Mar 21, 2022 6:35 AM
صحف

الأزمة المصرفية إلى تصعيد وميقاتي "لن يستكين"

لم تقف تداعيات المواجهة القضائية المصرفية عند حدود اثارة اضطرابات واسعة في واقع الخدمات المصرفية بحيث ستتفاقم اكثر فاكثر مع إضراب المصارف اليوم وغدا فحسب، بل بدأت نذر ازمة محروقات جديدة منذ البارحة ترسم مزيدا من الضغوط، ولو نفت وزارة الطاقة وجود أزمة، فيما لا يزال افق المعالجات لاحتواء المواجهة شبه مقفل بما يبقي الازمة مفتوحة على مزيد من التطورات السلبية. وفيما لم تخرج الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء التي عقدت السبت في السرايا بنتائج حاسمة، ولو ان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي رسم بوضوح معالم “الخلل القضائي” وضرورة ان يتولى أركان السلطة القضائية المعالجة الحاسمة ضمن اطر القانون والانتظام القضائي، ستكون الأيام القليلة المقبلة بمثابة اختبار بالغ الخطورة ما لم يجر رسم روادع للمواجهة بين “بعض القضاء” المتصل بالعهد و”التيار الوطني الحر”، والقطاع المصرفي، بعدما كشفت المعطيات المتصلة بما سبق وأعقب انعقاد جلسة مجلس الوزراء السبت ان الاستقطاب السياسي لم يتوقف بعد عند حدود منع مزيد من التصعيد. وتفيد معطيات “النهار” المستقاة من مصادر وزارية مطلعة واكبت ما جرى بان ميقاتي اندفع في عقد الجلسة بعدما حصل على تأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون موافقته ودعمه لميقاتي في إعادة تصويب الأمور من طريق التشديد على استقلالية القضاء، وانما أيضا ضرورة ان يضطلع اركان القضاء بالدور الحصري لاحتواء مفاعيل الإجراءات “الاستنسابية” الخطيرة الأخيرة التي لم تسلك حتى الطريق القانونية التي يمليها هذا النوع من الدعاوى. وبذلك كان يفترض ان يشارك اركان السلطة القضائية في الجلسة للمساهمة في رسم خريطة الطريق للمعالجة من ضمن القضاء ومن دون تدخل أي سلطة ورسم تخلفهم عنها معالم سلبية سرعان ما برزت تباعا. وتشير المصادر الى ان رئيس الجمهورية تراجع عمليا عن مساندة ميقاتي وعادت الأمور الى النقطة الصفر، وبدا واضحا ان ثمة ملامح تورط سياسي لتيار العهد عبر عنه بيان هذا التيار قبل جلسة مجلس الوزراء وفي مواكبتها وبعدها من منطلقات التوظيف الشعبوي الانتخابي. وقد حمّل “التيار” الحكومة “مسؤولية الفوضى المالية” ورفَضَ “كل محاولة للضغط على القضاء لكف يده عن الملفات المالية والمصرفية التي يحقق فيها والتدخل بشؤونه من خلال أي إجراء تعسفي قد يتم إتخاذه من خارج الأصول”.

وكشفت المصادر الوزارية ان ميقاتي الذي اعلن بوضوح انه ليس في وارد الاستقالة بدا مصمما على “عدم الاستكانة” اذا تطورت الأمور في اليومين المقبلين نحو الأسوأ ولم يقم المعنيون القضائيون بدورهم المطلوب في ما قد يدفعه الى اعلان موقف جديد حازم.

وينطلق ميقاتي وفق المعطيات من مسلمة ان الحكومة لن تتدخل او تعمل على تخطي مسألة فصل السلطات، ولذلك اجتمع الوزراء وتكلم جميعهم في جلسة السبت حيث كان لا مهرب من انعقادها وأجمعوا على تثبيت أصول القانون والقضاء والمحاكمات الجزائية. ولم يأت ما قاله ميقاتي من فراغ بعد تشديده على أركان السلطة القضائية لقيام كل معني بدوره مع الالتزام بالاصول القانونية كاملة وعدم القفز فوق مندرجاتها. وكانت رسالة الحكومة للقضاء بأنها لا تعمل ولا ترغب في حماية فلان على آخر او حماية المصارف على حساب المودعين وسائر المواطنين. وكان أركان الجسم القضائي أوصلوا الى ميقاتي بواسطة وزير العدل هنري خوري تحفظهم عن مسألة الظهور انه تم استدعاؤهم الى مجلس الوزراء ولذلك أرادوا ان يحافظوا على هذه الاستقلالية. وابلغ ميقاتي خوري قبيل الجلسة بأنه لا يمانع هذا الطلب ولم يسبب هذا المخرج احراجاً له ولا للحكومة على اساس انها لا تريد ولا تقدم على اعطائهم او تزويدهم بأمر يعاكس القانون او يخالفه وما يصر عليه ميقاتي هو ان كل ما يطلبه من القضاء هو تطبيق القانون وان الامتثال امام القانون وتطبيقه ليس جريمة وليس من الخطا تطبيق هذا الأمر.

