحاجة إلى بعضها بعضا". لذا، العقوبات الإقتصادية على روسيا تشكل تؤزي بالتأكيد الإقتصاد الروسي ولكنها في الوقت عينه تلحق ضررا" بالغا" بالإقتصاد العالمي : إنكماش في التجارة العالمية... خفض توقعات النمو... إرتفاع أسعار الغذاء والطاقة... ومخاوف من ركود تضخمي...

5) لأن الرئيس بايدن فشل في التعويض عن النقص في الطاقة (النفط والغاز) وإرتفاع أسعارها بمحاولته رفع العقوبات عن فينيزولا والإسراع بالتوصل إلى الإتفاق النووي  مع إيران والطلب من دول الخليج زيادة الإنتاج، علما" أن هذا التحرك الأميركي يهدف إلى إضعاف تحكم روسيا بورقة المحروقات.   

6) لأن إستمرار الحرب سوف يؤدي إلى أزمة غذاء في بعض بلدان العالم وصولا" إلى مجاعة في بعضها، مما قد يدفع إلى إضرابات أمنية وثورات في هذه البلدان تؤثر سلبا" على إستقرار مناطق بأسرها في العالم.

7) لأن عدد المهاجرين الأوكرانيين إلى الدول الأوروبية سوف يرتفع مع طول أمد الحرب وسوف يلقي على الدول المضيفة حملا" متصاعدا"، بالإضافة إلى زيادة دمار أوكرانيا مع الوقت، مما يضاعف ثمن إعادة إعمارها على عاتق الغرب، كما يؤدي إلى إطالة مدة مكوث المهاجرين الأوكرانيين في الدول المضيفة مع توقع إستيطان بعضهم فيها.

8) لأن السلطة الأوكرانية بحاجة إلى إنهاء الحرب بعد خيبة أملها بمستوى المساعدات الغربية التي يتبين لها أنها محدودة وغير قادرة على تغيير موازين القوى لصالحها بالرغم من إبراز الشعب الأوكراني إرادة فولاذية في التصدي والمقاومة.

9) لأن الرئيس بوتين بحاجة أيضا" إلى وضع حد لحرب قد تكون لن تسر حسب ما خطط له ولكي لا تتحول إلى حرب إستنزاف طويلة الأمد تزيد من عزلة روسيا الدولية وتلحق الضرر بعلاقاتها مع حلفائها وشركائها.

10) لأن الإتحاد الأوروبي يستشعر بضرورة أن يسيير على درب تأسيس نفسه كقوة عظمى وتوطيد وحدته والإعتماد على نفسه عسكريا"، متخليأ" عن الحماية الأميركية، بهدف تحواه  شريكا" لأميركا يتمتع بإستقلالية القرار بدلا" من أن يكون تابعا" لها، ذلك أن المصلحة الأوروبية الجيوسياسية لا تتطابق مئة بالمئة مع المصلحة الأميركية في المواضيع كافة وفي جميع الأوقات والمناسبات.

لكل هذه الأسباب، من الواضح أن إطالة أمد الحرب تضر بمصلحة جميع الأطراف وبالتالي مصلحتهم جميعا" تكمن بالتوصل عبر المفاوضات إلى حل في أسرع وقت ممكن.

ولكن ماذا يمكن أن تكون عليه الخطوط العريضة لهكذا حل؟

1) نفوذ روسيا على منطقة الدونباس الموصولة بشبه جزيرة القرم من خلال سيطرة روسية وشيكة على مرفأ مريوبول، مما يؤمن مصلحة روسيا الجيوإستراتيجية بالتحكم بالملالحة في بحر أزوف والبحر الأسود. تضم المنطقة إلى روسيا أو تعطى لونا" من ألوان الحكم الذاتي في إطار الدولة الأوكرانية.

2) ضمانات غربية بتحييد أوكرانيا من خلال عدم إدخالها في حلف الناتو و/أو من خلال حيادها على شاكلة حياد النمسا أو السويد.

3) ضمانات روسية موثّقة وموثوقة لأوروبا والغرب بأن روسيا لن توسع نفوذها إلى دول أخرى في القارة الأوروبية وأن تحترم وحدة أراضي الدول فيها وسيادتها.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o