Jan 29, 2022 7:19 AM
صحف

"صحوة سنّية" من "سكرة العزوف": ما بعد سعد.. لا مقاطعة سنية

كان المشهد السنّي أمس "طبيعياً" حسب "نداء الوطن" في زمانه وأوانه تحت عباءة دار الفتوى درءاً للإحباط ورأباً للصدع وشتات الأمر بين أبناء الطائفة السنية غداة انسحاب الرئيس سعد الحريري من المشهد السياسي وعزوفه، ترشّحاً وترشيحاً، عن خوض المعترك الانتخابي المقبل، فكان لا بد بالتالي من المسارعة إلى تلقف راية الزعامة السنية التي هوت، لئلا تتشلع تحت وطأة تناتشها بين ضفتي "الرايات السود" و"القمصان السود" فينهش التطرف بجناحيه السني والشيعي لحم الاعتدال الحيّ في غمرة اختلال التوازن العاطفي والسياسي الذي خلّفه "عزوف" الحريري على أرضية قاعدة شعبية مترامية الأطراف بين بيروت والمناطق.

وبهذا المعنى، بدت صورة زيارة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى السراي الكبير أمس، وما أعقبها من صلاة جُمعة جامعة للأبعاد الدينية والسياسية في اتحاد دار الفتوى والسراي الحكومي، أشبه بـ"صحوة سنية" من "سكرة عزوف الحريري"، على ما وصفتها مصادر مواكبة، توكيداً على أنّ الطائفة السنية لا تزال "متماسكة وممسوكة" ولا خوف عليها من التشرذم والتشتت، إنما هي قادرة على تجاوز كبوتها الراهنة واستنهاض أبنائها من "الصدمة النفسية التي خلفها قرار عزوف سعد الحريري وتهيئتهم نفسياً وانتخابياً إلى ضرورة التعامل بواقعية مع الواقع الجديد والشروع في الانتقال السلس نحو مرحلة ما بعد... سعد"!

وكما كان شكل الحدث، كذلك أتى مضمونه متسقاً ومتناسقاً مع الجهود المبذولة لتظهير التماسك على الساحة السنية، لا سيما في ما يتصل بمقاربة الاستحقاق الانتخابي المرتقب، حيث كان الكلام واضحاً وصريحاً إثر لقاء رئيس الحكومة ومفتي الجمهورية في معرض إبداء رفض قاطع لأي مقاطعة سنّية للانتخابات المقبلة في أيار... "فصحيح أن الرئيس الحريري أعلن عزوفه عن الترشح وخوض الانتخابات النيابية، لكن نحن حتماً لن ندعو الى المقاطعة السنية لما فيه خير الطائفة، ومن يرغب بالترشح فليترشح، والإنتخابات حاصلة في موعدها المحدد في 15 أيار المقبل"، وفق ما جزم ميقاتي، قبل أن يعود ويشدد، بُعيد مشاركته في صلاة الجمعة في المسجد العمري الكبير إلى جانب المفتي والرئيس فؤاد السنيورة ووزير الصحة فراس الأبيض وأمين عام مجلس الوزراء ورئيس المحاكم الشرعية السنية العليا ولفيف من العلماء والمشايخ السنة، على أنّ "الطائفة السنية لديها كل المؤهلات والقدرات للمشاركة في الانتخابات ولا يمكنها أن تقاطع، وما يعنينا بالدرجة الاولى أن تبقى الدولة ومؤسساتها قائمة وفاعلة"... وهو موقف نوّه به السنيورة وأثنى عليه مكتفياً بالقول رداً على أسئلة الصحافيين: "ما قاله الرئيس ميقاتي بخصوص عدم مقاطعة الانتخابات أمر جيد ولا قرار أيضا لدي بالدعوة لمقاطعتها".

وحسب "النهار" برز أمس التحرك الذي اتخذ طابعا سنيا بعد أيام قليلة من اعلان الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي وامتناعه وتيار المستقبل عن الترشح للانتخابات النيابية. وأدرج هذا التحرك الأول من نوعه في إطار رسالة مفادها المسارعة إلى تأكيد منع الفراغ على الساحة السنية وبدء البحث في الوسائل للحؤول دون نشؤ تداعيات سلبية واسعة في ظل الارتباك الذي خلفه انسحاب الحريري. وتمثل هذا التحرك بقيام مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان بزيارة السرايا ولقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومن ثم لقاء قيادات سنية خلال صلاة الجمعة في المسجد العمري الكبير، التي حضرها الرئيس ميقاتي والرئيس فؤاد السنيورة، وما تخلل ذلك من اعلان مواقف بان لا مقاطعة سنية للانتخابات النيابية. واكد المفتي دريان من السرايا ان” دار الفتوى هي حاضنة لجميع اللبنانيين ورمز الاعتدال”، مشيدا بأداء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “الذي يقارب في هذه المرحلة الحساسة، المواضيع الوطنية والداخلية بروح المسؤولية العالية، وبما يتناسب مع الدور الوطني الجامع لرئاسة مجلس الوزراء”. وكان تشديد مشترك خلال خلوته بميقاتي، على اهمية ان يكون الرد الرسمي اللبناني على الافكار الخليجية ايجابيا بما يتوافق مع الثوابت الوطنية وعلاقات لبنان التاريخية مع محيطه العربي. كما ان ميقاتي شدد بدوره على ان “لا مقاطعة سنية للانتخابات لما فيه خير الطائفة وان الاستحقاق سيحصل في موعده”. ورداً على سؤال، أجاب “صحيح أن الرئيس سعد الحريري أعلن عزوفه عن الترشح وخوض الانتخابات النيابية، لكن نحن حتماً لن ندعو إلى المقاطعة السنية لما فيه خير الطائفة، ومن يرغب بالترشح فليترشح، والانتخابات حاصلة في موعدها المحدد في ١٥ أيار المقبل”.