المصارف

ويبدو واضحا انه لن يكون ممكنا بلورة أي اتجاه ستتخذه الازمة الا في اليومين المقبلين علما ان جمعية المصارف قررت المضي في اضرابها اليوم وغدا،

وكان من المفترض أن يعقد رئيس “جمعية مصارف لبنان” سليم صفير أمس مؤتمراً صحافياً يشرح فيه بإسهاب موقف الجمعية من القرارات القضائية الأخيرة حيال عدد من المصارف، بيد أن الجمعية إرتأت تأجيله في انتظار أي تطورات قد تحصل على ضفة الحكومة حيال تكليف وزير العدل وضع رؤية لمعالجة الأوضاع القضائية ومعالجة مكامن أي خلل.

وفي هذا الإطار، أكّد مصدر في جمعية المصارف أن “المصارف مستمرّة في إضرابها”، موضحاً أن الجمعية “لا تطالب بإسقاط أي حكم ضد أي مصرف، بل جل ما تطلبه هو أن لا يبقى ملف المصارف ضحية التجاذبات، ويحال الى محكمة التمييز التي بدورها تحيله عند قاض محايد ليس له موقف مسبق من القطاع”. وكانت جمعية المصارف أوضحت في بيان “إحترامها للقضاء وللسلطات النقدية، مجددة تأكيدها انها “تحت سقف القانون. الا ان ذلك لا يمنعها من التساؤل حول مغزى بعض القرارات القضائية والادارية التي تفتقر الى الحد الادنى من السند القانوني والمصلحة العامة، وقد تنبثق من الشعبوية ومن التوجه لتأجيل المعالجة الصحيحة”.

وأكدت مصادر مواكبة عبر "نداء الوطن" أنّ “قضاء العجلة سيضع يده على هذه القضية ويتخذ القرارات المناسبة بشأنها خلال الأيام القليلة المقبلة”، مشيرةً في السياق المتعلق بملف الملاحقات القضائية الخارجية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى أنّ السلطات اللبنانية المعنية تلقّت الخميس الفائت استنابة قضائية من إمارة موناكو حول تحقيقات تجريها السلطات هناك بشأن ملف تحويلات مالية تعود إلى سلامة، علماً أنّ الأخير سيكون على موعد مع جلسة استجواب جديدة استدعته إليها النائب العام الاستئنافي القاضية غادة عون نهاية الأسبوع الفائت غداة توقيف شقيقه رجا بتهمة “تبييض أموال” بالاستناد إلى الإخبار المقدم من الدائرة القانونية لمجموعة “رواد العدالة” حول التحقيقات الاستقصائية التي اتهمته بإبرام عقود سمسرات وعمولات وشراء عقارات في باريس عبر شركة يمتلكها ويدير أعمالها لصالح حاكم المصرف المركزي.

غير أنّ مصادر قانونية توقعت أن يكون مصير جلسة استجواب سلامة اليوم كسابقاتها بتغيّبه شخصياً عن المثول أمام عون، لا سيما وأنه يعتبرها “طرفاً خصماً غير محايد يعمل وفق أجندة سياسية انتقامية”، وسبق أن تقدّم بطلب ردها وكف يدها عن القضية أمام محكمة الاستئناف باعتبارها تكنّ له “عداوة مسبقة” مستدلاً على ذلك بإطلاقها “أحكام تويترية ضده قبل الأحكام القضائية”.

