Feb 13, 2022 8:26 AM
صحف

لبنان ليس صحراء.. قصر في مياهه أم تقصير في استخراجها وحفظها وتوزيعها؟

من أغنى البلدان العربية بالمياه... سمّي بخزان الشرق الأوسط لوفرة المياه فيه، وهذا ما تؤكده الأبحاث العلمية الوطنية والأوروبية على مرّ التاريخ.

هو لبنان الذي توحي تجربتنا المائية فيه، وكأنّنا نقطن في بلد صحراوي، حيث نعاني من أزمة مياه صيفا وشتاء.

لتكشف النكبة الإقتصادية والمالية الأعظم في تاريخ لبنان، عن حجم الخلل والإهمال والفساد في إدارة قطاع حيوي بهذا الحجم من الأهمية.

وإلّا كيف لبلد يتمتّع بوفرة المياه فيه، أن يعاني شعبه من صعوبة الحصول عليها؟

هذا في وقت ذهب فيه بعض خبراء المناخ، إلى مطالعة اللبنانيين بأنّ بلدهم على مشارف التصحّر والجفاف المائي.

يشار إلى أنّ التصحر وفق تعريف الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في مؤتمرها عام 1992 ، هو "تردّي الأراضي في المناطق الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة القاحلة، بسبب عوامل عديدة أهمها التقلّبات المناخية والنشاطات البشرية"، وببديهية شديدة ندرك أنّ لبنان لم يبلغ هذا المستوى بعد.

فضلاً عن أنّ دراسات عديدة منذ العام 1998 حذّرت بأنّ التصحّر سيصيب لبنان عام 2080، وهي إن صحّت، فالأمر ليس بقريب.

في المقابل، ومما لا لبس فيه بأنّ تغيّر المناخ والحرائق الأخيرة في لبنان والتوسع العمراني، عوامل تساهم في إمكانيّة تصحره يوما ما، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ لبنان بلغ مرحلة الجفاف المائي أو أنّه قاب قوسين أو أدنى منه كما تروّج العديد من وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية.

وبعيدا عن حيثية العلاقة بين التصحّر وجفاف المياه، فإنّ ميزة لبنان أنّه يتمتع بجبال تشكل خزانا طبيعيا للمياه الجوفيّة، ما يبعد عنه أيّ خطر جفاف قريب بالجفاف، مقارنة بدول أخرى في محيطنا الإقليمي لا تمتلك هذه الخاصيّة.

وحول حجم الثروة المائية اللبنانية لعام 1970، وفي تقرير صادر عن الأمم المتحدة للتنمية في نيويورك، فقد بلغ حجم المتساقطات على 10200 كلم مربع من الأراضي اللبنانية 9700 مليون متر مكعب/ سنة، فيما حجم المياه الجوفية المتسربة داخل الصخور بلغ 30% من حجم المتساقطات+ ثلوج، وحجم المياه الجارية على السطح من ينابيع- أنهار بلغ 13% من حجم المتساقطات، على أنّ المياه الجوفية تشكل ثلاثة أرباع ثروتنا المائيّة.

سنة مطرية وسطية وثلجية وافرة

لا تزال السنة المطرية الحالية في منتصفها، ولكن هل توحي الهطولات النشطة بشتاء وافر في مياهه؟

عن حجم متساقطات لبنان هذا العام، وما إذا كانت ضمن معدلاتها الموسمية، كشف العالم الهيدرولوجي البروفيسور وجدي نجم لـ "الديار"، أنّ كمية متساقطات لبنان لعام 2021 -2022 بلغت -حتى الآن- أكثر مما كانت عليه خلال العام الماضي، وتوقّع أن لا تكون هذه السنة جافة إنّما متوسطة بالنسبة لمتساقطات المياه.

أمّا فيما يخصّ متساقطات الثلوج فقد صنّف هذه السنة بأنّها"جيدة جدا"، حيث كانت كميات الثلوج في الجبال وافرة في شهري كانون الثاني وشباط مقارنة بالسنوات السابقة، لافتا إلى أنّه لا بدّ من الإنتظار حتى بداية فصل الصيف لمعرفة المعدّل النهائي لمتساقطات هذا العام، مشيرا بالنسبة للتغذية الجوفية إلى أنّ مخزون مياهنا جيد بشكل عام ولا مشكلة مياه في لبنان، بل هناك توافر للمياه فيه.

