Jan 11, 2022 1:40 PM
خاص

بركات: لا توازن في سوق القطع بدون السيطرة على العجز الخارجي وعجز الدولة

المركزية- "لتدهور سعر الصرف آثار تضخمية كبيرة، ما زاد من نسبة الأسَر التي تعيش تحت خط الفقر لتبلغ 78% حالياً وفق آخر إحصاءات الأمم المتحدة مقابل متوسط عالمي بحدود 28%"... الكلام لكبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى "بنك عودة" الدكتور مروان بركات في حديث لـ"المركزية" يوضح فيه أن "سلوكية سعر صرف الليرة في السوق الموازية تحددّها مجموعة عوامل منها سيكولوجية تتعلق بعامل الثقة والمرتبط بالوضع السياسي العام، ومنها بنيوية متعلقة بالعرض والطلب البنيوي على الليرة اللبنانية والدولار الأميركي في السوق".

على صعيد العوامل البنيوية، يُشير إلى أن "تدهور سعر الصرف في الآونة الأخيرة مرتبط بعمليات خلق نقد ملحوظة بالليرة اللبنانية (مع ارتفاع حجم النقد المتداول من 10 آلاف مليار ليرة في بداية العام 2020 إلى 45 ألف مليار ليرة في نهاية العام 2021) في ظل تنقيد العجز العام من قبل مصرف لبنان، وشحّ في الأموال الوافدة باتجاه لبنان وفاتورة الاستيراد الكبيرة (رغم انخفاضها النسبي)، إضافة الى نشاط المضاربة بشكل عام".

ويُضيف: أما بالنسبة للتعميم 161 الذي يجيز السحوبات بالدولار من المصارف على سعر صيرفة، فهو يعزّز عرض الدولار في السوق وبالتالي يستهدف الحدّ من وتيرة الارتفاع. إلا ان مفعول التعميم محدود ومرحلي مثل إبرة "مورفين" لمريض يعاني من مرض عضال. إضافة الى ان أجَل التعميم يحدّه الحجم المحدود للاحتياطات السائلة في مصرف لبنان والبالغة 12.5 مليار دولار والتي تتدنى بمقدار 500 مليون دولار في الشهر حتى بعد رفع الدعم. وبالتالي قدرة مصرف لبنان على ضخ الدولارات في السوق محدودة بالحجم والوقت.

من هنا، يرى أن "أهمية اعتماد إجراءات بنيوية أكثر جذرية تحدّ من العجز التوأم ألا وهو العجز الخارجي في ميزان المدفوعات الذي يستنزف مخزون الدولار في البلد وعجز المالية العامة الذي يضخم مخزون الليرات في لبنان، ما يتطلب قبل كل شيء إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يتخذ دور المراقب لتنفيذ الإصلاحات. بغياب إجراءات بنيوية تُعيد التوازن بين الكتلتين، الكتلة بالليرة والكتلة بالدولار، من المرجّح ان يبقى ارتفاع سعر صرف الدولار على الوتيرة نفسها وبدون سقف".

وذكّر بأن "لتدهور سعر الصرف آثاراً تضخمية كبيرة، ما زاد من نسبة الأسَر التي تعيش تحت خط الفقر لتبلغ 78% حالياً وفق آخر إحصاءات الأمم المتحدة مقابل متوسط عالمي بحدود 28% (36% تحت خط الفقر المدقع في لبنان مقابل معدل عالمي 9%). ووفق الأرقام الصادة عن إدارة الإحصاء المركزي، فإن التضخم الإجمالي بلغ 603% بين تشرين الثاني 2019 وتشرين الثاني 2021، نتيجة اولاً تضخم بنسبة 133% بين تشرين الثاني 2019 وتشرين الثاني 2020، وثانياً تضخم نسبته 201% بين تشرين الثاني 2020 وتشرين الثاني 2021.

ويتابع: لا شك في أن نِسَب التضخم في لبنان مرتفعة جداً، إلا أن البلد لم يدخل بعد في حيّز التضخم المفرط ( (Hyper Inflation وفق التعريف التقني لهذا المصطلح. فالتضخم المفرط يحصل حين تتجاوز نسبة التضخم الـ50% في شهر واحد أو 1000% في السنة وفق المعايير الدولية. ومن أبرز الأسباب وراء عدم تسجيل لبنان تضخماً مفرطاً بعد، هو الارتفاع المحدود في كلفة العامل الأهم للإنتاج، ألا وهو اليد العاملة، حيث لم يتم إجراء أي تعديل رسمي للأجور حتى الآن.  

ويقول بركات: صحيح ان لبنان لما يشهد بعد تضخماً مفرطاً ولكنه حتماً يشهد تضخماً مرتفعاً جداً وفق المعايير الدولية. ففي حين شهد العالم عموماً ارتفاعاً في نِسَب التضخم خلال العام المنصرم نتيجة تحرير المدخرات المتراكمة خلال جائحة "كورونا" والذي عززّ الإنفاق الخاص ونتيجة حزم التحفيز العالمية على الصعيدين المالي والنقدي، إلا أن نسبة التضخم العالمي ما زالت دون 5% مقابل نسبة سنوية تفوق 100% في لبنان. فقد بلغ التضخم العالمي 4.3% في العام 2021 على الرغم من ارتفاعه الملحوظ وفق تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي (2.8% للبلدان المتقدمة و5.5% للبلدان الناشئة والاقتصادات النامية).

ويُضيف: مع ان السبب الرئيسي وراء التضخم في لبنان هو تدهور سعر الصرف في السوق الموازية إلا انه كان لعملية رفع الدعم تأثيرها المباشر على التضخم كذلك، بعد رفع الدعم بالكامل عن المحروقات. إن الأثر التضخمي لرفع الدعم ناتج عن التأثير المباشر لزيادة أسعار النفط محلياً وعالمياً على المواصلات واستخدام الطاقة داخل المنازل، أضف إلى ذلك التأثير غير المباشر لهذا الأمر على عدد من القطاع الأخرى داخل الاقتصاد. في الواقع، زادت كلفة المواصلات بنسبة 580% في العام المنصرم، مع ما يحمل ذلك من تداعيات تضخمية على الدورة الاقتصادية بشكل عام.

* * *

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o