وقالت مصادر حكومية بارزة لـ"الجمهورية"، انّه خلافاً لكل ما يُشاع، فإنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يقصد في كلامه بعد جلسة مجلس الوزراء عمّن يتلكأ في عمله من القضاة أي قاضٍ بعينه، وإنما قال في المطلق ان يلتزم كل قاضي القانون ويطبّقه، ومن لا يلتزم يذهب الى بيته وهذا امر طبيعي. وأضافت المصادر، انّ مجلس الوزراء كان في جلسته امس الاول متضامناً كلياً في الموقف من الأزمة القضائية ـ المصرفية، وانّه يلتزم القوانين المرعية الإجراء في عمله. وقد شدّد على ضرورة ان يلتزم القضاء والقضاة عملهم ويطبّقوا قانون أصول المحاكمات الجزائية بكل مواده. فالمجلس اكّد المؤكّد ولم يأتِ بشيء جديد ولم يفتئت على صلاحيات السلطة القضائية. وقد اكّد وزير العدل بنفسه انّ هناك خللاً في العمل القضائي في ما يخص ملاحقة المصارف، وهذا الخلل يُصحّح بتطبيق القانون حسب اصوله، فالمحقق هو من يأمر بالتوقيف وغيره من الإجراءات وليس النائب العام. وأشارت المصادر الى انّ رئيس الحكومة يتصرف على أساس انّ القانون فوق الجميع ولا خيمة فوق رأس احد، وإذا كان البعض يريد إقالة حاكم مصرف لبنان فليبادر الى ذلك ويطرح البدائل للبحث واختيار المناسب منها لحاكمية مصرف لبنان، ولا تمسّك بأحد في هذا المجال.

إلى ذلك، قالت أوساط مواكِبة للأزمة الحكومية المصرفية القضائية لـ"الجمهورية"، انّ هناك حاجة لدى جميع أطراف هذه الأزمة للنزول عن أعلى الشجرة، بعدما بات المأزق المتفاقم يهدّد بعواقب وخيمة.

ونبّهت الأوساط إلى انّه «إذا استمرت الحملة القضائية على المصارف، وإذا قرّر هذا القاضي او ذاك مواصلة إلقاء الحجز على بنوك اضافية وختمها بالشمع الأحمر، فإنّ المصارف تتجّه بعد الإضراب التحذيري ليومين الى اضراب مفتوح، الأمر الذي يعني انّ الدولار سيرتفع الى مستوى غير مسبوق، وانّ الموظفين والمتقاعدين لن يتمكنوا من قبض رواتبهم ومستحقاتهم، والحملات الانتخابية لن تستطيع فتح حسابات مصرفية، وأزمة البنزين ستعود بقوة».

وشدّدت الأوساط على انّ المطلوب هو ان يصوّب القضاء مساره بنفسه، وان يبادر الى معالجة الخلل في سلوكه بعيداً من تدخّلات او ضغوط السلطة السياسية، «وهذا يستدعي ان يتوقف بعض القضاة عن التعسف في استعمال الحق لجهة استسهال ملاحقة المصارف، وان تعمد المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون الى تصحيح بعض الأخطاء المادية التي ترتكبها، من دون نزع الملف المصرفي منها».

وكان رئيس الجمهورية ميشال عون اطّلع أمس من وزير العدل هنري خوري على مداولات مجلس الوزراء اول من أمس حول تطورات الوضع القضائي. وأبدى ارتياحه الى الموقف الذي صدر عن مجلس الوزراء في شأن الحرص على استقلالية السلطة القضائية وعدم التدخّل في شؤونها، احتراماً لمبدأ الفصل بين السلطات، على ان يأخذ القانون مجراه من دون أي تمييز او استنسابية، وحفظ حقوق الجميع، وفي مقدّمهم حقوق المودعين. ورحّب بتكليف وزير العدل وضع رؤية لمعالجة الأوضاع القضائية ومكامن أي خلل قد يعتريها، إضافة الى عدم تحديد سقوف السحب للرواتب والمعاشات الموطنة في المصارف. واعتبر انّ «الإسراع في إنجاز مشروع خطة التعافي ومشاريع القوانين المرتبطة بها، إضافة الى إقرار مجلس النواب لقانون «الكابيتال كونترول»، من المسائل التي تفرض مصلحة المواطنين إنجازها في اسرع وقت، خصوصاً انّه لم يعد هناك من مبرّر لاي تأخير لها، فضلاً عن إقرار قانون الأموال المحولة الى الخارج والمباشرة في تنفيذ عقد التدقيق الجنائي».

 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o