الى ذلك، أكدت مصادر دار الإفتاء لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يعبر أيضاً عن موقفها، رافضةً الحسم عما إذا كان سيصدر عنها موقف حول مشاركة الطائفة السنية في الانتخابات من عدمها، وأوضحت المصادر أن «المفتي دريان يجري في هذه المرحلة الحساسة سلسلة لقاءات ومشاورات مع أطراف سنية ووطنية من مختلف الطوائف، وهي بالتالي لم ولن تكون مع فريق ضد آخر، وستبقى على مسافة واحدة من الجميع». وفي حين تقول إنه «لا يمكن الحسم عما إذا كان سيصدر موقف عن المفتي»، تؤكد أنه في حال صدر سيكون موقفاً مدروساً ويتناسب مع المصلحة الإسلامية والوطنية»، مشددة كذلك على أن «عامل الوقت مهم، والاستعجال ليس مفيداً».
وكشف القاضي الشيخ خلدون عريمط، رئيس «المركز الإسلامي للدراسات والإعلام»، لـ«الشرق الأوسط»، أن المفتي يجري اتصالات بعيداً عن الإعلام مع جهات عربية ولبنانية، على رأسها رؤساء الحكومة والفعاليات المؤثرة، لإيجاد الوسيلة الملائمة لسدّ الفراغ الذي تركه اعتكاف الحريري، مشيراً في الوقت عينه إلى أن عدداً من الأحزاب بدأ يعمل على الأرض، محاولاً استقطاب مؤيدي «المستقبل»، فيما قيادات هذه الأحزاب تتجه نحو دار الإفتاء.
ومع إشارة عريمط إلى أن الشارع والرأي العام السني، الذي يشعر بالانكسار، هو أقرب الى مقاطعة الانتخابات، يقول إن قرار المفتي والشخصيات السنية، ولا سيما رؤساء الحكومة السابقين، سيكون منسجماً، ولن يكون هناك تباين فيما بينهم، مع تأكيده على أن هذا الموقف سيكون مبنياً على أسئلة أساسية، وهي: هل المصلحة بالانكفاء أو المشاركة؟ وكيف وإلى أي مدى؟ ومع اعتباره أن الموقف اليوم سابق لأوانه، لمح عريمط المطّلع على موقف دار الإفتاء إلى أن هذا الموقف سيكون مرتبطاً بما سيكون عليه الوضع بعد رد لبنان على المبادرة الكويتية، قائلاً: «لثقتنا في أن الوضع بعد هذا الرد لن يكون كما قبله».
وكان ميقاتي استقبل، أمس، المفتي دريان، وعقدا خلوة تناولت الشؤون الوطنية الراهنة. وتحدث ميقاتي عن «تحديات كبيرة تواجه لبنان واللبنانيين، تتطلب أولًا وحدة الصف الوطني بين جميع المكونات اللبنانية، ووحدة الصف الإسلامي». وقال: «نعول على حكمة سماحته، وتوحيد كل الجهود في سبيل جمع الشمل».
من جهته، قدر المفتي دريان «الجهود التي يقوم بها رئيس مجلس الوزراء في شتى المجالات، لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، حيث يقارب المواضيع الوطنية والداخلية بروح المسؤولية العالية، وبما يتناسب مع الدور الوطني الجامع لرئاسة مجلس الوزراء». وأكد أن «دار الفتوى حاضنة لجميع اللبنانيين، وتشكل رمز الاعتدال والانفتاح على المكونات اللبنانية كافة».
وفي وقت لاحق، أدى ميقاتي والمفتي دريان صلاة الجمعة في المسجد العمري الكبير في وسط بيروت، بمشاركة السنيورة ووزير الصحة، الدكتور فراس الأبيض، حيث ركّز إمام المسجد الشيخ محمود عكاوي، في خطبة الجمعة، على «أهمية التعاون ووحدة الصف الإسلامي، والعمل معاً لمواجهة التحديات التي يمر بها الوطن»، مشدداً على «أهمية دور رئاسة الحكومة ودار الفتوى في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها البلد».
ولدى مغادرته المسجد، سُئِل الرئيس ميقاتي عن موضوع المشاركة في الانتخابات النيابية، فأجاب: «ليس المهم المشاركة الشخصية في الانتخابات أو عدمها، فالانتخابات في موعدها، ونحن لدينا غنى في الطائفة، وكل المؤهلات والقدرات للمشاركة في الانتخابات»، وأكد في الوقت عينه أن «الانتخابات ستحصل في موعدها، والطائفة السنية أساسية، ولا يمكن أن تقاطع هذا الاستحقاق، وما يعنينا بالدرجة الأولى أن تبقى الدولة ومؤسساتها قائمة وفاعلة».

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o