لبنان ليس صحراء

يطال تغير المناخ لبنان كما سواه من دول العالم، والسؤال المتداول كثيرا اليوم: هل يؤثّر هذا التغيّر بالحجم الذي يمكن أن يجعل لبنان يخسر مياهه تدريجيا؟

في هذه الجزئية تطرّق نجم إلى ما تروّجه وسائل الإعلام المختلفة بأنّ لبنان يتّجه نحو الجفاف وأنّ كميّات المياه ستنخفض لما يقارب 30 %، جازما بأنّ لا صحة علمية لهذه الأقاويل، ومؤكدا أنّه يجب أن تتوفر معطيات معينة كي يتّم تشخيص التصحّر بشكل دقيق، لافتا الى أنّ المتساقطات هي كميات متحركة من سنة لأخرى، وأعطى مثالا عن مدينة بيروت، حيث أظهرت معطيات علمية منذ العام 1870، بأنّ هناك سنوات بلغ فيها معدل تساقط الأمطار 1600 ملم في السنة، فيما بلغ أقلّ من 390 ملم في سنوات أخرى، مؤكدا أنّ لا علاقة لهذا بالتصحّر.

وشرح بأنّه من خلال جمع معطيات علميّة لأكثر من 60 سنة من محطات بيروت وزحلة وطرابلس، لم يظهر أيّ دليل على التصحّر بما يتعلق بكميات المتساقطات، منبّها إلى أنّنا لا يجب دائما التحدث عن التصحّر وإخافة الناس، فلبنان ليس بصحراء.

إرتفاع الحرارة درجتين ونصف منذ العام 1965

إذا فما هي الآثار التي على التغيّر المناخي في لبنان إن لم تكن المتساقطات؟

كشف نجم وفق الدراسات التي أجراها، أنّ التغيّر المناخي في لبنان فعلي على مستوى الحرارة ، فقد ثبت ارتفاعها منذ العام 1965 حتى اليوم درجتين ونصف، وتأثير ذلك لن يكون بحدوث نقص في كميات المياه في لبنان، بل من خلال الإستعمالات الزراعية والصناعية والمنزلية حيث سيزداد الطلب على المياه نظرا لازدياد الحرّ، ما سيخلق مشكلة في لبنان.

نقطة أخرى مهمّة تطرّق إليها نجم، على مستوى الحرارة، وهي أنّها تتسبّب في ذوبان الثلوج، فقد تبيّن من خلال الدراسات التي أجراها أنّ الثلوج تتغير من سنة الى أخرى كالأمطار، مؤكدا أنّه ليس هناك تصحر بكميات الثلوج في لبنان، ولكن ما يحصل أنّه خلال سنوات معينة تكون درجات الحرارة مرتفعة ما يؤدّي لذوبان الثلج بسرعة، ويسرّع عملية تغذية الينابيع والخزانات الجوفية وهذا يؤثر على النظام الهيدرولوجي العام للأنهر وعلى استعمالات المياه.

موارد لبنان المائية ثابتة
وبالنتيجة وفق نجم فإنّ لبنان بلد غني بالمياه ولا يزال، ولا خوف على مخزوناته في السنوات القادمة، فموارد لبنان المائية ثابتة ولا خطر عليها، لكن المشكلة تتعلق بسوء إدارتها منذ نحو 30 أو 40 سنة، فالمشاكل كثيرة ولا يمكن حصرها و تشعب إلى مشاكل إدارية ومالية وقلة وعي شعبي، لافتا إلى أنّ تحسين وضعنا غير ممكن من دون وجود دولة حديثة بكل معنى الكلمة.

بين القُصر والتقصير

لبنان لا يعاني من قصر في مياهه، بل تقصير في استخراجها وحفظها وتوزيعها.

فالعلم يقول إنّ لبنان غنّي بالمياه، والواقع يشي بخلل في توزيع هذا المورد الحيويّ على مناطق الوطن، والعلّة تتمثّل في إدارة فاشلة وفاسدة لمواردنا المائيّة، يقابلها إنتفاء ثقافة ترشيد المياه من قاموس المواطن، ليخلص قولنا إنّ حفظ هذه النعمة الإلهية واجب على الجميع، فالحروب القادمة وقودها المياه.

المصدر - الديار

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o