نزوح الشركات اللبنانية الى الخارج: تداعيات صعبة..ماذا عن التعويض؟
المركزية – لم تدفع أفعال المنظومة الحاكمة الشعب فقط، إلى السفر قسراً بحثاً عن الأمن والأمان والعمل والصحة والاستقرار... بل طالت موجة الهجرة أيضاً الشركات والمصانع والمتاجر، في ظلّ انعدام البيئة الحاضنة للاستثمارات والمؤهّلة لضمان نموّها. إذ بات أمام أغلب المؤسسات الاقتصادية خياران، الإقفال أو الانتقال إلى بلد آخر. وفي الواقع يشهد لبنان ظاهرة نزوح إلى بلدان أخرى أبرزها مصر واليونان ودول الخليج العربي. ووفق أرقام جمعية الصناعيين تدرس 25% من المصانع في لبنان الإقفال أو الانتقال أو أن تبقى هنا وتفتح مصنعاً لها في الخارج، خصوصاً بعد أن تراجعت المبيعات في السوق المحلية ما بين 40% و60%. بالتوازي، أقفلت 50% من المحال التجارية خلال السنوات الخمس الماضية، وفق جمعية تجّار بيروت، وهذه النسبة مرشّحة للارتفاع بعد جردة منتظرة نهاية العام للقطاع التجاري الذي سيتّخذ أركانه أحد الخيارين المذكورين آنفاً، بعد أن أصبح لبنان أرضاً غير خصبة لمواصلة نشاطها. فما تداعيات ظاهرة النزوح هذه على الاقتصاد اللبناني؟ وهل يمكن تعويض ما يخسره البلد؟
الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة يوضح لـ "المركزية" أن "التداعيات كبيرة وواضحة متمثّلة أوّلاً بالصادرات التي تتراجع عند وقف الإنتاج المحلّي، كذلك يتسبب هذا الواقع في زيادة نسب البطالة، ويؤثّر سلباً على النمو الاقتصادي في البلد، إلى جانب نزوح سكاني للعائلات مع المصانع حيث تنقل معها معظم الأوقات قسماً من طاقم العمل الإداري. بالتالي يأخذ الأب أو الأمّ عائلته معه إلى بلد مركز عمله، وعادةً ما يكون هؤلاء موظفين ذوي أهلية، ما يخسّر البلد اليد العاملة الكفوءة، أما العمال الآخرون فيتم توظيفهم من البلد الذي انتقلت إليه الشركة".
ويشير إلى أن "لم يعد في وسع الشركات قدرة على مواصلة نشاطها في لبنان، في ظلّ غياب الكهرباء والقوانين، ونظام الضرائب، ومعاملة الدولة لأصحاب الاستثمارات... أما السياسيون ففي غيبوبة لا يتّخذون قرارات علاجية للمشاكل والأزمات، ما يدفع أصحاب الشركات إلى المغادرة نتيجة "القرف".
ويؤكّد أن "من الصعب استعادة الخسائر عند وقوعها، فإعادة معمل من مصر إلى لبنان مثلاً أمر شديد التعقيد وشبه مستحيل. من الممكن أن يُنشأ معمل آخر في لبنان في السنوات المقبلة، إلا أن خطوة كهذه تتطلّب وقتاً طويلاً جدّاً، خصوصاً أن قرار الانتقال أُرفق بـ"قرف" واستياء من الوضع، لذا من الصعب التعويض قبل أن يطمئن المستثمر إلى أن الأمور في لبنان عادت إلى طبيعتها".
أما بالنسبة إلى أصحاب الشركات وسهولة الانتقال في ظلّ الحديث عن أن البلدان الأخرى تشكّل بيئة حاضنة لهم، فيرى حبيقة أن "قرار المغادرة لا يكون سببه البيئة الحاضنة بل الاشمئزاز من الوضع اللبناني، والرغبة في مواصلة النشاط بشكل طبيعي، بالتالي لا يشكّل فرش السجاد الأحمر للمستثمرين دافعاً وفارقاً كبيراً، فلو كانت الأوضاع طبيعية في حدّها الأدنى داخلياً لما غادروا لأن الانتقال مكلف وصعب ومرهق، بعد أن أقفلت الأبواب أمامهم بسبب تراكم المشاكل اليومية في لبنان. وهذا ما يؤشّر إلى صعوبة العودة، فالمغادرة جاءت بعد تهالك وتعب"، مشبّهاً افتراق الشركات عن لبنان بـ "طلاق عمل وليس بسبب عدم حب للبلد".